الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

ولكم فى تفجيرات بيشاور عبرة يا أولى الألباب

كتبت: ناهد نصر

تفجير مدرسة ابتدائية للبنات فى بيشاور بباكستان جرس إنذار شديد اللهجة لا ينبغى أن يمر علينا هنا فى القاهرة مرور الكرام؛ إذ من هول الجريمة يصعب تصور ما الذى كان يدور فى ذهن مدبريها حين قرروا تنفيذها خصوصاً وأنها ارتكبت فى واحد من أهم الأعياد الإسلامية، والذى يعقب مباشرة شهر رمضان الذى يقضيه المسلمون فى الصوم والعبادة والتقرب إلى الله. والجريمة ارتكبت فى يوم عطلة، فلم ينتج عنها أى خسائر فى الأرواح، إلا أن ما نتج عنها من خسائر لا يقل فداحة، فالمدرسة التى دمرت تماماً بفعل الانفجار هى الملجأ الوحيد لـ400 فتاة لتلقى الدراسة فى الريف. وتلك هى الرسالة التى أراد منفذو الجريمة توصيلها ليس فقط إلى الفتيات الأبرياء وذويهم فى ضاحية "تراج بايا" وإنما إلى العالم كله، إنها الحرب ضد العقل، والتفكير، والمعرفة. حرب واضحة لا تقبل الشك، ولا التبرير، لكنها النتيجة الطبيعية لثقافة الجهل والكبت الفكرى والظلام التى يروج لها المتشددون تحت ستار الدين. جريمة بيشاور لخصت رؤية المتشددين للعالم، إذ ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف هؤلاء مدرسة، لأن إعمال العقل ظل وسيبقى الهدف الأول الذى يسعى هؤلاء للخلاص منه، ومحاربته بكل ما أوتوا من قدرة على الكراهية، وبكل ما تنطوى عليه عقولهم من جهل. وليس بالعبوات الناسفة وحدها يحيا المتشددون، فالسواد الذى يسعون لنشره فى البلاد، ويلاحقون به العباد يتشكل حسب الظروف، فهو فى حين يتحول إلى إسدال يحول النساء إلى ما يشبه الخيام المتحركة إمعاناً فى امتهان أجسادهن، ووجودهن الإنسانى كله. ويصبح ملاحقة قضائية لمبدع أو فنان تنطوى على أسوأ أشكال الازدراء والقمع الفكرى، ويتحول أحياناً إلى طلقة مسدس يوجهونها لعقل ارتكب جريمة التفكير، وإلى قنبلة رديئة الصنع تأتى على حياة شخص تورط فى حب الحياة.لكن واحدة من الحقائق التى لا ينبغى إنكارها أيضاً أن مرتكبى جريمة بيشاور ليسوا نباتات شيطانية نبتت مع حالها، وإنما هم وأمثالهم من المتشددين فى كل مكان لا يظهرون إلا حين يتوافر لهم المناخ المناسب من الجهل، والتغييب والكبت الفكرى، والشعور باليأس، وغياب سلطة القانون، والعدالة الاجتماعية، وهى البيئة الخصبة لنمو التطرف، والانغلاق، ووصوله إلى مرحلة لا تجدى معها قضبان السجون، ولا عصا الجلاد، ولكم فيما حدث فى بيشاور عبرة يا أولى الألباب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق