الثلاثاء، 14 يوليو 2009

بأى ذنب قتلت؟

كتبت: ناهد نصر

أكثر ما أدهشنى فى حادث مقتل مروة الشربينى، هو دهشتنا من وقوعه. وذلك لا ينفى أن مقتل إنسان بلا ذنب يدفع على الشعور بالغضب والحزن، خاصة أن الجريمة تمت بدوافع عنصرية كريهة، وفى بلاد لا تتوقف عن نعتنا نحن كعرب بالانغلاق والتطرف والإرهاب. إلا أن الضجة التى أثيرت حول مقتلها شابها الكثير من الصخب والمبالغة، أحالتنى مباشرة لما تفعله التجمعات اليهودية المتطرفة حين تضخم كل ما من شأنه فى رأيهم أن يمثل "معاداة للسامية".ومقتل مروة الشربينى مناسبة جيدة، لإثارة قضية آلة العنصرية فى العالم والتى تنتج ضحايا بشكل يومى هنا وهناك، على أن مواجهة العنصرية بشكل عنصرى هو الطريقة الأسوأ فى التناول.مثلاً مشهد أحد الأشخاص وهو يزعق من فوق كتف أخيه بعبارة "القصاص القصاص" خلال جنازة مروة، تصيب بالفزع، فما طبيعة القصاص المقصود، خاصة وأنه تم إلقاء القبض على القاتل، ثم إن الحادث نفسه ارتكب خلال جلسة لمحاكمة المتهم بسبب موقفه العنصرى من الضحية، وهى القضية التى رفعتها الشرطة الألمانية أصلاً وليس مروة الشربينى أو زوجها. أما مطالبات البعض بمحاكمة دولية للقاتل بحجة عدم ثقتهم فى القضاء الألمانى، فلا يمكن التعليق عليها سوى "بلا تعليق".يصح أن نقول أن البعض يستهدف المسلمين فى الغرب، لكن أن نقول أن الغرب يستهدف المسلمين يعنى أننا لا نرى سوى ما نريد. يصح أن نقول أن هناك عنصريين فى الغرب لكن أن نتغاضى عن الكثير من العنصرية والتمييز فى مجتمعنا، يعنى أننا منافقون ونرمى بيوت الآخرين بالحصى إلى آخر المثل. يصح أن نقول أن البعض يتطرف فى مواقفه من حرية النساء فى ارتداء الحجاب، بينما ينادى بحرية الرأى والتعبير، لكن أن نتجاهل ما يمارس فى مجتمعاتنا من قمع فكرى وحصار على حرية الاعتقاد وحرية الاختيار يعنى أننا مصابون بالعمى ومرضى بالادعاء. ما الذى كان يضيرنا لو نحن استبدلنا العويل بمسيرات صامتة بالزهور والشموع على روح ضحايا العنصرية هنا وهناك، ولو استبدلنا الطنطنة والكذب على الذات بمد الأيادى البيضاء إلى الآخر فى الغرب الذى يعانى أيضاً من مساوئ العنصرية الكريهة لإثبات أننا جميعاً فى ذات الخندق المرعب الذى من شأنه أن يبتلع كل ما عاداه فى دوامة الكراهية والخراب الروحى. ما الذى يضير لو حولنا مقتل مروة إلى فرصة إيجابية لمراجعة الذات بدلاً من مواصلة الصراخ فى وجه الآخر وإدانته لتبرئة أنفسنا.لقد فشلنا بامتياز فى إجابة سؤال "بأى ذنب قتلت مروة الشربينى"، وعزاؤنا الوحيد أننا قد نتعلم فى فرصة أخرى قادمة.

الجمعة، 3 يوليو 2009

أنس الفقى وزير قوى.. فهل تقدم مصر إعلاما قويا؟!

يعرف مهارات صناعة «الميديا».. والمعرفة وحدها لا تكفى
يحاول القيادة وسط 40 ألف موظف.. و4 مليارات جنيه ديون.. وجهاز بيروقراطى.. ومنافسة لا ترحم

كتبت: ناهد نصر
المتابع لأداء وزير الإعلام المصرى منذ توليه منصبه يمكنه أن يدرك أن الرجل يعرف تمامًا سر «الطبخة الإعلامية».. الاقتراب من اهتمامات الشارع، وتشويق لا تنقصه المرونة، والقليل من الخطوط الحمراء، هذه الخلطة تحتاج إلى المال، والاستقلال، والحرية، لكن إلى أى مدى يتمتع وزير الإعلام أنس الفقى بالقوة التى تمكنه من تحقيق ذلك، وهل رجل الإعلام «القوى» هو القادر على صناعة «إعلام قوى» أم أن عوامل أخرى تحكم المشهد، خاصة إذا كان وزير الإعلام يقف على رأس أقدم جهاز إعلامى فى مصر والمنطقة العربية؟.
رجال الإعلام والخبراء يدركون أيضًا مأزق الفقى ويتعاطفون معه. فأسامة الشيخ رئيس قطاع القنوات المتخصصة، والذى أتى به الفقى من عقر دار القطاع الخاص حيث كان رئيسا لقناة دريم يعترف أن البيروقراطية وضعف الإمكانات تعوقان أى تطوير وتجعلانه بطيئا، ويشكو الشيخ من أنه كرئيس قطاع لا يستطيع اتخاذ قرار بشراء عمل جديد لأن ذلك يحتاج دورة كاملة من اللجان التى تنبثق عنها لجان، ترفعها لأخرى والمحصلة تقرير عديم الفائدة، وقواعد السوق والمنافسة لا تنتظر، ويقول الشيخ إن البيروقراطية تتجاوز سلطات الوزير نفسه، والنظام الذى يحكم التليفزيون لا يرتبط بوزير، وإطلاق العنان للتطوير قد يصبح فجأة مخالفة إدارية.
الفقى نفسه يدرك جيدا صعوبة العمل فى ظل نظام إدارى موروث منذ إنشاء جهاز التليفزيون نفسه، لكن أقصى ما يستطيع عمله هو إجراء «تباديل وتوافيق» لبعض العناصر القيادية، وخلال أقل من 6 أشهر من بداية العام أحدث الفقى انقلابا فى قيادات الإذاعة والتليفزيون بدأه فى أبريل الماضى وأجرى أكبر حركة تغييرات شهدها ماسبيرو، شملت 77 قيادة، بعضهم كان يتولى مناصب قيادية داخل أروقة ماسبيرو منذ سنوات طوال مثل سوزان حسن، ونادية حليم، وميرفت سلامة، ونهال كمال، وهالة حشيش، وعزة مصطفى، وهو أقصى ما تمكن الوزير من فعله لـ«ضخ دماء جديدة»، كما أجرى حركة تغييرات أخرى فى قطاع الإذاعة شملت 34 قيادة وبنفس الطريقة.
الوزير محكوم بجهاز إدارى لا يمكنه تجاهله، وأفراده يتمتعون بخبرات طويلة ليست خالية من الأمراض، وهى المعضلة التى يعتقد أسامة الشيخ أن حلها يكمن فى نموذج متحرر من القوانين «وهذه مسئولية الدولة» لكنه على الجانب الآخر لا يرى أن المشهد فى صالح القنوات الخاصة ويحكى أن خبرته فى دريم شابها تدخل مالك القناة لأنه ينفق، وهو تدخل تحكمه دائما اعتبارات شخصية ومزاجية فى أغلب الأحيان.
جمال الشاعر رئيس قناة النيل الثقافية يرى أن قوة الإعلام تبنى على أساس الحرية والتمويل، ويرى أن أى وزير إعلام فى مصر تواجهه مشكلتان فادحتان فضلا عن كونه جزءا من الحكومة، الأولى وجود أكثر من 40 ألف موظف يمثلون نصف تعداد دولة مثل قطر، والثانية ديون قدرت بـ4 مليارات جنيه ووصلت حاليا إلى 2 مليار جنيه.
الوزير -وبنفس طريقة التباديل والتوافيق- حاول الاقتراب من هذه المشاكل لكنه اكتشف أنها تشبه القنبلة الموقوتة، ومع أول بادرة للاستعانة بكفاءات من خارج جهاز التليفزيون وجد ثورة غير مسبوقة لعشرات العاملين بماسبيرو بين مذيعين ومخرجين وفنيين دامت عدة أيام أمام المبنى، اضطر الوزير أمامها للتبرؤ من قيادات ماسبيرو مشيرا إلى أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عما يحدث، وأنه سيبدأ عهدا جديدا من العلاقة معهم دون وساطة، وأنه «لن يتم الاستغناء عن أى موظف بالتليفزيون».
40 ألف موظف على قوة الجهاز العظيم جعلت الوزير يتجاهل حلم التطوير ويلعب دور وزير التضامن الاجتماعى، أو وزير القوى العاملة. وأطلق الفقى سلسلة من الإجراءات لامتصاص غضب الموظفين أبرزها استبعاد سوزان حسن من ملف التطوير، وقدم وعودا منها الإعلان عن تشكيل لجنة لتأسيس نقابة للإعلاميين، ولائحة لتحسين الأجور، وصرف 2 مليون جنيه من المستحقات المتأخرة للعاملين بالقناة الرابعة، وأخيرا صندوق لتلقى الشكاوى مباشرة.
حلم الوزير فى التطوير يصطدم أيضا بأكثر من ثلاثين قناة محلية ومتخصصة، على حد قول طارق الشامى مدير مكتب قناة الحرة بالقاهرة، والذى يرى أن الفقى يحمل إرثا ثقيلاً من القنوات التى تحولت إلى مرفأ للعمالة الزائدة يلتهم الميزانية المحدودة أصلاً، ويشير إلى أن ميزانية شبكة قنوات الجزيرة سنويا تتجاوز 1.7 مليار دولار، أى 5 أضعاف ميزانية وزارة الإعلام المصرية، فى حين أن ميزانية قناة النيل للأخبار أقل من 5 ملايين دولار، والميزانية المخصصة لتطوير قطاع الإذاعة بالكامل لا تتجاوز 130 مليون جنيه، وعندما حاول الفقى الاقتراب من ملف التطوير ثار العاملون بالقنوات الإقليمية الذين اعتبروا تأخر رواتبهم مقدمة للتخلص منهم، واضطر الفقى لاتباع سياسة «إعادة الإطلاق» و«إعادة تقسيم القطاعات» فقرر إعادة إطلاق عدد من القنوات منها الأولى والثانية والفضائية المصرية والأسرة والطفل والثقافية، وضخ برامج جديدة يحظى بعضها برعاية القطاع الخاص، أما القنوات الإقليمية فلم يكن متاحا أمامه سوى دراسة تحويلها إلى قطاع منفصل استمرارا لسياسة «التباديل والتوافيق» التى اتخذها الفقى كطريق أمثل للتطوير.
طارق الشامى يرى أن طريقة الفقى لن تدفع به كثيرا للأمام، لأن الحل الحقيقى للخروج من عثرة التليفزيون المصرى برأيه لن يتم عن طريق قنوات تخرج من رحم المؤسسة الحالية، وإنما من خلال ما أسماه بمجلس إعلام تشارك به جميع الجهات السيادية، وأن تتفق على إنشاء محطة إخبارية خاصة تمول عن طريق شركة مساهمة وتخضع لإشراف التليفزيون، وهو أمر يحتاج إلى «قرار سيادى»، ومثل هذه القناة يمكن أن ترفع سقف الحرية بشكل يتجاوز نظيراتها الخاصة بما فيها العربية والجزيرة، وذلك لأن سقف الحرية فى مصر أعلى منه فى السعودية وقطر.
تدعم هذا الرأى خبرات سابقة مر بها التليفزيون المصرى، ونجح فى الاختبار، وهو ما أكده الدكتور عبد الله شيليفر أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية، والمدير السابق لمكتب «إن. بى. سى» بالقاهرة، ومستشار قناة العربية، حيث يرى أن التليفزيون المصرى بدأ يتطور كثيرا فى السنوات العشر الأخيرة بفعل المنافسة مع القنوات الخاصة، خاصة فى مجال البرامج الإخبارية، والحوارية، وأصبح هناك غرفة أخبار، وطواقم محترفة ومراسلون فى الخارج، ويرى شيليفر أن قيادات التليفزيون المصرى لا تنقصها الكفاءة لكن تنقصها الجرأة، وعندما تجد أن هناك نموذجا تم تطبيقه بالفعل، ولا يحتوى على أى قدر من المخاطرة فإنهم ينفذونه باحترافية، ويتذكر شليفر أن صفوت الشريف حين كان وزيرا للإعلام وقبل أن تنتشر الأطباق الفضائية تعامل بقدر كبير من المرونة مع إنشاء شبكة الفضائيات المصرية كأول نموذج من نوعه فى العالم العربى، ويرى أن التليفزيون المصرى لو تخلص من العوائق البيروقراطية، وتحول إلى جهاز مستقل إداريا عن سلطة الدولة مثل نموذج الـ«بى. بى. سى» والجزيرة سيعود مرة أخرى إلى موقعه فى مقدمة الصف الإعلامى فى المنطقة.
الريادة التى أصبحت عبارة مثيرة للتهكم لدى وسائل الإعلام من كثرة ترديدها، واستبدلها الفقى بشعار «تطوير جودة المنتج النهائى» يراها أمين بسيونى رئيس شركة النايل سات مازالت صالحة للاستخدام، فالشركة تضم حوالى 450 قناة فضائية تغذى المنطقة كلها، فضلاً عن مدينة الإنتاج الإعلامى، يمكن للوزير الحديث عن التطوير والجودة دون أن يتعارض ذلك مع إنجازات السابقين عليه.
أنس الفقى يدرك أيضا أهمية إنجاز بحجم النايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامى، بل ينظر نظرة لا تخلو من الغيرة للقنوات الخاصة لأنها تحقق جزءا من المعادلة التى يحاول تطبيقها فى التليفزيون المصرى، فهى تخلصت من البيروقراطية، وتحظى بتمويل كبير، وجرأة نسبية، وقدرة على الإبهار، إلا أن ما ينقص هذه الخلطة التى أثبتت نجاحا حتى الآن فى جذب الجمهور هو وجود سلطة الضبط والربط، ويحلو للفقى أن يطلق عليه «التنظيم»، وهو ما دعاه لعقد اجتماع استثنائى العام الماضى لوزراء الإعلام العرب لوضع وثيقة تنظيم الفضائيات، وخلال الضجة التى أثارتها الوثيقة فضل الفقى اللعب على وتر الفضيلة وأخلاق المجتمع، وانتقد الفضائيات التى تخدش الحياء، وتفتح مجال الفتوى لمن لا علم لهم، إلا أن الهدف الحقيقى للوزير والذى عبر عنه فى أكثر من موضع كان محاولة تطبيق نموذج إعلام اقتصادى له جماهيرية تدر أرباحا وإعلانات، دون أن تفقد الدولة المصرية امتيازاتها المالية كونها صاحبة القمر الصناعى، وفى ظل منافسة شديدة وغير محسوب حسابها، فهو يعترف بأن «حجم صناعة الإعلام فى مصر أقل من مليار جنيه، فيما نستطيع أن نصل إلى خمسة أضعاف هذا فى غضون سنوات قليلة، ولكن بناء على ضوابط، وأسس، تنظم هذا القطاع».

موقف الوزير فى معركة تنظيم الفضائيات كشف عن الرؤية الحقيقية لوزير الإعلام الذى يرى أن الوضع بالنسبة للفضائيات وصل إلى حد الفوضى، حيث «أقمار مش عارفين اسمها بتطلع من أماكن غريبة جدا، غير ناس بتروح تؤجر حيزا فى أوروبا وتأخذ قنوات وتنزلها، غير ظواهر زمان ماكنش فيه مناطق حرة، ماكنش فيه عملية بث وإعادة استقبال وإعادة بث، ماكنش فيه فك شفرة، صناعة الإعلام تطورت جدا وتحتاج إلى تنظيم» ويبرر الوزير اهتمامه بهذا الجانب بأنه مسئول عن إنجاح القنوات الفضائية أيضا لأنها تجذب المزيد منها ولا يوجد صراع بين الاثنين، وهذا هو الملعب الذى يجد الفقى نفسه فيه أكثر قدرة على الفعل. والعبارة الأخيرة تلخص كيف يرى وزير الإعلام المصرى صناعة الإعلام القوى، فهى لا تحتاج فقط إلى شخص يمتلك الرؤية الصحيحة، وإنما إلى ظروف تدعم هذه الرؤية، تعتمد على الاستقلال النسبى، وحرية الحركة، والدعم المادى فى إطار من التنظيم الذى يضع الأمور فى نصابها، دون أن يجنح إلى التقييد.
منشورة فى جريدة اليوم السابع

الثلاثاء، 30 يونيو 2009

افلام ممنوعة فى السينما المصرية

الخارجية الفرنسية منعت «أولاد الذوات» والداخلية رفعت «زائر الفجر» من دور العرض والكنيسة حاربت «بحب السيما» والرقابة حذفت نصف مشاهد الأفلام!
كتبت: ناهد نصر
«الجنس، والدين، والسياسة» محرمات السينما المصرية الثلاثة منذ ميلادها فى القرن الماضى، وقد تندهش حين تعلم أن أفلام «ميرامار»، و«شىء من الخوف» و«العاطفة والجسد» و«لى لى» كانت ممنوعة فى وقت من الأوقات، كما قد لا تشغل رأسك كثيراً بينما تشاهد «بحب السيما»، و«جنة الشياطين» و«عمارة يعقوبيان» بالمعارك القريبة التى أثيرت حولها وقت ظهورها، لكن الأكيد أن كل فترة تاريخية مرت بها السينما المصرية كان لها أوصياؤها، ومعاركهم، وأدواتهم، ومناطق نفوذهم، وحتى المحرمات الثلاثة لم تكن تمثل الهاجس نفسه بالتساوى فى كل مرحلة، صناع السينما أيضاً كانوا يفهمون مفاتيح كل مرحلة، ويساهمون فى تشكيل حدود تلك الصراعات، وعلى مدى يزيد قليلاً على المائة عام، هى عمر السينما المصرية، يمكنك بمشاهدة ما أنتجته من أفلام أن تدرس أوجه تطورها، وتراجعها فنياً وفكرياً، لكن متابعة المعارك التى خاضها الإنتاج السينمائى المصرى ليست أقل إثارة للاهتمام.
تاريخ التضييق على الإنتاج السينمائى فى مصر بدأ مع ولادة السينما المصرية نفسها، فى عهد الملكية، وفى حين ظلت السياسة هى السبب الأشهر للمعارك السينمائية مع الرقابة، إلا أن الدين والجنس كانا موجودين على قائمة المحاذير أيضاً ولكن بنسب متفاوتة، وقد تطول قائمة الأفلام التى تعرضت لمشكلات مع الرقابة، بسبب مشاهد «إباحية»، أو لأنها تنتقد النظام السياسى، إلا أن تاريخ الوصاية الدينية على السينما كان موجوداً أيضاً منذ عشرينيات القرن الماضى، فهاجمت مشيخة الأزهر عام 1926 يوسف وهبى لأنه وافق على المشاركة فى فيلم ألمانى - تركى عن حياة النبى محمد، وهدده الملك بالنفى وسحب الجنسية إرضاء لمشيخة الأزهر.
كما لم تكن المحاذير السياسية تعنى دائماً انتقاد رموز السلطة، إذ رفع فيلم «ليلى بنت الصحراء» فى 1937 من دور العرض حتى لا ينغص على شقيقة الملك فاروق زواجها من «رضا بهلوى» ولى العهد الإيرانى، كما رفع بعد يوم واحد من عرضه فيلم «أولاد الذوات» بسبب احتجاج الخارجية الفرنسية على مشاهد بالفيلم، وفى الستينيات منع الفيلم البريطانى «دكتور زيفاجو» الذى قام ببطولته عمر الشريف من دور العرض المصرية بأوامر مباشرة من حكومة الاتحاد السوفيتى، أما فيلم «من فات قديمه» 1942 فقد تعرض للحذف ثم المنع، بسبب غضب الوفديين فى الأربعينيات من القرن الماضى، لأنه هاجم النحاس وزوجته.
وإن كانت بعض أفلام السبعينيات والثمانينيات، على سبيل المثال، قد تعرضت للتضييق بسبب تعرضها بشكل مباشر للعهد الناصرى أو لرجال الداخلية مثل أفلام: وزائر الفجر، ووراء الشمس، والكرنك إلا أن أفلام أخرى كانت تعانى مع الرقابة بسبب افتراض الإسقاط على النظام السياسى القائم، مثل فيلم «لاشين» فى الثلاثينيات، و«مسمار جحا» فى الخمسينيات و«شىء من الخوف»، و«المتمردون» فى الستينيات، وفيلم «العصفور» فى السبعينيات، والذى وصلت حدة الهجوم عليه بسبب رمزيته، إلى مطالبة البعض بسحب جنسية يوسف شاهين مخرج الفيلم، وفيلم «الغول» فى الثمانينيات لعادل إمام، الذى لم تجزه الرقابة إلا- بعد تغيير مشهده الأخير بدعوى أن به إسقاطا على اغتيال الرئيس السادات.
وشهدت السينما المصرية فى بعض الفترات موجة من الأفلام ذات المشاهد الأباحية، خاصة فى أعقاب النكسة، وقبل حرب أكتوبر، وفى مرحلة الانفتاح، وفى التسعينيات فيما كان يطلق عليه أفلام المقاولات، ومنها أفلام «أبى فوق الشجرة» فى 69 و«حمام الملاطيلى» فى السبعينيات، و«خمسة باب» و«درب الهوا» فى الثمانينيات، و«المزاج» و«جنون الحياة» فى التسعينيات، و«دنيا» و«الباحثات عن الحرية» فى الألفينيات، وهى نماذج لأفلام أثيرت حولها معارك كبرى وصل بعضها إلى ساحات القضاء، ومنع بعضها وعرض البعض الآخر بعد حذف مشاهد كبيرة منها، ولم يكن العرى وحده هو محل الانتقاد فى هذه الأفلام وإنما جرأة التعرض لبعض المواضيع الحساسة كالختان، والمثلية.
فيما تظل عبارة «مقص الرقيب» هى الشماعة التى يلقى عليها صناع السينما غيظهم من العقبات التى تعترض أعمالهم الفنية، إلا أن هذا المقص لم يكن أبداً فى يد الرقيب، أى ذلك الموظف الجالس خلف مكتبه فى هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، لأن «ريموت كنترول» الرقيب ومقصه كانا فعلياً فى يد آخرين، القصر الملكى والجمهورى، ووزارة الداخلية والخارجية والمخابرات، والأزهر والكنيسة، ومجلس الشعب، والصحافة، والقضاة، كل هؤلاء لعبوا دور الرقيب بالتساوى، أو على التوالى أو حصرياً.
فالملك فاروق كان يرى الأفلام التى يتنامى إلى علمه أن بها ما يثير المنع، وقد فرض على ستوديو مصر تغيير نهاية فيلم »لاشين«. إلا أن التدخل المباشر لعبد الناصر فى الأعمال السينمائية كان الأكثر وضوحاً، ولم يكن الرئيس يرفض الأفلام بل كان يتدخل فى اللحظة الأخيرة ليجيز الأفلام الممنوعة، مختتماً شهوراً طويلة من المرارة والمعاناة لصناع الفيلم بقفشة طريفة من قفشات الرئيس. وكان ناصر وراء منع فيلم «الله معنا» إنتاج 52 لأنه يظهر شخصية الملك فاروق على نحو يثير التعاطف، إلا أنه أبدى علناً اندهاشه من قرار المنع فى 1955، وحضر عرضه الأول فى السينما، واضطر الرئيس لمشاهدة «شىء من الخوف» مرتين إحداهما مع نائبه أنور السادات قبل أن يسمح بعرضه قائلاً: «لو كنت أنا عتريس فأستحق ما جرى له» لأنه سمع أن شخصية «عتريس» ترمز له شخصياً، وشاهد عبد الناصر فيلمى توفيق صالح «المتمردون» و «يوميات نائب فى الأرياف» ومنح مخرجه نيشاناً عن الأول، وقال عن الثانى: «لو أنتجت المؤسسة أربعة أفلام على هذا المستوى كل عام فسوف أزيد ميزانيتها» ولم تكن هذه العبارات الأثيرة تترجم حرفياً على أرض الواقع رغم عرض الأفلام بالفعل لأن هدفها كان دعائياً فى أغلب الوقت، وكان لحرس الثورة نصيب أيضا من مقص الرقابة، وعلى رأسهم شعراوى جمعة، وزير الداخلية آنذاك، الذى مارس أنواعاً متعددة من الضغوط على المخرج توفيق صالح بسبب «يوميات نائب فى الأرياف» لأنه رأى أن الفيلم يمسه شخصياً ويمس رجال الداخلية، فكوّن أكثر من عشر لجان لرؤية الفيلم، من بينها الاتحاد الاشتراكى، وطلب من مخرجه عمل فيلم قصير عن إنجازات الداخلية يعرض مع الفيلم، حتى تدخل الرئيس فى اللحظة الأخيرة لإجازته.
وفشلت الفنانة ماجدة الخطيب فى مقابلة الرئيس السادات رغم محاولاتها المتكررة على مدى سبع سنوات لتطلب منه إجازة فيلم «زائر الفجر» إنتاج 1972، الذى رفع من دور السينما بعد أسبوع واحد بأوامر من الداخلية، وقد كانت بطلة الفيلم تعلم أن المسئول الأول والأخير عن منع أو إجازة الفيلم هو الرئيس شخصياً، إلا أن الرئيس السادات تدخل فى اللحظات الأخيرة أيضاً لإجازة فيلم «الكرنك» بعد أن حذفت منه الرقابة بعض المشاهد.
الصحافة كانت وثيقة الصلة أيضاً بـ«مقص الرقابة» على مدى تاريخ السينما المصرية، وفى بعض الأحيان كانت الصحافة تفجر الشرارة الأولى للهجوم على العمل الفنى، فصحيفتا «المقطم» و«لابورص» فى ثلاثينيات القرن الماضى كانت وراء منع «أولاد الذوات» ليوسف وهبى، بسبب تحريضهما الخارجية الفرنسية عليه، وفى أحيان أخرى كانت الصحافة تكتفى بلعب دور جوقة النظام التى تروج لموقفه من عمل فنى مغضوب عليه، فطالب صحفيون وكتاب بإسقاط جنسية يوسف شاهين بسبب «العصفور»، وقادت الصحف معارك طاحنة ضد الأفلام التى تناولت مواضيع جريئة مثل المثلية فى «حمام الملاطيلى» و«المزاج» و«عمارة يعقوبيان»، والختان فى «دنيا»، والدعارة فى «درب الهوى» وغيرها.
وعلى الرغم من أن المؤسسة الدينية كانت تتدخل فى حرية الإبداع السينمائى منذ ميلاد السينما، فإن فترة التسعينيات والألفينيات شهدت ذروة تدخل الكنيسة والأزهر والجماعات الدينية فى الهجوم على الأفلام التى تتعرض لقضايا اجتماعية أخلاقية أو دينية. وبرز دور الرقابة الدينية بقوة فى الآونة الأخيرة أيضاً من خلال نواب البرلمان ذوى الانتماءات الدينية حيث منع «شفرة دافنشى» من العرض فى مصر بسبب طلب إحاطة فى مجلس الشعب، والحال نفسه بالنسبة لـ «عمارة يعقوبيان»، و«بحب السيما»، ومؤخراً «واحد صفر» وغيرها حيث ظهر الدور الرقابى للمجلس.
لتبقى المساحة الفعلية للموظف المسمى بـ «رئيس الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية» ضيقة إلى أبعد الحدود، وأبرز مثال على ذلك ما تعرض له 15 موظفاً فى الرقابة عام 1979 حين أحالتهم وزارة الثقافة للمحكمة التأديبية بسبب إجازتهم فيلم «المذنبون» إخراج سعيد مرزوق، بعدها حصل الفيلم على جائزة الوزارة نفسها كأحسن فيلم مصرى، فى تلك الفترة.
زمان كانت الأفلام الممنوعة توزع سراً فى نوادى الفيديو، وسينمات لبنان، أما الآن فلا ممنوع على الإنترنت والفضائيات، فعلى الرغم من أن الصراع بين صناع السينما والرقابة كان يدور على السماح بعرض الفيلم فى دور السينما، إلا أن المعارك لم تكن تنتهى بالحصول على هذا الحق، حتى لو بشكل منقوص، أى بعد حذف مشاهد من هذه الأفلام وإجراء تعديلات بها. إذ كانت هناك أسلحة أخرى للرقابة تمكنها من حصر مشاهدة الأعمال الفنية فى أضيق الحدود. بعض الأفلام كان يتم رفعها من دور العرض بعد فترة قصيرة، أو يفرض عرضها فى عدد محدود من السينمات، وبعضها الآخر كان يمنع من البيع أو التوزيع وهو ما حدث مع بعض أفلام توفيق صالح فى الستينيات.
شاشة التليفزيون التى تمثل القناة الأهم فى منح الخلود لأفلام السينما، كانت لها أيضا رقابتها الخاصة والتى لم تقتصر على الحذف، وإنما استخدمت سلاح المنع أيضا، ففيلم «زائر الفجر» 1972 منعته الرقابة على المصنفات الفنية فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بدعوى أنه «يصيب المشاهدين بالملل والاكتئاب» ويتعرض الفيلم لوزارة الداخلية وكيف تتعامل مع المتهمين، وكذلك فيلم «الكرنك» 1975، الذى يتناول الاستبداد السياسى والمعتقلات فى عهد عبد الناصر، ممنوع من العرض تليفزيونياً بحجة أنه يتضمن «مشاهد اغتصاب مستفزة، وتعرض المشاهدين للاكتئاب»، وأغلب الأفلام التى تعرضت لمعارك رقابية فى فترة السبعينيات والثمانينيات وخاصة لأسباب سياسية، قلما تعرض على شاشة التليفزيون.
لكن جهود الرقابة بأشكالها المختلفة لم تكن فى أى وقت من الأوقات ناجحة تماماً فى منع الجمهور من متابعة الأفلام «المغضوب عليها»، وحتى أوائل التسعينيات كان الجمهور يعتمد على أشرطة الفيديو التى توزع سراً وتعرض فى المقاهى ونوادى الفيديو وفى المنازل أيضاً، لكن مع ظهور شبكة الإنترنت انتشرت الأفلام الممنوعة من كل شكل ولون بما فيها الأفلام الأجنبية التى منعت من العرض فى مصر.
قائمة بأبرز الأفلام الممنوعة
أولاد الذوات 1932:إخراج وسيناريو محمد كريم، بطولة يوسف وهبى
منع بسبب احتجاج الخارجية الفرنسية على صورة المرأة فى الفيلم.
لاشين 1938: عن قصة الكاتب الألمانى فون ماين، إخراج الألمانى فريتز كرامب سيناريو أحمد بدرخان، بطولة حسن عزت، أحمد بيه، وحسين رياض
صدر قرار ملكى بمنع عرضه لانتقادة الحكم الظالم
ليلى بنت الصحراء1937 :
قصة: عادل الغضبان سيناريو وإخراج: بهيجة حافظ بطولة: راقية إبراهيم، عباس فارس، حسين رياض، زكى رستم
منع لأنه يهاجم كسرى ملك الفرس، بسبب زواج شاه إيران «رضا بهلوى» من شقيقة الملك الأميرة فوزية
مسمار جحا1952:
إخراج: إبراهيم عمارة قصة: على أحمد باكثير سيناريو: أنور وجدىحوار: أبوالسعود الإبيارى بطولة: إسماعيل يس، كمال الشناوى، ومارى منيب
منع بسبب تعرضه للسلطة الحاكمة
من فات قديمه1942
إخراج: فريد الجندى إنتاج: يحيى السيد بطولة: ميمى شكيب
منعته حكومة الوفد لأنه يهاجم النحاس باشا وزوجته
الله معنا1952
إخراج: أحمد بدرخان بطولة: فاتن حمامة
يدور حول الأسلحة الفاسدة، ومنع خشية من تعاطف الجمهور مع الملك فاروق، وأجازه عبد الناصر فى 1955
مصطفى كامل1951
إخراج: أحمد بدرخان فكرة: فتحى رضوان سيناريو: يوسف جوهر بطولة: أمينة رزق، محمود المليجى، وماجدة.
منع بأوامر من الملك فاروق وأجازته حكومة الثورة
المتمردون1966
إخراج: توفيق صالح قصة: صلاح حافظ بطولة: ميمى شكيب وشكرى سرحان
منع بسبب الإسقاط على الطبقية فى عهد عبدالناصر، وأجازه الرئيس، لكن الشركة المنتجة رفضت توزيعه بحجة أنه يسىء لسمعة مصر.
شىء من الخوف1969
إخراج: حسين كمال قصة: ثروت أباظة موسيقى: بليغ حمدى
منع ظناً من الرقابة أن شخصية «عتريس» ترمز لعبد الناصر، وأجازه الرئيس بعد أن شاهده مرتين.
ميرامار1969
إخراج: كمال الشيخ عن قصة بنفس العنوان لنجيب محفوظ بطولة: شادية، أبو بكر عزت، يوسف وهبى، ويوسف شعبان.
اعترضت عليه الرقابة بسبب تعرضه للفساد وشاهده عبد الناصر وأجازه بنفسه
يوميات نائب فى الأرياف1968
إخراج: توفيق صالح عن قصة توفيق الحكيم بطولة: عايدة عبد العزيز وتوفيق الدقن،
أجازت الرقابة الفيلم، لكن وزير الداخلية رفض عرضه بحجة أنه يسىء للداخلية، وأجازه الرئيس.
العصفور1972
قصة: لطفى الخولى إخراج: يوسف شاهين بطولة: على الشريف، مريم فخر الدين، محمود المليجى، محسنة توفيق
منع بحجة أنه يرمز لشخصيات فى السلطة وسمح بعرضه بعد حرب 73 بعد حذف بعض المشاهد
درب الهوى1983
إخراج: حسام الدين مصطفى قصة: إسماعيل ولى الدين بطولة: فاروق الفيشاوى، مديحة كامل، محمود عبد العزيز، يسرا، أحمد زكى، صادرته الرقابة بعد أن عرض «للكبار فقط» بحجة أنه يسىء لسمعة مصر
زائر الفجر1972
قصة: رفيق الصبان إخراج: ممدوح شكرى بطولة: عزت العلايلى، يوسف شعبان،
رفع من دور السينما لإنتقادة الداخلية
جنون الحياة1999
إخراج: سعيد مرزوق بطولة: إلهام شاهين، محمود قابيل، ياسمين عبد العزيز، وكريم عبد العزيز
، واجه اعتراضات رقابية وحذفت منه مشاهد عديدة بحجة أنه يسىء للآداب العامة، وهو ممنوع تليفزيونياً
.الكرنك1976
قصة لنجيب محفوظ إخراج: على بدرخان بطولة: سعاد حسنى،
أجيز بعد أن شاهده السادات، لكنه ظل ممنوعاً فى التليفزيون.
حمام الملاطيلى1973
إخراج: صلاح أبو سيف تأليف: إسماعيل ولى الدين بطولة: شمس البارودى، محمد العربى،
يتناول علاقات مثلية، تم عرض الفيلم فى السينما بعد أن حذفت منه الرقابة مشاهد كثيرة، إلا أنه ممنوع تلفزيونياً.
المذنبون1976
إخراج: سعيد مرزوق عن قصة لنجيب محفوظ بطولة: سهير رمزى، حسين فهمى، صلاح ذو الفقار، وعادل أدهم
التلاقى1977
إخراج: صبحى شفيق بطولة: محمود مرسى، حبيبة، ومديحة كامل، وعمر خورشيد،
منع الفيلم من العرض لسنوات ثم عرض وقد حذفت منه مشاهد كثيرة.
الغول1983
إخراج: سمير سيف تأليف: وحيد حامد، بطولة: فريد شوقى، صلاح السعدنى،
منعته الرقابة بدعوى تشابه قصته مع اغتيال السادات
للحب قصة أخيرة1986
إخراج وتأليف: رأفت الميهى بطولة: أحمد راتب، تحية كاريوكا، معالى زايد، عبدالعزيز مخيون
منعت الرقابة الفيلم بحجة أنه يسىء للآداب العامة واعتصم فريق عمل الفيلم حتى تم عرضة وممنوع تليفزيونياً.
البرىء1986
إخراج: عاطف الطيب سيناريو وحوار: وحيد حامد بطولة: أحمد زكى
حذفت عدة مشاهد وتغيرت نهايتة
أبناء للبيع
إخراج: نيازى مصطفى تأليف: سعد شنب بطولة: يوسف فخر الدين، محمود المليجى، ناهد يسرى، رشدى أباظة، توفيق الدقن، وعماد حمدى.
واجه اعتراضات رقابية وحذفت منه مشاهد وهو ممنوع تليفزيونياً.
إحنا بتوع الأتوبيس1979
إخراج: حسين كمالسيناريو فاروق صبرى بطولة: عادل إمام، عبدالمنعم مدبولى،
عرض سينمائياً ولم يعرض تيفزيونياً
منشور فى جريدة اليوم السابع

الجمعة، 26 يونيو 2009

"زهرة" الحرية من خلف الشادور

كتبت: ناهد نصر

سواء اختلفت او اتفقت مع موسوى المرشح الرئاسى الخاسر فى ايران، فإنه من الصعب ألا تتوقف عندها.. "الأيقونة الإيرانية"، "ميشيل أوباما إيران"، "ذراع موسوى الأيمن" .. إنها الرسامة والنحاتة والصحفية والكاتبة،وأستاذة العلوم السياسية، وأول عميدة بجامعة إيرانية، ومستشارة الرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى، وأخيراً زعيمة حملة الانتخابات الرئاسية لمير موسوى، زوجها وأبو بناتها الثلاثة "زهرة رهنورد" عندما كانت تخطب زهرة رهنورد، فإنها تصنع ثورة فى نفوس 12.000 رجل وامرأة يلتفون حولها باستاد الحرية الرياضى بطهران، واضعافهم خارجه. بحماس، وغضب تعلن زهرة للجماهير "ادافع عن الحرية.. حرية القلم، حرية الفكر، حرية التعبير"، وتجاهد زهرة فى قطع هتافات الجماهير لتواصل "لن نسمح لهم مجدداً باستغلالنا" فزهرة المرأة، والأم قبل السياسية، ترى أن النساء تكن نصف المجتمع فقط حين تستعر حمى المنافسات الانتخابية، وبعدها يتم الدفع بهن مجدداً الى المؤخرة والنسيان. فحين تتكلم زهرة، فإنها لا توصل رسائل المرشح الرئاسى للجماهير، بل تصنعها فتخطف قلوب وأنظار أبناء شعبها رجالاً ونساء. ومن يشاهد زهرة فى قمة حماستها وثورتها خلف المنصة، بالكاد سيعرف انها صاحبة تمثال "نرجسة المحبين" فى ميدان الأم بطهران، الذى يكاد ينطق أمومة ودفئاً وأنوثة. فزهرة طهران تقدم نموذجاً لامرأة غير مسبوقة فى الشرق الأوسط، استطاعت أن تنتزع الدهشة والاعجاب من كل وسائل الاعلام الغربية التى ترى للمرة الأولى منذ ثورة الشاة امرأة ايرانية تدافع عن الحرية من خلف الشادور. ربما يعرف الآن مير موسوى أن حفر اسمه فى التاريخ الإيرانى يتكلف الكثير من خطوط الدم على أرصفة طهران، والكثير من الغضب والعنف، وكاميرات التصوير، قد لا تسفر فى آخر الأمر عن تغيير حقيقى. إلا أن سيرة زهرة تصنع تاريخاً مختلفاً، وأكثر بقاء. فهى لم تظهر فجأة كحلية انتخابية نسائية فى حملة زوجها رئيس الوزراء السابق ، وإنما عاشت فى الذاكرة اليومية للإيرانيين وعلى نحو درامى فى بعض الأحيان. فطلابها بقسم العلوم السياسية بجامعة الزهراء بطهران يعرفون هذا الوجه داخل قاعات المحاضرات، وشباب وشابات العاصمة يعرفون زهرة التى كانت تصنع حماستهم خلال الانتخابات التى اتت بخاتمى للسلطة، ويعرفونها حين كافئها الاصلاحيون بمنصب لم تسبقها اليه اى امرأة ايرانية اخرى منذ عام 1979، عميدة بجامعة الزهراء. ويعرفونها حين كانت واحدة من صناع السياسة فى حكومة خاتمى الذى اختارها لتكون مستشارته، وحتى حين أطاحت بها حكومة نجاد من جميع مناصبها الرسمية ظلت زهرة فى صدر المشهد بكتبها، ومقالاتها النارية عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. وفى حين قد تساور الشكوك القوى الديموقراطية فى ايران حول مدى إصلاحية الاصلاحيين فى السلطة، وحول مدى مصداقية موسوى نفسه اذا ما تولى منصب الرئيس. إلا أن سيرة زهرة التى تخطت الستين ستبقى بيضاء من غير سوء، فبالرغم من أنها أبقت على الشادور الإيرانى، إلا أنها لم تحبس نفسها أبداً فى خانة المناصب السياسية، بل استخدمت طوال تاريخها كل الأدوات التى تعرفها لتقول ما تريد. وقد يخسر موسوى منصب الرئيس، إلا أن زهرة ستظل تمتلك قلمها، وريشتها، وأزميلها، وحنجرتها، وعقلها المتوقد دائماً لتسطر صفحتها الخاصة فى التاريخ الإيرانى، كنموذج لإمرأة من نوع خاص وملهم

15 عدد الكتب التى الفتها زهرة رهنورد

الأربعاء، 24 يونيو 2009

"Maybach".. لعنة الرفاهية تلاحق أثرياء العالم

كتبت: ناهد نصر

أعلنت شركة مرسيدس عن عزمها إنتاج ثلاثة موديلات جديدة من سيارتها الفارهة "مايباك" خلال فترة قصيرة، من بينها موديل خاص من المايباك (فتحة السقف) تتمتع بالمزج بين التصميم الكلاسيكى وبعض اللمسات العصرية، وسوف تعرض فى دبى للمرة الأولى قريباً. "Maybach" أو المايباك، واحدة من أكثر السيارات رفاهية ومن أغلاها فى العالم، والاختيار الأمثل لأغنى رجال الأعمال من أصحاب الذوق الرفيع. لكنها لا تخلو من لعنة أصابت بعض مقتنيها. فها هو رجل أعمال هندى يضطر لإعادة السيارة للشركة بعد فترة محدودة من شرائها لأسباب غامضة. فى حين اختفت سيارة رجل أعمال روسى بمجرد دخوله مطعماً فى موسكو لتناول العشاء، وكانت الـ"Maybach" وراء الكشف عن واحدة من أكبر عمليات غسيل الأموال فى نيجيريا. القائمة تطول ولا تخلو من رجال أعمال عرب أصابتهم لعنتها. فما هى حكاية السيارة الأشهر والأكثر إثارة فى العالم، ولماذا لا يقبل عليها رجال الأعمال المصريون.
"مايباك" لعنة لها تاريخ:
ظهرت علامة المايباك لأول مرة فى العالم عام 1921 عندما قرر ويلهلم مايباك مصمم السيارات الألمانى والمدير التقنى لشركة Daimler Gasellschaft تحقيق حلمه فى تصميم سيارة تحمل كل سمات الرفاهية. ظل ويلهلم مايباك وابنه كارل يعملان على تصميم السيارة الحلم لسنوات، حتى واتتهم الفرصة فى عام 1921 لعرض الموديل الأول فى معرض برلين للمركبات. ومنذ ذلك الحين وحتى العام 1940 واصل المصمم العبقرى وابنه تصميم وإنتاج عدد متنوع من السيارات الفارهة. لكن ما حدث فى هذا العام كان كفيلاً بتوقف مؤقت لخط السيارات استمر سنوات طويلة، معلناً عن اللعنة الأولى للمايباك. فقد اندلعت الحرب العالمية الثانية ووجد ويلهلم بحسه التجارى أن التوجه نحو الإنتاج الحربى سيحقق له ربحاً أوفر من الاستمرار فى إنتاج السيارات الفارهة. فعملت الشركة بدأب ونشاط على إنتاج موتورات الدبابات والمدفعيات الثقيلة طوال فترة الحرب. وحين وضعت الحرب أوزارها لم تعاود الشركة إنتاج المزيد من السيارات لينتهى بذلك الفصل الأول من حياة السيارة الأكثر رفاهية فى العالم.
عودة مبهرة لاسم قديم:
لكن حلم السيارة الفارهة التى تتمتع بكل ما يحتاجه الراكب وما يفوق خياله، لم يفارق أذهان مصممى السيارات وكبرى الشركات العالمية، ودائماً كانت ذكرى المايباك فى أذهانهم. فى العام 1997 فاجأت شركة مرسيدس جمهورها فى معرض طوكيو للسيارات بتصميم فريد لسيارة بالغة الرفاهية باسم "مرسيدس بنز مايباك". خطف النموذج عقول وقلوب زوار المعرض، وتزايدت الطلبات على السيارة التى لم تكن حتى ذلك الحين سوى نسخة واحدة فى صندوق زجاجى بالمعرض. شجع الإقبال الجماهيرى القائمين على مرسيدس بالسير قدماً نحو إنتاج سيارة حقيقية ولأنهم يعلمون جيداً قيمة العلامة "مايباك" وتأثيرها على عشاق السيارات الذين لم يكن تفارق أذهانهم صور موديلات المايباك الكلاسيكية فى بدايات القرن الماضى، فقررت مرسيدس أن تخصص فرعاً قائماً بذاته لتطوير وإنتاج السيارة، وأن يكون الاسم التجارى للسيارة هو "مايباك" بدون إضافة اسم المرسيدس إليه. وكان ذلك إيذانا بإحياء المايباك مرة أخرى بعد أكثر من نصف قرن من التوقف.
الألفية.. ميلاد جديد:
ومع بدايات الألفية كان قد ظهر فى الأسواق اثنان من أروع موديلات المايباك وهما (Maybach57) و(maybach62). واختيار الأرقام ليس عشوائياً بل يشير إلى طول كل سيارة بالديسيمتر، فالموديل الأول 57 هو الأنسب لمن يفضلون قيادت سياراتهم بأنفسهم، بينما ذات الرقم 62 فهى السيارة النموذجية لمحبى الاسترخاء وترك مهمة القيادة للسائق.
طول المايباك البالغ 62 ديسيمتر يسمح بمؤخرة طويلة تتيح للركاب الاسترخاء التام على مقاعد كاملة الفرد والثنى.والسعر الذى وضعته الشركة للموديلين يتراوح بين 344.000 دولار، و477.000 دولار.
فى العام 2005 أضيف للمجموعة سيارة جديدة هى المايباك (57s) وتميز هذا الموديل بلمسات خاصة وساحرة تضفى عليها طابعاً رياضياً يؤكده موتورها الرياضى السريع والقوى فى آن، وبلغ سعر هذا الموديل 381.250 دولاراً. وتوالت المويدلات بعد ذلك فظهرت المايباك (62s) بسعر 432.250، ثم المايباك (فتحة السقف) وهى الأعلى سعراً إذ تبلغ مليوناً و350.000 دولار.
"المايباك" سيارة عمولة:
المايباك تتمتع بكل مزايا الرفاهية، فهى بالإضافة إلى شكلها الخارجى الجذاب تتضمن نظاماً للتحكم فى الطقس يتضمن أربعة نطاقات مناخية، وجهازاً لكشف سرعة السيارة والوقت ودرجة الحرارة خارج السيارة، فضلاً عن نظام صوت، وثلاجة. المقاعد الخلفية للسيارة كاملة الاتكاء وتحتوى على نظام تبريد وتدفئة، ويمكن للركاب متابعة الطريق من خلال نوافذ زجاجية عاكسة للأشعة تحت الحمراء. السيارة تشتمل أيضاً على قمرة قيادة ونظام ملاحة ومزودة بتلفزيون ومشغل دى فى دى فى المقاعد الخليفية والأمامية، فضلاً عن وجود شاشتين الـ سى دى فى المؤخرة وسماعتين ونظام إغلاق وفتح أتوماتيكى للأبواب. فضلاً عن جهاز للمساج يحقق للركاب أقصى درجات الاسترخاء. وهى المميزات التى لا تتمتع بها سيارة "رولز رويس فانتوم" المنافس اللدود للمايباك.
وليس التصميم الرائع ولا الرفاهية المطلقة ولا حتى الحنين للماضى الجميل هو فقط ما يجذب زبائن المايباك إليها، بل شعورهم بأن السيارة تعبر عن أدق تفاصيل شخصيتهم. فالقائمون على الشركة يؤكدون أنه من المستحيل أن يخرج من بوابة المصنع سياراتان مايباك تشبهان بعضهما، إذ إن العميل يمكنه اختيار كل قطعة من قطع السيارة، ويسهل من ذلك مرونة الاتصال بين العميل وبين المقر الرئيسى للمايباك عن طريق الوسطاء أو بالفيديو كونفرنس لتحديد الشكل النهائى لسيارتهم من بين 2 مليون اختيار.
يسهل من مرونة تشكيل السيارة وفقاً لرغبة العميل أن تشطيبات السيارة تتم بشكل يدوى، فضلاً عن أن عملاء المايباك يمكنهم إضافة الأحرف الأولى من أسمائهم للسيارة أو إضافة الشعار الذى يرغبون فيه.
هؤلاء أصابتهم لعنتها:
كل هذه المزايا جعلت المايباك الاختيار الأمثل لأغنى أغنياء العالم الراغبين فى التمتع بالرفاهية المطلقة للسيارة التى لا تنتج سوى عدد محدود سنوياً وبناء على طلب العميل. لكن على ما يبدو من يذق حلاوة "المايباك" لابد أن يتذوق مرارتها أيضاً.
جيمس أيبورى رجل الأعمال النيجيرى المدير السابق لشركة دلتا للبترول والرئيس السابق لواحدة من أعنى مقاطعات نيجيريا، أوقعته المايباك فى شر أعماله بعد أن تورط لسنوات فى سلسلة من السرقات والفساد استخدم خلالها أشهر بنوك لندن وسويسرا لإخفاء أمواله المسروقة، فضلاً عن استغلاله لأسماء عدد من الشركات الدولية لعمليات غسيل أموال. إيبورى كان قد اشترى المايباك من لندن عام 2005 بمبلغ 406.600 يورو، ونقلت بسفينة خاصة من لندن إلى جنوب أفريقيا ثم إلى نيجيريا، ودفع إيبورى ثمن السيارة من حساب واحدة من شركاته فى إحدى بنوك سويسرا، وبعد عام واحد من صفقة السيارة الفارهة صورت وسائل الإعلام جيمس إيبورى مكبلاً بالأغلال ومتهماً بغسيل الأموال والنصب على البنوك الإنجليزية.
فيكتور ماركوف البليونير الروسى كانت المايباك سبباً فى إصابته بالاكتئاب الشديد، فقد كان من أوائل زبائن المايباك فى روسيا واشتراها عام 2004 بسعر 530.000 يورو. وبعد ثلاث سنوات وبينما كان رجل الأعمال يغادر أحد مطاعم موسكو بعد تناوله العشاء فوجئ باختفاء سيارته فى أول حادث سرقة للمايباك فى روسيا والعالم، ليخسر عاشق المايباك بالإضافة لسيارته 230.000 يورو، لأن شركة التأمين لم ترد له كامل مبلغ التأمين، وليتحول ماركوف إلى أكبر ضحية سرقة سيارات فى العالم.
موكيش أمبانى رجل الأعمال الهندى وخامس أغنى أغنياء العالم الذى تصل ثروته إلى 43 بليون دولار أمريكى، استورد المايباك من ألمانيا عام 2004، وبعد عامين كاملين فاجئ الشركة برغبته فى استرداد أمواله وإرجاع السيارة مبرراً ذلك بالازدحام المرورى وسوء الطرق فى الهند. ولم يكن هناك وسيلة للتأكد من صحة الأسباب التى أوردها أمبانى إلا أن إصراره على موقفه وتحمله الإجراءات المعقدة لإعادة السيارة وإلغاء التسجيل، والتى كانت مثار حديث الصحف العالمية آنذاك، يؤكد أن دوافع المليونير الهندى كانت قوية.
جاسم الخرافى المليونير الكويتى هو الآخر أصيب بلعنة المايباك، وهو رجل أعمال وسياسى بارز يشغل منصب رئيس مجلس الأمة منذ عام 1999 وهو أيضاً عضو مجلس إدارة عدد من الشركات الاستثمارية الكبرى داخل وخارج الكويت، وهو واحد من عشاق المايباك، إلا أنه بعد فترة قليلة من امتلاكه للسيارة فوجئ أثناء توجهه لتسجيل إحدى الحلقات التلفزيونية فى وزارة الإعلام الكويتية بتعرضه لحادث سير، نجا منه الخرافى بينما تأثرت المايباك، لتصبح سيارة رئيس مجلس الأمة مثار حديث الشارع الكويتى لفترة طويلة، حتى إن بعض من شهدوا حادث السيارة سارعوا بتصويرها بكاميرات الموبايل وتوزيعها على منتديات ومواقع الإنترنت.
يذكر أن سيارة المايباك ليست الأكثر شعبية بين رجال الأعمال المصريين، إذ لم يقتنيها سوى عدد محدود من بينهم طبيب شهير وابن عضو مجلس شعب. فهل أثرياء مصر لا يحبون السيارة الألمانية، أم أنهم يخشون أن تصيبهم لعنتها.

لمعلوماتك
من بين الإضافات الاختيارية التى يمكن للعميل طلب إضافتها، سقف زجاجى مانع لأشعة الشمس (11.670 دولار)، ونظام اتصال متكامل مزود بمكبرات صوت ومايكروفون، ويمكن الراكب من مخاطبة الناس خارج السيارة والاستماع إليهم (1.780 دولار) وحقيبة الحماية الفائقة وتتكلف (151.810 دولار)

منشور فى موقع اليوم السابع

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

غادة كرمى: التطبيعيون لا يفهمون ما هى إسرائيل

"غادة كرمى طبيبة وأكاديمية فلسطينية ولدت فى القدس سنة 1939 وهجرت وأسرتها إلى لندن فى 1948 إبان النكبة. حصلت على شهادة الطب من جامعة بريستول عام 1964 وبدأت نشاطها السياسى فى 1972 من أجل القضية الفلسطينية، فأسست عدداً من الجمعيات الخيرية والدعوية لنصرة الحق الفلسطينى ودعم اللاجئين الفلسطينيين فى المخيمات. زارت مسقط رأسها للمرة الأولى بعد التهجير سنة 1991 ثم تكررت زياراتها بحثاً عن منزل أسرتها القديم. سجلت قصة حياتها فى القدس قبل التهجير ورحلة الشتات إبان النكبة فى كتابها "البحث عن فاطمة" صدر عام 2002 باللغة الإنجليزية. تعيش حالياً فى لندن وتعمل محاضرة فى المؤسسة الملكية للعلاقات الدولية بلندن ومدرس زائر فى جامعة لندن متروبوليتان. صدر لها مؤخراً كتاب "متزوجة من رجل آخر" باللغة الإنجليزية وهو كتاب سياسى يناقش خلفيات وتاريخ الوضع فى الفلسطين ويروج لحل الدولة الواحدة الذى تدعو له كرمى. التقيت بها فى القاهرة خلال زيارة قصيرة لها فى مايو 2008، واجريت معها الحوار التالى الذى نشر فى حينه بموقع اليوم السابع، وأرى إعادة نشره على المدونة بمناسبة تجدد الجدل حول"الدولة الفلسطينية"، وترجمة الكتب الاسرائيلية إلى العربية

أجرى الحوار: ناهد نصر
أنت واحدة ضمن قلة من المؤيدين لحل الدولة الواحدة على الرغم من أن الكثيرين يصفونه بالخيالى؟
دولة إسرائيل لم تسبب إلا الدمار والضرر للمنطقة العربية وليس فقط لفلسطين والفلسطينيين. ولا يمكن لمثل هذه الدولة أن تكون مستقرة أبداً. حل الدولة الواحدة هو الوحيد القادر على القضاء على دولة إسرائيل العنصرية لأنه سوف يمنح حق المواطنة للجميع من دون تمييز على أساس الدين أو الأصل العرقى.
وما أهم ملامح هذه الدولة من رأيك؟
كما ذكرت ستكون دولة مبنية على عدم التمييز يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون كمواطنين ولا يلعب الدين أى دور فى الفصل بين مواطنيها. إذا تحقق هذا الحلم سيكون من أول أولوياته عودة اللاجئين الأجداد والأبناء والأحفاد المحرومين من العودة وكأن وضعهم كلاجئين فى الشتات صار مقبولاً للجميع.
وما السبيل لتحقيق مثل هذه الدولة فى رأيك؟
فى البداية ينبغى الاتفاق على أن هذا هو الحل الوحيد وينبغى أن يتم الترويج له على أوسع نطاق ممكن وأن يكون له أنصار فى الداخل والخارج. ثم نأتى بعد هذه المرحلة لوضع تصورات حول كيفية تنفيذه. فى البداية تأتى الفكرة ثم تأتى آليات التنفيذ. دولة إسرائيل لم تكن سوى فكرة فى رؤوس عدة أشخاص لا يتجاوز عددهم اليد الواحدة، لكنها تحققت بالفعل وظلت لأن أصحاب الفكرة تمكنوا من الترويج لها وكسب دول بأكملها على أرضية الفكرة. هل كان هناك من يتصور أن تنتهى دولة جنوب أفريقيا إلى ما انتهت إليه الآن.
وماذا سيكون اسم هذه الدولة برأيك؟
فليكن ما يكون "إنشالله خيارة". جوهر الموضوع هو إلغاء دولة إسرائيل ككيان صهيونى. هذه الفكرة ليست جديدة بل إن بعض الزعماء العرب يتبنونها
كيف يمكن لهذا الحل أن يكون واقعياً، بينما لازلنا متعثرين فى دولة فلسطينية؟
صحيح أن كل استطلاعات الرأى التى تمت على الجانبين سواء فى فلسطين أو إسرائيل أظهرت رفض حل الدولة الواحدة. لكن هذه الاستطلاعات كانت أغلبها كانت منصبة على المفاضلة بينه وبين حل الدولتين وهو فى رأيى ليس حلاً على الإطلاق لأنه يكرس الوضع الراهن. المسألة لا تقاس باستطلاعات الرأى بل بالتوعية، يجب أن يكون هناك دعوة منظمة لهذا الحل لإقناع الناس به أولاً ثم سؤالهم عن رأيهم فيه.
وهل الحكومات العربية من ضمن المستهدفين؟
بالطبع، وأنا أتكلم بالتحديد عن مصر لأن ما تحملته مصر بسبب إسرائيل والمعاناة من وجودها التى مازالت مستمرة حتى الآن تضع مصر من ضمن الدول التى ينبغى أن تكون فى الصف الأول للمطالبة بإزالة دولة إسرائيل.
لكن الموقف الرسمى المصرى كما هو موقف دول عربية أخرى الالتزام بمعاهدات السلام ودعم حل الدولتين؟
كل اتفاقيات السلام التى عملها العرب حتى الآن عمرها ما أثرت على تصرفات إسرائيل. لأن دولة إسرائيل مبنية على فكرة دولة استيطانية استعمارية. إسرائيل مش صديق والرد تجاههم هو عدم التفاهم معهم لأنهم مش أصدقاء.
هناك جماعات تدعو للسلام وللتطبيع مع إسرائيل بعضها إسرائيلية؟
هذا "حكى فاضى"، إذا أقمنا علاقات مع إسرائيليين فسيكنون لطفاء جداً لكن هذا لن يغير شيئاً من الواقع لأن القهر سوف يزداد. والتطبيعيون لا يفهمون ما هى إسرائيل لأن إسرائيل دولة غير طبيعية إنها مبنية على مبدأ نهب واستعمار، وهذا المبدأ ينتج شعب له تفكير معين. فمناهج التعليم الإسرائيلية تعطيهم فكرة مشوهة عن العرب وتعلمهم كراهية واحتقار العربى. الشاب هناك فى إسرائيل يدخل الجيش من سن 18 سنة. هذا شعب معسكر.
وما رأيك فى حل المقاومة المسلحة؟
أنا ضد أن يقتل الشعب ولكننى مع القضاء على السلطة الصهيونية بأى طريقة ممكنة. وأن يحل محلها سلطة ديمقراطية معبرة عن كافة أفراد الشعب دون تمييز تحكم فى ظل دولة واحدة.
لكن عمليات كتلك التى كان ينفذها حزب الله، وفصائل فلسطينية أبرزها حماس كانت تستهدف مدنيين؟
أحزاب مثل حماس وحزب الله فعالان جداً، فحزب الله هو القوة الوحيدة التى أخرجت إسرائيل من لبنان. لأن الثمن الذى دفعته إسرائيل فى لبنان أصبح باهظاً وإسرائيل تحب الاحتلال السهل، فاحتلال الجولان سهل وهو ما لم يحدث فى لبنان. ومن قتل من الإسرائيليين فى لبنان أكبر من المعلن عنه بكثير. هذا غير حركات مناهضة الحرب التى صدعت رأس النظام الإسرائيلى. كل هذا نتيجة الكفاح المسلح. فحزب الله أعطى نموذجاً للعمل يجب أن نتعلم دروساً منه.
تقولين هذا على رغم مآخذ كثيرة على أداء حزب الله بلبنان، وحماس بغزة؟
أنا ضد التعامل مع النتائج وتجاهل الأسباب التى أدت إليها، وهناك علاقات معقدة فى هذا الجانب، لكن لا ينكر أحد أن حماس لها شعبية كبيرة بسبب موقفها العملى من الاحتلال الإسرائيلى، وإصرارها على الحق الفلسطينى ولا ينبغى تجاهل الظروف المحيطة بهذه الجماعات. ولا ينبغى أن ننسى أن الطريقة التى جربتها منظمة التحرير والحكومات العربية لم تنجح فكان الطبيعى أن الناس تعتقد أن هذا النهج غلط. وبشكل عام أنا أؤيد الكفاح من كل أنواعه وهناك أشكال مختلفة من الكفاح.
لكن جماعات المقاومة أغلبها دينى وهم من ناحية من أشد الرافضين لحل الدولة الواحدة، ومن ناحية أخرى يرون أن الصراع دينى بالأساس؟
أنا ضد الحركات الإسلامية وضد الحل الدينى. لأن أى محاولة لتحويل الصراع مع إسرائيل إلى صراع دينى هدفها التغطية على الواقع لأنه صراع أرضى وليس فى السماء.
أنت معروفة بكتاباتك المؤيدة للحق الفلسطينى بوصفك أحد المروجين لحل الدولة الواحدة، فهل هذا هو الطريق الذى اخترته للكفاح؟
"شوفى. الناس اللى تحت الاحتلال لهم دور والناس اللى بيدعموهم لهم دور ثانى". وأنا لم أتوقف لحظة عن دعم القضية الفلسطينية منذ السبعينيات. فأسست منظمة إعلامية للقضية الفلسطينية فى بداية السبعينات اسمها "PL Action" وجمعية أخرى طبية فى الوقت نفسه باسم "P.M. Aid" وعملت نشاطا كبيرا خلال تلك الفترة. وكنا نذهب إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان ونقدم لهم الدعم. كما كنا نشرح للغرب مأساة الشعب الفلسطينى.
أعلم أنك ناشطة فى جمعية للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل فلماذا أنت من أنصار المقاطعة؟
حركة المقاطعة مهمة جداً وأهم شئ أنه عمل سلمى لا عنفى ممكن الناس تقوم به بدون عنف. حركة مجتمع مدنى يعبر عن رفضه للاحتلال. وأنا مع المقاطعة على كل مستوى. مقاطعة كل شئ اسمه إسرائيل.
لكن أليست هناك ضرورة للتواصل مع إسرائيليين لإقناعهم بحل الدولة الواحدة الذى ذكرتى أنه ضرورى قبل التفكير فى آليات تنفيذه؟
"أنا بودى أن نصل بالوضع فى إسرائيل مثلما حدث فى جنوب أفريقيا" نحول إسرائيل إلى دولة معزولة عزلة تامة لأن إسرائيل تتاجر ليس فقط بلاحها وجيشها القوى لكن أيضاً بسمعتها وصيتها فى العالم الغربى. الرأى العام الغربى مؤثر جداً على إسرائيل لو استطعنا أن نظهر أنه لا يمكن التعايش معهم سيتحولون إلى منبوذين، وهذا هو هدفى.
حدثينا عن زيارتك الأولى للقدس بعد سنوات طويلة من التهجير؟
أول زيارة لى للقدس كانت سنة 1991 مضيت هناك أسبوعين تجولت فى البلاد من "فوق لتحت" وكان من بين أهداف الزيارة أن أجد بيتى فى القدس، ولم أنجح فشعرت بتعاسة واكتئاب. فكل شئ فى هذه البلاد شعرت أنه كريه. الناس أغراب ليس لهم مكان هنا، وآلمتنى عبارة "أهلاً بكم فى إسرائيل" على لافتة فى المطار، حتى الأحرف العبرية قبيحة و"مقرفة". فى يافا البيوت القديمة العربية حولوها إلى مجمع فنى للفنانين والرسامين تأثرت كثيراً من هذا المنظر. طبرية بلد فقير وهناك وجدت جامعا مهملا محاطا بسياج ويلقون فيه القمامة. أينما ذهبت أجد شيئاً مؤلماً.
هل كانت هذه هى الزيارة الأولى والأخيرة؟
لا. بعدها ذهبت عدة مرات حتى وجدت بيتنا القديم. أختى وأخى رسما لى الخرائط ووجدته فى عام 1998 تسكن فيه عائلة يهودية متدينة من أصل كندى. عندما دخلت وجدت أن الشرفة الخارجية مازالت كما هى منذ طفولتى لكنهم بنوا طابقا جديدا وغيروا شكل الحديقة. لكن الباب الأصلى للمنزل كان كما هو لم يتغير. والبلاط فى الداخل كان هو هو لم يتغير.
وكيف كان رد فعل سكان المنزل على زيارتك؟
فى البداية أخبرت السيدة بأننى كنت أسكن هنا من زمان وأننى أرغب فى الدخول ورؤية كل قطعة من البيت فسمحت لى بالدخول على مضض ثم تحدثت إلى زوجها فى الهاتف ثم طلبت منى الرحيل وقالت "لا دخل لى بهذه الأمور". كنت أريد أن أتذكر كيف كانت غرفتنا وغرفة أمى وأبى. لكننى لم أستطع فشعرت كم نحن مهزومون وأنه ليس هناك أمل. لكن بعد عودتى إلى الفندق وكان قريبا من المسجد الأقصى تسلل إلى أذنى صوت الآذان، وعلى الرغم من أننى لست متدينة إلا أن هذا الصوت أعطانى شعورا غريبا جداً. أجمل صوت سمعته فى حياتى. وقلت "لسة لنا وجود، ولسة لنا أمل، وعمرى ما أنسى هذا الإحساس".
كتابك الأول "البحث عن فاطمة" كان بمثابة سيرة ذاتية لرحلتك الاضطرارية من القدس إلى لندن إبان النكبة. حدثينا عن هذا الكتاب؟
كتبت هذا الكتاب بهدف واضح، فأنا تربيت فى جو منحاز لإسرائيل. وأتذكر أنه فى فترة حرب 67، كانوا يصورون العرب وجمال عبد الناصر كأنهم شعوب شريرة. وكان الأوربيون يشبهون عبد الناصر بهتلر. وبعد مرور سنوات كثيرة من النشاط السياسى انتبهت إلى ناحية مهمة وهى أن القضية الفلسطينية إما أن يتم تجاهلها أو أن يعامل الشعب الفلسطينى على أنهم إرهابيون وليس شعبا يعيش فى مأساة، وخطر لى أن من أهم أسباب ذلك أننا لم نكتب تاريخنا عن طريق الرواية والمسرحية والأفلام. واقتصرت كتاباتنا على الدراسات السياسية وقرارات هيئة الأمم. فى حين أن المحرقة النازية كسبت متعاطفين وانتشرت فى كل مكان لأنهم صوروها بشكل إنسانى. ففكرت أن أكتب بنفس الطريقة وكتبت مذكراتى بشكل قصصى وجذاب.
وما رد فعل القارئ الغربى على كتابك؟
نجح الكتاب جداً وظهرت عروض لتنفيذه كفيلم أو مسرحية لكن لأسباب مادية ولأن المنتجين أفزعهم كم المأساة ولأن أغلبهم يهود لم ينفذ المشروع. لكن استقبال الناس كان جيد جداً وحتى الآن يكتبون لى من كل أنحاء العالم رسائل حول الكتاب.
ولماذا لم يترجم إلى العربية؟
حاول الناشر الإنجليزى إصدار نسخة عربية لكن لم تتقدم أى جهة عربية لترجمة الكتاب، أما الناشرون العرب فكانت حجتهم أن الكتاب كبير والترجمة مكلفة. مع أنهم ترجموا كتاب "التطهير العرقى فى فلسطين" للكاتب اليهودى المحترم "ايلان بابى". وأهمية ترجمة كتابى إلى العربية أننى وجدت أن القارئ العربى لم يكن يعرف الكثير من الأشياء عن الفترة ما قبل 48 ومنهم فلسطينيون.
وهل واجه كتابك "زوجة لرجل آخر" نفس مصير الكتاب الأول؟
من حيث الترجمة إلى العربية نعم. وزيارتى الأخيرة إلى مصر لم تسفر عن شئ فى هذا المجال. لكن هذا الكتاب يناقش القضية بشكل مختلف لأنه كتاب سياسى ويفند حل الدولة الواحدة وهو مختلف عن كتابى الأول تماما.ً وأنا مازلت آمل ترجمة "البحث عن فاطمة للعربية" .
تعيشين فى لندن منذ عام 48 هل تشعرين بتغير فى علاقة الأوروبيين بالعرب بعد 11 سبتمبر؟
بعد 11 سبتمبر العداوة فى الغرب أصبحت ضد المسلمين وليس العرب فإذا كنت محجبة ينظر لك بشكل مختلف، لكن أنا ومعظم زملائى لم يحدث لنا شئ. الغرب لا يشعر بالعداوة ضد العرب لكن ضد اللحية والحجاب، والدليل أن هناك عددا كبيرا من العرب فى لندن لا يفكرون فى العودة. الباكستانيون والبنغاليون هم الأكثر معاناة خصوصاً فى أوروبا، أما فى الولايات المتحدة فالوضع أكثر تعقيداً.
منشور على موقع اليوم السابع

الاثنين، 22 يونيو 2009

شباب ايران يعلن ثورته على حكم الملاليى والاصلاحيين

كتبت: ناهد نصر

لم يكن فريق الروك الإنجليزى الشهير "كوين" يعلم أن موسيقى أغنيته ذائعة الصيت عالمياً "we will rock you" " ستتحول من كونها أغنية البطولات الرياضية الأشهر، إلى أغنية الثورة التى يتغنى بها الشباب الإيرانى داخل البلاد وخارجها." "It's Time to Stand Up – Iran أو "حان الوقت لتنهضى يا إيران"، هى الكلمات التى اختارها هؤلاء لتلهب حماستهم لمواصلة واحدة من أكبر حركات التمرد المفاجئة فى التاريخ الإيرانى منذ الانقلاب الذى أداره الخمينى على ثورة الإيرانيين فى السبعينيات.
تنظيم الإنترنت يدير ثورة شباب إيران:
وفيما يتابع العالم بالكثير من الدهشة والترقب تفاصيل المشهد الإيرانى، متسائلاً عمن ورائه، يصنع الشباب الإيرانى شبكة تبدأ من ميدان آزادى أو الحرية الشهير بطهران، وتنتهى على الإنترنت والعكس، تنظم حركتهم خطوة بخطوة، على أنغام موسيقى الغضب والحماس. تاركين وسائل الإعلام العالمية والإقليمية غارقة فى تحليلاتها وتساؤلاتها لظاهرة بدت حتى الآن غير تقليدية، وغير مفهومه. فشباب إيران كفروا بحكم الإصلاحيين، كما كفروا بالمحافظين، ويرون أن استعادة إيران بلدهم لن يتم إلا بنهاية حكم الملالى "هدفنا تغيير نظام الحكم، وليس رئيس الدولة". خاصة وأن موسوى المهندس المعمارى والرسام والأكاديمى والأستاذ الجامعى ورئيس الوزراء السابق لا يتزعم أى حزب سياسى منظم، وبالتالى فإن إرجاع الفضل له فى الحركة الحالية فى الشارع الإيرانى أكبر بكثير من دوره الحقيقى.
هذا كما اتجهت أنظار أخرى إلى أيادى خارجية تقودها جماعات إيرانية فى الغرب، ومكاتب استخبارات وتمويلات أمريكية فى الداخل، إلا أنها عجزت عن تفسير السبب فى تحول الملايين من الجماهير الإيرانية فى الشوارع لرفع شعار "نريد استعادة بلادنا" بعد أن كان الشعار الأوحد بعد نتيجة الانتخابات المخيبة للآمال هو "أين صوتنا" فى إشارة إلى اعتقادهم فى تزوير الانتخابات لصالح أحمدى نجاد.
الخمينى شيطان، وخاتمى ثعلب، ونجاد "المسمار الأخير فى نعش حكم الملالى":
وتنتشر على اليوتيوب أغنية لإحدى فرق شباب الراب الإيرانى، بعنوان Tarikhe Ma" أو تاريخنا، يقولون فيها "نحن جيل ما بعد الثورة، صحيح أننا لم نشهدها، إلا أننا أيضاً لم نقرأ التاريخ من الكتب المدرسية التى لا تروج سوى الأكاذيب، فإذا كان الماضى هو النور للمستقبل، فعلينا أن نقرأ التاريخ من كتاب الشرفاء فقط"، وتمضى الأغنية فى حكاية التاريخ الآخر لمرحلة ما بعد الثورة الإيرانية، وحتى وصول أحمدى نجاد للحكم، مروراً بالفترة القصيرة التى قضاها التيار الإصلاحى فى السلطة
تصف كلمات الأغنية الملالى بأنهم جهلاء استولوا على ثورة المقهورين ومحبى الحرية، رغم أنهم كانوا فى الماضين يؤتمرون بأمر الشاه. ويصفون الخمينى بالشيطان الذى كان يعيش فى النعيم خارج البلاد، ثم جاء ليقطف ثمار المناضلين الحقيقيين دون عناء، لتبدأ إيران فى عهده عصر الشادور. وتقول كمات الأغنية إن الجيل الحقيقى الذى صنع ثورة إيران لا يزال موجوداً يحاول استخدام القطرة الأخيرة من دمائه فى سبيل الحرية، ولتذهب سلطة الملالى إلى القرون الوسطى.
ثم تمضى كلمات الأغنية فى حكاية مراحل التطور السياسى الإيرانى خلال الفترات الأهم فى الثمانينيات، وحتى وفاة الخمينى عام 1989 وكادت كأس السم التى جرعها الإيرانيون على يد الملالى أن تنتهى فى 1990-1991 إلا أن حرب الكويت أنعشتها من جديد ليأتى رفسنجانى "الكاذب" لسدة الحكم. ثم تنتقل الأغنية إلى العام 1997 فترة حكم خاتمى فتصفه بأنه "ثعلب جديد بلحية وعمامة يدعى أنه إصلاحى، إلا أن الثعالب لا تلد حمائم"، فشباب الثورة الإيرانية الجديدة لا يؤمنون بالتيار الإصلاحى، ولا يصدقون أنه مختلف عن حكم الملالى.
ثم تنتقل الأغنية إلى عهد أحمدى نجاد الذى تصفه بأنه "قرد" سيشهد عهده المسمار الأخير فى نعش حكم الملالى. ليقول الشباب كلمتهم الأخيرة "يد بيد.. لا تسمحوا لهم بالتنفس، اتحدوا كباراً وصغاراً وضعوا نهاية لحكم الشيطان، هذا هو التاريخ الحقيقى لإيران، المستقبل لنا. سننتصر، سننتصر، سنتصر".
طلقة واحدة قتلت "ندا" إلا أن "ندا" واحدة ستنهى حكم الطغاة:
هكذا يرى الشباب الإيرانى على الإنترنت مستقبلهم، خاصة بعد أن عصف مقتل الفتاة الإيرانية "NEDA" بالغضب فى قلوبهم وأوصله إلى الذروة. وتحولت صورة الفتاة التى تابعت عدسات الكاميرات عينيها المفتوحتين على وسعهما فى لحظاتها الأخيرة إلى قنبلة فى وجه حكم الملالى على الإنترنت، حيث انتشرت النداءات لمستخدمى الفيس بوك، والتويتر لوضع صورتها مكان صورهم الشخصية، كما تحول الفيلم القصير الذى يصور لحظة وفاتها إلى أقوى منشور تحريضى على كل المواقع الإلكترونية، رافعين شعار "ندا ماتت وعيناها مفتوحتان، عار علينا إذا نحن أغلقنا عيوننا".
أيها الجرحى لا تقربوا المستشفيات، فأبواب سفارات أوروبا مفتوحة:
وفيما تشتعل حدة العنف فى شوارع طهران انطلاقاً من ميدان الحرية الشهير "أزادى" يواصل الشباب على الإنترنت تعليماتهم ونصائحهم لبعضهم بعضا، حتى تتمكن ثورتهم من البقاء أطول فترة ممكنة، وحتى وهو الأهم تسفر عن نتيجة ما تعلو إلى مستوى ثقتهم فى حركتهم "يا إيران الحرية قادمة لا محال، فإذا لم تأتِ فجر الغد، فإن موعدها فجر اليوم التالى، أو الذى يليه"، و"سنقاتل حتى ننال حريتنا".
ويوجه الشباب بعضهم بعضا للأماكن الآمنة التى ينبغى أن يتوجهوا لها إذا ما تعرضوا لأية إصابات خلال اشتباكاتهم مع الشرطة، فالمستشفيات الإيرانية كلها أفضل المواقع للاعتقال، وبالتالى فقد نشروا على الإنترنت خريطة كاملة بمواقع السفارات الغربية التى تحولت مبانيها إلى ملجأ آمن للجرحى والمصابين وعلى رأسها سفارة كندا وأستراليا. كما تحولت السفارات أيضاً إلى صيدليات ومراكز طبية توصل الأطباء والأدوية للمنازل بالتليفون. ويقول أحد الشباب الإيرانى على الإنترنت "عار على بلد تتحول فيه سفارات الدول الغربية إلى ملاجئ آمنة بدلاً من المستشفيات".
تسلحوا بأى شىء تطوله أيديكم:
وينشر الشباب على الإنترنت دليلاً مفصلاً بالصور لطريقة التعامل مع قنابل الغاز المسيل للدموع، وكيفية تفادى ضربات قوات الشرطة ومخبريها، وآمن الطرق للبقاء أحياء، وأصحاء، "لا تموتوا أو تعتقلوا هباء" وهم ينصحون رفاقهم بالتسلح بأى شىء تطوله أيديهم. كما يحاول الشباب على الإنترنت الشد من أزر بعضهم بعضا عن طريق استخدام أى حدث من الأحداث لفضح ألاعيب السلطة، حيث لم تدخل عليهم العملية التفجيرية التى نفذها مجهولون قرب ضريح الخمينى "قنبلة ضريح الخومينى مؤامرة من الديكتاتور لتوريطنا، وإدانتنا، لكننا لا نملك القنابل" وأياً كان من نفذ العملية، فإن الشباب على الإنترنت يخشى من أن يسرى الخوف فى قلوب المواطنين من المشاركة فى الأحداث، أو أن تتحول حركتهم السلمية إلى العنف.
منشور على موقع اليوم السابع

الأحد، 29 مارس 2009

السمكة لا تفسد من ذيلها

كتبت: ناهد نصر

النظام السياسى يكذب حين يرفض إنشاء أحزاب على أساس دينى، ثم تتورط مؤسساته فى صراعات مع مواطنين على أساس الدين، فما مصلحة وزارة الداخلية فى أن تطعن على حكم المحكمة السابق بوضع "شرطة" فى بطاقة البهائيين، وما مصلحة وزارة التربية والتعليم فى إجبار تلميذين على الامتحان فى مادة التربية الإسلامية رغماً عنهما، أو وزارة الثقافة فى الصمت المطبق والتدخل السلبى أحياناً فى المذابح التى تتعرض لها أعمال وأشخاص، بحجة أنهم أساءوا للدين. مؤسسات الدولة لا تلعب دوراً محايداً حين يفترض بها ذلك، فبدلاً من أن تكون هى الطرف الذى يجمع الكل على أساس المواطنة، أى المساواة فى الحقوق والواجبات، لا تربأ تلك المؤسسات عن الدخول فى معارك جانبية، وخصومات مع مواطنين من المفترض أنها قائمة على خدمتهم ورعاية مصالحهم العليا.إن اختيار العقيدة وإعلانها والاعتراف بها واحترامها أحد الحقوق الأساسية للمواطن، والدولة مطالبة بأن تزيل كل شكل من أشكال التمييز على أساس الدين من كل ما هو رسمى، وأن تعترف قلباً وقالباً بأن جميع المصريين متساوون أمامها دون عائق، أما الاختلاف فى أمور العقيدة فهو أمر طبيعى تماماً، كما الاختلاف فى الرأى. لكن من غير الطبيعى أن يترتب على هذا الاختلاف انتقاصاً فى الحقوق، أو أن تجور جماعة على أخرى، أو تتوجه لها بالإساءة والإهانة والتجريم، وما هو أكثر.والدولة عليها أن تضع قواعد واضحة لإدارة الاختلاف، وأن تضرب مثلاً على ذلك من خلال مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، فلا تنحاز لمعتقد على آخر، ولا تميل لأصحاب ديانة بعينها، وأن تفعل القوانين التى تجرم التمييز على أساس الدين بكل أشكاله، بما فى ذلك ما ينطق به اللسان من صفات وألفاظ تقلل من شأن الآخر وتهينه، فيشعر المواطن أنه قادر على اللجوء لدولته لتحميه وتدافع عنه، لا أن يجد نفسه بين عدة خيارات أحلاها مر. ولسبب غير معلوم، رأت الدولة ألا تأخذ باقتراح توافق عليه الكثيرون، وعلى رأسهم المجلس القومى لحقوق الإنسان بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية. وفضلت على ذلك أن يكون لدينا مواطن "مسلم" ومواطن "مسيحى" ومواطن "مسلم سابق"، وأخيراً مواطن "بشرطة". و"الشرطة" ترمز حتى هذه اللحظة للبهائيين، ولا ندرى إن كانت ستتسع مستقبلاً لتضم آخرين من غير الديانات المعتمدة رسمياً، أم سيكون هناك مواطن بشرطتين وثلاث شرطات، وهكذا، حتى تصبح البطاقة الشخصية خير معبر عن التنوع الدينى على الطريقة المصرية. فالمسألة ليست فى حكم المحكمة، كما أنها ليست فى عبارة تكتب على البطاقة الشخصية، وإنما فى اعتراف المجتمع والدولة، بحرية العقيدة كمكون أصيل ضمن مكونات "المواطنة"، وهو أمر غير متحقق لأننا نعانى من غياب ثقافة الاعتراف بالآخر، وسوء إدارة الاختلاف، لكن السمكة لا تفسد من ذيلها.

الخميس، 26 مارس 2009

هل يكفى قرار عاكف"لتبييض" وجه الجماعة ؟

كتبت: ناهد نصر
قرار مهدى عاكف بأن يكتسب لقب "مرشد سابق" يتسم بالحكمة والشجاعة فى آن. إذ إنه يواجه وعلى نحو مفاجئ واحدة من أهم الانتقادات التى توجه للجماعة، بعدم تداول السلطة، كون منصب المرشد العام ظل منذ إنشائها من المحاذير التى لا يتم تخطيها إلا بوفاة المرشد. عاكف، الذى تجاوز الثمانين من عمره، بقراره الأهم، ليس فقط يحرج الكثيرين من قيادات الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم، وإنما يقدم أيضاً وجهاً جديداً للجماعة يتوج محاولات بذلتها فى السنوات الأخيرة، كان أبرزها ترشيح نساء فى الانتخابات البرلمانية، وخوض غمار مؤسسات المجتمع المدنى، فضلاً عن رفع شعارات لم تكن مطروحة على أجندتها من قبل كالديمقراطية وحقوق الإنسان. والتعاطى مع بعض القضايا التى كانت تتجنب خوضها كالأقليات الدينية، والمشاركة السياسية، وحقوق المرأة (دع جانباً طبيعة هذا التعاطى).والقرار بالتأكيد سيكون له تأثير إعلامى قد يمتد طويلاً، ولا شك فى أن الجماعة تستهدفه، خاصة فى ظل التشكيك فى ديمقراطيتها الداخلية إثر انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، والتى آلت كل مناصبها لأهل الثقة من الحرس القديم، وإثر ضيق بعض شباب الجماعة من مبدأ السمع والطاعة الذى تدار به داخلياً من أعلى، واعتراضات بعض الأخوات من انحسار دورهن فى مجالات بعينها داخل الجماعة. إلا أن التأثير الإعلامى لقرار المرشد لن يكون ذا معنى إذ لم يكن توطئة للتعامل المخلص مع كافة الملفات، التى تقف حائلاً أمام الثقة فى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها ولاية المرأة والأقليات الدينية، والفصل بين الدعوة وبين الدور السياسى الذى تطرحه الجماعة على نفسها، وتوضيح الهدف السياسى لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر وولاءاتها الفعلية فى الداخل والخارج، والكشف عن طبيعة علاقاتها بالقوى السياسية الأخرى كما تراها الجماعة فعلياً وليس كما تروج لها، وهل تنطلق من إيمان حقيقى بأن الجماعة جزء لا يتجزأ من القوى السياسية الهادفة للإصلاح، أم أنها تشارك فى التحالفات والجبهات السياسية على سبيل تسجيل التواجد. قرار المرشد أيضاً يتطلب أن يصاحبه برنامج سياسى جديد يتسم بالوضوح فى كافة القضايا المطروحة على الساحة المصرية، ويبتعد عن الصياغات المفتوحة والمعلقة التى تعكس تناقضاً فى مواقفها وضبابية، وتخفى من الأهداف والتوجهات أكثر مما تكشف، تاركة الفرصة لكافة أنواع التفسيرات التى لا تكون كلها فى صالح الجماعة. إذن فالقرار حكيم ويحسب لصاحبه، ولا بد أن يلقى كل التقدير من كافة القوى السياسية والمدنية. على أنه لا ينبغى أن يكون نهاية المطاف "لتبييض" وجه الجماعة، وكسر حالة عدم الثقة التى تعانيها فى علاقتها بالقوى الأخرى، خاصة وأن انتخابات المرشد الجديد ستدور فى فلك مجلس شورى الجماعة، ومكتب الإرشاد الحالى والسابق، والذى يضم القيادات نفسها المسئولة عن الوضع الحالى لجماعة الإخوان المسلمين، بكل ما له وما عليه. وطرح منصب المرشد العام للتداول ينبغى أن ينطلق من فكر جديد لجماعة الإخوان المسلمين يبدأ من داخلها ويتجه نحو الخارج.

السبت، 21 مارس 2009

خدعة "عيد الأم"

كتبت: ناهد نصر

عيد الأم هو كذبة كبيرة، محلية الصنع للضحك على الأمهات. وليس من الغريب أن يخترعها رجل، وأن تصمد الكذبة أمام كل الدعاوى التى تنادى بجعله عيداً للأسرة، أو على الأقل عيداً للأب والأم معاً. لأن توسيع دائرة الاحتفال يعنى توريط الأب ثم الأسرة فى المسئولية التى يراد لها أن تنزل كاملة حتى ولو معنوياً على عاتق المرأة التى أنجبت طفلاً. وهى عقدة تخلصت منها العديد من دول العالم، والأهم أنها اعترفت بذلك، بينما نحن لا. فالأم لدينا "مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق".مثلاً فى الكثير من دول أوروبا يمنح الآباء إجازات رعاية طفل مثلهم مثل الأمهات تماماً بحكم أنها مسئولية مشتركة باعتراف الدولة. بينما تقلص القوانين لدينا تدريجياً من إجازات الوضع، وإجازات رعاية الطفل. وفى دول العالم المتقدم ينشئون دور لرعاية الأطفال فى مواقع العمل، وفى الأحياء تخفيفاً على الأسرة من مشقة الانشطار بين الأطفال والعمل بحكم أن رعاية الطفل مسئولية مشتركة بين الأسرة والدولة، بينما تتحايل المؤسسات لدينا على القوانين التى تقر مثل هذه البنود، كما لا تتوافر فى دور الرعاية ما يجعل الأسرة مستريحة البال قريرة العين على أطفالها. وفى دول العالم المتقدم أيضاً يعرفون أن الطبيعى للمرأة الأم أن يكون لها عمل دون أن تحتاج لتبرير سبب ذلك، هل لإرضاء طموحها الشخصى، أم لتحقيق ذاتها، أم لمساعدة زوجها، أم ببساطة ليكون لديها مورد مالى مستقل، بحكم أن المرأة كائن حى له حقوق سواء كانت بطفل أو بدون، لكن لدينا لا يزال البعض يفتى بأن عمل المرأة حلال للضرورة القصوى، وبشروط لأن موقعها الطبيعى هو البيت ورعاية الطفل. الإلقاء بمسئولية الأطفال على الأم فى ثقافتنا يريح الجميع من أعبائهم، وبالتالى فلا أقل من أن تحاط هذه الخدعة بالكثير من الكلام المعسول المذاب فى كؤوس من النكد الخالص، حتى يتسرب إلى روح المسكينة شعوراً دائماً بتأنيب الضمير لذنب ارتكبته أم لم ترتكبه، فقط لأنها أم. راجع مثلاً سيمفونية النكد التى تعزف خلف فايزة أحمد فى "ست الحبايب يا حبيبة"، وهى نفسها التى انبثقت منها شقيقتها "سيد الحبايب يا ضنايا إنت" لشادية. ثم كورسات النكد المصفى التى أدتها أمينة رزق على الشاشة لما يقرب من نصف قرن، والتى لا توازيها سوى ملامح السذاجة فى أدوار كريمة مختار. أضف إلى كل ذلك المطولات التى تكتب عن تفانى وتضحيات الأم فى كل وسائل الإعلام، والتى خاض لواءها لسنوات الراحل عبد الوهاب مطاوع بعباراته الروحانية عن الأم. جيش كامل مهمته التاريخية هو "الزن" على آذان الأم، فيما إذا تفانى رجل فى رعاية أبنائه على طريقة الأمهات، يضرب به المثل كونه أدى بعضا من دور الأم والذى ليس من صميم اختصاصه. والكثير من الأمهات فى زمننا هذا تعشن بذنب هذه الصورة الذهنية المتعسفة، لأن الحياة تغيرت والظروف تبدلت ولم تعد الأمهات مثل أيام أمينة رزق، وكريمة مختار. وبدلاً من الاعتراف بأن المسئولية التى يصرون على نسبها للأم هى مسئولية مشتركة بين الأسرة "الأم والأب" والدولة يفضل الجميع مواصلة عزف اللحن ذاته، لأن إشعار الأمهات بالذنب أسهل من التقدم خطوة للأمام من أجل أفراد أسوياء ومسئولين على قدم المساواة.

الأحد، 1 فبراير 2009

فتنة الفراغ

كتبت: ناهد نصر
الفراغ هو المسئول عن الاحتقان الطائفى فى مصر. وعن التربص الخطير بين أصحاب الانتماءات الدينية المختلفة، ولا أقول بين المسيحيين والمسلمين، لأنه يطول أيضاً أصحاب الطوائف المختلفة فى الدين الواحد، وفى أحياناً أخرى نشهد حالات من التوحد السلبى لمن يعتبرون أنفسهم ممثلى الديانات السماوية ضد غيرهم من أصحاب المعتقدات الأخرى. لماذا مثلاً يتجمهر مسيحيو نجع حمادى أمام الكنيسة لأن فتاة مسيحية اختفت، وتنصب الاتهامات على مسلم ويتحول الأمر إلى احتقان طائفى. أليس اختفاء الأشخاص فى مصر أمراً يحدث كل يوم دون تفريق بين مسلم ومسيحى، ودون أن ينجح الأمن فى العثور عليهم كما لا ينجح فى العثور على غيرهم فى قضايا جنائية. ولماذا يلوح أسقف كنيسة نجع حمادى بالمظاهرات بدلاً من أن يعقل شعبه بكلمات حكيمة؟ ولماذا يتجمهر المسلمون أمام مبنى فى عين شمس لأن مسيحيين استخدموه فى الصلاة؟ وكيف يسمح إمام المسجد لنفسه بأن يتزعم هذه الثورة التى أحرقت فيها الصلبان فى الشارع. أليست العبادة لله.. أليس هو القائل إن لكم دينكم ولى دين. وما هذه الجماعية الغريبة التى يتحرك بها الطرفان حين يتعلق الأمر بالفتنة الطائفية، بينما التحرش بفتاة فى الطريق العام، أو مشهد مجموعة صغيرة من الشباب يهتفون ضد ارتفاع الأسعار مثلاً فى ميدان عام بالكاد يحظى بالتفاتة من السائرين فى الطريق. البعض يرى أن الدولة تعلى من روح الطائفية كونها تميز بين أصحاب الأديان المختلفة فى الحقوق والامتيازات. وهناك من النظريات فى هذا المجال الكثير وكلها معقولة وجديرة بالأخذ فى عين الاعتبار. لكنها لا تضع تفسيراً شافياً لتصرف المصريين على اختلاف عقائدهم بلا عقلانية حين يتعلق الأمر بالدين، حتى لو كانوا لا يمارسون قدراً كبيراً منه فى حياتهم اليومية. لأنها تغفل عاملاً مهماً ربما بدافع الخجل. إنه الفراغ يا عزيزى. الفراغ القاتل. يقتل التفكير، والتدبير وينعش ملكات الإيذاء. إنها الطاقات المعطلة يا سيدى، التى لا تجد لها متنفساً فى شئ ذا جدوى. إنها الجهد المنظم للمسئولين عن هذا البلد فى قطع الطريق على أن يستخدم الناس عقولهم بكل الوسائل. فى التعليم والإعلام، فى الرياضة والثقافة، فى استنشاق الهواء، واستخدام التكنولوجيا، فى إدارة المؤسسات الحكومية والمجتمع المدنى. إنها حالة الترصد الدقيق لأية بادرة قد تخبر بأن خلفها "تفكير" أو على الأقل راحة بال تفضى إليه. ما الذى تتوقعه مثلاً من عدة أشخاص محبوسين فى زنزانة ضيقة وبلا متنفس ولا أمل فى الخروج. أى نوع من الأفكار قد يصدر عن هؤلاء خلال الساعات الطويلة التى يتشابه ليلها مع النهار. أى مشاعر قد يتبادلها هؤلاء مع بعضهم البعض بينما يأكلون نفس الطعام الردئ، ويتنفسون ذات الهواء الخانق، ويتقاسمون ذات العجز بينما تتهددهم عيون السجان، وكرباجه، وحذائه الثقيل. أى مستقبل تراه لهذا البلد بينما الملايين من شبابه يتقاسمون اليأس واللاجدوى والفراغ المرير.

الثلاثاء، 13 يناير 2009

إخوان غزة وإخوان مصر

كتبت: ناهد نصر
أقل ما يوصف به أداء جماعة الإخوان منذ العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، هو أنه مسرحية لاستعراض القوى التى للأسف بلا جدوى. بماذا يمكن أن نصف مثلاً المشهد الكوميدى للنائب الإخوانى على لبن الذى أشهر حذائه فى البرلمان قائلاً: إذا كان الجلاء سيتم من أرض غزة بالحذاء فسنرفعه جميعاً، ومن قال للنائب المحترم إن غزة سيحررها حذاء سيادته. وبماذا نصف شباب المسيرات التى تدورها الجماعة فى المحافظات المصرية تهتف بفتح باب الجهاد. وعن أى جهاد يتحدث الإخوان، ومن أغلق فى وجوههم باب الجهاد، ولماذا لا يجمع قيادات الجماعة جحافلهم المتشوقة للجاهد نحو معبر رفح. لماذا لا يخترق الإخوان المعبر نحو غزة كما فعل إخوانهم فى حماس من قبل. لو كنت فى موقع مسئول لفتحت باب الجهاد على مصراعيه لمجاهدى الإخوان بكل ارتياح. وما معنى أن يسحب نواب الإخوان المحترمين طلبات إحاطتهم لوزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالى بحجة التضامن مع غزة، وهل أطفال غزة أقرب إلى حبل وريد الإخوان المسلمين من طلاب المدارس المصرية الذين لم يحصل أغلبهم على الكتاب المدرسى حتى الآن. ولماذا لم يسحب نائب "الحذاء" طلب إحاطته ضد وزير الثقافة بسبب احتفالية "ابن عربى" تضامناً مع غزة أيضاً، ففى حين كان النائب المحترم يجلو صوته الكريم فى إطلاق صفات الكفر على ابن عربى مستشهداً بقرار برلمانى من أوائل السبعينيات، كانت الدبابات الإسرائيلية قد اجتاحت غزة بالفعل. ولماذا يشعر الإخوان بهذا الانتعاش المثير للدهشة وكأن العدوان على غزة فرصة تاريخية لكى يقول الإخوان "نحن هنا". ولماذا لم يتظاهر الإخوان من أجل أسطوانات الغاز التى اختفت من مستودعات الدقهلية والإسماعيلية والغربية، أو من أجل رواتب عمال النيل لحليج الأقطان فى الغربية والبحيرة، أو من أجل الآلاف من العمال المؤقتين الذين يفصلون من أعمالهم من الإسكندرية إلى أسوان بسبب الأزمة الاقتصادية. لماذا لا يسير الإخوان المسلمين جحافلهم الغاضبة حين يتعلق الأمر بالمصريين. ولماذا لا يتذكرون استعراض قوتهم العددية فى شوارع مصر إلا حين يتعلق الأمر بانتخابات مجلس الشعب أو المحليات أو "غزة". وما الذى فعله الإخوان للمصريين منذ أن وصلوا إلى البرلمان، ولماذا لم يفعلوا وهم يتباهون بحناجرهم فى شوارع مصر.إن جماعة الإخوان المسلمين وإن كانت اللاعب السياسى الوحيد فى ظل غياب أو تغييب كل القوى السياسية الأخرى، لا تهدف إلى الصالح العام، وإنما لصالح الإخوان أنفسهم. تماماً مثلما يفعل إخوانهم فى حماس الذين يتمنون "لو أبيدت غزة عن بكرة أبيها" بينما يبقوا هم فى السلطة ليفرضوا حدود الله على أهل غزة كما يطمح الإخوان فى مصر. إذ لا يهم هذا التيار سوى الوصول الى السلطة، وأن يراهم العالم ويتحاور معهم حوار الأنداد. ولا يهم بعدها لو أبيدت غزة أو غيرها، فإذا كان الحزب الحاكم متهم بالفساد وتغليب صالح قلة على مصالح ملايين المصريين، فالحال لا يختلف عنه بالنسبة للإخوان سوى فى الخطاب. أما باقى التيارات السياسية الأخرى فلا تثريب علينا إن نحن لم نمسسها بسوء، لأنها فى الحقيقة لا وجود لها.

الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

"مندرة" أمين التنظيم

كتبت: ناهد نصر
ما فعله أحمد عز أمين الوطنى فى آخر أيام مؤتمر الحزب مثير للاهتمام! فالرجل حاول الظهور بمظهر السياسى المحنك وهو يدير إحدى جلسات المؤتمر. فعلى الرغم من كل ما أثير ويثار حوله بدا متمكناً من الإمساك بخيوط موضوع الجلسة ببراعة، مُصِرّاً فى بعض الأحيان على الحديث باسم المواطن، حتى لتحسب أنه يشعر به بالفعل. فهو يحاور وزير الإسكان الذى حاول الهروب مراراً وتكراراً من سؤال له عن جودة مياه الشرب فيقول عز: "أنا نائب ريفى وأعرف هذه المشاكل". ويقول أيضاً مدللاً على كلامه "يجيلك واحد وأنت قاعد فى المندرة، ومعاه كباية مية، ويقولك بص يا حاج أحمد، هى دى المية اللى بنشربها"، وبينما استغرق الوزير، الذى فوجئ على ما يبدو، فى الكلام حول أن ألمانيا نفسها تعتمد على الآبار الارتوازية وأن الأرقام تقول...، باغته عز "الأرقام معروفة، وإحنا مش بنسأل على ألمانيا" ثم يقول اسمحلى أن أصر على سؤالى. أمين تنظيم الوطنى يطلب من وزير حكومة الوطنى أن يسمح له بالإصرار على سؤاله حول خطة وزارته لمكافحة تلوث مياه الشرب، ثم إنه "يفرمل" كلام سيادة الوزير بحجة أن الأسئلة "كتير" وعليه أن يلتزم بالإجابة على ما يطرحه عليه، وفقط. إدارة عز للجلسة لفتت انتباه أمين إعلام الوطنى أيضاً، حيث استهل على الدين هلال المؤتمر الصحفى الذى أعقبها بالضحك قائلاً "لدرجة أن أمين التنظيم كان بيقول اسمحلى أصر على سؤالى"، وحين سألت صحفية أحمد عز عن السبب فى هجومه الشديد على المعارضة بدت إجابته واثقة ودقيقة "القواعد والأمناء فاض بهم الكيل، وكان لازم وقفة"، وحين سؤاله عن موقفه من الإخوان، قال: بلا تردد "غلطة الحزب، ولن تتكرر". أمين الإعلام الذى بد أنه غير راض عن محاولات عز التعدى على دوره العتيد فى الحزب بوصفه منظره، صعد عدة مرات إلى المنصة ليكرر إجابات عز، دون أن يزيد عليها حرفاً سوى قوله "ماتتخيلوش إن فيه عضو فى الحزب بيجاوب من نفسه، لأن كل شئ متفق عليه حزبياً". انتهت الجلسة، ولم نعرف ما هى خطة الحكومة لمواجهة تلوث مياه الشرب. كما انتهى المؤتمر كله ولم نعرف على وجه الدقة ما جديد الوطنى. لكن الأكيد أن "صوابع الحزب مش زى بعضيها" وأن بعضاً من قياداته تحاول جاهدة أن تتعلم "لعبة السياسة" وتعرف أنه رغم أن العجلة تدور فى الفراغ ، فقد يكون من المناسب الظهور بمظهر الحزب الذى يحاسب حكومته، وأن السبيل إلى الناس لن يكون بالمزيد من شعارات من نوع "بلدنا بتتقدم بينا"، وأن "الفكر الجديد" ينبغى أن يعتمد على التعبير عن نبض الشارع، حتى لو لم يفض ذلك إلى إنجاز ملمو س على أرض الواقع. وهى معادلة بدا أن عز يدركها جيداً، وبدا أيضاً أن هناك الكثير تحت رماد الوطنى ستكشف عنه الأيام القادمة.

