الجمعة، 3 يوليو 2009

أنس الفقى وزير قوى.. فهل تقدم مصر إعلاما قويا؟!

يعرف مهارات صناعة «الميديا».. والمعرفة وحدها لا تكفى
يحاول القيادة وسط 40 ألف موظف.. و4 مليارات جنيه ديون.. وجهاز بيروقراطى.. ومنافسة لا ترحم

كتبت: ناهد نصر
المتابع لأداء وزير الإعلام المصرى منذ توليه منصبه يمكنه أن يدرك أن الرجل يعرف تمامًا سر «الطبخة الإعلامية».. الاقتراب من اهتمامات الشارع، وتشويق لا تنقصه المرونة، والقليل من الخطوط الحمراء، هذه الخلطة تحتاج إلى المال، والاستقلال، والحرية، لكن إلى أى مدى يتمتع وزير الإعلام أنس الفقى بالقوة التى تمكنه من تحقيق ذلك، وهل رجل الإعلام «القوى» هو القادر على صناعة «إعلام قوى» أم أن عوامل أخرى تحكم المشهد، خاصة إذا كان وزير الإعلام يقف على رأس أقدم جهاز إعلامى فى مصر والمنطقة العربية؟.
رجال الإعلام والخبراء يدركون أيضًا مأزق الفقى ويتعاطفون معه. فأسامة الشيخ رئيس قطاع القنوات المتخصصة، والذى أتى به الفقى من عقر دار القطاع الخاص حيث كان رئيسا لقناة دريم يعترف أن البيروقراطية وضعف الإمكانات تعوقان أى تطوير وتجعلانه بطيئا، ويشكو الشيخ من أنه كرئيس قطاع لا يستطيع اتخاذ قرار بشراء عمل جديد لأن ذلك يحتاج دورة كاملة من اللجان التى تنبثق عنها لجان، ترفعها لأخرى والمحصلة تقرير عديم الفائدة، وقواعد السوق والمنافسة لا تنتظر، ويقول الشيخ إن البيروقراطية تتجاوز سلطات الوزير نفسه، والنظام الذى يحكم التليفزيون لا يرتبط بوزير، وإطلاق العنان للتطوير قد يصبح فجأة مخالفة إدارية.
الفقى نفسه يدرك جيدا صعوبة العمل فى ظل نظام إدارى موروث منذ إنشاء جهاز التليفزيون نفسه، لكن أقصى ما يستطيع عمله هو إجراء «تباديل وتوافيق» لبعض العناصر القيادية، وخلال أقل من 6 أشهر من بداية العام أحدث الفقى انقلابا فى قيادات الإذاعة والتليفزيون بدأه فى أبريل الماضى وأجرى أكبر حركة تغييرات شهدها ماسبيرو، شملت 77 قيادة، بعضهم كان يتولى مناصب قيادية داخل أروقة ماسبيرو منذ سنوات طوال مثل سوزان حسن، ونادية حليم، وميرفت سلامة، ونهال كمال، وهالة حشيش، وعزة مصطفى، وهو أقصى ما تمكن الوزير من فعله لـ«ضخ دماء جديدة»، كما أجرى حركة تغييرات أخرى فى قطاع الإذاعة شملت 34 قيادة وبنفس الطريقة.
الوزير محكوم بجهاز إدارى لا يمكنه تجاهله، وأفراده يتمتعون بخبرات طويلة ليست خالية من الأمراض، وهى المعضلة التى يعتقد أسامة الشيخ أن حلها يكمن فى نموذج متحرر من القوانين «وهذه مسئولية الدولة» لكنه على الجانب الآخر لا يرى أن المشهد فى صالح القنوات الخاصة ويحكى أن خبرته فى دريم شابها تدخل مالك القناة لأنه ينفق، وهو تدخل تحكمه دائما اعتبارات شخصية ومزاجية فى أغلب الأحيان.
جمال الشاعر رئيس قناة النيل الثقافية يرى أن قوة الإعلام تبنى على أساس الحرية والتمويل، ويرى أن أى وزير إعلام فى مصر تواجهه مشكلتان فادحتان فضلا عن كونه جزءا من الحكومة، الأولى وجود أكثر من 40 ألف موظف يمثلون نصف تعداد دولة مثل قطر، والثانية ديون قدرت بـ4 مليارات جنيه ووصلت حاليا إلى 2 مليار جنيه.
الوزير -وبنفس طريقة التباديل والتوافيق- حاول الاقتراب من هذه المشاكل لكنه اكتشف أنها تشبه القنبلة الموقوتة، ومع أول بادرة للاستعانة بكفاءات من خارج جهاز التليفزيون وجد ثورة غير مسبوقة لعشرات العاملين بماسبيرو بين مذيعين ومخرجين وفنيين دامت عدة أيام أمام المبنى، اضطر الوزير أمامها للتبرؤ من قيادات ماسبيرو مشيرا إلى أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عما يحدث، وأنه سيبدأ عهدا جديدا من العلاقة معهم دون وساطة، وأنه «لن يتم الاستغناء عن أى موظف بالتليفزيون».
40 ألف موظف على قوة الجهاز العظيم جعلت الوزير يتجاهل حلم التطوير ويلعب دور وزير التضامن الاجتماعى، أو وزير القوى العاملة. وأطلق الفقى سلسلة من الإجراءات لامتصاص غضب الموظفين أبرزها استبعاد سوزان حسن من ملف التطوير، وقدم وعودا منها الإعلان عن تشكيل لجنة لتأسيس نقابة للإعلاميين، ولائحة لتحسين الأجور، وصرف 2 مليون جنيه من المستحقات المتأخرة للعاملين بالقناة الرابعة، وأخيرا صندوق لتلقى الشكاوى مباشرة.
حلم الوزير فى التطوير يصطدم أيضا بأكثر من ثلاثين قناة محلية ومتخصصة، على حد قول طارق الشامى مدير مكتب قناة الحرة بالقاهرة، والذى يرى أن الفقى يحمل إرثا ثقيلاً من القنوات التى تحولت إلى مرفأ للعمالة الزائدة يلتهم الميزانية المحدودة أصلاً، ويشير إلى أن ميزانية شبكة قنوات الجزيرة سنويا تتجاوز 1.7 مليار دولار، أى 5 أضعاف ميزانية وزارة الإعلام المصرية، فى حين أن ميزانية قناة النيل للأخبار أقل من 5 ملايين دولار، والميزانية المخصصة لتطوير قطاع الإذاعة بالكامل لا تتجاوز 130 مليون جنيه، وعندما حاول الفقى الاقتراب من ملف التطوير ثار العاملون بالقنوات الإقليمية الذين اعتبروا تأخر رواتبهم مقدمة للتخلص منهم، واضطر الفقى لاتباع سياسة «إعادة الإطلاق» و«إعادة تقسيم القطاعات» فقرر إعادة إطلاق عدد من القنوات منها الأولى والثانية والفضائية المصرية والأسرة والطفل والثقافية، وضخ برامج جديدة يحظى بعضها برعاية القطاع الخاص، أما القنوات الإقليمية فلم يكن متاحا أمامه سوى دراسة تحويلها إلى قطاع منفصل استمرارا لسياسة «التباديل والتوافيق» التى اتخذها الفقى كطريق أمثل للتطوير.
طارق الشامى يرى أن طريقة الفقى لن تدفع به كثيرا للأمام، لأن الحل الحقيقى للخروج من عثرة التليفزيون المصرى برأيه لن يتم عن طريق قنوات تخرج من رحم المؤسسة الحالية، وإنما من خلال ما أسماه بمجلس إعلام تشارك به جميع الجهات السيادية، وأن تتفق على إنشاء محطة إخبارية خاصة تمول عن طريق شركة مساهمة وتخضع لإشراف التليفزيون، وهو أمر يحتاج إلى «قرار سيادى»، ومثل هذه القناة يمكن أن ترفع سقف الحرية بشكل يتجاوز نظيراتها الخاصة بما فيها العربية والجزيرة، وذلك لأن سقف الحرية فى مصر أعلى منه فى السعودية وقطر.
تدعم هذا الرأى خبرات سابقة مر بها التليفزيون المصرى، ونجح فى الاختبار، وهو ما أكده الدكتور عبد الله شيليفر أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية، والمدير السابق لمكتب «إن. بى. سى» بالقاهرة، ومستشار قناة العربية، حيث يرى أن التليفزيون المصرى بدأ يتطور كثيرا فى السنوات العشر الأخيرة بفعل المنافسة مع القنوات الخاصة، خاصة فى مجال البرامج الإخبارية، والحوارية، وأصبح هناك غرفة أخبار، وطواقم محترفة ومراسلون فى الخارج، ويرى شيليفر أن قيادات التليفزيون المصرى لا تنقصها الكفاءة لكن تنقصها الجرأة، وعندما تجد أن هناك نموذجا تم تطبيقه بالفعل، ولا يحتوى على أى قدر من المخاطرة فإنهم ينفذونه باحترافية، ويتذكر شليفر أن صفوت الشريف حين كان وزيرا للإعلام وقبل أن تنتشر الأطباق الفضائية تعامل بقدر كبير من المرونة مع إنشاء شبكة الفضائيات المصرية كأول نموذج من نوعه فى العالم العربى، ويرى أن التليفزيون المصرى لو تخلص من العوائق البيروقراطية، وتحول إلى جهاز مستقل إداريا عن سلطة الدولة مثل نموذج الـ«بى. بى. سى» والجزيرة سيعود مرة أخرى إلى موقعه فى مقدمة الصف الإعلامى فى المنطقة.
الريادة التى أصبحت عبارة مثيرة للتهكم لدى وسائل الإعلام من كثرة ترديدها، واستبدلها الفقى بشعار «تطوير جودة المنتج النهائى» يراها أمين بسيونى رئيس شركة النايل سات مازالت صالحة للاستخدام، فالشركة تضم حوالى 450 قناة فضائية تغذى المنطقة كلها، فضلاً عن مدينة الإنتاج الإعلامى، يمكن للوزير الحديث عن التطوير والجودة دون أن يتعارض ذلك مع إنجازات السابقين عليه.
أنس الفقى يدرك أيضا أهمية إنجاز بحجم النايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامى، بل ينظر نظرة لا تخلو من الغيرة للقنوات الخاصة لأنها تحقق جزءا من المعادلة التى يحاول تطبيقها فى التليفزيون المصرى، فهى تخلصت من البيروقراطية، وتحظى بتمويل كبير، وجرأة نسبية، وقدرة على الإبهار، إلا أن ما ينقص هذه الخلطة التى أثبتت نجاحا حتى الآن فى جذب الجمهور هو وجود سلطة الضبط والربط، ويحلو للفقى أن يطلق عليه «التنظيم»، وهو ما دعاه لعقد اجتماع استثنائى العام الماضى لوزراء الإعلام العرب لوضع وثيقة تنظيم الفضائيات، وخلال الضجة التى أثارتها الوثيقة فضل الفقى اللعب على وتر الفضيلة وأخلاق المجتمع، وانتقد الفضائيات التى تخدش الحياء، وتفتح مجال الفتوى لمن لا علم لهم، إلا أن الهدف الحقيقى للوزير والذى عبر عنه فى أكثر من موضع كان محاولة تطبيق نموذج إعلام اقتصادى له جماهيرية تدر أرباحا وإعلانات، دون أن تفقد الدولة المصرية امتيازاتها المالية كونها صاحبة القمر الصناعى، وفى ظل منافسة شديدة وغير محسوب حسابها، فهو يعترف بأن «حجم صناعة الإعلام فى مصر أقل من مليار جنيه، فيما نستطيع أن نصل إلى خمسة أضعاف هذا فى غضون سنوات قليلة، ولكن بناء على ضوابط، وأسس، تنظم هذا القطاع».

موقف الوزير فى معركة تنظيم الفضائيات كشف عن الرؤية الحقيقية لوزير الإعلام الذى يرى أن الوضع بالنسبة للفضائيات وصل إلى حد الفوضى، حيث «أقمار مش عارفين اسمها بتطلع من أماكن غريبة جدا، غير ناس بتروح تؤجر حيزا فى أوروبا وتأخذ قنوات وتنزلها، غير ظواهر زمان ماكنش فيه مناطق حرة، ماكنش فيه عملية بث وإعادة استقبال وإعادة بث، ماكنش فيه فك شفرة، صناعة الإعلام تطورت جدا وتحتاج إلى تنظيم» ويبرر الوزير اهتمامه بهذا الجانب بأنه مسئول عن إنجاح القنوات الفضائية أيضا لأنها تجذب المزيد منها ولا يوجد صراع بين الاثنين، وهذا هو الملعب الذى يجد الفقى نفسه فيه أكثر قدرة على الفعل. والعبارة الأخيرة تلخص كيف يرى وزير الإعلام المصرى صناعة الإعلام القوى، فهى لا تحتاج فقط إلى شخص يمتلك الرؤية الصحيحة، وإنما إلى ظروف تدعم هذه الرؤية، تعتمد على الاستقلال النسبى، وحرية الحركة، والدعم المادى فى إطار من التنظيم الذى يضع الأمور فى نصابها، دون أن يجنح إلى التقييد.
منشورة فى جريدة اليوم السابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق