السبت، 26 سبتمبر 2009

أرجوك "ارمى وراء ظهرك" يا وزير الثقافة

كتبت: ناهد نصر

خطأ فادح يرتكبه وزير الثقافة فاروق حسنى بتجاهله نصيحة الرئيس مبارك أن يرمى ما حدث فى اليونسكو "وراء ظهره" ويتوقف عن التصريحات التى ستجرنا خطوات إلى الوراء.فاروق حسنى يقول إن تجربة اليونسكو أثبتت له أن "الحوار مجرد وهم"، إذاً هى الحرب يا وزير الثقافة، وكأن الدعوة للحوار، والتسامح، وقبول الآخر هى مجرد دعاية انتخابية نستخدمها عند الحاجة، ثم نرميها وراء ظهورنا بعد ذلك، وكأن "حوارك" مع ممثلى الغرب ودبلوماسييهم فى إطار الإعداد لنيل مقعد اليونسكو هو غاية المراد، وليس ذلك الحوار الذى يهدف إلى تعميق التفاهم بين الشعوب، ومواجهة الأفكار والمفاهيم الخاطئة، القنابل الموقوتة التى تنفجر فى وجوهنا ووجوهم، وتهدد وجودنا ووجودهم. فقبل أن تجزم سيادتك بأن "الغرب لا يزال على أفكاره البالية، بأن الجنوب يجب أن يكون خاضعاً للشمال" أجبنا عما فعلته وزارتك حتى يغير الغرب أفكاره الباليه عن "الجنوب". والوزير يقول عن الغرب إجمالاً إنهم "نسوا أننا الذين رسخنا قيم السلام والتسامح والحضارة" لكنه ينسى أن يضيف "ثم نسيناها"، لأن هذا هو حالنا بالفعل، ولك يا سيادة الوزير وأنت تلتقط أنفاسك استعداداً "لاستكمال مشروعاتك الكبرى فى وزارة الثقافة" أن تراجع بنفسك المستوى الذى وصلت إليه قيم السلام والتسامح والحضارة فى المجتمع المصرى، والدور الذى تلعبه وزارتك فى ترسيخ هذه القيم، فلعلك يا سيدى تضيف إلى مشاريعك الكبرى واحداً لدراسة ما وصل إليه حالنا وحال شبابنا وأطفالنا، وربما تبدأ سيادتك من تسامح الشباب المصرى مع الفتيات والنساء فى العيد، أو التسامح بين المسلمين والمسيحيين، والبهائيين، والشيعة، فى قرى ومراكز الوجه البحرى والقبلى، أو قيم السلام التى تدفع الآباء لقتل أطفالهم وزوجاتهم، أو أسس الحضارة التى نستند إليها حين نصادر الكتب، وحين نقاضى المبدعين، وحين نطارد أى متلبس بالتفكير مع سبق الإصرار والترصد.صحيح يا سيادة الوزير أننا طمحنا بإخلاص فى أن تنال منصب اليونسكو ممثلاً لمصر، لكن تأكد أن "سعادة الشعب المصرى" لا تتوقف على منصب اليونسكو، ويمكنك فعل الكثير لتحقق لنا السعادة التى قلت إنك لم تقبل بالترشح لليونسكو إلا بهدف تحقيقها. سيسعدنا يا سيادة الوزير أن تفرغ بعضاً من وقتك لمراجعة أوضاع الثقافة الجماهيرية، ودور النشر، ومسارح الدولة، وقصور الثقافة، والمكتبات العامة، والمدرسية، وقوانين الرقابة على المصنفات. سيسعدنا لو تفرغ جزءاً من وقتك لدراسة أسباب تراجع كل المهرجانات السينمائية، والمسرحية التى نصفها بالدولية رغم أنها لم تعد تحظى باهتمام الجمهور المصرى، ولا باحترام العالم. سيسعدنا أن تدعو وزارتك قولاً وعملاً لمبادئ التسامح بأن تمد يدها لكل من يتعرضون للاضطهاد والمصادرة بسبب أفكارهم، وآرائهم، وأن تفتح أبواب منشآتها المترامية الأطراف لنشر الثقافة بين شباب وبنات مصر. سيسعدنا يا وزير الثقافة أن تهتم بالثقافة ليس فقط بوصفك وزيرها، وإنما أيضاً لأنك واحد ممن طالتهم شظايا غياب الثقافة، وانعدام التسامح فى مجتمعنا، وأن ترمى كل ما عدا ذلك وراء ظهرك.

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

ولكم فى تفجيرات بيشاور عبرة يا أولى الألباب

كتبت: ناهد نصر

تفجير مدرسة ابتدائية للبنات فى بيشاور بباكستان جرس إنذار شديد اللهجة لا ينبغى أن يمر علينا هنا فى القاهرة مرور الكرام؛ إذ من هول الجريمة يصعب تصور ما الذى كان يدور فى ذهن مدبريها حين قرروا تنفيذها خصوصاً وأنها ارتكبت فى واحد من أهم الأعياد الإسلامية، والذى يعقب مباشرة شهر رمضان الذى يقضيه المسلمون فى الصوم والعبادة والتقرب إلى الله. والجريمة ارتكبت فى يوم عطلة، فلم ينتج عنها أى خسائر فى الأرواح، إلا أن ما نتج عنها من خسائر لا يقل فداحة، فالمدرسة التى دمرت تماماً بفعل الانفجار هى الملجأ الوحيد لـ400 فتاة لتلقى الدراسة فى الريف. وتلك هى الرسالة التى أراد منفذو الجريمة توصيلها ليس فقط إلى الفتيات الأبرياء وذويهم فى ضاحية "تراج بايا" وإنما إلى العالم كله، إنها الحرب ضد العقل، والتفكير، والمعرفة. حرب واضحة لا تقبل الشك، ولا التبرير، لكنها النتيجة الطبيعية لثقافة الجهل والكبت الفكرى والظلام التى يروج لها المتشددون تحت ستار الدين. جريمة بيشاور لخصت رؤية المتشددين للعالم، إذ ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف هؤلاء مدرسة، لأن إعمال العقل ظل وسيبقى الهدف الأول الذى يسعى هؤلاء للخلاص منه، ومحاربته بكل ما أوتوا من قدرة على الكراهية، وبكل ما تنطوى عليه عقولهم من جهل. وليس بالعبوات الناسفة وحدها يحيا المتشددون، فالسواد الذى يسعون لنشره فى البلاد، ويلاحقون به العباد يتشكل حسب الظروف، فهو فى حين يتحول إلى إسدال يحول النساء إلى ما يشبه الخيام المتحركة إمعاناً فى امتهان أجسادهن، ووجودهن الإنسانى كله. ويصبح ملاحقة قضائية لمبدع أو فنان تنطوى على أسوأ أشكال الازدراء والقمع الفكرى، ويتحول أحياناً إلى طلقة مسدس يوجهونها لعقل ارتكب جريمة التفكير، وإلى قنبلة رديئة الصنع تأتى على حياة شخص تورط فى حب الحياة.لكن واحدة من الحقائق التى لا ينبغى إنكارها أيضاً أن مرتكبى جريمة بيشاور ليسوا نباتات شيطانية نبتت مع حالها، وإنما هم وأمثالهم من المتشددين فى كل مكان لا يظهرون إلا حين يتوافر لهم المناخ المناسب من الجهل، والتغييب والكبت الفكرى، والشعور باليأس، وغياب سلطة القانون، والعدالة الاجتماعية، وهى البيئة الخصبة لنمو التطرف، والانغلاق، ووصوله إلى مرحلة لا تجدى معها قضبان السجون، ولا عصا الجلاد، ولكم فيما حدث فى بيشاور عبرة يا أولى الألباب.

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

هالة مصطفى والسفارة فى العمارة

كتبت: ناهد نصر
موقف النخبة الصحفية والمثقفين من الدكتورة هالة مصطفى يشبه مشهد عيد الميلاد فى فيلم "السفارة فى العمارة"، ففى اللحظة التى اكتشف فيها ضيوف الحفل أن بينهم السفير الإسرائيلى، تحول مضيفهم من بطل قومى إلى خائن وعميل.ولم يفاجئنى ما قالته الدكتورة هالة حول أن مثيرى حملة الكراهية ضدها مصابون بمرض الازدواجية، لأن بعضهم مارس فعل "التطبيع" أو على الأقل لا يرفضه. كما لم تفاجئنى تصريحات عدد من القانونيين والحقوقيين الذين أكدوا أن الهجوم على "المطبعين" انتهاك لحريتهم فى التعبير، لكنهم فى الوقت نفسه يتمنون ألا يضطرون للدفاع عن أحدهم لأنها "مخاطرة غير محسوبة".وليس المهم أن تكون رافضاً لإقامة علاقات سوية مع إسرائيل أم لا، لكن المهم أن تعرف "لماذا؟". وسواء كنت تطبيعياً أو غير ذلك لا تندفع فى الإجابة على السؤال. أى لا تقل مثلاً إن رفض كل العلاقات مع إسرائيل حكومة وشعباً هو الوسيلة المثلى للضغط على هذه الدولة العسكرية التى لا تحترم الشرعية وحقوق الإنسان. كما لا تحاول إقناعى بأن إقامة علاقات سوية شاملة كاملة مع إسرائيل هو الذى سيضغط عليها ويجبرها على التخلى عن مشروعها الصهيونى. فإجابتك فى الحالتين ناقصة، وقائمة على افتراض لن يمكنك تقديم دليل واحد على صحته، إذ لا التطبيعيين، ولا المقاطعين تمكنوا من التوصل لنتيجة يمكننا من خلالها الحكم على صحة موقفهم من عدمه.وطالما كلا الفريقين يتخذ موقف "على العميانى" أى دون اختبار حقيقى للنتائج من التطبيع مع إسرائيل، فلا أفهم لماذا يعلق أحد الفريقين المشانق للآخر، إلا إذا كان يستمد من ذلك شعوراً وهمياً بالانتصار، وإراحة الضمير والبطولة الزائفة على حساب شقيقه فى الوطن، وليس على حساب إسرائيل، إذ إن الصراخ فى وجه الآخرين دون تمييز يبقى الحل الأسهل، إذا كان البديل إعمال العقل، والتفكير بهدوء فى جدوى ما نفعله.