الأحد، 13 يونيو 2010

قادم من الجنوب

كلمات: ناهد نصر
«الفن ورطة» هكذا يراه الفنان التشكيلي عمار أبو بكر، فحين يتحول الفن من أداة للتعبير عن مشاعر ورؤية الفنان إلى رسالة، يشعر بأن مسئوليته أكبر بكثير من أن يسعها الوقت، والجهد. والرسالة التى قرر عمار أبو بكر حملها هى الحفاظ على التراث المصرى الأصيل فى صعيد مصر، وبالتحديد فى الأقصر. الأقصر بالنسبة لعمار أبو بكر ليست فقط الطراز المعمارى، والملابس، والعادت والتقاليد، والحياة اليومية، فحلمه أن تستعيد الأقصر مكانتها التاريخية، كمجمع للفنون المصرية القديمة، والساحرة، وفى الوقت نفسه كمدرسة للفن. ويقول: «هدفى إذابة الفوارق بين الفنون الشعبية، وحركة الفنون الرفيعة، لتصب الفنون الشعبية في الحياة الثقافية المعاصرة بكافة مستوياتها».

تتلمذ عمار أبو بكر على يد المصور القدير حسن عبد الفتاح، الذى يرجع له الفضل فى إنشاء كلية الفنون الجميلة فى الأقصر، فتعلم على يديه أن الفن الحقيقي هو ذلك الذى يستقيه الفنان من الطبيعة، والناس.
انتقل من مسقط رأسه فى المنيا إلى الأقصر عام 1996، لكن زيارته لقرية "المحروسة" بالأقصر عام 2004 كانت نقطة تحول فى حياته الفنيه، فالقرية التى يرجع تاريخها إلى حضارة نقادة كانت قبل 5000 عام مركزاً لصناعة الفخار، ولازالت بعض بيوتها تحتفظ بالطراز القديم فى بناء أسوار الأسطح بالبلاليص منذ 400 فملكت عليه خياله، وأصبحت موضوعاً رئيسياً فى معرضه عام 2007 "البيوت ناس والناس بيوت" الذى عكف فيه على دراسة العلاقة بين الإنسان والبيت فى خمسين لوحة، وهو يقول "سكان القرية فى حالة دائمة من البناء، فكما تضع النساء صفوف البلاص فوق بعضها البعض لتبنى سوراً على السطح، يتفنن الرجال فى بناء أزيائهم فيضعون شال فوق آخر بتلقائية لا تخلو من فن". انبهار عمار أبو بكر بهذه الحالة الخاصة، دفعه لتأسيس أو جمعية للحفاظ على التراث فى قرية "المحروسة" وبالتحديد فى واحد من بيوتها القديمة، فى محاولة منه لإنقاذ ما تبقى من هذا التراث الساحر، بعد أن بدأ سكان القرية فى التخلى عن بيوتهم القديمة واستبدالها بمنازل من المسلح. ليتحول البيت إلى استوديو مفتوح، يفده الفنانين التشكيليين من داخل مصر وخارجها، يتسابقون فى القبض على التاريخ قبل أن يفلت إلى الأبد. وهو لا يصور فقط البيوت، وانما يمثل الانسان بطلاً أساسياً فى العديد من اعماله، فمعرض "وجوه مصرية" الذى اقيم فى العام 2006 كان يعتمد يشكل أساسى على وجوه الناس فى الموالد، والشوارع، وعلى المقاهى، ويقول "تأسرنى حالة المولد بشكل خاص، فالفرح والتجلى الذى تراه فى وجوه الناس ينعكس أيضاً على ملابسهم، وحركاتهم فلا تعرف أيهم مصدر التأثير فى الآخر"، وبعض الوجوه التى شاركت فى المعرض، كانت من أعمال فنانين مصريين واجانب قضوا أشهراً بين طرقات وحوارى وشوارع قرى الأقصر، كباكورة نشاط جمعية المحروسة التى اسسها عمار أبو بكر.

الإسكتش هو الوسيلة المحببة إلى قلب عمار ابو بكر، فهو لا يعيد رسم ما يشكله فى اسكتشاته لاحقاً فى لوحات أكبر، وإنما يتعامل مع الاسكتش كفن قائم بذاته، وهو يقول "ميزة الاسكتش ليست فقط فى أنه يصور مشهد مر سريعاً بلا عودة، وانما فى أنه يجمد حالة شعورية من الصعب أن تتكرر" وهو يحب أن يبقى على العلاقة بين الاثنين على حالها. ولمزيد من التأثير يرسم أبو بكر اسكتشاته على الورق الملون، ويتنقل ما بين الاكريليك، والباستيل، والزيت، والحبر والفحم. وإلى جانب جمعية المحروسة، ساهم عمار أبو بكر فى إحياء "فندق المرسم" فى القرنة بالاقصر الذى كان قبل نحو 40 عاماً معبداً للفن يفد اليه طلاب الفنون الجميلة والرسامين من القاهرة والمحافظات لقضاء سنوات فى منح دراسية لدراسة الفن، حيث شارك عمار أبوبكر بتشجيع ودعم الدكتور سمير فرج، ووزارة الثقافة فى إعادة الرسالة الفنية لهذا المكان، ليستضيف مجدداً فنانين من مصر والعالم، وتعاود محافظة الأقصر تألقها الفنى بالمراسم الدولية، والسمبوزيم السنوى.
صحيح أن كل هذا الانجاز ما كان له ان يتم بجهد منفرد، لكن ايمان وإصرار الفنانين من أمثال عمار أبو بكر وغيره هو الذى يمهد الطريق نحو احياء الفن والحفاظ عليه، وحمايته من النسيان، واللامبالاه، وهو يقول أن ما يهمنى ليست اللوحة بذاتها، وإنما حالة الحفاظ على ذاكرة الإبداع المصري وإضافة صفحات جديدة تعمل على تنمية التفكير الإبداعي، ومد جذور التواصل بينه وبين الناس، فالفن بالنسبة لعمار أبو بكر يجب أن يكون "من الناس وللناس"

منشور بمجلة البيت، الاهرام، عدد مايو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق