الاثنين، 14 يونيو 2010

تراث بغداد المعمارى.. شاهد على الحضارة


كتبت: ناهد نصر
يصدر عن دار نشر الجامعة الأمريكية قريباً الترجمة الإنجليزية لكتاب "الآرت ديكو فى التراث المعمارى ببغداد 1920-1950" عن النص الفرنسى الصادر عام 2008 للباحثة سيسيليا بيرى. ويبحث الكتاب فى 160 صفحة موضوعاً غير مطروق حول التراث المعمارى فى بغداد فى النصف الأول من القرن العشرين، وتأثره بالتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
تتميز الدراسة باحتوائها على عدد كبير من الخرائط النادرة، والصور المطبوعة التى التقطتها المؤلفة فى الفترة ما بين 2003، و2006 لما تبقى من المبانى التى ترجع إلى الفترة محل الدراسة فى مدينة بغداد، وهو ما يجعل من الكتاب مرجعاً غير مسبوق فى مجاله، بل ويفتح المجال لدراسات أكثر عمقاً فى ذات الإطار.
ويحتوى الكتاب على مقدمتين، أولاهما للمهندس المعمارى العراقى رفعت شاديرجى تمكن خلالها من استعراض التحولات الاجتماعية التى شهدتها تلك الفترة، فيما عرض الباحث الأكاديمى احسان فتحى من خلال المقدمة الثانية للكتاب لدور البنائين العراقيين فى تطوير الطرز المعمارية، وبراعتهم فى الدمج بين أساليب البناء التى تمتد إلى عهد الآشوريين، والطرز الحديثة.
وينقسم الكتاب إلى جزئين، يتناول أحدهما التطور التاريخى لبناء بغداد كعاصمة، حيث تمكنت المؤلفة من خلال تشريح هذه الفترة إلى عقود متتالية من استعراض تطور القوى السياسية وعلاقته بتطور المدينة نفسها، فرغبة الاحتلال الانجليزى على سبيل المثال فى فرض سلطته السياسية على العاصمة وإعطائها طابعاً مستقلاً فى الوقت نفسه انعكس فى طراز معمارى معقد نوعاً يجمع ما بين الحداثة المستوحاة من الطرز الأوروبية فى ذلك الحين والأصالة النابعة من الفنون التقليدية.
بيد أن التحولات الكبرى التى مرت بها بغداد فى فترة الثلاثينات كمركز للتجارة والبنية التحتية فضلاً عن اكتشاف البترول، وما استتبع ذلك من النزوح الجماعى من الريف الى المدينة كان له هو الآخر تأثيرة على طابعها المعمارى، وتركيبة سكانها. حيث فرض التمدد نحو الضواحى التى أصبحت مقسمة طبقاً للوضع الاجتماعى والاقتصادى قواعد جديدة فى البناء مع ظهور الشقق، وشبكات الطرق، والتخلى عن الأحواش الواسعة، فضلاً عن ظهور الحدائق الخاصة.
ومع حلول الأربعينات والتى شهدت صراعات سياسية بين الاحتلال والقوى الوطنية اتجهت اساليب المعمار نحو الفوضى بين التحديث والتغريب. حيث ظهر جيل من المعماريين الأقل ارتباطاً بالحفاظ على الأسلوب العائلى، وظهرت الواجهات الاسمنتية، والجراجات، على حساب الفناء الواسع المركزى فى المنزل، ونموذج ذلك الأحياء الواقعة على جانبى نهر دجلة، والتى تميزت بأنها متماثلى الى حد كبير ومرصوصة على الجانبين توازيها خطوط من الأشجار. بينما على الناحية الأخرى تفاقمت ظاهرة المستوطنات العشوائية على الأطراف والتى تضم أكواخاً يسكنها النازحين من الريف.
ويتناول الجزء الثانى من الدراسة اطلالة اكثر عمقاً على تقنيات العمارة البغدادية الحديثة، والذى مثلت الأحواش والواجهات جزئاً محورياً منه، واتسم بوجود الدهاليز، والممرات البسيطة، فيما بقيت الأقواس، والأعمدة المستوحاة من العمارة التقليدية كمفردة متكررة تتحدى الحداثة، فضلاً عن النوافذ الملونة، وكذا بلاطات الأرضيات.
وفيما يبدو الكتاب وكأنه دراسة اجتماعية اقتصادية معمارية، فإنه فى الوقت نفسه يمثل صرخة ترسلها المؤلفة لحماية المبانى الأثرية البغدادية، التى تعرض عدد كبير منها للدمار فى السنوات القليلة الماضية. حيث تشير سيسيليا بيرى إلى أن خطط إعادة الإعمار التى تتم حالياً فى بغداد لم تولى العناية الواجبة لهذا التراث المعمارى الرائع، والذى يبدو فى مؤخرة الإهتمام بعكس المواقع الأثرية والمقدسات الدينية.
فالمبانى الباقية من هذا التراث تبدو للكاتبة كدليل على فترة لم تلعب فيه الطائفية أو المذهبية دوراً يذكر فى تقسيم سكان بغداد، بقدر ما لعبت الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية ، وهو ما تغير الآن على نحو كبير حيث تتجه المدينة نحو التفتت الحضارى والاجتماعى الذى لا يتسم بالتسامح واحتواء التنوع، وهو المصير الذى تخشى سيسيليا بيرى منه على العواصم الأخرى فى الشرق الأوسط، والذى ترى أنها تذهب إلى ذات المصير. فالحفاظ على التراث المعمارى الراقى للمدن العربية الذى يمتد الى تلك الفترة يبدو لدى سيسيليا بيرى وكأنه رمز للحفاظ على المعانى والقيم الحضارية التى كانت سائدة فى تلك الفترة.

منشور بمجلة البيت، الاهرام، عدد مايو 2010

ذراع مجرية مفتوحة للثقافة العربية..


كلمات: ناهد نصر
إنه ليس مجرد معرض للخط العربى، بل محاولة لاستعادة جسور الثقة بين العالم الإسلامى وأوروبا، هكذا يصف الدكتور اشتفان زيمونى المستشار الثقافى لسفارة المجر معرض «حروف وكلمات» الذى استضافه المركز الثقافى المجرى بالقاهرة مستعرضاً ألواناً مختلفة من فنون الخط العربى لتسعة عشر خطاطًا، على رأسهم الفنان صلاح عبد الخالق قوميسير المعرض، وفنانون من وزن مصطفى خضير، وحمادة الربع، ويسرى حسن، ومنيب أوبرادوفيتش، ومحمد الجوهرى، وحسانين مختار، وسمر قطارية، وفاطمة ربيع وغيره.

وعلى تعدد أنشطة التبادل الثقافي والفني بين العالم العربى واوروبا يجد زيمونى فى فن الخط العربى على وجه الخصوص قدرة فريدة على إظهار السمات الحقيقية للثقافة العربية والإسلامية، فهو يقول إن الخط العربى هو الأداة الأهم على الإطلاق فى إظهار سماحة الثقافة العربية وقدرتها على استيعاب الآخر، ودليله فى ذلك أن الآيات القرآنية على سبيل المثال تتطرق للديانات الثلاث دون تفريق، وتظهر وجهاً آخر مغايراً لما يسوقه الإعلام الغربى الذى يلخص العرب فى مجموعة من السمات المصطنعة، وغير الموضوعية.

ويشعر اشتفان زيمونى بالإمتنان لموقعه كمستشار ثقافى لبلاده فى العاصمة المصرية، فمصر بالنسبة له هى مفتاح العالم العربى، والإستثمار الثقافى هنا سينعكس بالتأكيد فى تعزيز التقارب بين الثقافة العربية والأوروبية بشكل عام.
ويبدو زيمونى متفائلاً بالتطور الذى يشهده التعاون الثقافى بين مصر والمجر، فاتفاقية التبادل الثقافى التى تم توقيعها بين البلدين فى 1975، والتى تخضع للتحديث كل ثلاث سنوات، تسير برأيه بشكل مرضى، حيث تضاعف أعداد الطلاب المستفيدين من برامج التبادل الثقافى على الجانبين، كما شهد تعليم اللغة المجرية فى مصر تطوراً غير مسبوق لم يعد قاصراً على دورات تعليم اللغة المجرية بالمركز الثقافى، حيث تم افتتاح قسم خاص بتدريسها فى جامعة عين شمس، كما كثف الجانب المجرى أيضاً من جهود الترجمة من المجرية إلى العربية من دون وسيط من لغة اخرى.

وفى هذا الإطار يفخر المستشار الثقافى لدولة المجر بأن المكتبة المصرية ستشهد خلال الأشهر القليلة المقبلة ترجمة هى الأول من نوعها لكتاب التاريخ الثقافى للمجر فى جزئه الأول، وعن اللغة المجرية مباشرة، وهو يقول "الترجمة عن المجرية هى تأشيرة الدخول إلى العالم العربى" وهو يرى أن المهمة، أى التقريب بين الثقافتين، طويلة المدى، ومبنية على التراكم، ففى العام الماضى نظم معرض شبيه فى العاصمة المجرية ضم عدداً كبيراً من الخطاطين المصريين والعرب، وكان نواة المعرض الحالى فى القاهرة والذى ستعقبه سلسلة من المعارض تدور العواصم الأوروبية واحدة بعد أخرى. فعضوية المجر فى الاتحاد الأوروبى برأيه تحتم عليها الإسهام بقوة فى ترسيخ السلام بين الثقافات على مستوى الاتحاد من جهة والعالم العربى من الجهة الأخرى. إلا أنه على تفاؤله الكبير بمستقبل الحوار الثقافى بين العالمين، يشعر بأن الجهود الثقافية العربية فى أوروبا لم تصل بعد إلى مستوى التحديات، ومثال ذلك إغلاق المركز الثقافى المصرى فى العاصمة المجرية بودابست منذ عامين، وأياً كانت أسباب هذا القرار برأيه فإن هناك حاجة ملحة للتواجد الثقافى المصرى هناك، بحيث لا تكون قاصرة على التبادل الأكاديمى، أو الجهود الفردية رغم أهميتها، وإنما بتضافر الجهود الرسمية وغير الرسمية لتكثيف الحضور المصرى، وهو يدعو المؤسسات الثقافية فى مصر للإنخراط لعرض انشطتها الثقافية، ويقول "نحن فى المجر متلهفون تماماً لكل ما هو مصرى، وأذرعنا مفتوحة لثقافتكم الرائعة بكل أشكالها".
منشور بمجلة البيت، الاهرام، عدد مايو 2010

الأحد، 13 يونيو 2010

قادم من الجنوب

كلمات: ناهد نصر
«الفن ورطة» هكذا يراه الفنان التشكيلي عمار أبو بكر، فحين يتحول الفن من أداة للتعبير عن مشاعر ورؤية الفنان إلى رسالة، يشعر بأن مسئوليته أكبر بكثير من أن يسعها الوقت، والجهد. والرسالة التى قرر عمار أبو بكر حملها هى الحفاظ على التراث المصرى الأصيل فى صعيد مصر، وبالتحديد فى الأقصر. الأقصر بالنسبة لعمار أبو بكر ليست فقط الطراز المعمارى، والملابس، والعادت والتقاليد، والحياة اليومية، فحلمه أن تستعيد الأقصر مكانتها التاريخية، كمجمع للفنون المصرية القديمة، والساحرة، وفى الوقت نفسه كمدرسة للفن. ويقول: «هدفى إذابة الفوارق بين الفنون الشعبية، وحركة الفنون الرفيعة، لتصب الفنون الشعبية في الحياة الثقافية المعاصرة بكافة مستوياتها».

تتلمذ عمار أبو بكر على يد المصور القدير حسن عبد الفتاح، الذى يرجع له الفضل فى إنشاء كلية الفنون الجميلة فى الأقصر، فتعلم على يديه أن الفن الحقيقي هو ذلك الذى يستقيه الفنان من الطبيعة، والناس.
انتقل من مسقط رأسه فى المنيا إلى الأقصر عام 1996، لكن زيارته لقرية "المحروسة" بالأقصر عام 2004 كانت نقطة تحول فى حياته الفنيه، فالقرية التى يرجع تاريخها إلى حضارة نقادة كانت قبل 5000 عام مركزاً لصناعة الفخار، ولازالت بعض بيوتها تحتفظ بالطراز القديم فى بناء أسوار الأسطح بالبلاليص منذ 400 فملكت عليه خياله، وأصبحت موضوعاً رئيسياً فى معرضه عام 2007 "البيوت ناس والناس بيوت" الذى عكف فيه على دراسة العلاقة بين الإنسان والبيت فى خمسين لوحة، وهو يقول "سكان القرية فى حالة دائمة من البناء، فكما تضع النساء صفوف البلاص فوق بعضها البعض لتبنى سوراً على السطح، يتفنن الرجال فى بناء أزيائهم فيضعون شال فوق آخر بتلقائية لا تخلو من فن". انبهار عمار أبو بكر بهذه الحالة الخاصة، دفعه لتأسيس أو جمعية للحفاظ على التراث فى قرية "المحروسة" وبالتحديد فى واحد من بيوتها القديمة، فى محاولة منه لإنقاذ ما تبقى من هذا التراث الساحر، بعد أن بدأ سكان القرية فى التخلى عن بيوتهم القديمة واستبدالها بمنازل من المسلح. ليتحول البيت إلى استوديو مفتوح، يفده الفنانين التشكيليين من داخل مصر وخارجها، يتسابقون فى القبض على التاريخ قبل أن يفلت إلى الأبد. وهو لا يصور فقط البيوت، وانما يمثل الانسان بطلاً أساسياً فى العديد من اعماله، فمعرض "وجوه مصرية" الذى اقيم فى العام 2006 كان يعتمد يشكل أساسى على وجوه الناس فى الموالد، والشوارع، وعلى المقاهى، ويقول "تأسرنى حالة المولد بشكل خاص، فالفرح والتجلى الذى تراه فى وجوه الناس ينعكس أيضاً على ملابسهم، وحركاتهم فلا تعرف أيهم مصدر التأثير فى الآخر"، وبعض الوجوه التى شاركت فى المعرض، كانت من أعمال فنانين مصريين واجانب قضوا أشهراً بين طرقات وحوارى وشوارع قرى الأقصر، كباكورة نشاط جمعية المحروسة التى اسسها عمار أبو بكر.

الإسكتش هو الوسيلة المحببة إلى قلب عمار ابو بكر، فهو لا يعيد رسم ما يشكله فى اسكتشاته لاحقاً فى لوحات أكبر، وإنما يتعامل مع الاسكتش كفن قائم بذاته، وهو يقول "ميزة الاسكتش ليست فقط فى أنه يصور مشهد مر سريعاً بلا عودة، وانما فى أنه يجمد حالة شعورية من الصعب أن تتكرر" وهو يحب أن يبقى على العلاقة بين الاثنين على حالها. ولمزيد من التأثير يرسم أبو بكر اسكتشاته على الورق الملون، ويتنقل ما بين الاكريليك، والباستيل، والزيت، والحبر والفحم. وإلى جانب جمعية المحروسة، ساهم عمار أبو بكر فى إحياء "فندق المرسم" فى القرنة بالاقصر الذى كان قبل نحو 40 عاماً معبداً للفن يفد اليه طلاب الفنون الجميلة والرسامين من القاهرة والمحافظات لقضاء سنوات فى منح دراسية لدراسة الفن، حيث شارك عمار أبوبكر بتشجيع ودعم الدكتور سمير فرج، ووزارة الثقافة فى إعادة الرسالة الفنية لهذا المكان، ليستضيف مجدداً فنانين من مصر والعالم، وتعاود محافظة الأقصر تألقها الفنى بالمراسم الدولية، والسمبوزيم السنوى.
صحيح أن كل هذا الانجاز ما كان له ان يتم بجهد منفرد، لكن ايمان وإصرار الفنانين من أمثال عمار أبو بكر وغيره هو الذى يمهد الطريق نحو احياء الفن والحفاظ عليه، وحمايته من النسيان، واللامبالاه، وهو يقول أن ما يهمنى ليست اللوحة بذاتها، وإنما حالة الحفاظ على ذاكرة الإبداع المصري وإضافة صفحات جديدة تعمل على تنمية التفكير الإبداعي، ومد جذور التواصل بينه وبين الناس، فالفن بالنسبة لعمار أبو بكر يجب أن يكون "من الناس وللناس"

منشور بمجلة البيت، الاهرام، عدد مايو 2010

الجمعة، 19 مارس 2010

شيوخ الأزهر والسياسة.. حلفاء وضحايا

كتبت: ناهد نصر
لأسباب تتعلق بالخيط الرفيع بين السياسة والدين فى الدولة المصرية، مرت مؤسسة الأزهر بالكثير من المنعطفات التى كانت تبدأ دينية، ثم تنقلب تدريجياً إلى ما هو غير ذلك، وبعض شيوخ الأزهر تمكنوا من إدارة الدفة لصالح ما يرونه هم، وبعضهم الآخر فضل أن ينأى بنفسه عن معترك التدخل السياسى فترك الجمل بما حمل، لكن من بين مشايخ الأزهر أيضاً من حاولوا جاهدين التوصل إلى مواءمات تعفيهم من غضب الحاكم من جهة، ونقمة المحكوم من الجهة الأخرى.إلا أن الثابت فى تاريخ مؤسسة الأزهر أن قدرة شيخه على فرض رؤيته ارتبطت بمساحة الحرية المتاحة للمؤسسة نفسها فى الدولة، وهو ما أدركته الإدارات السياسية المتعاقبة على مصر، فكانت فى كل حين تعمل على تقليص هذه المساحة، لتقترب المسافة بين الاثنين حتى لا تكاد ترى، وفى حين كان جميع من تولوا المنصب بلا استثناء من العلماء الأجلاء الذين كانت لهم إسهامات بارزة فى المجال الدينى، إلا أن مواقفهم السياسية كانت هى العلامات البارزة التى تركت أثراً لا يزول على مسيرتهم.فالشيخ أحمد الدمنهورى -على سبيل المثال- والذى تولى شئون المشيخة فى 1768 كان أول من تمكن من حسم الخلافات المذهبية طويلة الأمد بين أتباع المذاهب السنية الأربعة بتفقهه فيها جميعاً، إلا أن التاريخ يذكر للدمنهورى قوة شخصيته فى علاقته بالسلطة فى عهد المماليك، حيث كان الأمراء يتسابقون لاسترضائه، حتى أنه عندما اشتدت الخلافات بين الأمراء وبعضهم البعض لجأ بعضهم إلى بيته طلباً للحماية.ولم يسلم الشيخ عبدالله الشرقاوى، الذى تولى المشيخة فى عهد محمد على، من الضغوط السياسية التى حاولت أن تفرض عليه المهادنة مع قادة الحملة الفرنسية، فى وقت كان علماء الأزهر يقودون المظاهرات، ويطلقون الفتاوى الجهادية التى تلهب حماسة الشعب المصرى لتحرير أرضهم من الفرنساويين، فلم يجد محمد على باشاً بداً من وضع الشيخ رهن الإقامة الجبرية، فى محاولة منه للسيطرة على نفوذ علماء الأزهر فى المجتمع المصرى.ولم يكن للشيخ حسن العطار، الذى كان ترتيبه السادس عشر بين من تولوا المنصب، ليتمكن من إحداث النهضة العلمية الإصلاحية فى الأزهر إلا باقترابه من الوالى محمد على، ورجال حكمه، فالرجل كان مشهوداً له قبل توليه المنصب انبهاره بعلماء الحملة الفرنسية، حتى أنه فر من البلاد بعد خروج الحملة اتقاء لغضب رجال الدين وعلماء الأزهر عليه، ثم عاد بعد سنوات طوال ليساهم فى حركة النهضة التى بدأها محمد على باشا، فينسب له الفضل فى إرسال البعثات إلى باريس وعلى رأسها أبرز تلاميذه الشيخ رفاعة الطهطاوى، ومكنته علاقته بمحمد على باشا من أن يكون من بين الأصوات الأهم فى الدعوة لإصلاح الأزهر على المستوى العلمى حتى تولى المشيخة عام 1830 وحتى وفاته.ورفض الشيخ حسونة النواوى، الذى تولى المشيخة عام 1850، قرار الخديو السياسى بتعيين قاضيين من محكمة الاستئناف فى المحكمة الشرعية، لأنه رأى أن فى ذلك خروجاً على دور المحكمة المختصة فى إصدار أحكام مبنية على الشريعة الإسلامية، وهو ما كان يراه الخديو احتكاراً غير مرغوب فيه من قبل علماء الأزهر، فأمر بتنحيته عن منصبه، وعندما عاد للمنصب بعد سبع سنوات ورأى أن ما فقده منصب شيخ الأزهر فى غيابه لا يمكن استرداده، آثر الاستقالة من منصبه بحجة أن السلطة تضع العقبات فى سبيل الإصلاح.وواجه الشيخ محمد مصطفى المراغى مصيراً مشابهاً وقد تولى منصبه فى عهد الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث رفض علاقة السلطة المتخاذلة برأيه مع رموز الاحتلال الإنجليزى، فتقدم بقانون يهدف إلى استقلال الأزهر عن القصر، وهو ما رفضته السلطة، فاضطر الشيخ لتقديم استقالته عام 1929، ليتولى محله الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى الذى اضطر هو الآخر لتقديم استقالته، حيث لم تشفع له إنجازاته الضخمة لصالح الأزهر وعلى رأسها إنشاء جامعة الأزهر، وإصدار مجلته، وإرساله البعوث هنا وهناك على سبيل الإصلاح، فى كف يد السلطة عن المؤسسة، فمن ناحية كانت السلطة تسعى جاهدة لضم الأزهر لوزارة المعارف على سبيل التأميم، كما أجبرت الشيخ على فصل 200 من علماء الأزهر المشاغبين، الذين كانوا يقودون المظاهرات الغاضبة لإعادة الشيخ المراغى إلى منصبه، وهو الأمر الذى أكسبه غضب الشارع، والأحزاب السياسية المعادية لسيطرة القصر، فاضطر لتقديم استقالته، ليعود الشيخ المراغى مجدداً إلى منصبه عام 1935 بقوة الضغط الشعبى ويبقى فيه عشر سنوات حتى توفى عام 1945.
عبدالحليم محمود
لكن تأثير الشيخ المراغى على السلطة، والذى كان بالغاً، دفع الملك فاروق بمجرد وفاته إلى تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق الحاصل على الدكتوراه من السوربون شيخاً للأزهر، بالمخالفة لقانون الأزهر، الذى كان يعطى الحق لثلاثة من العلماء هم مأمون الشناوى، وإبراهيم حمروش، والشيخ عبدالمجيد سليم، فى تولى المنصب، ما دفعهم للاستقالة من مناصبهم كأعضاء فى هيئة كبار العلماء، وفيما كان للشيخ عبدالرازق جهود لا يمكن إغفالها فى إحياء علوم الدين، وتجديدها من خلال دعوته لدراسة الفلسفة الإسلامية والتى كان لها تأثير بالغ على المؤسسة، فإن ارتباطه بالقصر والطريقة التى تولى بها منصبه ظلت تلاحق سيرته.ولعب الشيخ محمد مأمون الشناوى الذى خلف الشيخ عبدالرازق فى تولى المشيخة دوراً بارزاً فى نشر المعاهد الأزهرية، والقضاء على تدخل الأحزاب السياسية فى تدخل الأزهر، إلا أن فتواه الحاسمة فى ضرورة الجهاد ضد احتلال فلسطين ظلت هى الذكرى الأبرز التى ارتبطت باسم الشيخ حتى وقتنا هذا.أما الشيخ محمود شلتوت فمثلت فترة توليه مشيخة الأزهر علامة فارقة فى تاريخ المؤسسة، صحيح أن الرجل تلميذ مدرسة الإحياء والتجديد التى قادها الإمام محمد عبده، يرجع له الفضل فى تغيير معالم التعليم الأزهرى وإنشاء العديد من المؤسسات والهيئات التى مازالت تمثل جزءاً مهماً من مؤسسة الأزهر حالياً، كما يرجع له الفضل فى تأسيس دار التقريب بين المذاهب، وتدريس الفقه الشيعى على طلاب الأزهر، فإن تقديم الرجل لاستقالته عام 1963 من منصبه معترضاً بذلك على تدخل نظام عبدالناصر فى سير المؤسسة، ومحاولات الرئيس تقليص سلطات شيخ الأزهر عام 1961 بعد أن أصدر قراره بإلغاء هيئة كبار العلماء، وإطلاق صفة الإمام الأكبر على شيخ الأزهر الذى يعين بقرار جمهورى ظلت إحدى العلامات الأشهر فى تاريخ شلتوت.ومن أهم ما يذكر للشيخ محمد الفحام، شيخ الأزهر فى أوائل عهد الرئيس السادات، معاونته للرئيس فى التصدى لأحداث الخانكة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، والتى كادت تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه، حيث شارك الشيخ فى اللجنة التى شكلها الرئيس برئاسة وكيل مجلس الشعب لتقصى الحقائق، والتى أصدرت توصياتها المشهود لها حتى الآن بالموضوعية.وميزت الفتاوى والاجتهادات السياسية الفترة التى تولى فيها الشيخ عبدالحليم محمود لمنصبه «1973 - 1978» والتى اختتمها بتقديم استقالته بسبب قرار الرئيس السادات تقليص منصب شيخ الأزهر من أى قوة، ومنحها لوزير الأوقاف، إلا أن الضغوط الكبيرة التى مورست على الرئيس السادات فى الداخل والخارج أجبرته على التراجع عن قراره ببيان أعاد فيه لمنصب شيخ الأزهر اعتباره، بل ساوى بينه وبين منصب الوزير. وكان للشيخ عبدالحليم محمود مواقف مشهودة خالف فيها توجه النظام السياسى، حيث عارض تعديل قانون الأحوال الشخصية، كما عارض تدريس الدين المسيحى والإسلامى فى مناهج مشتركة بناء على رغبة البابا شنودة، برغم ضغوط رئيس الوزاء آنذاك مصطفى خليل. وتدخل الشيخ عبدالحليم محمود فى العديد من القضايا السياسية الخارجية، ومنها الحرب الأهلية فى لبنان، والأزمة الجزائرية المغربية على الصحراء، حيث أرسل برقيات للعديد من القيادات السياسية من بينهم الرئيس السادات نفسه يطالبه فيها بحقن دماء المسلمين وإصلاح ذات البين فيما بينهم، وهى البرقية التى أجبرت السادات على الرد عليها مطمئناً الشيخ أنه يجتهد فى القيام بدوره وما تمليه عليه مسئوليته كرئيس لمصر.إلا أن ولاية الشيخ جاد الحق على جاد الحق «1982-1996» الذى جاء خلفاً لعبدالحليم محمود مرت هادئة على الجانب السياسى، فالرجل صب اهتمامه على الأمور الفقهية والشرعية نائياً بنفسه عن خوض غمار السياسة، ليخلفه الشيخ سيد طنطاوى 1996 ومؤسسة الأزهر كما هى الحال عليه بعد سنوات طوال من المد والجزر بينها وبين السلطة السياسية، والتيارات المتشددة تكتسب أراضى جديدة ومساحات أوسع من المجال الدينى فى الشارع المصرى، لتشهد فترة ولايته جدلاً لم ينقطع واتهامات من جهات متعددة تربط بينه وبين السلطة، وتقارن بين ما كان عليه قبل توليه المنصب وما جاء به بعد ذلك.

الأربعاء، 17 مارس 2010

مـأساة مصرية

كتبت: ناهد نصر
مأساتنا الحقيقية أن أصحاب العقول عندنا فى راحة، فهم على تعدد المآسى المحيطة بنا من كل جانب لا يدركون سبيلاً للتعاطى معها، سوى بالكلام المنزوع الحيوية، فهم إما يطبلون ويصفقون أو ينتقدون بلا هوادة وهم مطمئنون إلى بروجهم العالية التى يعيشون فيها بعيداً عن المآسى، وأحياناً فى حراسة أمنية مشددة. أحدهم أثار مؤخراً جدلاً واسعاً على صفحات موقع "اليوم السابع" بسبب خبر منشور يحمل آراءه فى بعض القوى السياسية، والقضايا العامة، وهو ما أزعج بعض القراء كثيراً لدرجة أن أحدهم تمنى لو تمكن "من النيل منه وترك علامات على جسده"، وعندما حذف الخبر من الموقع احتراماً لرغبة صاحبنا أثير جدل أكبر بكثير صعد بخبر الحذف إلى قائمة الأكثر تعليقاً.والمشكلة هنا أن أصحاب العقول لدينا لا يعقلون أن واجبهم يتجاوز مجرد الكلام إلى العمل، إذ أن إعمال العقل لا يأتى فقط بنقد النص وانتقاد النقل، وإنما يستلزم الجرأة التى تدفع نحو التحرر مما قد يرونه قيماً بالية، أو مسلمات فارغة دون الاحتماء بحراسة لن تحرسهم، لأن حارسهم الحقيقى ينبغى أن يكون العقل، عقلهم والملايين المستعدين لبذل الغالى والرخيص دفاعاً عما يعتقدون فى أنه الصواب. فمأساتنا المتمثلة فى تغييب العقل أو الخوف من إعماله والتى تكرسها أنظمة التعليم والعمل التى لا تدع مجالاً للإبداع، وتحاصر العقول بالخوف من التجديد، والتهديد بالقتل أحياناً، لن تنتهى باكتفاء العقلاء بالدعوة للتغيير دون أن يكون لديهم الاستعداد للتضحية بما هو أغلى من كل نفيس حتى لو كانت حياتهم، بدلاً من التراجع عما يؤمنون به، ثم الصراخ بأنهم محاصرون. وليس هناك من نصيحة لهذا النوع من "أصحاب العقول" إلا أن يتعلموا فضيلة العمل، أو الاكتفاء بالصمت فهو بحد ذاته فضيلة فى بعض الأحيان إن كانوا حقاً يعقلون، ذلك هو الضمان الوحيد لإعمال العقل بهدف التخلص من المآسى.
منشور على موقع اليوم السابع

الجمعة، 12 مارس 2010

انقلاب أزهرى ضد الشيعة

كتبت: ناهد نصر
أقل ما توصف به فعاليات المؤتمر الأخير لمجمع البحوث الإسلامية أنه أعاد جهود التقريب بين المذاهب والتى تمتد إلى القرن التاسع عشر إلى نقطة الصفر مجدداً. وذلك ابتداء من عنوانه الذى تغير فى اللحظات الأخيرة من «التقريب بين المذاهب» إلى مناقشة الموقف من الصحابة، وهو ما فسره أتباع المذهب الشيعى، بأنه محاولة لتعميق الخلاف بينهم وبين السنة، خاصة مع إعلان الدكتور سيد طنطاوى شيخ الازهر أن «من يسب الصحابة خارج عن الإسلام».وبعيداً عن الموقف الفقهى من التعرض للصحابة، فإن التركيز على هذا الجانب الخلافى، يعتبر انقلاباً على ما توصل إليه علماء الأزهر بالتعاون مع علماء شيعة حتى عام 2007 من أن الخلاف المذهبى بين السنة والشيعة لا يتجاوز اختلافاً هو خلاف على أمور فرعية، يمكن التغاضى عنها أو إرجاء مناقشتها لصالح الأمور المشتركة بين الطرفين.عودة النقاش مجدداً الى نقطة الصفر، رفعت التكهنات بأن أموراً أخرى بعيدة عن جوهر القضية تقف فى سبيل التقريب المذهبى و تدفع علماء الدين إلى تغيير مواقفهم تبعاً للظروف.وليس أدل على ذلك من موقف مؤسسة الأزهر تاريخياً من مسألة التقريب، والتى كانت دائماً مرتبطة بالموقف السياسى للدولة المصرية مع إيران، إذ شهد العام 1979 الإجهاز على دار التقريب بين المذاهب الإسلامية إحدى المؤسسات التى لعبت دوراً محورياً فى التقريب المذهبى منذ الأربعينيات، وشارك فى تأسيسها الدكتور محمود شلتوت شيخ الأزهر عام 1947، وتزامن تجميد عمل دار التقريب مع اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل على الجانب الآخر.وفيما وافق الأزهر فى العام 2002 على إيفاد خمسة عشر عالم دين مصريا لإيران بقيادة الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر- لإحياء ذكرى اثنين من أئمة التقريب المذهبى، هما الشيخ محمود شلتوت وآية الله البروجردى- لم ينس الدكتور محمود عاشور أن يشير إلى أن التقارب المصرى الإيرانى ساعد على إعادة الحوار المذهبى «بشكل أكثر إلحاحًا». أما الدكتور محمد عمارة الذى شارك أيضاً فى المؤتمر الأخير لمجمع البحث الإسلامية، فبدا آنذاك واثقاً من أن «التقريب المذهبى خير علاج لمواجهة التحديات الإقليمية التى تواجه الأمة الإسلامية».بل لقد حدث فى عام واحد، هو العام 2003، أن تراجع الأزهر فى اللحظات الأخيرة عن موافقته على دعوى إيرانية للمشاركة فى مؤتمر التقريب بين المذاهب، ليشارك بدلاً من ذلك فى مؤتمر المنامة بالبحرين.وما كادت ثمار استعادة جهود التقريب تبلغ ذروتها فى العام 2006 عندما أعلن عاشور عن الإعداد لإنشاء لجنة عليا للتقريب بين المذاهب بالتعاون مع علماء شيعة، تمهيدً لإنشاء مجمع للتقريب يحيى جهود دار التقريب المجمدة منذ أربعين عاماً، بحجة أن الخلافات بين الطرفين «فرعية ومن السهل تجاوزها»، حتى تراجع عاشور عن تصريحاته بعدها بعامين فقط، وبالتحديد فى العام 2009 تزامناً مع القبض على خلية حزب الله، ليعلن رئيس مجمع التقريب الذى لم يقدر له أن يرى النور أن «من يتعرض لمصر هو عدو لنا، ولا حياة للشيعة بيننا، ولن نسمح بالدعوة للمذهب الشيعى فى مصر»، هذا على الرغم من أن الأزهر الشريف كان سباقاً على جميع دول العالم الإسلامى بالاعتراف بأربعة مذاهب شيعية هى الجعفرية والزيدية، والأباضية، والظاهرية، بل تدريسها فى مناهج الأزهر.فلماذا غيّر الدكتور عاشور رأيه من عام لآخر، ولماذا تتخذ مؤسسة الأزهر قرارات يتفق عليها علماؤه استناداً إلى أدلة فقهية، ثم يتراجع عنها دون إبداء أسباب، ولماذا تتصدر مسألة الموقف من الصحابة المشهد، رغم أنها لم تكن أبداً سبباً فى إفشال الحوار المذهبى طوال السنوات الماضية. الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، وممثل الأزهر فى أغلب مؤتمرات التقريب خلال العقد الأخير يرفض التعليق، بحجة أنه مشغول.فيما يعاود الشيخ فوزى الزفزاف، عضو مجمع البحوث الذى لم يحضر مؤتمر المجمع الأخير، تأكيده بأن الحوار المذهبى كشف عن أن الخلافات الفقهية بين السنة والشيعة فرعية، وأن الشيعة مسلمون بلا شك، «ولا نأخذ عليهم سوى سب الصحابة»، لكن لماذا لما يتطرق المؤتمر الأخير على الأقل لأتباع المذاهب الشيعية الأربعة التى يعترف بها الأزهر؟ يقول الزفزاف: «صحيح أن أتباع الجعفرية والاثنى عشرية يؤكدون أنهم أوقفوا سب الصحابة لكن من يدرى لعلهم يتبعون التقية، ويظهرون عكس ما يبطنون، لكن إذ كانوا صادقين فنحن معهم». وينفى الزفزاف قطعياً أن تكون العلاقات السياسية وراء تصدير مسألة سب الصحابة، ويقول: «هناك كتب شيعية فى الأسواق، وخطباء شيعة على المنابر يسبون الصحابة، أما السياسة فلا علاقة لها بنا من قريب أو بعيد».وهى حجة يبدو من الصعب على الدكتور أحمد راسم النفيس ابتلاعها بسهولة، فالرجل يرى أن اتهام الشيعة بسب الصحابة، يشبه اتهام العرب بمعاداة السامية، وهو لا يرى سبباً فى اعتبار بعض الصحابة «أصناماً لا يمكن التعرض لهم بالنقد»، فالسنة برأيه يعتبرون التشكيك فى الناقل تشكيكاً بالضرورة فى المنقول، ويتجاهلون فى ذلك أن علم الحديث الذى يدرسونه فى معاهدهم وجامعاتهم مبنى أساساً على التشكيك. ويضيف «ثوابتى كباحث ومحقق مسلم سنى أو شيعى هى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعندما يحل أحد الصحابة ما حرم الله، أو العكس يجب أن تكون لنا وقفة». وهو يفسر مواقف علماء الأزهر المتراوحة بين السير فى التقريب والامتناع عنه بأنها محاولة لإظهار الولاء للنظام والدليل على ذلك برأيه محاربتهم للدكتور طه حسين الأزهرى لأنه تجرأ علناً على مراجعة التاريخ الإسلامى ويقول: «لو أن المسلمين درسوا تاريخهم لعلموا سبب ما نحن فيه من بلاء، أما علماؤنا الأفاضل فلا هم لهم سوى الحفاظ على مواقعهم التى يصدر بها قرار جمهورى».لكن ما الحد الفاصل بين سب الصحابة، والتعرض لهم بالنقد ولأحكامهم وأفعالهم بالتفنيد، يجيب الشيخ فرحات المنجى بأنه لا يجوز بأى حال التعرض بالسب لصحابة رسول الله الذين قال فيهم «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، ومن يقل بغير ذلك فدليله باطل وزعمه مضل. وهو يرى أن الأزهر لا يفرق بين السنة والشيعة، وإنما الشيعة هم دعاة التفريق بتكفيرهم لبعض الصحابة، والفرقة برأيه مصدرها أن «نسلط الضوء على بقعة صغيرة فى الثوب الأبيض» فالصحابة اجتهدوا فأصابوا وأخطأوا.

الجمعة، 5 مارس 2010

جمعيات سلفية تنشر الفتنة الطائفية بتصريح من وزارة التضامن الاجتماعى

كتبت: ناهد نصر

حالة الاحتقان الطائفى التى يعانى منها المجتمع المصرى، نتيجة سنوات طويلة من شحن الأطفال والشباب بالأفكار التى تميز بين الناس على أساس الدين، وتأتى الجمعيات الدينية ذات التوجه السلفى المنتشرة بجميع المحافظات أحد أهم مصادر هذه الأفكار، حيث تزرع الفتنة بتصريح من وزارة التضامن الاجتماعى، وفى غياب أجهزة الدولة.هذه الجمعيات تعمل بالمخالفة للقوانين المنظمة لعمل الجمعيات الأهلية، فبينما يوجب قانون الجمعيات الأهلية أن يكون «اسم الجمعية مشتقاً من غرضها» تحمل المئات من جمعيات تنمية المجتمع الهادفة إلى ممارسة أنشطة خيرية، أسماء تنطوى على فرز دينى واضح، كأن تذيل اسمها بعبارة «الإسلامية»، أو أن تستقى أسماءها من شخصيات دينية مثل «جمعية ابن أبى قحافه للبر والتقوى»، و«ابن كثير الخيرية لتنمية المجتمع» و«أحباب سيدنا ابن الخضر» و«أحباب المصطفى لتنمية المجتمع».ووفق قانون الجمعيات نفسه فإن أحد الأنشطة المحظورة على الجمعيات الأهلية هى التى تنطوى على «تهديد للوحدة الوطنية، أو الدعوى إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون او اللغة او الدين أو العقيدة» وبالرغم من أن هذه المحاذير تنطبق حرفياً على أنشطة الكثير من الجمعيات الأهلية ذات الطابع الدينى المنتشرة فى أنحاء الجمهورية، وعلى رأسها جمعية أنصار السنة المحمدية، والجمعية الشرعية، فإنها آخذة فى التوسع فى المحافظات وممارسة أنشطة تعليمية، وتثقيفية للأطفال والشباب، بأرقام إشهار من وزارة التضامن الاجتماعى.فالإصدار الدورى لجماعة أنصار السنة على سبيل المثال «مجلة التوحيد» تتضمن العديد من الموضوعات التى تميز بشكل واضح بين المسلمين والمسيحيين، بل وبين أتباع السلفية، وغيرهم من الفرق الاسلامية الأخرى كالشيعة، والمتصوفة، حيث تصدر عناوين من نوع «التآمر الشيعى على الإسلام والمسلمين» و«بدعة الاحتفال بالمولد النبوى»، و«وباء الخنازير والحكمة الإلهية». بل ورد فى إحدى مقالات جمال المراكبى الرئيس العام السابق لجماعة أنصار السنة بعنوان «من يدخل الجنة» «أن اليهود والنصارى كفروا بما أنزل الله، وحرفوا عقيدتهم، وأنه لن يدخل الجنة من آمن بألوهية المسيح، لأن ذلك كفر صريح مآل صاحبه النار» هذا بخلاف عشرات الفتاوى التى يدعو لها أئمة الجماعة بوجوب النقاب، وفرض الختان على الإناث، وتحريم الاحتفال بشم النسيم. والمثير لعلامات الاستفهام أن غالبية علماء جماعة أنصار السنة التى تمتلك نحو 200 فرع، و2000 مسجد فى أنحاء المحافظات، يتحولون إلى أعضاء فى هيئة كبار العلماء بالسعودية، ومن بينهم الشيخ عبدالرزاق عفيفى والشيخ عبدالرازق حمزة، وكان الشيخ عبدالظاهر أبوالسمح أول إمام للحرم المكى. وتخصص بعضهم فى الهجوم على الصوفية ومنهم الشيخ صفوت الشوادفى نائب الرئيس العام للجماعة، ورئيس تحرير مجلة التوحيد سابقاً.ويشير موقع الجمعية إلى أن استهداف الأطفال يمهد إلى خلق جيل من الدعاة يتدرج فى المؤسسات التعليمية للجمعية حتى يتشرب بتعاليمها. أما القائمون على التثقيف الدينى والتعليم فى هذه المؤسسات فهم من خريجى معاهد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية وعددها 46 معهداً فى 13 محافظة، يستقون أفكارهم من مناهج لا علاقة لها بالمناهج التى يتم تدريسها فى المعاهد الأزهرية، إذ تضم كتباً لعلماء سلفيين أبرزهم الشيخ خليل القطان عضو جماعة الإخوان سابقاً، والمدير السابق للمعهد العالى للقضاء فى السعودية، ووضعت الجمعية منهجاً خاصاً بها فى العقيدة، يعتمد على اجتهادات الشيخ محمود محمد خطاب السبكى مؤسس الجماعة والذى يسمونه بـ«إمام أهل السنة».ولا تختلف مجلة الجمعية الشرعية «التبيان» فى توجهها ضد أصحاب الأديان، والمذاهب الأخرى عن مجلة أنصار السنة، فعلى سبيل المثال تصدر أربعة من أعدادها مقالاً مسلسلاً يتحدث عن العلاقة بين «المسلمين والنصارى فى مصر» يدعو صاحبه «النصارى الذين خلطوا عقيدتهم بطقوس وثنية لا محدودة» أن «يعلنوا موقفهم من دين الاسلام،وعقيدة المسلمين وحق المسلمين فى حكم مصر» وفى محاولة منه لإسقاط صفة «الأقباط» عن المسيحيين المصريين.يقول الكاتب إن «الأقباط هم من ارتفعت عقولهم بالوحدانية واعتنقوا الدين الذى جاء به البدو الرحل من شبه الجزيرة العربية ليحررهم من الشرك وعبادة الحجر، والبشر» ولا تعترف الجمعية الشرعية ضمنياً بفتاوى مجمع البحوث الإسلامية، ولا دار الافتاء المصرية، إذ تعتمد على علمائها السلفيين بشكل أساسى، والذين يلجأون إلى فتاواهم للإجابة عن تساؤلات من يستهدفونهم.الغريب أن كل ما تقدم لم يؤثر فى أى وقت فى علاقة هذه الجمعيات بمؤسسة الأزهر الشريف، ولا وزارة الأوقاف رغم أنها تدعو لمنهج مخالف.الدكتور أحمد السايح، الأستاذ بجامعة الأزهر، وصف هذه الجمعيات بأنها تعمل لصالح منظمات خارجية غير شرعية، تتلقى منها أموالاً ضخمة لزعزعة الاستقرار فى المجتمع المصرى، والسيطرة عليه ثقافياً بواجهة دينية، مشيراً إلى أن القائمين عليها يحاربون الأزهر وعلماءه ويستخدمون فى الوقت نفسه أسماء لعلماء الأزهر لاكتساب شرعية فى المجتمع.ويجزم الدكتور عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والعميد السابق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، بمخالفة أغلب الجمعيات الدينية فى مصر لمنهج الأزهر الوسطى الذى يعمل العقل، ما يمثل خطراً كبيراً على عقول المصريين، معترفا بنجاح هذه الجمعيات فى استقطاب عدد كبير من علماء الأزهر الذين قد يكون لبعضهم أهداف غير معلنة من وراء انتمائهم لها.وفجر بيومى مفاجأة بقوله: إن مؤسسة الأزهر «لا إشراف، ولا ولاية لها على المؤسسات التعليمية التابعة لتلك الجمعيات، ولا على أنشطتها» موجها اللوم لوزارة التضامن التى تسمح بتوسع تلك الجمعيات دون ضابط.من جانبها نفت عزيزة يوسف رئيس إدارة الجمعيات الأهلية بوزارة التضامن اتهامات بيومى للوزارة بالتقصير، ملقية المسئولية على الأزهر ووزارة التربية والتعليم، والمجلس الأعلى للصحافة، وهى الجهات المسئولة عن الجمعيات الأهلية التعليمية، والثقافية وما تصدره من مطبوعات - على حد قولها.وأضافت: «وزارة التضامن لا علم لديها بما يدرس داخل هذه الجمعيات، كما لا تعرف ماذا ينشرون فى مطبوعاتهم لو ثبت للوزارة ممارسة هذه الجمعيات أى أنشطة تنافى المادة 11 التى تحظر أى نشاط يضرب الوحدة الوطنية، أو يميز بين الناس على أساس دينى أو عقائدى «فسوف نتحرك فوراً».تبادل إلقاء المسئولية بين الأزهر و«التضامن» وصفه حافظ أبوسعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بالتواطؤ من قبل أجهزة الدولة مع انتشار الفكر السلفى فى الشارع، مادام الدعاة له لا يهاجمون سياسة الدولة، بعكس ما يحدث مع جمعيات حقوق الإنسان.

5 أسباب وراء انهيار صناعة النسيج

كتبت: ناهد نصر

مسلسل انهيار صناعة الغزل والنسيج ربما يشهد فصوله الأخيرة خلال أيام بإغلاق المئات من مصانع الغزل والنسيج، كانت هذه تصريحات سعيد الجوهرى، رئيس اتحاد النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج، والتى بدت بالنسبة للكثيرين نتيجة طبيعية لسلسة من السياسات الاقتصادية الموجهة لهذه الصناعة منذ أواخر الثمانينيات، وبدء برنامج التكيف الهيكلى وخصخصة القطاع العام، فى حين اختلفت طبيعة الانتقادات التى وجهت لهذه السياسات منذ بداية تطبيقها حتى الآن، ما بين رافضين للخصخصة بشكل مطلق، وآخرين معترضين على الطريقة التى تمت بها فى مصر، مع التركيز بشكل كامل على الآثار السلبية التى حلت بالعاملين فى هذا القطاع، وبين الاهتمام بالصناعة نفسها فى موقعها من الدخل القومى المصرى بشكل عام.واصل المسئولون عملهم دون التفات إلى أوجه الانتقادات المختلفة، غير أن اتساع مساحة الأزمة لتشمل العمال من جهة، والقائمين على الصناعة فى القطاع الخاص وقطاع الأعمال وكذلك فى قطاع التصدير من جهة أخرى، فى ظل مشكلات اقتصادية تتعلق بالدخل القومى وتضاؤل الموارد من جهة ثالثة حول مسألة انهيار القطاع إلى ما يشبه المفاجأة القاسية التى يحاول المسئولون التعامل معها على وجه السرعة وبأسلوب لا يخلو من تسرع، ولا يقوى على علاج الأزمة.الحلول التى قدمتها الدولة تمثلت فى صندوق إعانة الطوارئ بوزارة القوى العاملة والهجرة، والدعم الذى طرحته وزارة المالية، ووزارة التجارة والصناعة لقطاع الغزل والنسيج. غير أن الصندوق الذى لجأت له الوزارة للتخفيف من حدة الاحتجاجات العمالية بدا أقل بكثير من أن يتمكن من احتواء الأزمة التى تسببت فيها بالأساس عقود بيع متساهلة مع مستثمرين عرب وأجانب هرب بعضهم بعد أن أغرق الشركات فى الديون التى حصل عليها أساساً من البنوك المصرية. أما الدعم الحكومى الذى وعدت به وزارة المالية والتجارة والصناعة، فلم يقو على الاستمرار سوى شهرين فقط، تعثر بعدها دون إبداء أسباب، مثيراً الكثير من الغضب لدى القائمين على الصناعة، هذا فى حين واصلت مافيا التهريب عملها بجد تلاعباً بالقوانين أحياناً، وباستغلال ثغرات القانون فى أحيان أخرى، وهو ما يبدو قطاع الغزل والنسيج كمأزق عميق، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة المسئولين على الخروج منه.وهو سؤال يبدو معه اعتراف أحمد العماوى وكيل مجلس الشورى، ووزير القوى العاملة السابق بفشل الحكومة فى إدارة الأزمة تحصيل حاصل، فالرجل يرى أنها أوسع بكثير من أن يحلها دعم حكومى موجه أساساً للمنتج النهائى، بينما يترك محصول القطن الذى تعتمد عليه الصناعة فريسة لأسعار السوق تصيبه الخامات المستوردة فى مقتل، وهو يرسم أطراف الأزمة فى فلاح بلا دعم يصارع طوفان الأسعار العالمية، وبالتالى مواد خام مرتفعة السعر، مقابل غزو خارجى لمواد خام مهربة تغرق السوق المحلية، ففشل كامل فى المنافسة فى السوق الداخلية أو الخارجية، والنتيجة انهيار الصناعة بأكملها، كل ذلك يتم فى رأيه بلا سياسة واضحة للتطوير أو الإصلاح، رغم أن روشتة الإنقاذ بسيطة وتتطلب تنفيذ شروط بسيطة وعادية لمنع التهريب، وحماية المنتج المصرى. ومن هذه الناحية فالوزير السابق يؤكد أنه «لا يثق فى تصريحات المسئولين الذين يكررون الكلام نفسه منذ التسعينيات بلا جدوى» وهو يوجه اتهاماً مباشراً للحكومة بأنها تحمى جماعات المصالح المستفيدة من التهريب بدلاً من حماية الصناعة، وبالتالى فقد حددت الدولة اختياراتها.ويضيف: «أشعر بالندم على المشاركة فى مذبحة القطاع العام فما كان يحتاجه هذا القطاع بالأمس واليوم وفى المستقبل هو إصلاح حقيقى لم يتم» فالخطورة برأيه لا تقتصر على تهديد أحد أهم مصادر الدخل القومى المصرى، وإنما خسارة الملاvيين من فرص العمل التى يستوعبها قطاع الغزل والنسيج.وهو كلام تؤكده الخبرة الطويلة لمحمد إمام، رئيس نقابة عمال مصنع الشوربجى للملابس الجاهزة، الذى يتذكر بكثير من المرارة أيام كانت عنابر مصنعه تعج بنحو 7 آلاف عامل وعاملة يمدون السوق المصرية بماركة مسجلة اسمها «الشوربجى» لم يتبق منها حالياً سوى القليل من المنتجات التى طغى عليها المستورد، وهى نتاج عمل أقل من 700 عامل يعملون حتى تنتهى الوردية، فينطلق كل إلى عمله الثانى حتى يتمكن من سد رمق أسرته. ويحكى إمام بكثير من الفخر ذكرياته خلال حرب 73 عندما تبرع عمال مصنعه بأجورهم للمجهود الحربى لأنهم كانوا يشعرون بأنهم جزء من مشروع وطنى كبير اسمه «فخر الصناعة المصرية» تحول إلى مسرح لقرارات فردية ومفاجئة وعبثية.والخسائر برأيه لا تقتصر على العمالة، وإنما طالت الماكينات التى لم تحدث منذ 25 عاماً بسبب غياب التطوير، والاستثمارات الموجهة للقطاع ويقول: «العمل يجرى فى المصنع بقدرة ربنا، وليس بتخطيط من الحكومة» ويعبر إمام عن دهشته من تجاهل الحكومة إغراق المنسوجات السورية للسوق، وتجاهل جميع المطالب للتصدى له بحجة أن تلك مسألة سياسية حساسة.
يوسف بطرس غالى
وهذا الغزو لا يقتصر بالتأكيد على الإنتاج السورى إذ تحولت السوق المصرية إلى مطمع لجميع الدولة المنتجة للغزل والنسيج والملابس الجاهزة وعلى رأسها الصين، وتركيا والهند والتى يدخل بعضها عن طريق التهريب، بينما يدخل البعض الآخر بالتلاعب فى الفواتير والتزوير واستغلال الثغرات التشريعية.وهو ما يؤكده محسن الجيلانى، رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، صحيح أنه مؤمن بأن تنفيذ الدولة وعودها فى صرف الدعم سيخرج قطاع الغزل والنسيج من عثرته، إلا أنه يعتقد فى أن التهريب هو أساس الفساد، ويقول إن الغزول، والملابس الجاهزة، والأقمشة، وحتى البذور يتم تهريبها وتباع فى الأسواق بأبخس الأسعار مهددة الإنتاج المحلى، والمفاجأة التى يفجرها الجيلانى هى أن جرائم التهريب التى تحدث يومياً تتم بشكل رسمى من خلال استغلال ثغرات إجراءات السماح المؤقت، وتجارة الترانزيت والمناطق الحرة، ويقول: «كلها إجراءات هلل لها المسئولون فى حينها، معتبرين أنها تسهيلات للتطوير، بينما هى فى الواقع تدق المسمار تلو الآخر وبشكل مستمر فى نعش صناعة الغزل والنسيج المصرية».لكن منصب الجيلانى كرئيس للشركة القابضة للغزل والنسيج لا يعفيه بشكل كامل من المسئولية عن بعض أزمات الصناعة خاصة فى ظل اتهامات كثيرة تطال مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال العام بالتقصير، وهى اتهامات يعتبرها الجيلانى محض افتراء، فهو يعترف بأن القطاع يعانى من نقص الكفاءات التى تحول أغلبها للقطاع الخاص، لكنه فى الوقت نفسه يؤكد أن تقييم الإدارات الموجودة بالفعل مسألة نسبية، إذ لا يمكن برأيه تحميل الإدارة وحدها مسئولية الفشل لأنها تتحمل أعباء هى ليست مسئولة عن تحملها وحدها. وعلى رأس تلك الأعباء برأيه العمالة الزائدة التى تملأ منشآت قطاع الأعمال العام.والتخلص من العمالة هو أحد أسباب أزمة القطاع برأى نبيل عبدالغنى، الرئيس السابق للجنة النقابية بشركة الغزل والنسيج، والقيادى بحزب التجمع، الذى يرى أن قطاع الغزل والنسيج يعتمد أساساً على العمالة الكثيفة، وهو أقدر القطاعات الصناعية على الإطلاق على استيعاب البطالة، لكن تحوله إلى قطاع يضع ضمن أولوياته التضحية بالعمال يعكس الاختيارات الحقيقية للدولة التى قتلت مشروع الإنتاج لصالح مشروع الاستيراد، وبالتالى فإن جميع الحلول التى تطرحها الحكومة حاليا شكلية، وغير مؤثرة، سواء للقطاع العام أو الخاص، وكلاهما يعانى من سوء الإدارة، فجوهر الإصلاح برأيه يتمثل فى تنقية إدارة قطاع الأعمال من الفساد والمفسدين، والاعتماد على الإدارة العلمية للمشروعات الاقتصادية فى القطاع العام والخاص، ووضع ضوابط صارمة ومفعلة على استيراد النسيج من الخارج، والتزام الحكومة بفترات السماح التى تتيحها لها الاتفاقات الدولية. ويتساءل عبدالغنى عن السبب فى إهمال الحكومة لفترة السماح التى أتاحتها لها اتفاقية الجات فى حماية منتجاتها من الغزل والنسيج، ليظهر الأمر بعد انتهاء فترة السماح على أنه مفاجأة مؤسفة للمسئولين.
لمعلوماتك...◄1927 أنشأ بنك مصر شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى.◄1945 بلغ عدد عمال الغزل والنسيج 117272 عاملاً وبلغت المنشآت العاملة فى مجال الغزل والنسيج 9425.◄1960 تأميم غالبية شركات ومصانع الغزل والنسيج وعلى رأسها شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة.◄1974 فتح باب الاستيراد للملابس الجاهزة ضمن سياسة الانفتاح الاقتصادى.◄1986 إضراب عمال غزل المحلة احتجاجاً على التأخر فى الإحلال والتجديد.◄1991 بدء إعادة هيكلة قطاع الغزل والنسيج الحكومى، والتوقف عن الاستثمار فى تحديث الميكنة وأساليب الإنتاج.◄1993 بدأ تنفيذ برنامج خصخصة الشركات الحكومية.◄1995 توقيع اتفاقية الجات، وإعلان الحكومة تحرير أسعار تسليم القطن وزيادة تكلفة إنتاج الغزل والنسيج.◄2004 توقيع اتفاقية الكويز بين مصر وأمريكا وإسرائيل◄2005 بدأ تنفيذ اتفاقية الجات فى مصر.◄2009 تزايد عدد الإضرابات العمالية بمصانع الغزل والنسيج، وإعلان وزارة المالية دعم صناعة الغزل والنسيج.◄2010 تفاقم أزمة صناعة الغزل والنسيج وإعلان رئيس نقابة الغزل والنسيج أن الصناعة على حافة الانهيار.

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

ظهور العذراء والحال الذى "من بعضه"

كتبت: ناهد نصر

الوصف الأدق لما يقوم به البعض من حملات السخرية، والتهكم على اعتقاد قطاع واسع من المصريين فى ظهور العذراء، بحجة أنها درب من الخرافة، هو أنه إنكار متعمد لحرية الأشخاص فى ممارسة عقائدهم. فليس من المطلوب أن يصدق الجميع فيما يعتقده بعضهم البعض من طقوس، لكن الاستهانة بها يعكس شعوراً بالتعالى غير المبرر، خاصة وأن ما يراه بعض المنتمين لعقيدة ما خرافة، هو بالنسبة لغيرهم جزءاً أصيلاً من معتقدهم. فكر مثلاً فيما قد يراه المسيحيون فى صلاة المسلمين وحجهم وحجابهم، أو ما قد يراه السلفيون فى زيارة الشيعة للأضرحة، وتباركهم بصور على ابن أبى طالب، وما قد يراه القرآنيون فى السنة النبوية، وغيرها من الأمثلة الكثيرة مما يصلح للتراشق بالخرافة. وقطاع واسع من المسيحيين يعتقدون فى أن ظهور العذراء حقيقة لا تقبل الشك، صحيح أن هناك ضرورة للتحليل العقلانى لردود أفعال أفراد المجتمع إزاء ظاهرة ما وإرجاعها إلى أصولها، والكشف عن أسبابها، وآثارها لكن هذا التحليل ينبغى أن يتم بناء على دراسة علمية وموضوعية ومحايدة أى لا تهدف إلى التحقير من معتقدات أى جماعة من الجماعات، وإنما تقيس ميول وتوجهات المجتمع، وهذا النوع من الدراسات يصلح بالتأكيد للمجتمعات التى تفهم أهميتها، وتستعين بها فى بناء مستقبلها. أما وأن الوضع لدينا ليس كذلك، فإن كثيرا من الانتقادات الموجهة إلى جمهور السيدة العذراء ليست فى محلها، لأن بعضها نابع من أطراف لا تتصف بالحياد، ولا تتسم أحكامها بالموضوعية بل ولهم مصلحة مباشرة فى إثبات صحة معتقداتهم مقارنة بغيرها، وهو ما يحول واحد من المشاهد الاجتماعية التى باتت نادرة يتوحد فيها الكثير من المسلمين والمسيحيين دون أن تفرق بينهم سموم الفتنة، إلى مناسبات لإثارة هذه الفتنة بالذات، والبعض يمتلك قدرة الفائقة على صناعة الفتنة، فبعض المسلمين يحمدون الله على نعمة الإسلام التى أنقذتهم من براثن خرافة العذراء، وبعض المسيحيين يجدون فى فكرة ظهورها تأكيداً على صحة معتقدهم وخطأ معتقدات الآخرين بالضرورة. وهناك فارق بين الاختلاف، والنقاش حول هذا الاختلاف وبين التنابذ بالمعتقدات. وقد يرى المحللون أن هذا التجمهر اليومى والكثيف حول الكنيسة انتظاراً لمعجزة تأتى من السماء، هو نتيجة مباشرة ليأس المصريين، وعجزهم عن إيجاد شفاء لهمومهم اليومية، وهى مسئولية النظام السياسى الذى يكتفى فى مثل هذه الأحداث بالدفع بقوات الأمن لتأمينها خوفاً من تحولها عن مسارها إلى ما لا تحمد عقباه، فمن المؤكد أن هناك سبلا أخرى لعلاج هذا اليأس غير التعرض لمعتقد الآخر بسوء، خاصة أن حال المصريين جميعاً "من بعضه".

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

نوال السعداوى: حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القانون نسبوا الفضل لزوجة الرئيس

«نوال السعداوى» الطبيبة، والأديبة، والناشطة، عادت إلى مصر بعد ثلاث سنوات من الغربة فى الولايات المتحدة، لتواصل إثارة الجدل الذى ارتبط باسمها فى وسائل الإعلام، ورغم اعترافها بأنه لا شىء تغير فى مصر، وأن الأمور تعود للوراء، يبدو أنها تعبت من وضعها فى خانة المشاغبة، ذات الأفكار الصادمة، خاصة بعد أن انعكست هذه الصورة على مشروعها الوليد «تضامن مصرى من أجل مجتمع مدنى» وترى أن الناس فهمت الحرية التى تدعو إليها بشكل خاطئ، وتقول: أنا أستاذة جامعية، فافهمونى ولا تكتفوا بمانشيتات الصحف.
حوار: ناهد نصر
قلت قبل ثلاث سنوات أنك «قرفانة» من الحياة فى مصر، وتقولين فى مقالاتك حالياً إن لديك أملا.. ما الذى تغير؟
لا شىء يتغير فى مصر، أنا غبت ثلاث سنوات، وعدت لأكتشف أن مستوى الحوار كما هو، بل عاد إلى الوراء أكثر. «أنا لسه قرفانة من هنا، وعلشان كده لازم أرجع علشان أغير. ثم أننى قرفانة أيضاً من المجتمع الأوروبى والأمريكى» العالم كله يحكمه نظام أبوى رأسمالى ذكورى عنصرى قائم على الطبقات. لهذا أسست حركة «تضامن عالمى من أجل مجتمع مدنى»، وجئت إلى مصر لأكون المجموعة المصرية، وفوجئت بالهجوم عليها رغم أنها فى بداية الطريق.
أليس من الغريب أن يعلن البعض انسحابهم منها رغم ذلك؟
أنا ضد وجود أسماء لامعة فى المجموعة، أنا أبحث عن الشباب، ولست مسئولة عمن أعلنوا انسحابهم، أو نفوا وجودهم بالمجموعة، لأن هؤلاء تكلموا مع سحر عبدالرحمن، وليس معى. أنا مؤسسة الحركة العالمية، والمجموعة فى مصر، وسحر عبدالرحمن هى الرئيس التنفيذى، نحن مجموعة ديمقراطية تؤمن بالحوار، وضد حكم الفرد، وندير المجموعة، وأنتم لا تفهمون ذلك لأنكم اعتدتم على الحكم الديكتاتورى، ولا تستوعبون لغة الحوار. بماذا تفسرين أن أغلب من أعلنوا أنهم ليسوا أعضاء هم من المثقفين، مثل الدكتور محمد النشائى، ونبيل عبدالفتاح، وأسامة أنور عكاشة؟ النخبة المصرية، وأغلب كتاب الأهرام والصحفيين يعشقون اللعب على كل الحبال، ومواقفهم متذبذة بين الحكومة والمعارضة، ويغيرون مواقفهم باستمرار، والنخبة المعارضة، وغير المعارضة تحكمهم المصالح. وأنا لا أدعى أنه ليست لدى مصالح، لكنها لم تكن أبداً ضد مصالح البلد، لأننى صاحبة قضية.
ما قضية نوال السعداوى؟
قضية حياتى أن أعيش فى بلدى وأنا فخورة بالناس، والحضارة، وعندما أسافر أشعر بالفخر لأننى أنتمى إلى هؤلاء الناس، وهذا البلد. قضية عمرى هى أن أكتب بحرية، وأفكر بحرية، وأعيش فى عدل.
هل تشعرين بالخجل أم الغضب من الأوضاع الحالية فى مصر؟
هذا سؤال فيه محاولة للتصيد، وأنا «اتلدعت» من الصحافة كثيراً لأنها قائمة على الإثارة، والصحفيون يؤولون كلامى كما يشاءون. أنا «زهقت» من الصحافة والإعلام. «مافيش واحد عمل معايا حوار ونشر ما أقوله بصدق» وأغلب الجيل الجديد تعلم الصحافة غلط، فليس عندهم مبادئ، ولا ضمير.
قلقك الشديد مما ينشر فى الصحافة، هل سببه أنك أصبحت أكثر تحفظاً مما مضى؟
هذا تشخيص خاطئ، وكل ما كتب عن نوال السعداوى فى الصحافة «خطأ»، وأنتم تحكمون على تاريخى فى دقيقة. لا يوجد صحفى مصرى يقرأ أعمالى قبل أن يتحاور معى. أنا لدى 13 كتابا ماذا قرأتم منها. تعبرين عن آرائك التى تكون صادمة فى بعض الأحيان، ثم تصفين نشرها بأنه تصيد؟ تصريحاتى صادمة لأن المجتمع كاذب، والصدق يكون صادما. وعندما أقول إن هناك تجارة بالدين، الصحافة «بتولع النار على الكلام» لكن أنا أستاذة جامعية، هدفى تفهيم الناس، أنا أقدم معرفة وعلما وإبداعا، لكنهم يتغاضون عن كل ذلك من أجل الربح، لأن هذا هو ما يهم رجال الأعمال الذين يمولون الصحف، وأنا ضد خصخصة الصحافة.
أنت مع ملكية الدولة لوسائل الإعلام؟
بالتأكيد. لكن هناك فارقا بين الدولة، وبين الحكومة. أنا مع أن تكون هناك رقابة شعبية على الإعلام، لا أن تكون تابعة للحكومة أو لرجال الأعمال. أنا ضد القطاع الخاص فى جميع المجالات. ألست متحاملة على الصحافة الخاصة؟ الصحافة الخاصة أساءت لمشروعى الجديد عندما كتبوا أننى أقيم دولة مدنية، كيف لشخص عاقل أن يصدق هذا الكلام. إنهم يحرضون المتاجرين بالدين للاصطياد فى الماء العكر. الصحافة المصرية -فيما عدا قلة أمينة- تلعب لعبة غير نظيفة باستخدام نوال السعداوى. أين كنتم عندما تعرضت للسجن والنفى، لكن عندما أعود لمصر بمشروع تتكالب علىّ وسائل الإعلام لتحرض ضدى المتاجرين بالدين.
الصحافة هى التى كانت وراء شهرة نوال السعداوى؟
الصحافة فى مصر هى صحافة إثارة. وأغلبها بلا قضية، وأغلب الصحفيين بلا قضية. أنا أعيش فى شبرا رغم أنه كان بإمكانى أن أعيش فى قصر، أنا طبيبة متفوقة، وأديبة متفوقة، لكن أنتم بلا قضية. أنتم تضربون تعظيم سلام لرجال الأعمال وللسلطة، «وتتشطروا على نوال السعداوى»، والصحف تربح على حساب نوال السعداوى. لا أحد يريد التضحية بوظيفته، ومصلحته من أجل الأمانة والصدق، من أجل قضية. ونحن فى مصر عبيد السلطة، ومازلنا نعيش فى مجتمع عبودى انتهى من العالم. أنا أشعر بالألم عندما لا يحترم رجل الشرطة المواطن المصرى، وعندما يكون لدينا 2 مليون طفل مجهولو النسب لأن نسب الطفل إلى أمه عار.
لكن هذا الأمر موجود فى كل بلاد العالم، وليس فى مصر وحدها؟
ثلاثة أرباع بلدان العالم تضع أسماء الأب والأم معاً، وفى إندونيسيا من حق الطفل اختيار اسمه، رغم أنه بلد إسلامى. والعالم لم يعد به أطفال غير شرعيين، ومن حق أى طفل أن يحمل لقب أمه، لكن عندنا يفرض اسم الأب الحقيقى أو الوهمى، ويعاقب الأطفال بسبب جريمة ارتكبها آباؤهم. أنا ضد تجريم الأطفال، وضد العمليات المتعمدة لتغييب العقل.. وأتساءل: كيف سيحكمون 80 مليون فقير بدون تغييب عقولهم؟ المجتمع يحكم بالسلاح، والإعلام، والدين هنا وفى أمريكا. والكلام عن الحرية الأوروبية والأمريكية مجرد وهم.
لكن الجامعات الأمريكية والأوروبية فتحت ذراعها لك؟
أنا شاركت فى مظاهرات ضد بوش، وضد أوباما. و«السى إن إن» و«النيويورك تايمز» تقف ضدى، وتفرض رقابة على ما أقول، ويقصون من كلامى، مثلما يحدث فى مصر بالضبط. أمريكا لا يوجد بها حرية إعلام، والإعلام المصرى يقلدها.
هل تعتبرين نفسك مفكرة ليبرالية؟
أنا ضد التصنيف، وليس لأننى تكلمت فى الفقر، أصبح شيوعية ماركسية. أنا لا أنتمى لأى تيار، ولا أريد. ولم أنتم لأحزاب لأنها لعبة سياسية غير نظيفة. وأنا روائية كاتبة أنتمى إلى الإبداع والأدب والفن.
ما رأيك فى الأحزاب الليبرالية الجديدة مثل حزب الغد؟
«إيه حزب الغد ده؟» وما هو تاريخ أيمن نور، هل درستوا تاريخه، أين كتبه، وأفكاره، ما هى أعماله، أيمن نور الذى تعتبرونه بطلاً، هو مجرد رجل أعمال.
حاربت طويلاً ضد ختان الإناث، ألا تعتبرين أن صدور قانون بتجريمه تقدم؟
قانون ختان الإناث جاء نتيجة نضال الشعب المصرى، وأنا واحدة منه. لقد حاربت ضد ختان الذكور والإناث منذ ستين عاماً، وفقدت وظيفتى، وسمعتى وحاربنى رجال الدين ونقابة الأطباء من أجل هذه القضية، «ولما عملوا قانون ماحدش جاب سيرتى» ونسب الفضل لسوزان مبارك لأنها زوجة الرئيس.
الدعوة للتحرر والانحلال الأخلاقى تهمة تلاحقك؟
كثيرات قرأن كتبى، لكن فهمن الحرية غلط. الحرية مسئولية وأخلاق وليست متاجرة بالجنس والأنوثة. كثيرات تقلن لى «احنا اتربينا على كتبك» لكنهن يستخدمن الجنس من أجل الطموح الأدبى، والاقتصادى، ثم يقلن لى «ألست من دعاة التحرر يا دكتورة» الانحدار الأخلاقى الرهيب الحادث فى مصر سببه الفقر، والجهل والتسيب. الحرية معناها المسئولية، أنا زوجة إذن أنا مسئولة عن زوج وأطفال، «مش أخون جوزى وأقول دى حرية الحب» وهناك فارق بين الحرية والفساد الأخلاقى.
إيناس الدغيدى تقول إنها تدافع عن حرية الإبداع فى أعمالها السينمائية، ويرى الكثيرون أن أفلامها تعتمد على الإثارة؟
أنا لم أشاهد أعمال إيناس الدغيدى، والسينما أصبحت رخيصة مثل الإعلام والصحافة تتاجر بالدين والجنس بهدف الإثارة، رغم أنه يجب أن تكون لها رسالة إنسانية فى المجتمع. لكننى أيضاً ضد الرقابة، والسجن، والمنع، ومع أن تكون المواجهة بالرد، وأن تكون هناك سينما جميلة ترد على الرخيصة، وكتاب جميل، ورأى جميل، وصحافة جميلة، بعيداً عن الرقابة والعقاب والثواب.
تدعين إلى الحرية الدينية، فما رأيك فى الضجة التى يثيرها المتحولون دينياً؟
كثير من المتحولين دينياً يتاجرون بالدين من أجل الشهرة، فلا أحد منا اختار دينه، وهناك كثيرون غيروا دينهم لأنهم أحبوا أشخاصا من دين آخر، فالحب يساوى بين الناس. لكننى ضد أن ينشروا ذلك فى الصحف «ما اللى عاوز يتحول يتحول». فنحن فى مناخ يقود فيه المتاجرون بالدين الناس إلى المحاكم، ويفضحونهم، والعلانية تعنى إعطاءهم فرصة لإثارة الفتنة فى البلد لتقسيمه بين الأقباط والمسلمين والبهائيين. ولا يوجد وساطة بين الانسان وربه فى الإسلام، لأنه ضد الكهنوت، ولا يعترف برجال الدين، وهم دخلاء على الإسلام.
تتحدثين عن مؤامرة لتقسيم مصر بين المسيحيين والمسلمين والبهائيين؟
بالتأكيد، فمصر فيها يهود وهندوكيون، وبوذيون ويهود، «اشمعنى البهائيين صوتهم ارتفع الآن» علينا أن نسير وراء الأحداث لنفهم طبيعتها.
من وراء المؤامرة التى تشيرين إليها؟
إسرائيل دولة دينية، ولا يمكن لها أن تعيش وسط دول مدنية، وهى تقود الفتن الطائفية فى لادنا تحت اسم حرية الأديان «ده كلام جميل، لكنه حق يراد به باطل» والهدف من ورائه تفتييت المجتمع المصرى، وتمزيق الدول العربية حتى تحكمنا إسرائيل. والحكم فى مصر والعالم العربى جزء من الحكم الأمريكى الإسرائيلى.
كيف؟
مصر يحكمها الاستعمار الأوروبى الأمريكى الإسرائيلى بالتعاون مع الحكومة المصرية. وأنتم تضعون على لسانى ما لا تستطيعون قوله، وأنا من يدفع الثمن. وعندما تسجن نوال السعداوى أو تنفى، وتهدد بسحب الجنسية منها لا ينطق منكم أحد.
نوال السعداوى هل أخذت حقها؟
أنصاف المثقفين والمتاجرين بالثقافة فى مصر «هم اللى واخدين الشو» لكن نوال السعداوى غائبة عن الساحة الثقافية والأدبية فى مصر، لأنهم يتاجرون باسمى فى الشائعات فقط. الصحافة تأتى إلى حتى ترفع نسبة التوزيع فقط. وأنا ضد فلسفة العقاب، وضد الجوائز، لأنها ضد الأخلاق. المفروض أن أحكم بالعدل حباً فى العدل وليس خوفاً من النار، وطمعاً فى الجنة أو الجائزة.
هل كان ينبغى على سيد القمنى ألا يقبل جائزة الدولة؟
«أنا ماجبتش سيرة سيد القمنى» لكن الأخلاق ضد الطمع فى الجوائز، أنا أكتب كلمتى وأقول رأيى وأدفع ثمن ذلك من حياتى وصحتى، «مش باخد جائزة» هى دى فلسفة الأخلاق الصحيحة. المهم لماذا نفعل ما نفعل. والأمر يتوقف على من يمنحك الجائزة، ولو جاءتنى جائزة من إسرائيل سأرفضها.
وماذا لو رشحت لجائزة الدولة التقديرية؟
هذه الجائزة ستكون من الحكومة مش من الدولة، وأنا لا آخذ جوائز من الحكومة المصرية.

الأحد، 25 أكتوبر 2009

صخرة الإخوان المسلمين

كتبت: ناهد نصر

لا لوم على صبرى خلف الله نائب الكتلة، على اعترافه بأن الدولة المدنية بالنسبة للإخوان مجرد سلمة للوصول إلى الدولة الإسلامية، عملاً بفقه الأولويات حسب تعبيره، وإنما كل اللوم على الذين ينتظرون من الجماعة دولة بمعاييرهم هم، وعلى مقاسهم. وما يديره الليبراليون والنشطاء المدنيون مع الجماعة، ليس حواراً، وإنما نوع من الرضا بالبلاء قبل وقوعه. ومن المؤسف أن تتقلص طموحات الليبراليين المصريين إلى الحلم بتطبيق النموذج التركى النصف إسلامى نصف علمانى فى مصر، رغم أنه لا ينطبق علينا بأى حال، فلا علمانيونا يمتلكون قوة وتأثير نظرائهم الأتراك، ولا مسلمونا يمتلكون تقدمية ولا تفتح أقرانهم هناك، وليس هنا مجال الإفاضة فى نقد التجربة التركية نفسها. ويكذب الإخوان حين يدعون أن غالبية المصريين فى صفهم، ويتعمدون تجاهل التيارات الأكثر مغالاة وتشدداً منهم والتى باتت تنافس الإخوان على قواعدهم بوتيرة متسارعة، فضلاً عن القطاع الواسع غير المعنىّ لا بالإخوان ولا بغيرهم، والذين لا يعرفون طريقاً لصناديق الانتخاب. لكن من حق الإخوان أن يروجوا لذلك، طالما فى الجهة المقابلة على سلم ما، أو فى قاعة مغلقة ما، جماعات قضت وتقضى عقوداً فى الكلام عن حلقة الوصل الغائبة بينها وبين الشارع. ومن المثير للدهشة أن تدفع النخبة بنا إلى طريق مسدود، يقف الإخوان على أحد جوانبه، بحيث يبدو الوضع وكأنه لا خيارات فى آخر النفق سوى القبول بالوضع الحالى أو الارتماء فى أحضان الإخوان، ثم بذل جهود لا طائل من ورائها فى إقناعهم بضرورة العدول عن موقفهم من ولاية النساء وغير المسلمين، ومن الحكم بمرجعية السماء لا بشرائع البشر، ومن بناء دولة إسلامية على أنقاض دولة مدنية بمفهومهم. فتلك الجهود أشبه بصخرة سيزيف فى الأسطورة الإغريقية، الذى كُتب عليه أن يحملها من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل إلى القمة تدحرجت إلى الوادى ليعود إلى رفعها مرة أخرى، وثانية، وثالثة إلى الأبد.

السبت، 26 سبتمبر 2009

أرجوك "ارمى وراء ظهرك" يا وزير الثقافة

كتبت: ناهد نصر

خطأ فادح يرتكبه وزير الثقافة فاروق حسنى بتجاهله نصيحة الرئيس مبارك أن يرمى ما حدث فى اليونسكو "وراء ظهره" ويتوقف عن التصريحات التى ستجرنا خطوات إلى الوراء.فاروق حسنى يقول إن تجربة اليونسكو أثبتت له أن "الحوار مجرد وهم"، إذاً هى الحرب يا وزير الثقافة، وكأن الدعوة للحوار، والتسامح، وقبول الآخر هى مجرد دعاية انتخابية نستخدمها عند الحاجة، ثم نرميها وراء ظهورنا بعد ذلك، وكأن "حوارك" مع ممثلى الغرب ودبلوماسييهم فى إطار الإعداد لنيل مقعد اليونسكو هو غاية المراد، وليس ذلك الحوار الذى يهدف إلى تعميق التفاهم بين الشعوب، ومواجهة الأفكار والمفاهيم الخاطئة، القنابل الموقوتة التى تنفجر فى وجوهنا ووجوهم، وتهدد وجودنا ووجودهم. فقبل أن تجزم سيادتك بأن "الغرب لا يزال على أفكاره البالية، بأن الجنوب يجب أن يكون خاضعاً للشمال" أجبنا عما فعلته وزارتك حتى يغير الغرب أفكاره الباليه عن "الجنوب". والوزير يقول عن الغرب إجمالاً إنهم "نسوا أننا الذين رسخنا قيم السلام والتسامح والحضارة" لكنه ينسى أن يضيف "ثم نسيناها"، لأن هذا هو حالنا بالفعل، ولك يا سيادة الوزير وأنت تلتقط أنفاسك استعداداً "لاستكمال مشروعاتك الكبرى فى وزارة الثقافة" أن تراجع بنفسك المستوى الذى وصلت إليه قيم السلام والتسامح والحضارة فى المجتمع المصرى، والدور الذى تلعبه وزارتك فى ترسيخ هذه القيم، فلعلك يا سيدى تضيف إلى مشاريعك الكبرى واحداً لدراسة ما وصل إليه حالنا وحال شبابنا وأطفالنا، وربما تبدأ سيادتك من تسامح الشباب المصرى مع الفتيات والنساء فى العيد، أو التسامح بين المسلمين والمسيحيين، والبهائيين، والشيعة، فى قرى ومراكز الوجه البحرى والقبلى، أو قيم السلام التى تدفع الآباء لقتل أطفالهم وزوجاتهم، أو أسس الحضارة التى نستند إليها حين نصادر الكتب، وحين نقاضى المبدعين، وحين نطارد أى متلبس بالتفكير مع سبق الإصرار والترصد.صحيح يا سيادة الوزير أننا طمحنا بإخلاص فى أن تنال منصب اليونسكو ممثلاً لمصر، لكن تأكد أن "سعادة الشعب المصرى" لا تتوقف على منصب اليونسكو، ويمكنك فعل الكثير لتحقق لنا السعادة التى قلت إنك لم تقبل بالترشح لليونسكو إلا بهدف تحقيقها. سيسعدنا يا سيادة الوزير أن تفرغ بعضاً من وقتك لمراجعة أوضاع الثقافة الجماهيرية، ودور النشر، ومسارح الدولة، وقصور الثقافة، والمكتبات العامة، والمدرسية، وقوانين الرقابة على المصنفات. سيسعدنا لو تفرغ جزءاً من وقتك لدراسة أسباب تراجع كل المهرجانات السينمائية، والمسرحية التى نصفها بالدولية رغم أنها لم تعد تحظى باهتمام الجمهور المصرى، ولا باحترام العالم. سيسعدنا أن تدعو وزارتك قولاً وعملاً لمبادئ التسامح بأن تمد يدها لكل من يتعرضون للاضطهاد والمصادرة بسبب أفكارهم، وآرائهم، وأن تفتح أبواب منشآتها المترامية الأطراف لنشر الثقافة بين شباب وبنات مصر. سيسعدنا يا وزير الثقافة أن تهتم بالثقافة ليس فقط بوصفك وزيرها، وإنما أيضاً لأنك واحد ممن طالتهم شظايا غياب الثقافة، وانعدام التسامح فى مجتمعنا، وأن ترمى كل ما عدا ذلك وراء ظهرك.

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

ولكم فى تفجيرات بيشاور عبرة يا أولى الألباب

كتبت: ناهد نصر

تفجير مدرسة ابتدائية للبنات فى بيشاور بباكستان جرس إنذار شديد اللهجة لا ينبغى أن يمر علينا هنا فى القاهرة مرور الكرام؛ إذ من هول الجريمة يصعب تصور ما الذى كان يدور فى ذهن مدبريها حين قرروا تنفيذها خصوصاً وأنها ارتكبت فى واحد من أهم الأعياد الإسلامية، والذى يعقب مباشرة شهر رمضان الذى يقضيه المسلمون فى الصوم والعبادة والتقرب إلى الله. والجريمة ارتكبت فى يوم عطلة، فلم ينتج عنها أى خسائر فى الأرواح، إلا أن ما نتج عنها من خسائر لا يقل فداحة، فالمدرسة التى دمرت تماماً بفعل الانفجار هى الملجأ الوحيد لـ400 فتاة لتلقى الدراسة فى الريف. وتلك هى الرسالة التى أراد منفذو الجريمة توصيلها ليس فقط إلى الفتيات الأبرياء وذويهم فى ضاحية "تراج بايا" وإنما إلى العالم كله، إنها الحرب ضد العقل، والتفكير، والمعرفة. حرب واضحة لا تقبل الشك، ولا التبرير، لكنها النتيجة الطبيعية لثقافة الجهل والكبت الفكرى والظلام التى يروج لها المتشددون تحت ستار الدين. جريمة بيشاور لخصت رؤية المتشددين للعالم، إذ ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف هؤلاء مدرسة، لأن إعمال العقل ظل وسيبقى الهدف الأول الذى يسعى هؤلاء للخلاص منه، ومحاربته بكل ما أوتوا من قدرة على الكراهية، وبكل ما تنطوى عليه عقولهم من جهل. وليس بالعبوات الناسفة وحدها يحيا المتشددون، فالسواد الذى يسعون لنشره فى البلاد، ويلاحقون به العباد يتشكل حسب الظروف، فهو فى حين يتحول إلى إسدال يحول النساء إلى ما يشبه الخيام المتحركة إمعاناً فى امتهان أجسادهن، ووجودهن الإنسانى كله. ويصبح ملاحقة قضائية لمبدع أو فنان تنطوى على أسوأ أشكال الازدراء والقمع الفكرى، ويتحول أحياناً إلى طلقة مسدس يوجهونها لعقل ارتكب جريمة التفكير، وإلى قنبلة رديئة الصنع تأتى على حياة شخص تورط فى حب الحياة.لكن واحدة من الحقائق التى لا ينبغى إنكارها أيضاً أن مرتكبى جريمة بيشاور ليسوا نباتات شيطانية نبتت مع حالها، وإنما هم وأمثالهم من المتشددين فى كل مكان لا يظهرون إلا حين يتوافر لهم المناخ المناسب من الجهل، والتغييب والكبت الفكرى، والشعور باليأس، وغياب سلطة القانون، والعدالة الاجتماعية، وهى البيئة الخصبة لنمو التطرف، والانغلاق، ووصوله إلى مرحلة لا تجدى معها قضبان السجون، ولا عصا الجلاد، ولكم فيما حدث فى بيشاور عبرة يا أولى الألباب.

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

هالة مصطفى والسفارة فى العمارة

كتبت: ناهد نصر
موقف النخبة الصحفية والمثقفين من الدكتورة هالة مصطفى يشبه مشهد عيد الميلاد فى فيلم "السفارة فى العمارة"، ففى اللحظة التى اكتشف فيها ضيوف الحفل أن بينهم السفير الإسرائيلى، تحول مضيفهم من بطل قومى إلى خائن وعميل.ولم يفاجئنى ما قالته الدكتورة هالة حول أن مثيرى حملة الكراهية ضدها مصابون بمرض الازدواجية، لأن بعضهم مارس فعل "التطبيع" أو على الأقل لا يرفضه. كما لم تفاجئنى تصريحات عدد من القانونيين والحقوقيين الذين أكدوا أن الهجوم على "المطبعين" انتهاك لحريتهم فى التعبير، لكنهم فى الوقت نفسه يتمنون ألا يضطرون للدفاع عن أحدهم لأنها "مخاطرة غير محسوبة".وليس المهم أن تكون رافضاً لإقامة علاقات سوية مع إسرائيل أم لا، لكن المهم أن تعرف "لماذا؟". وسواء كنت تطبيعياً أو غير ذلك لا تندفع فى الإجابة على السؤال. أى لا تقل مثلاً إن رفض كل العلاقات مع إسرائيل حكومة وشعباً هو الوسيلة المثلى للضغط على هذه الدولة العسكرية التى لا تحترم الشرعية وحقوق الإنسان. كما لا تحاول إقناعى بأن إقامة علاقات سوية شاملة كاملة مع إسرائيل هو الذى سيضغط عليها ويجبرها على التخلى عن مشروعها الصهيونى. فإجابتك فى الحالتين ناقصة، وقائمة على افتراض لن يمكنك تقديم دليل واحد على صحته، إذ لا التطبيعيين، ولا المقاطعين تمكنوا من التوصل لنتيجة يمكننا من خلالها الحكم على صحة موقفهم من عدمه.وطالما كلا الفريقين يتخذ موقف "على العميانى" أى دون اختبار حقيقى للنتائج من التطبيع مع إسرائيل، فلا أفهم لماذا يعلق أحد الفريقين المشانق للآخر، إلا إذا كان يستمد من ذلك شعوراً وهمياً بالانتصار، وإراحة الضمير والبطولة الزائفة على حساب شقيقه فى الوطن، وليس على حساب إسرائيل، إذ إن الصراخ فى وجه الآخرين دون تمييز يبقى الحل الأسهل، إذا كان البديل إعمال العقل، والتفكير بهدوء فى جدوى ما نفعله.

الخميس، 20 أغسطس 2009

عبد الحليم قنديل: النظام لن يعيش إلا إذا تعاون مع الإخوان.. والإخوان مستعدون لهذه الصفقة

«كارت أحمر للرئيس» كتابه الأخير ضمن سلسلة من الكتب التى تغازل اسم الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر، فى إطار ما يراه عبدالحليم قنديل ثأرًا عائليًا فرضه عليه النظام، هو يفضل أن يصف نفسه بالكاتب الصحفى، وداعية التغيير، وهو يقارع النظام والمعارضة والقاصى والدانى بما يحب أن يصفه بالمعارضة الجديدة، ويتحدى الجميع بمحاولة وضع «برنامج للقلق المصرى» هو بيان تأسيس الائتلاف المصرى من أجل التغيير... الذى يرى قنديل أنه «الكارت الأحمر» أمام النظام بأدوات حكمه وانتخاباته، وأمام كل سيناريوهات الإصلاح، أو العسكرة، أو التوريث السلمى.
حوار: ناهد نصر
«الأيام الأخيرة» ثم «كارت أحمر للرئيس» لماذا يستهدف عبدالحليم قنديل الرئيس فى أغلب مقالاته، وكتبه؟
الكتاب يضم 51 مقالاً أغلبها ممنوع من النشر فى مصر، وهى نوع من وصف مصر فى لحظة حرجة من تاريخها، والخيط الرابط بينها هو ائتلاف المصريين من أجل التغيير، وهى الفكرة التى تمت بلورتها فى أبريل 2009، ويعتبر الكتاب هو الجزء الثانى من «الأيام الأخيرة»
والنقطة الجوهرية بالكتاب هى أنه لم تعد هناك إمكانية للإصلاح، وأن التغيير هو السبيل الوحيد.
ماذا تعنى بـ «ممنوعة من النشر» فى مصر؟
وقت أن خرجت من جريدة الكرامة كان أمامى فسحة من ورق، لكتابة منتظمة فى الدستور ثم ترأست تحرير صوت الأمة، وبعد صوت الأمة أظن أن التالتة تابتة، والأمر أظلم تماما ولا يوجد أى إمكانية لأن أنشر حرفا فى مصر، يكفى أن مدير التحرير فى جريدة ما تبنى نشر خبر عن الكتاب بعنوان «كارت أحمر» فقط من دون الرئيس، وعلى عمود 5 سنتيمترات، وفى النهاية منع من النشر، فهناك رعب حقيقى من عنوان الكتاب.
لكن الكتاب نفسه لم يتعرض للمصادرة؟
هذا يرجع إلى أن هناك ظنا بأن الكتب مهما بلغت كثافة توزيعها فهى أقل توزيعا من الصحف، وبالتالى أضرارها أقل، لكن العام الماضى شهد حفل توقيع كتاب الأيام الأخيرة هنا فى النقابة استفزازا كبيرا جدا من مكرم محمد أحمد وغيره، لدرجة أنهم عطلوا التكييف والأسانسير، ومنعوا فتح القاعة، وهناك مؤشرات على أن حفلات توقيع «كارت أحمر للرئيس» ستشهد خشونة أكبر من الكتاب السابق.
لكن كتاب الأيام الأخيرة موجود لدى باعة الصحف وفى المكتبات؟
دار النشر التى أصدرت الأيام الأخيرة تلقت خطابا من جهة سيادية لوقفه، لكنها لم تتحرك لتنفيذه، كما استدعتنى جهة سيادية أخرى بسبب إحدى مقالات «الأيام الأخيرة» وأشعر دائما أن هناك حالة من الاستفزاز المبطن تحت الجلد يظهر فجأة ويتوارى أحيانا، و«الأيام الأخيرة» جرى طبعه عشر طبعات سرية، وعموما تضييق السلطات على أى كتاب يكون فى مصلحته.
كيف تصف علاقة عبدالحليم قنديل بالنظام؟
أنا ليس لدى أى ملفات يمكن لأجهزة الأمن فى دولة أمنية أن تستخدمها فى الضغط علىّ، لأننى دربت نفسى منذ بدأت عملى الصحفى ألا أتعامل مع الأغنياء والسفراء والوزراء سواء كانوا صالحين أو طالحين، وهذه مشكلة كثير من الصحفيين والكتاب المصريين الآن لأن كثيرا منهم لديهم مناطق معينة تمارس الضغوط عليهم من خلالها، كما لا تؤثر فى تقلبات الرزق كثيرا، وهذا الوضع ليس مريحا لأسرتى وغير مريح لأعدائى أيضا فلم يستفيدوا من ضغوط مارسوها علىّ بالفعل، وهذا مصدر قوتى.
تعنى أنك أصبحت خارج السيطرة؟
أنا أول صحفى مصرى يضع الرئيس ومؤسسة الرئاسة فى عين العاصفة بإخضاع الرئيس للنقد، وهى تجربة غير مسبوقة فى التاريخ المصرى، وما يشعرنى بالامتنان أن هذا الهدف تحقق، بصرف النظر عن موقعى الحالى «فى الشارع» فأنا صنعت إنجازًا ودفعت ثمنه.
ما الثمن الذى ترى أنك دفعته؟
آخر شىء ما حدث لى فى صوت الأمة، فقد خرجت منها بضغوط من الأمن والرئاسة، هذا غير ما حدث لى منذ 2004 بمنع مقالى فى الراية القطرية، ثم حادث الضرب فى 2004، وإسقاط ضياء الدين داوود فى الانتخابات 2005، وتقرير المجلس الأعلى للصحافة فى 2006، عموما أنا مدرك لحقيقة أنه لا يمكننى العمل بطريقة مريحة.أنت غير مريح بالنسبة للنظام؟نعم، ومارسوا كل أنواع الضغوط المباشرة وغير المباشرة، ضغطوا على ضياء الدين داوود لمنعى من الكتابة، وعندما لم ينجح الضغط حاولوا تجويعى من خلال منع مقالى، ثم حاولوا إذلالى نفسيا بحادث الضرب، وهكذا، هذا غير رسائلهم المباشرة التى كانت تصل لى عبر وسطاء، ومنهم مصطفى كمال حلمى، وزكريا عزمى، وكمال الشاذلى، وصفوت الشريف عندما كنت رئيس التحرير التنفيذى لجريدة العربى.
هل فشل النظام فى إسكاتك أم أنه لا يرغب فى ذلك؟
السلطة تندم على أنها لم تتخلص منى بالقتل فى 2004، لكن صعوبات التخلص منى الآن أكبر بكثير، قارنى مثلاً بين رد فعل الجماعة الصحفية على اختفاء رضا هلال، وعلى حادث الضرب الذى تعرضت له بعدها بفترة قصيرة، رضا هلال أذيب فى حمض كبريتيك.. التجاهل بسرعة، رغم أن ما حدث له شىء مفزع وتطور غير مسبوق، لتتأكدى من أننى فى حماية رأى عام قد لا يكون له ثقل حاسم فى المجتمع لكنه مؤثر، والدليل أن بيان الائتلاف تضمن عبارات من نوع «الإنهاء السلمى لحكم مبارك» ووقع عليه شخصيات عامة لها احترامها وثقلها، إذن هناك قدر من الحماية المعنوية، والناس عارفة إنى تعرضت لهذا الأمر بسبب نقد السلطة، وهذا سبب استفزاز الجماعة الصحفية وتضامنها معى من جهة، وسبب ندمها على عدم التخلص منى.
لكن هناك من يرى أنك لعبت دورا غير مباشر فى الترويج لفكرة التوريث؟
«الكلام ده أنا بسمعه وبضحك لأنه معناه لوم الضحية» هل يظن أحد أننى ابتدعت فكرة التوريث، فراقت فى عين جمال مبارك «وقال دى فكرة حلوة» جمال مبارك فرض على المصريين فرضا، والحملة هى التى فضحته، مخطط التوريث عكس نفسه فى الصحف القومية منذ عام 2000، وبالتالى عكس نفسه فى النقد أيضا، دور المعارضة إنها ارتفعت بسقف النقد، وتحدينا دور الأمن فى الصحافة المصرية.
ماذا تعنى تحديدا بدور الأمن فى الصحافة؟
كل التشكيلات الصحفية فى الصحف القومية تشكيلات أمنية، وقطاع الصحف الحزبية تم تدجينه من خلال التحكم فى رخص الأحزاب، والعبرة فيما حدث لجريدة الشعب، ولأيمن نور. أما القطاع الثالث وهو الصحف المستقلة فروضوه بشكل أيسر لأن طبيعة طبقة رجال الأعمال فى مصر هى «رأسمالية المحاسيب» الذين صنعوا ثرواتهم بقربهم من دوائر الحكم، ويسهل الضغط عليهم، وهذا ما أعنيه بدور الأمن فى الصحافة.
ذكرت رضا هلال، لماذا برأيك نفضت الجماعة الصحفية يدها من هذه القضية؟
هذا شىء يثير استيائى، لكن رضا هلال ضحية أمرين، فهو ماركسى وشبه معارض جرى تكييفه على طريقة للخلف در التى حدثت لكثير من الصحفيين، وبالتالى كانت توجهاته وآراؤه بلا شعبية فى أوساط الجماعة الصحفية، الأمر الآخر هو تواطؤ جريدته الأهرام مع اختفائه فقد أغلقت الموضوع ولو كانت تبنته لكان الوضع اختلف، وعموما الجماعة الصحفية فى مصر تعانى من انعدام حالة التضامن بشكل عام
تقول إن بينك وبين النظام «ثأر عائلى»، وهذا واضح من خلال اختيارك لعناوين كتبك؟
«أنا أصبحت موضوعا على طاولة الغذاء لرؤوس الحكم» وأنا أعتبر نفسى صحفيا وكاتبا، وقد أقول أيضا داعية للتغيير، وليس لى أى طموحات سوى الكتابة، إنما كل ما جرى لى من مطاردة محمومة من قبلهم جعلنى أتأكد من وجود هذا الثأر، فمثلاً كل نظام سياسى يميل عادة إلى احتواء معارضيه، إنما النظام لدينا ليس له أساس اجتماعى ويتكئ على عصا سليمان وهى العصا الأمنية، والعائلة تحس أننى انتهكت قداستها، هذا ما خلق الثأر من جانبهم، أما من جانبى أنا فلا يمكننى نقد النظام السياسى دون نقد العائلة، فالعائلة والنظام «حاجة واحدة».
وما علاقتك بالمعارضة؟
علاقة مضطربة، فأنا جزء من تيار المعارضة الجديدة، كفاية وأخواتها و6 أبريل، وهو تيار يعبر عن حالة القلق المصرى وهو قلق واقعى لكنه غير مبصر، ولا يعرف بالضرورة المكان الذى يريد الذهاب إليه، وهناك فارق بيننا وبين المعارضة التقليدية سواء الملاكى فى الأحزاب، أو معارضة الإخوان التى تشترك مع النظام الحالى فى نفس الجوهر الاقتصادى والاجتماعى، والمعارضة تكرهنى علنا أو هى مضطرة لادعاء أنها تكرهنى لصالح العائلة، إنما يكنون لى كل تقدير واحترام فى الخفاء.
لكن ما تسميه بالمعارضة الجديدة ليس خاليا من أمراض المعارضة التقليدية؟
المعارضة الجديدة ليست حركة اجتماعية واضحة المعالم بها يمين ويسار ووسط، وإنما هى مجرد تعبير عن القلق كما ذكرت، ومجهودنا فى كفاية هو أننا نحاول وضع برنامج للقلق المصرى، نحن نرد الاعتبار للسياسة، ووارد أن يكون هناك تأثير للأحزاب، لكن يكفى أن أشير إلى أن أربعة من مؤسسى كفاية كانوا أعضاء فى التيار الناصرى، ونجاح حركة القلق فى تحديد طريقها يحتاج إلى مدى زمنى طويل.
كم سنة؟
إنهاء النظام القائم لن يكون ثورة مكتملة، إنما مجرد «فك عقدة». فالأحزاب سيرتها انتهت لجنازة، والنقابات المهنية جرى كبتها منذ التسعينيات، وقبلها النقابات العمالية فأنت إزاء وضع مجحف، ولا إمكانية لإصلاحه فى ظل الوضع العائلى القائم، نحن فى محنة وأكذب على الناس لو قلت إن أمامنا طريقا واضحا، تفكيرى أن فك اللعنة بإنهاء النظام الحالى سيحدث سيحدث، وما نقدمه فى الائتلاف هو السيناريو الأكثر أمانا لكن ليس الأكثر توقعا، لكن كل ثورة ناجحة قبلها عشرات الثورات المجهضة، وهذا لا يعنى أن الثورات المجهضة بلا قيمة، هذا فهم خرافى للتاريخ، فشرط الضمير فوق توقع التغيير، وأنا لا أحجز ضميرى رهينة للجدوى.
يعنى أنت تقر بأن حركة المعارضة الجديدة ليس لها أهداف واضحة؟
أنا أتكلم عن تيار بدأ تعبيرا عن القلق وليس تعبيرا عن فئات مبلورة، وتناقضات اجتماعية ولهذا السبب هى ضعيفة التكوين بدأت من قلق سياسى، ثم ضعفت وتيرته وبدأ القلق الاجتماعى. فرضيتى الأساسية فى الائتلاف هل يمكن مزج الغضب السياسى، مع الغضب الاجتماعى فى مستوى ثالث من الغضب. والدور الجديد لكفاية هو أن تكون عنصرا مساعد فى بناء حركة التغيير. ولذلك على سبيل المثال ضممنا للائتلاف قادة الإضرابات والحركات الأكثر وعياً. ونتوقع أن نلعب دوراً ما فى اللحظة الحاسمة التى بالتأكيد ستباغتنا.
بمعنى؟
لو تغير الوضع الحالى فجأة لا يمكن للنظام أن يواصل الحكم بالطريقة الحالية، سينفجر الشارع المصرى، لأن المصريين سيشعرون أخيراً أن غطاء الكبت انفجر، ووجودنا فى هذه اللحظة ضرورى.
هل تتوقع حكماعسكريا؟
الجيش لا يمكنه حكم مصر بسبب استنفاد صيغة الجيش وسيضطر لوضع صيغة تركية، مزيج حريات ديمقراطية وتحكم مركزى. لكن لن تتكرر صيغة الحزب الإدارى، لأنه لا توجد موارد لعمل رشاوى اجتماعية وسيضطر لعمل محاكمات عامة لمن سرقوا البلد. وساعتها قيمة الائتلاف ستكون فى أنه قطب مدنى اجتماعى معاه برنامج، يمكنه أن يقول للجيش لن نحكم بهذه الطريقة.
لكنك قلت إن الحركة مازالت فى طور وضع البرنامج
؟نحاول حالياً زيادة حجم الحركة عن طريق تكتيكات للربط مثلاً باختيار بديل رئاسى لأن الناس تفهم هذه الصيغة أكثر مما تفهم البرامج والأيديولوجيات، فنحن فى بيئة سياسية متدنية.هل رشحتم أسماء بالفعل؟القضية ليست فى أشخاص، وإنما فى من يقبل المخاطرة. وهناك توقيت معين للإعلان، «ماينفعش قبل الزفة نعمل الكوشة»، نحن نراقب تصرفات الطرف الآخر.
هل تستبعد سيناريو جمال مبارك فى السلطة؟
جمال مبارك لن يحكم مصر رسمياً فى أى وقت، وهناك فرق بين أن تبحث عن عريس وعن رئيس، تعلم اللغات مش مؤهلات رئيس جمهورية.ولكنك تقول إن هناك مخططا لفرضه؟ممكن فرضه على نحو ما يفرض أى شىء، ممكن فرضه بالقوة القاهرة وهى الأمن لكن المشكلة أن الأجهزة الأمنية تنصح ببقاء الوضع الحالى كما هو، لأن أى خلخلة فى الصيغة الحالية غير مضمونة النتائج.
تعنى أن النظام ليس لديه تصور لما بعد مبارك؟
تصورهم الأقرب لظنهم أن يكون الأمر سجالاً على التوريث بالمؤسسة الحاصل منذ 52.هذا الطرح يلغى سيناريو الانفجار الاجتماعى؟لاشك عندى فى أن الانفجار الاجتماعى سيحدث حتى لو تغير النظام، لأن الجزء المهم الذى فعلته حركة القلق الاجتماعى أنها أعادت للمصريين الشعور بالألم، ومزيد من الحريات التى ينطوى عليها مجرد الزوال النفسى للنظام سيشعر الناس أكثر بالألم وبالتالى سيخرجون إلى الشارع. كل الأمور متجهة إلى ذلك. لأن الإذعان يكون مقابل إشباع، لكن إذعان كده لله فى لله، لا حريات سياسية ولا اقتصاد نمور ولا جيوش تسد عين الشمس، لا يمكن احتماله فنحن لسنا الصين مثلاً، والنظام فاشل فى أن يمد فى عمره.
كيف يمكنه ذلك؟
النظام ممكن يمد فى عمره لو تحالف مع الإخوان. لأن جوهرهم الاقتصادى والاجتماعى واحد. فالإخوان هم حزب اليمين الأساسى فى البلاد، أما الجبهة والغد والوفد فهى مجرد عناصر تلقيح وإثارة «شو». الإخوان هم القوة الضاربة فى جذور اليمين المصرى القابلة للتحول الليبرالى حزب عدالة وتنمية. التناقض الوحيد بين النظام والإخوان فيزيائى. هناك احتكاك بين شعب الأمن وشعب الإخوان كأنهم بيتزاحموا فى أتوبيس.
لكن الإخوان ينكرون هذا الطرح؟
جزء كبير من قيادة الإخوان مستعد فى أى وقت لعمل صفقة مع النظام، لكن النظام غير مستعد لعمل صفقة معهم. لأنه نظام احتكارى عائلى لا يقبل شريكاً. ولو فعلها النظام لتمكن من حكمنا 20 سنة قادمة، وتتحقق المصيبة لأننا سنكون تحت نفس النظام بقاعدة شعبية تكونت عبر ثلاثة عقود مما يعطى إيحاء بالتجديد.
إلى أى مدى يمكن أن يتحقق هذا السيناريو؟
أنا لا أتوقعه وده من حسن حظ البلد، فالنظام ليس بوسعه التحالف مع أحد وتوسيع قاعدته، وجزء كبير من قيادة الإخوان لديها هذه الرغبة وده سبب تردد الإخوان. لأنهم مش فاهمين لماذا يحدث لهم ما يحدث رغم فهم النظام تركيبتهم.
لماذا لا تضع سيناريو الإصلاح عن طريق الانتخابات ضمن حساباتك؟
الإصلاح غير ممكن، لأنه لا وجود للانتخابات أصلاً. التجربة الحزبية فى مصر عمرها 33 وسنة ولسه بيقولوا عليها ناشئة وهاتنضج حتى الآن. والناس كانت متمسكة بقشة اسمها الإشراف القضائى لكن التعديلات الدستورية الأخيرة قضت عليها. وبالتالى لم تعد هناك انتخابات. فضلاً عن التزوير، والأساليب الملتوية للمنع. والدليل أمامنا فى انتخابات القناطر وهى الأحدث.
لو مددنا سيناريو الانتخابات على استقامته، ما الذى سيكون الوضع عليه؟
أولاً لن يكون هناك إخوانى واحد فى أى مقعد، وستحدث مذبحة للإخوان والمعارضة الراديكالية رأينا بروفاتها فى المحليات، والتجديد النصفى، والقناطر. وستفرغ اماكنهم لصالح الكومبارسات.
من المرشح للعب دور الكومبارس فى انتخابات الرئاسة القادمة برأيك؟
لا أحد يريد لعب هذا الدور حتى اللحظة. لأنهم رأوا ما حدث لمن اندمج فى الدور فى الانتخابات السابقة أيمن نور فى السجن، ونعمان جمعة فى الشارع. وسيتحدد الكومبارس حسب توزيع الكوتة الأمنية فى الانتخابات البرلمانية. ولا يمكن القياس على الوضع الحالى، لكن لو أردنا ذلك فليس هناك حسب الدستور سوى التجمع والوفد لأن لهما عضوا واحدا فى البرلمان، لكن يمكن البناء عليه فى حالة واحدة وهى حدوث تغير مفاجئ فى الأوضاع.
كيف تقرأ تحركات أيمن نور بعد خروجه من السجن؟
أيمن نور كان شابا نشيطا جدا ودماغه فى الموضوع. انتخابياً لن يتاح له ترشيح نفسه لكنه يفكر بطريقة إن ماحدش يضمن أن النظام يفضل موجود، فهو يبنى لنفسه قاعدة شعبية تحسباً لهذه اللحظة.
إلى أى مدى هو قادر على بناء هذه القاعدة الشعبية؟
نور استفاد من تجربته فى 2005، ولا أحد يقلل من حوافزه الذاتية. لكن أخشى أن شعبيته تتأثر منذ خروجه من السجن لأنه يدلى بتصريحات متضاربة. ولو ظن نور أن الناس أيدته لأنه أيمن نور فهو مخطئ لأنهم أيدوه كصوت احتجاجى، فتردده وتذبذبه يبدد هذه الصورة. وأيمن نور يساعد الدعاية المضادة له بسبب التردد.
حزب الجبهة يطرح أيضاً تصورات معينة حول التغيير، ما رأيك فى أدائه كحزب جديد؟
الدكتور أسامة الغزالى مش طارح نفسه فى قاعدة جماهيرية. بعكس أيمن الذى يعتبر نفسه «كفائى» ويتمتع بنزعة المخاطرة. ولأن الناس فى يأس فهو يتعامل بمنطق اتحرك وبعدين فكر مش العكس.
تعنى أن أسامة الغزالى حرب والجبهة تردد شعارات فقط، بلا تأثير؟
الأحزاب الجديدة فى أزمة بسبب ارتباطها بالرخصة، وبالتالى هى لا تختلف عن الأحزاب التقليدية، ومصيرها واحد. وبالنسبة للجبهة هو حزب غير موجود ولا يحس به أحد فى الشارع السياسى، وكل ما قاله قبل الرخصة من إنشاء تيار ثالث والأغلبية الصامتة وغيره لا أثر له على أرض الواقع. وهو نفس الكلام الذى يردده عصمت السادات، لأنه من نفس الأرضية، وهو أحد مؤسسى الجبهة أيضاً.
تحمّل التمويل الأجنبى مسئولية فشل الحركات السياسية؟
التمويل الأجنبى أفسد الهامش السياسى المصرى، وأورثه الغربة عن الشعور فأصبح غير قادر على تحديد موقف من أمريكا وإسرائيل. فليست هناك فى مصر منظمات حقوق إنسان، كلها شركات، وهذه مسخرة حقيقية. لأنها تنمو كالفطريات، وتدمر المهمات العامة للنشطاء.
لكن هذا الاتجاه اخترق المعارضة الجديدة أيضاً، بدليل ما حدث فى 6 أبريل؟
التمويل الأجنبى ظاهرة مرعبة واجهناها فى كفاية مبكراً عن طريق فرز الأشخاص، ورفضنا على سبيل المثال إدخال أى أشخاص ممولين إلى اللجنة التنسيقية لكفاية رغم محاولات عادل المشد. حدث خلاف فى 6 أبريل ووصلوا إلى نقطة اللاعودة، وانقسمت إلى جبهتين واحدة ليبرالية وواحدة كفائية. ورفعت على قضايا بسبب نقدى للتمويل الأجنبى أكبر من كل ما رفع على بسبب نقدى للعائلة.
من رفع عليك هذه القضايا؟
فريدة النقاش طالبت بتعويض 5 ملايين جنيه بسبب موضوع كتبته دون ذكر اسمها. فهى فى يناير 1996 كتبت فى اليسار مقالا انتقدت فيه التمويل الأجنبى ووصفت الممولين «بمناضلين آخر زمن فى العوامات» وفى يونيو من نفس العام أنشأت فريدة عوامة تخصها اسمها ملتقى الهيئات لتنمية المرأة وحصلت على تمويل قدره 153 ألف دولار من السفارة الكندية، وعندما انتقدت هذا الأمر قالت: إن الاستعمار أخذ حقنا والآن نحن نأخذ حقنا من الاستعمار. وكأنها حصلت على توكيل لتخليص حقنا منه.

الخميس، 13 أغسطس 2009

نشطاء النوبة فى المسافة بين حق العودة.. وحق رغيف العيش

كتبت: ناهد نصر

«معملوش ولا حاجة، وهذا ما أغضبنى لأننى طرحت على الهيئات المدنية هناك أن تقف مع الحضارة النوبية التى قدمت للحضارة العالمية الكثير، وعندما نكون فى أزمة فالمفترض أن الشعوب والهيئات المدنية تقف معنا» ذلك كان تعليق الأديب والناشط النوبى حجاج أدول على سؤال وجه له حول رد فعل «الأمريكان» على ما طرحه خلال مشاركته فى مؤتمر نظمه أقباط المهجر فى نوفمبر 2005.فقد قال أدول فى مؤتمر واشنطن كلاماً من نوع أن النوبيين يعانون اضطهاداً فى مصر، وأن إزاحتهم إلى قرى التهجير من أجل بناء السد العالى هو نوع من التطهير العرقى. ووصل دوى القنابل التى ألقى بها أدول هناك إلى القاهرة وبسرعة البرق، وفيما أكد الأديب النوبى أن كلماته لم تجد صدى لدى الأمريكان، وجد هو نفسه محاصراً هنا بهجوم غير مسبوق، بعضه كان موجهاً من أبناء جلدته، النوبيين أنفسهم.إلا أن الزيارة بكل ما لها وما عليها فتحت الباب على مصراعيه لسؤال كبير: هل النوبيون بحاجة لتدويل قضيتهم؟ أدول يجيب عن السؤال بطريقته «لست أنا من دوّل القضية النوبية، بل عبد الناصر، وثروت عكاشة» مشيراً إلى أن الأمر حين يتعلق بالآثار، والتراث، والمشاريع الكبرى يصبح التدويل حلالاً، أما إذا تعلق بالبشر فلهم فى هذا حسابات أخرى. ويؤكد أدول أن ما يقصده بتدويل القضية النوبية معناه اللجوء إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التى وقعتها مصر، والتى تنص على حقوق النوبيين، وإذا كانت الحكومة المصرية لا تعترف بهذه المواثيق، أو بالجهات التى تنتمى إليها، فعليها أن تعلن انسحابها منها فوراً. ويضيف أن الصحوة النوبية ما كان لها أن تتحقق لولا زيارة واشنطن». الصحوة النوبية التى يعنيها أدول يترجمها المهندس طارق أغا، الناشط النوبى، بأنها تعنى الدعوة للحق النوبى بين أوساط المثقفين المصريين فى الداخل، وهو يرى أن الطريق الأسلم يكمن فى أن تعى الحكومة المصرية أن مطالبنا نابعة من كوننا مواطنين مصريين، ولسنا جماعة خارجية ترمى لهم الدولة بيوتاً فى أرض مقفرة، ثم تدير لهم ظهرها معتقدة أنها «عملت اللى عليها» وهو يقول إن النوبيين يريدون العودة، لكن هذه العودة ليست مجرد انتقال جغرافى من مكان لآخر، وليست ديناً فى رقبة الدولة ترده لنا فتنتهى العلاقة بيننا وبينها «نريد العودة إلى ضفاف البحيرة، نعم، وليس من منطلق الحق التاريخى، وإنما لأن قرى التهجير مقفرة، وخالية من عناصر التنمية، وبالتالى فإن مطالبنا تنموية بالأساس» وهو يرى أن الدولة إذا لم تفهم مطالب النوبيين فى هذا الإطار، فإنها تفتح الباب مجدداً لحلول قد لا ترضيها، لكنها ستقتصر على التعاون مع المنظمات غير الحكومية التى تدافع عن حقوق الإنسان. الكرة إذن فى ملعب الدولة، والدولة لا تألو على نفسها جهداً، هكذا يراها مسعد هركى الناشط النوبى، ورئيس النادى النوبى العام، فهو يرى أن مجرد التفكير فى طرح القضية خارجياً حتى لو بمنطق حقوق الإنسان أمر لا مبرر له، بل يعكس رغبة فى «الكلام الكثير بلا فعل» لأن كل نوبى فى رأيه يجب أن يعرف أنه يستطيع الحصول على حقوقه من الدولة بالحوار مع الدولة، وليس مع أى أحد آخر.لكن ما يراه مسعد هركى «جعجعة بلا طحن» من قبل بعض النشطاء يراه غيره ضرورة لا غنى عنها، ومن بينهم حمدى سليمان، رئيس النادى النوبى فى فيينا بالنمسا، الذى يقولها هكذا صراحة وفى أكثر من مناسبة «على القيادات النوبية بالداخل الكف عن طرح مطالبهم على الدولة بعد مرور أكثر من أربعة عقود من المطالبات بلا جدوى» فالتوجه للمنظمات الدولية هو الحل الذى يراه سليمان، وعلى كل النوبيين فى المهجر أن يعوا هذه الحقيقة دفاعاً عن حقوق إخوانهم فى مصر. وما يطرحه نشطاء النوبة فى المهجر، وفى القاهرة والإسكندرية، وحتى أسوان يقدم صورة غير مكتملة لكيفية رؤية النوبيين مستقبلهم، فبعضهم، خاصة هؤلاء الذين يعيشون فى قرى ومدن نصر النوبة هناك فى الجنوب، يفكرون فى القضية بطريقة مختلفة، إذ يرون أن النوبيين يشغلهم ما يشغل غيرهم من المواطنين المصريين فى كل مكان، مشاكل مياه الشرب، والصرف الصحى، والتصويت فى الانتخابات، وتوفير فرصة عمل، ورغيف خبز خال من الرصاص، وبالتأكيد دون أن يتجاهلوا تاريخ انتقالهم من هناك عند ضفاف البحيرة، إلى هنا عند ضفاف الجفاف، وهم يرون أن المطالب النوبية بالنسبة لهم جزء من مطالب جميع المصريين، أما ما زاد عنها فمن حق المصريين جميعاً أن يعرفوه، فيشعروا به، ليتحول إلى جزء من مطالبهم هم أيضاً، هكذا يراها مصطفى رمضان، شاب نوبى يعيش فى قرية البلانة، مركز نصر النوبة، محافظة أسوان، ويلخص رمضان نتائج الخطوة التى قام بها حجاج أدول فى مؤتمر أقباط المهجر منذ خمس سنوات بأنها كسرت حاجز الصمت الطويل الذى آثر النوبيون أن يلوذوا به لسنوات، ليس فقط للمطالبة بحقوقهم التاريخية فى العودة، وإنما «وهو الأهم» فى المطالبة بحقوقهم كمواطنين مصريين. ويقول مصطفى رمضان إن المؤتمرات كلها التى عقدت داخل مصر لمناقشة القضية النوبية هى التى جعلت لهذه القضية ذلك التواجد الإعلامى الذى يتزايد تأثيره يوماً بعد يوم. ويضيف رمضان: النوبيون عليهم أن يكونوا أكثر انخراطاً فى الحياة العامة، لأن ذلك هو مفتاحهم الحقيقى نحو الحصول على مطالبهم، ويتساءل رمضان: «نحن نهتم فقط بما هى الأحزاب التى تضع القضية النوبية على أجندتها، لكننا لا نهتم بالقدر نفسه بكم نوبى فى هذه الأحزاب»، وسؤال مصطفى وراءه فكرة، والفكرة هى أن السياسة لعبة مصالح، قبل أن تكون لعبة حقوق، وأن المصالح يصنعها أصحابها، وأن وجود هؤلاء فى جميع الأشكال المدنية ومن بينها الأحزاب السياسية كأعضاء نشطين ومؤثرين هو السبيل نحو تحقيق مطالبهم. ويقول إنه انطلاقاً من هذا السبب بالذات قرر الانضمام وبنشاط لحزب الغد فى أسوان. وجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ، لكنها تمثل جزءاً من المشهد النوبى، الذى لا يتفق نشطاؤه على رؤية واحدة للحل، لكنهم يتفقون على أن كل الاختيارات مفتوحة، أمامهم دون تفريط.

الأحد، 26 يوليو 2009

حقوق الأقباط "غير المستعملة"

كتبت: ناهد نصر

تأكيدات الدكتور فتحى سرور بأن الأقباط من حقهم الترشح لمنصب الرئيس جاءت فى وقتها تماماً، فجزء من مشكلة الأقباط فى مصر هى أن بعض حقوقهم الدستورية والقانونية "غير مستعملة"، صحيح أن ذلك يرجع إلى عدم ثقتهم فى النتائج، لكن المثل يقول "من لا يخطئ أبداً، لا يعمل أبداً"، لأنه لا يجرب أن يضع نفسه على المحك. تخيل مثلاً أن قبطياً واحداً على الأقل رشح نفسه مستقلاً فى كل دائرة من الدوائر الانتخابية، بدلاً من أن يلعن الأحزاب التى لا ترشح أقباطاً للبرلمان، وعلى رأسها الحزب الوطنى، وبدلاً من انتظار تغيير النظام الانتخابى إلى القوائم. وتخيل أن قبطياً رشح نفسه لانتخابات الرئاسة، بدلاً من التسليم بأن المناخ العام لا يقبل ولاية غير المسلمين. بالتأكيد ليس النجاح أو الخسارة هو المقياس، لأن الجميع إلى حين يأتى لنا الإصلاح السياسى بانتخابات نزيهة متساوون فى الهم ذاته، وإضافة هم آخر طائفى لا يعنى فقط ضغوطاً إضافية، بل وتصريحاً بالشعور بالرضا عن السلبية، فمن أين سيأتى الإصلاح السياسى إذا سلمنا جدلاً أنه لن يأتى أبداً.وجزء من الطائفية فى مصر مسئول عنها من يشتكون من وجودها، تأمل مثلاً هذا السؤال: لماذا لم يتوجه أهالى قرية الحواصلية بالمنيا بطلب للمحافظ لبناء كنيسة استناداً إلى القرار الجمهورى الذى يمنحه هذه الصلاحية، ثم إذا رفض المحافظ، فبيننا وبينه القضاء. صحيح أن وعى البشر لا تصنعه القوانين ولا القرارات، وما أكثر الأحكام القضائية التى لا تنفذ، لكن بالتأكيد التفريط فى ممارسة الحقوق تقصير. فلن يتغير الوضع القائم بالشكوى الدائمة، ولا بعرائض المطالب، بل بالتجربة والخطأ، لأن تلك هى الطريقة الوحيدة لفرض واقع مختلف. والأقباط فى مصر مطالبون بطرح أنفسهم بقوة على الساحة فى كل المجالات الممكنة، ولا يعنى ذلك الانتقاص من المشكلات التى يعانون منها، ولا التنازل عن المطالب التى تمثل حقوقهم فى المواطنة الكاملة التى هى ليست منحاً أو عطايا، ولكن من قال إنها لا تحتاج إلى عناء. الأقباط فى مصر مدعوون لممارسة المواطنة فى المساحات المتاحة، لأن ذلك هو الأسلوب الوحيد لتوسيع تلك المساحات، وجزء أصيل من المواطنة هو استخدام حقوقهم فى المشاركة السياسية مثلهم مثل غيرهم. وأمام كل عائق قد يهدد التجربة بالتعثر، سنكتشف أدوات جديدة لمواصلة الطريق، وأنصاراً جدداً ومتضامين جدداً، وعثرات جديدة أيضاً، لكننا سنكسب أراضٍ جديدة بالقانون والدستور. أما أن نحكم على التجربة بالفشل قبل أن تبدأ، وعلى أنفسنا بالعزلة، وعلى مصر بالطائفية، ونواصل لعن الظلام، فى ركن قصى، فلن نتحرك خطوة واحدة للأمام.

الجمعة، 24 يوليو 2009

أولاد الذوات غارقون فى الـ"صلصا".. والشعبيون يمتنعون

كتبت: ناهد نصر

الرقصة اللاتينية الشهيرة التى اكتسبت مذاقها الحار فى كوبا وجاذبيتها وسحرها فى شوارع نيويورك فى الستينيات، تتحول فى مصر الآن إلى "موضة" جمهورها يبدأ من الخامسة عشرة حتى الخمسين. فمن فرع وحيد لمدرسة رقص دولية فى المعادى تنتشر "الصلصا" بسرعة، لتتحول إلى برنامج دائم فى صالات الجيم والفنادق الكبرى، وفقرة فى حفلات الزواج ومراكز تدريب وليالى أسبوعية يرتادها عشاق الرقصة من الجنسين.
مايا سعيد، واحدة من المدربين المعروفين فى مجتمع الرقص اللاتينى فى مصر، بدأت حياتها مدرسة باليه، ثم لم تستطع مقاومة سحر الصلصا، تقول: "تعلمت الصلصا على يد واحد من طلابى، فى البداية بدأ الأمر كفضول نحو تعلم رقصات جديدة، لكننى بعد فترة قصيرة وجدت نفسى منجذبة تماماً نحوها لدرجة أننى سافرت للخارج خصيصاً من أجل تعلم فن الصلصا على أصوله". وتعمل مايا مدربة صلصا منذ ثمانى سنوات فى اثنين من أشهر مراكز التدريب على الرقصة، وهى لا تخفى سعادتها بالانتشار المتنامى للصلصا "الأفلام والكليبات والإنترنت ساعدت على انتشار الرقص اللاتينى عموماً، لكن الصلصا أسهلهم".
وتتركز أماكن التدريب على الصلصا فى الأحياء الراقية كالمعادى ومصر الجديدة، والمهندسين، بالإضافة إلى الفنادق الكبرى، ويتجاوز الأمر مراكز التدريب إلى صالات الجيم، حيث صارت الصلصا أحد برامج اللياقة البدنية وإنقاص الوزن فى العديد منها، وهى بالنسبة للبعض الآخر علاج للاكتئاب.
شيرين قطرى صاحبة صالة جيم تحول مؤخراً إلى أحد مراكز التدريب، تقول إنها ثبتت برنامجا خاصا للتدريب على الصلصا بناء على طلب الزبائن، "بعد أن تعلمتها عرفت سبب إقبال الناس عليها، فهى أفضل وسيلة للقضاء على الاكتئاب، أنا عن نفسى كلما شعرت بالضيق أتوجه فوراً إلى صالة الرقص.. وأديها صلصا".
لكن هذا الانتشار يزعج البعض من عشاق الرقصة. واحد من أشهر مدربين الصلصا وصاحب مركز تدريب، رفض نشر اسمه، يرى أن انتشار أماكن التدريب لا يعنى أن الجميع يرقصون الصلصا فعلاً، لأن الرقصة تحولت إلى موضة تغرى الكثيرين لدخول المجال كمدربين بصرف النظر عن خبرتهم الحقيقية، "لا يوجد فى مصر سوى أربعة مدربين محترفين فقط، والباقون يتراوح مستواهم بين الجيد والمعقول ومن لا يصلح .. ولا يوجد فى مصر مدرب واحد حاصل على شهادة فى الرقص اللاتينى فالكل هواة بما فى ذلك العروض المضحكة التى تقدم فى الأفلام والكليبات على أنها صلصا".
وبرامج التدريب التى تقدمها هذه المراكز تنقسم إلى مستويات تدريجية من المبتدئين وحتى المتخصصين. وهذه البرامج على حد قول هشام نجيب، وهو متدرب سابق يبدأ طريقه نحو عالم التدريب، تناسب الجميع، "للوهلة الأولى تبدو الرقصة صعبة، لكن الحقيقة هو أنه يمكن لأى شخص ليست لديه خلفية عن الرقص أن يتحول إلى محترف صلصا من خلال التدريب، وبمجرد اجتياز المستوى الأول تشعر أنك ترغب فى المواصلة لإتقان الرقصة حتى تتمكن من الأداء بشكل جيد فى النايتس".
والصلصا نايتس هى ليالى مخصصة لراقصى الصلصا، حيث يمكن للجميع بصرف النظر عن مدى احترافهم المشاركة فيها، والشرط الوحيد ألا تكون وحيداً حيث لا يمكنك أداء الصلصا من دون وجود شريك من الجنس الآخر. محمد سعيد مدير ليالى الصلصا فى واحد من أماكن الرقص اللاتينى الشهيرة فى المهندسين، يقول "ليالى الصلصا تكون المحك الذى يلتقى فيه محبو الرقصة ويقضون أوقات ممتعة على أنغام الموسيقى اللاتينية، وهى أيضاً فرصة عظيمة لمقارنة أدائك بأداء الآخرين ما يدفعك لمواصلة التدريب للوصول إلى الاحتراف"، وإذا كنت من محبى الصلصا فيمكنك قضاء الأسبوع متنقلاً بين ليالى الصلصا التى تقام على مدار الأسبوع فى أماكن مختلفة أغلبها تابع لمراكز التدريب.
وبعيداً عن مراكز التدريب وليالى الصلصا، تتحول الرقصة أيضاً إلى واحدة من الفقرات المحببة فى حفلات الزواج يؤديها العريس بصحبة عروسه فى ليلة الفرح، وتقول ميادة محمود، مدربة صلصا أن العرسان أصبحوا يتجهون للصلصا بديلاً عن الرقصة السلو التى كان يؤديها أغلب العرسان وذلك كنوع من التجديد، لكن رقصة العرسان التى لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة تتطلب منهم جهداً قد يصل إلى الثلاثة أشهر "العرسان يأتون إلينا قبل الفرح بثلاثة أشهر للتدريب على الرقصة ليظهروا بشكل جميل أمام الجمهور"، وتضيف ميادة أنه بالإضافة للصلصا بعض العرسان يختارون رقصات لاتينية أخرى كالمارينجى أوالتشاتشا.
وعلى الرغم من انتشار الصلصا إلا أن جمهورها لا يزال مقصوراً على سكان الأحياء الراقية، ويقلل عشاق الصلصا من العامل الاقتصادى كسبب فى عزوف أبناء المناطق الشعبية عنها، فى رأى مايا سعيد دروس الصلصا ليست مرتفعة الثمن فهى تتراوح بين 30 إلى 50 جنيها فى الساعة وسعر المستوى الواحد يتراوح بين 280 إلى 300 جنيه، وهى لا تزيد عن ذلك إلا فى مدرسة واحدة أغلب روادها من الأجانب، وهى ترى أن عدم انتشارها فى المناطق الشعبية يرجع إلى أسباب ثقافية "الرقص اللاتينى عموماً هو رقص صالونات وهو يرتبط بثقافة مختلفة عن الثقافة الشعبية السائدة، حيث يعتمد على وجود رجل وامرأة فى حلبة الرقص معاً"، وتعترض مايا على المفاهيم الخاطئة التى قد تكون السبب فى اقتصار الرقص اللاتينى على فئات معينة "الرقص هو وسيلة للتعبير عن الذات ومن الغريب تصور أن هناك أى دوافع أخرى من وراء ذلك. مجتمعنا عدو ما يجهل، والأمر نفسه يحدث مع الباليه وفن الأوبرا".
وتتصور مايا أن الإنترنت سيكون وسيلة فعالة فى انتشار الرقص اللاتينى على نطاق أوسع فى مصر، ويتفق معها أحمد صبرى طالب الهندسة الذى وقع فى غرام الصلصا من أول حصة، فقام بإنشاء أول جروب الكترونى على الفيس بوك لراقصى الصلصا المصريين، فى محاولة على حد قوله للتواصل بين أعضاء مجتمع الصلصا "بالإضافة إلى تجميع عشاق وراقصى الصلصا فى مكان واحد، وهناك العديد من الناس الذين يعرفون الرقصة ولكنهم لا يعرفون السبيل إلى مراكز التدريب والليالى والحفلات وسوف يجدون كل هذه المعلومات على الجروب بالاضافة الى معلومات عن الرقصة نفسها"، فهل ستنقل تكنولوجيا المعلومات الصلصا إلى رقصة شعبية فى مصر بعد أن صارت موضة أولاد الذوات.

منشور فى موقع اليوم السابع

الخميس، 23 يوليو 2009

"غلاسة" الحكومة

كتبت: ناهد نصر

أنت مواطن تعيش فى حالك، تتجنب ذكر الحكومة فى أى جملة مفيدة، ولا تتكلم فى السياسة. تتجاهل مثلاً متابعة جلسات مجلس الشعب لأنك لا تصدق ما يدور بداخلها، ولأن لديك إيماناً شبه قاطع بأنها مجرد تحصيل حاصل لقرارات وقوانين لم يستشرك فيها أحد، وأنت بالكاد تتذكر شكل النائب الذى يمثل دائرتك منذ أن كانت صورته تملأ الشوارع أثناء الانتخابات، وربما لأن صورة أو اثنين من بقايا الدعاية الانتخابية مازالت ملتصقة بسور مدرسة، أو حائط منزل أو عامود كهرباء فى منطقتك.وأنت تشترى الصحيفة أحياناً، وبالتحديد خلال المباريات المهمة، وقد يخطف نظرك خبر مهم مثل عصابات خطف الأطفال، أو زوجة تقتل زوجها بالتعاون مع عشيقها، وتقول "أعوذ بالله، الدنيا ماعدتش أمان"، وتسرق خاطرك أحياناً فقرة فى أحد البرامج الحوارية على الفضائيات تتحدث عن تلوث المياه فى مركز أو مدينة بالدقهلية، أو تلوث رغيف الخبز فى قرية بالصعيد، أو مقتل فتاة مصرية بسبب الحجاب فى ألمانيا، وأنت تحاول طرد الأفكار السيئة عن رأسك، ومعها القلق والسكر والضغط. باختصار أنت مقتنع أن الطريقة التى اخترتها لحياتك هى غاية المراد من رب العباد، فلا ضرر ولا ضرار، وياحكومة "انت فى حالك وأنا فى حالى". لكنك تكتشف أنك على خطأ، وأن الحكومة لا تحب المواطن الذى فى حاله، وإلا فكيف تمارس هى دورها فى إدارة البلاد. إنها مسئولية إذا كنت لا تعلم، وأعضاء الحكومة من أكبر وزير إلى أصغر موظف فى المجلس المحلى مروراً بالمحافظ، ووكيل الوزارة، ومدير الإدارة، وحتى مأمور القسم... الخ يحبون أن يشعر المواطن بوجودهم، حتى لو كان ذلك على طريقة الصدمة الكهربائية. وهذا ليس والعياذ بالله حباً فى "العكننة" عليك، أومضايقتك، فالحكومة لا تحب "وجع الدماغ" الذى قد يسببه ذلك، لكنها فى الوقت نفسه فى رقبتها مسئوليات يا مواطن، وعليها مخططات، وبرامج، ومشاريع، وهى ليست مسئولة عن أنك لا تعرف كل هذا الكلام، أو لا تفهمه، فهذه غلطتك أنت، وليست غلطة الحكومة، وليست غلطتها أيضاً أنك أحياناً وبالصدفة (يعنى بدون عمد) تقف فى طريق هذه الخطط والمشاريع والمسئوليات، فالحكومة "مش مستقصداك".غاية ما هنالك أنك لا تستطيع وأنت فى موقعك هذا أن ترى الصورة كاملة، صورة مصر، ذات المليون كيلو متر مربع بحدودها الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، فأنت نقطة صغيرة وسط هذه "الهلمة". وهكذا فعندما تقول لك الحكومة أن المواطن على رأس أولوياتها فعليك أن تصدقها، لأن هذا لا يعنى أنك أنت بالذات ضمن هذه الأولويات، وإنما أنت مجرد مواطن واحد ضمن حوالى 80 مليون مواطن، كلهم على رأس أولويات الحكومة.مثلاً عندما تفاجئك الحكومة بأنها قررت نقل حديقة الحيوان إلى آخر الدنيا، فبالتأكيد هى لا تقصد من وراء ذلك حرمان أولادك من مصدر البهجة الوحيد فى المناسبات الرسمية وأيام الإجازات، وعندما تقرر الحكومة إزالة منزلك هكذا فجأة لإنشاء كوبرى أو طريق، أو من دون سبب واضح، فتأكد أن هناك مصلحة ما من وراء القرار، وعندما تسمع أن الحكومة اكتشفت فجأة أن مجمع التحرير لم يعد مناسباً لأن تستخرج أوراقك الرسمية، أو أن الاتجاهات فى شارع رمسيس أو فى كورنيش النيل كانت خطأ من الأساس، أو أن هواء مولد السيدة زينب به سم قاتل، أو أن عطلة السبت فى الجامعات قرار خاطئ، وعطلة السبت فى المدارس شىء "كويس" أو أن تربية الخنازير والدجاج والبط والوز قنبلة موقوتة ستنفجر فى وجه المصريين، أو أن الجنيه الفضة أحسن من الجنيه الورقى، وأن الانتخاب الفردى أحسن من القوائم، وأن الصف السادس أفضل من الخامس، والثانوية فى سنة واحدة أفضل من الثانوية فى ثلاث سنوات، فعليك أن تفهم أن الحكومة بالتأكيد لديها هدف من وراء ذلك، وأن هذا الهدف بالتأكيد فى صالحك. فالحكومة يا مواطن لا تمارس "الغلاسة" عليك، وإنما هى تعمل من أجل الصالح العام، أما إذا كنت لا تفهم ماذا تعنى هذه العبارة، فبالتأكيد العيب فيك أنت وليس فى الحكومة.

الجمعة، 17 يوليو 2009

المصريون وأمريكا.. «بحبك بحبك. بكرهك بكرهك»

كتبت: ناهد نصر
«تعرف تقول جود نايت، وتفتح السمسونايت، وتبتسم بالدولار؟» هذه الأسئلة طرحها الأبنودى على المصريين فى قصيدته «سوق العصر» التى كتبها فى السبعينيات تعبيراً عن رعبه من الانفتاح، الذى كان يمثل على الناحية الأخرى «أمريكا».
وبعد حوالى أربعة عقود أصبحت الثقافة الأمريكية فى الشارع المصرى أكبر من السمسونايت والورق الأخضر وسجائر المارلبورو والكوكاكولا، إذ تخللت الثقافة الأمريكية كل صور الحياة تقريباً فهى فى الطعام، والشراب، وديكورات المنازل، وهى فى الموسيقى، والرقص، والسينما وفى سوق الكتب أيضاً. المصريون أثبتوا فى مجالات كثيرة قدرة على هضم هذه الثقافة وتقليدها حرفياً، بحيث تحولت إلى جزء من ثقافتهم اليومية، إلا أن الثقافة الأمريكية مازالت مع ذلك محافظة على موقعها المتناقض فى عقول المصريين، أمريكا التى يكرهونها جداً، ويحبونها جداً فى اللحظة ذاتها، أمريكا التى يقاطعونها ويهتفون ضدها على أنفاس سجائرها ورشفات قهوتها الأمريكانى.
هامبورجر يعنى "لحمة"
فى أحد الشوارع الضيقة بامبابة، مطعم صغير يضع على بوابته من الخارج لافتة حمراء مكتوب عليها «Pizza Hot» ويحمل قبعة حمراء اللون، والمطعم يقدم البيتزا بجميع الأشكال والأنواع. بالتأكيد لا علاقة لهذا المطعم بسلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة «Pizza Hut» فهو ليس إلا واحدا من مظاهر تأثر السوق المصرية بمطاعم الوجبات السريعة الأمريكية التى انتشرت فى كل مكان وبسرعة كبيرة. مثلاً بدأت سلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة، ماكدونالدز بمطعمين صغيرين فى المهندسين ومصر الجديدة عام 2004، وفى أقل من خمس سنوات، تمددت فروع السلسلة فى محافظات القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ لتخدم 40.000 مستهلك. سبقتها سلسلة مطاعم مثل كنتاكى، وبيتزا هت، وبرجر كينج، وصب واى، ودومينوز وغيرها. فى البداية كانت تتفاعل مع ولع فئات بعينها من المصريين بشرائح الهامبورجر، والكاتشب، والبطاطس المقرمشة، تقدم فى أماكن نظيفة بيضاء على أنغام الموسيقى الأمريكية. ومع الوقت اكتشفت إدارات تلك المطاعم أن هذا الولع قد ينقلب إلى نقمة، ارتباطاً بالأحداث السياسية.
فبدأت سياسة جديدة للقفز على دعوات المقاطعة، فقد دفعت الخسائر التى لحقت بسلسلة ماكدونالدز أثناء الانتفاضة إلى ابتكار ساندويتش جديد باسم «ماك أرابيا» فى الخليج ومصر يستخدم الخبز العربى بدلاً من «الكايزر».رافقتها حملات دعاية تليفزيونية تؤكد للجمهور أن إدارة ماكدونالدز مصرية، وأن 80 % من منتجاتها تأتى من موردين مصريين، كما أنها تفتح بيوت 10.000 أسرة مصرية وتوفر فرص عمل لـ3000 عامل. لكن التأثير الأكبر ظهر فى محاولة تقليد الثقافة، وظهرت نسخ مصرية من مطاعم الوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية، أشهرها مؤمن وكوك دور. لكن المظهر الأكثر إثارة للاهتمام هو تلك المطاعم الصغيرة فى المناطق الشعبية، وتحول الهامبورجر والبيتزا إلى أكلات شعبية تنافس الدجاج المشوى على السيخ، والكباب، والكشرى والفول والطعمية.
«كوفى شوب» وليس «قهوة»
لم يستطع مايكل الشاب الأمريكى الذى كان يدرس الموسيقى فى القاهرة فى أوائل التسعينيات، إخفاء دهشته من التغير الذى طرأ على القاهرة خلال عقدين، ويقول أنه عندما كان يسكن فى الزمالك، كان يضطر لشرب القهوة الأمريكية التى يحبها فى فندق قريب، ولم يكن هناك سوى المقاهى الشعبية التى كانت تقتصر على الشاى والقهوة التركى وباقى المشاريب المصرية. ولم تكن ظهرت أسماء مثل «كوفى بينس أند تى ليفس» و«ستاربوكس» الأمريكية فى القاهرة، ولم يعد تكفى عبارة «واحد قهوة» ليأتى لك فنجان القهوة التركى، وأصبح التفسير مطلوبا «كابتشينو، نسكافيه، اكسبرسو، أو تركى». صحيح أن معظم هذه الأسماء مستوردة أساساً من إيطاليا، إلا أنها لم تكن لتدخل إلى قاموس «المشاريب» المصرية لولا سلاسل الكوفى شوب الأمريكيةً. والتقط مستثمرون مصريون طرف الخيط ليؤسسوا سلاسلهم الخاصة على الطريقة الأمريكية.
الجينز:
لا يعرف الكثيرون أن الجينز الشهير الذى يرتدونه ليل نهار، وعلى كل الأشكال والألوان، والذى تحول من مجرد بنطلون وربما جاكت أيضاً، إلى فساتين وجيب، وحقائب، وحافظات نقود، بدأ حياته على أجساد بحارة جنوة فى القرن السادس عشر، وأن اسم الجينز نفسه مشتق من العبارة الفرنسية «blue De Genes»» نسبة إلى القماش الذى كان يصنع منه الجينز. لكنه انتشر عندما ظهر فى أفلام الكاوبوى، والأمريكان هم الذين نشروه فى العالم. وتحول مع الانفتاح إلى موضة الشباب والشابات. وهو أكبر مظاهر العلاقة المتناقضة التى تربط المصريين بأمريكا، فكل المتظاهرين احتجاجا على سياسات أمريكا يرتدون الجينز وهم يحرقون علم أمريكا، ويلعنون أمريكا.
مولود أمريكانى:
شيرين عبدالوهاب المطربة الشهيرة، أثار قرارها بولادة طفلتها فى الولايات المتحدة ضجة كبيرة، ولم تتردد عندما سألها صحفى عن السبب فى اختيار أمريكا لوضع مولودها فى القول بأن «الجنسية الأمريكية ستفتح لابنتى أبوابا كثيرة فى العالم» شيرين ليست الوحيدة التى تفكر كذلك فالفنانة إيمى وضعت مولودها بالولايات المتحدة، وكذلك الإعلامية دينا رامز وغيرهن الكثير من المشاهير.
جرين كارت الحلم:
لو خطفت رجلك إلى جاردن سيتى حيث مبنى السفارة الأمريكية سترى طوابير الواقفين خلف باب أمريكا فى انتظار الهجرة، والحصول على الجرين كارد. مجدى وليم أحد هؤلاء يقول إنه وقف فى هذا الطابور مرات دون أن يتمكن من تحقيق حلم الهجرة. وليم يحمل شهادة بكالوريوس تجارة، ولديه محل صغير للملابس فى إحدى ضواحى ميت غمر، ولا يمتلك خبرات خاصة تؤهله للمنافسة هناك، لكن العشرات ممن يقفون فى طابور السفارة لديهم جميعاً ثقة فى أن فى أمريكا متسع للجميع. وليم مثل زملائه فى الطابور، يعترض على السياسات الأمريكية، لكنه يرى أن هذه نقرة وتلك نقرة أخرى.
علاقات أمريكانى:
«عندك بوى فرند؟» هذا هو السؤال الذى يسأله البنات والأولاد لبعضهم البعض على صفحات الفيس بوك، فالبوى فرند أو الجيرل فريند أصبحا لدى الكثيرين مرحلة أساسية للتجريب، عماد طالب بالمرحلة الأولى بكلية الآداب جامعة عين شمس، يقول إن لديه «جيرل فريند» يقولها هكذا حرفياً، لماذا لا تقول حبيبة أو صديقة، يقول لأن «الجيرل فريند» مستوى مختلف فهى أكثر قليلاً من صديقة، وأقل من حبيبة «يعنى مش معنى إننا «كابل» إن إحنا هانكمل مع بعض على طول، عماد يؤكد أن صديقته تفهم ذلك، وتفكر بنفس الطريقة.
شقة أمريكان ستايل: لم يكن فريد الطبيب الشاب يضع ضمن حساباته أنه سيضطر إلى إجراء تعديلات جوهرية فى شقته لترضى زوق عروسه سحر، حيث اضطر عريسها إلى هدم الحائط الذى يفصل بين الصالة، والمطبخ، ويستبدلها بـ"بار" قصير يمكن زوجة المستقبل من تبادل الأحاديث مع ضيوفها بينما تعد لهم الشاى، أو وجبة الغذاء، فسحر كانت تحلم بشقة "امريكان ستايل". بالتأكيد ليس هذا هو المعنى الوحيد لنموذج الشقق الأمريكانى، إذ انتشرت فى أسواق الآثاث الوان مختلفة من المطابخ امريكانى، والأنتريهات الأمريكانى، إلا أن طريقة سحر فى "أمركة" شقتها هى الأرخص، والأكثر عملية بالذات فى الشقق الضيقة.
كتب أمريكانى: صحيح أن سلسلة "هارى بوتر" انجليزية الأصل، كتبتها المؤلفة البريطانية ج. ك. رولنج؛ إلا أنها لم تلق هذا الإنتشار المرعب فى السوق العالمى، والمصرى خصوصاً إلا على يد الأمريكان، حين حولتها هوليود إلى سلسلة أفلام اجتاحت دور السينما فى مصر. وفيما يشتكى الناشرون والكتاب لدينا من أن الناس لا تقرأ، تربعت سلسلة هارى بوتر على رأس الأعلى مبيعاً فى السوق المصرى فى نسختها الإنجليزية والعربية، ليتحول الزبون المصرى إلى واحد من ضمن ملايين حول العالم صعدوا بمؤلفة السلسلة إلى مصاف أغنى أغنياء الكتاب فى العالم، وكذا دار نشرها، ومنتجين افلامها
مزيكا أمريكانى:
المصريون يحبون الأغانى الأمريكية، لكن التأثر بالموسيقى الأمريكية خرج من النطاق الرسمى إلى فرق الشباب التى تجول المراكز الثقافية فى وسط البلد، حيث انتشرت فى الفترة الأخيرة بين هؤلاء ثقافة «الهيب هوب» أو «الراب» وهى نوع من الموسيقى الذى اخترعه وطوره الأفروأمريكان فى السبعينيات فى الشوارع الخلفية لنيويورك ليعبروا عن ثقافتهم الخاصة، بحيث تحول من مجرد موسيقى إلى ثقافة ترتبط بأزياء وإشارات وأداء حركى معين.
أفلام أمريكانى: كلنا تربينا على السينما الأمريكانى، وأفلام الكاوبى والأكشن، والمصارعة الحرة، وكلنا نحفظ أسماء للمثلين أوممثلات امريكان كبار نراهم منذ طفولتنا على الشاشة، ومع انتشار الفضائيات صارت هناك قنوان فضائية متخصصة ليس فقط فى عرض الأفلام الأمريكية، وانما فى عرض نسخ مترجمة من البرامج الأمريكية التى لا علاقة لها بالضرورة بأى شئ نعيشه أو نعرفه، مثلاً "أوبرا وينفرى" تماثل فى شهرتها فى مصر أشهر الاعلاميين رغم أنها لا تخاطب سوى الشعب الأمريكى، أما برامج الواقع الأمريكية فقد تحولت إلى مصدر للإثارة المتواصلة رغم أن أبطالها امريكان 100% لا يعيشون بيننا. وعلى طريقة سلاسل التيك اوى، وتوكيلات السيارات، تحولت العديد من البرامج الامريكية الى نسخ بالعربية موجهه للعرب والمصريين اشهرها من سيربح المليون، وحالياً برنامج ارض الخوف الذى يذاع على قناة الحياة وهو نسخة عن برنامج امريكى لكن ابطاله كلهم مصريين. أما فى مجال السينما فقد اتجه المخرجون وصناع الافلام من مجرد اقتباس قصص الأفلام الأمريكية إلا تقليد "الأكشن" الأمريكى بصرف النظر عن ارتباطه بالواقع المصرى، وهى الموجة التى بدأتها حالياً المخرجة ساندرا نشأت، وتلقفها عنها آخرون، وفيما تتراجع الأفلام الأمريكية من دون العرض المصرية تحل محلها أفلام مصرية لكن على الطريقة الأمريكية
وهكذا فمن الجائز أن يحكم أمريكا جورج بوش الابن أو أوباما، ومن الجائز أن تتبنى الإدارة الأمريكية العنف أو الدبلوماسية، ومن الجائز أن تحب أنت أمريكا أو تكرهها، لكن الأكيد أنك مضطر للتعامل مع أمريكا يومياً وفى كل الأوقات ودون أن تشعر أحياناً.
منشور فى جريدة اليوم السابع