السبت، 18 أكتوبر 2008

Hope mission

Nahed Nassr meets a young man of accomplishment
"Muslim, Christian -- I'm Egyptian. Fellah, Saeedi -- I'm Egyptian. Nubian, Arab -- I'm Egyptian..." And so the song continues, reflecting -- in the most straightforward and accessible way imaginable -- a grassroots patriotism long cherished but seldom felt by the young. Ana Masry (I'm Egyptian) is representative of the work of singer, songwriter and composer Ihab Abduh, whose presence on the culture scene was already felt while he was a management student at the American University in Cairo (AUC). There, Abduh participated in the broadest range of student activities, and in 1995 became president of the Egyptian branch of AIESEC, the largest student organisation in the world. Still, Abduh was best known for his beautiful voice as a singer, while following graduation he pursued nationalist interests more directly through being, among other things, a partnership and business- development officer at the Canadian International Development Research Center (IDRC), at the Middle East and North Africa regional office of the Near East Foundation (NEF) and Nestle Egypt. By 1999 he was ready to establish his own youth-led non-profit organisation, Fathet Kheir (a proverbial expression meaning "auspicious start"), cofounding the Nahdet El-Mahrousa NGO in 2002 and earning a masters in international development from the University of Pittsburgh two years later. In his thesis Abduh focussed on the role of the NGO sector including such topics as philanthropy fair trade and development. In the same year Abduh was elected "social enterpreneur" by the Ashoka Foundation. As well as chairing of Nahdet El Mahrousa and teaching a course on NGO management at AUC, Abduh hosts an English-language Radio Cairo FM show named Let's practise what we preach, broadcast every Monday at midnight. The president of the Egyptian Federation of Young People's NGOs, Abduh was the first Egyptian to receive the Global AIESEC Alumni Entrepreneurship and Leadership Award at the organisation's 2007 International Congress in Istanbul. But he has not stopped singing.
"My love of singing was always there. At university, it was my favourite hobby. I was a big fan of [the late "father of Egyptian music"] Sayed Darwish. His songs have patriotic import as well as human and spiritual meanings. I used to sing his songs at university events. In 2002 I did some vocal training to improve my voice." It hadn't even occurred to him to compose lyrics. "I used to read the great Egyptian vernacular poets: Salah Jahin, Ahmad Fouad Negm, Fouad Haddad. I loved them, of course, but I had a feeling that there were more recent issues requiring fresh language and fresh treatment. Like Sayed Darwish, [the great oppositional composer-singer] Sheikh Imam is great -- but neither can address young people now to the same perfect effect." Though it shares the theme of many Sayed Darwish songs -- national unity -- Abduh's masterpiece, Ana Masry, for example, is conceived in response to media approaches to issues of sect: "I believe Egyptian society does not suffer from profound problems deriving from religion, race, or ethnicity. Nevertheless, the way the question is addressed the our media does not really reflect this non-sectarian reality. Ana Masry delivers the pure message in a simple way." And there is a story to how the song came about, too: "I wrote the lyrics in India. When I reached that country, many sad questions came to my mind: why those people are able to keep and develop their 5000-year-old civilization while we could only skim the surface of ours... For one thing, I felt that our identity as Egyptians is far richer than we are willing to acknowledge." Most songs that make their way to the media, Abduh believes, reflect neither the dreams nor the frustrations of Egyptians, especially the young. Artists who fail to "go with the flow" on the other hand are denied access to audiences; they cannot even be sure of their art surviving across generations. "There is a generation of writers who are not going with the flow. They address our everyday issues in their works. But most of them have neither the will nor the ability to publish their work. Sheikh Imam and [his long time collaborator the vernacular poet Ahmed Foud] Negm are rather the exception; their experience cannot be repeated now." Besides, Abduh sees himself as part of a far more recent and less politicised scene that includes the Westelbalad band and Wagih Aziz as well as others, and he is particularly fond of Mohamed Mounir.
"My favourite singer," he says in reference to the latter, "used to be the only singer who tackled serious issues in an artistic way after the 1980s. Now there are other artists on the same track, which is promising though support is very limited. Those artists, songwriters, composers, or singers, do not have the financial resources to reach a wider audience. There are a few cultural entities backing some of them which is a commendable effort but it is not enough. Those entities do not have the appropriate strategic planning. The Cultural Mawred, for example, in collaboration with a Lebanese production company produced a CD of Fathy Salama with a price tag of LE50; now no CD by an Egyptian pop star will cost more than LE30." For his own part Abduh made his way to the audience through live concerts -- events that, few and far between as they remain, he has used to introduce other young and promising artists. At two concerts he gave in July at the Sawi Cultural Wheel and AUC, for example, he invited Laila Bahgat and the American-Egyptian Karim Nagi to perform alongside him: the first offered Sufi-inspired songs while the latter played drums. "A concert for me is an opportunity to publicise our work as young artists with a different perspective. My special guests have the same perspective on the diversity and richness of the Egyptian personality." In his upcoming concert on 27 November -- "a concert for national unity" -- Abduh will host hymns and folklore. Abduh's own repertoire includes some 15 songs he has written himself but he also performs work by other lyricists like Nasser El-Geel. His dream is to make more room for music in his life. "Singing and songwriting for me is another way of delivering the same massage. I feel that I need to give it more time." He is currently working on an album that brings together his favorite songs. "My songs don't deal with new issues; what makes them different is that they are more hopeful. I like to focus on the light, to give hope in the future as much as I am able to."

الأحد، 28 سبتمبر 2008

حريق المسرح القومى .. فى عنق المثقفين

كتبت: ناهد نصر

فى مثل هذا الشهر منذ ثلاث سنوات فجعت مصر فى اثنين وثلاثين من أبنائها وأكثر بين مبدع وعاشق للفن، بينما كانوا مجتمعين فى قصر ثقافة بنى سويف يتابعون واحدة من فعاليات مهرجان نوادى المسرح. ومن لم يمت بالنيران فى حريق قصر الثقافة مات دهساً تحت الأقدام، أو بسبب الإهمال الطبى. ساعتها قامت قائمة المثقفين مخضرمين وشباناً من هول الصدمة ومن فداحة الخسارة. فقد غيبت النيران أسماء كبيرة بحجم محسن مصيلحى وبهاء الميرغنى وحازم شحادة ومدحت أبو بكر وصالح سعد، كما التهمت شباباً فى عمر الزهور، كان الفن حلمهم الوحيد وحياتهم. وقتها تشكلت اللجان، وعلا صوت الاحتجاجات، وأضيئت الشموع، وانطلقت المسيرات الصامتة والصاخبة، وعم السواد والغضب المشهد الثقافى المصرى. وانتقلت النيران من القاعة المغلقة هناك فى الصعيد إلى عقول وقلوب العاملين بالحقل الثقافى الذين دفعهم الحريق إلى فتح ملفات ثقيلة من الإهمال والفساد والمحسوبية التى ترعاها وزارة الثقافة والتى ظلت جاسمة على قلوبهم وقلوبنا لسنوات طويلة. غضبة المثقفين النادرة آنذاك أجبرت وزير الثقافة على تقديم استقالته، وعلى الرغم من أن مشروع الاستقالة لم يكتب له الاكتمال، وعلى الرغم من أن بعضاً من أعضاء الحقل الثقافى آثروا السلامة ووقعوا بياناً يطالبون فيه الوزير "الحبيب" بعدم الاستقالة، إلا أن الأمل كان لا يزال باقياً فى أن يواصل المثقفون الطريق الذى بدأوه فى سبتمبر 2005، وأن يخف وهج الغضب ليحل محله أشكال من العمل الجماعى الواعى والمنظم لتصحيح الأوضاع المقلوبة، سواء بقى الوزير أو لم يبق.إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، لتمر أسابيع ثم شهور فسنوات، ولا يبقى من وجه حريق قصر ثقافة بنى سويف سوى احتفالية التأبين التى تقام كل عام فى مثل هذا الشهر ذراً للرماد فى العيون. بينما الحياة تسير وكذا وزارة الثقافة، بكل مهرجاناتها ومعارضها واحتفالياتها دون أن يعكر صفوها أحد. كما لا يزال الإهمال والفساد سيد الموقف فى كل ما ترعاه وزارة الثقافة من مؤسسات وهيئات فى أنحاء الجمهورية. ولا يعلم أحد أين ذهبت مثلاً "حركة أدباء وفنانون وكتاب من أجل التغيير" وغيرها من الحركات التى انطلقت إبان المحرقة ثم اختفت وكأنها لم تكن. ولا يعلم أحد السبب فى أن مثقفى مصر الذين واتتهم فرصة نادرة لفتح ملفات قصور الثقافة ومسارح الجامعات وفروع اتحاد الكتاب والثقافة الجماهيرية التى لا ينالها سوى الفتات، وملفات الفساد الإدارى والمحسوبية التى لا يستثنى منها سوى قلة قليلة من المسئولين عن هيئات الوزارة فى العاصمة والأقاليم على حد سواء.ليفاجئنا "القضاء والقدر" بحريق جديد فى المسرح القومى، والذى وإن لم يتسبب فى خسائر فى الأرواح، إلا أنه يعد خسارة لصرح تاريخى من صروح الثقافة المصرية منذ افتتاحه فى العام 1921. السيناريو المتوقع للتعامل مع الكارثة الأخيرة مكرر لحد الملل، لكن الكارثة الحقيقية تكمن فى أن المسرح القومى لن يكون الضحية الأخيرة لصمت المثقفين.

الجمعة، 19 سبتمبر 2008

الوساطة الغائبة

كتبت: ناهد نصر
يشعر المرء بالأسى حين يتابع أخبار المفاوضات التى يقودها نقيب الصحفيين للتوسط بين شيخ الأزهر واثنين من الصحفيين للتنازل عن قضية السب والقذف التى رفعها ضدهما، فالنقيب يرى أن استمرار القضية يهدد بتكريس حبس الصحفيين فى قضايا نشر، وشيخ الأزهر يعتقد أن كرامته التى رأى أنها أهينت بسبب ما نشرته جريدة الفجر لا تسمح له بالتنازل عن القضية، وأنه "على العدل أن يأخذ مجراه". نقيب الصحفيين معذور لأن القانون 96 لسنة 1996 يبيح حبس الصحفيين، ولم تفلح المطالبات المتكررة للصحفيين بإلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر، ليصبح تفعيل المواد التى تقضى بالحبس مرهونة بتقدير وكرم أخلاق السلطة القضائية التى يشهد لها أنها تمهلت فى استخدامها طوال السنوات الماضية، إلا فى حالات نادرة ولأسباب سياسية. والمشكلة هذه المرة أن صاحب الدعوة القضائية شخصية عامة، الأمر الذى يجعل عقوبة الحبس أحد الاحتمالات الواردة بقوة، وهو ما أثار قلق الأسرة الصحفية كلها وعلى رأسها النقيب.لكن شيخ الأزهر معذور أيضاً، فميثاق الشرف الصحفى الذى يؤكد النقيب أنه كفيل بضبط أداء الصحافة والصحفيين، لم يحدث أن تم اللجوء إليه إلا فى حالات نادرة ينحصر أغلبها فى اتهام أحدهم بالتطبيع، وأشك فى أن شيخ الأزهر قد تنامى إلى علمه أن بنود هذا الميثاق تضمن (إن تم تفعيلها) حماية أخلاقيات المهنة مما لا يليق بها، وإلا لتوجه إلى النقابة بدلاً من التوجه لساحات القضاء.وتلك هى المشكلة التى تتجاوز قضية شيخ الأزهر، لتمتد إلى الكيان الصحفى ككل بصحفه وصحفييه. فالمستقبل القريب ينبئ بالمزيد من القيود على حرية النشر بصرف النظر عن الدعاية الحكومية التى قد تشى بعكس ذلك. إذ من المتوقع أن يعرض فى الدورة البرلمانية القادمة أو التى تليها فى أحسن الأحوال مشروع قانون الإفصاح وتداول المعلومات. ومواد هذا القانون لو تم إقراره تتضمن قيوداً إضافية على حرية تداول المعلومات على عكس ما يوحى به عنوان المشروع.ومن بين هذه المواد طبقاً للنسخة التى تم تسريبها للصحف منذ أشهر مادة تقضى بإلزام الجهات المخاطبة بالقانون تقديم كيفية الحصول على البيان أو المعلومة عند الطلب. وهو ما يتعارض مع المادة السابعة من القانون 96 لسنة 1996 والتى تنص على أنه لا يجوز أن يكون الرأى الذى يصدر عن الصحفى أو المعلومات الصحيحة التى ينشرها سببا للمساس بأمنه، كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته.وهذا بالتأكيد ليس المؤشر الوحيد على ما يحمله المستقبل من إجراءات تستهدف "فلترة" والتضييق على حرية النشر، سواء بسبب القانون المزمع أو بغيره. فتوجه الدولة وقوانينها لا تسير فى اتجاه حرية الصحافة وحماية الصحفيين. وعلى الناحية الأخرى فإن الصحافة كغيرها من المهن تتضمن الصالح والطالح، كما تحتمل الخطأ والصواب.وإزاء ذلك تتعاظم أهمية الدور الذى ينبغى أن تلعبه نقابة الصحفيين، ومن بين أولويات هذا الدور، تفعيل ميثاق الشرف الصحفى بحيث يتحول من مجرد وثيقة إلى إطار يحكم علاقة الصحفيين بالهيئات والمؤسسات والأفراد، ويضبط الأداء ويعزز الثقة بدور النقابة. فليس من اللائق ولا المنطقى أن يتفضل السيد نقيب الصحفيين مشكوراً بالتوسط لصالح الصحفيين لدى كل جهة وكل فرد يلجأ للقضاء فى قضية نشر، وإنما من الأولى أن يتوجه المختصمون مع صحفى أو صحيفة إلى النقابة واثقين من أنها ستضمن حقوقهم، بينما لا تجور على حق الصحفى. ومن المؤكد أن قوة النقابة وفاعلية ميثاقها سيوفر جهود الوساطة التى يضطلع بها سيادة النقيب إلى وساطة من نوع آخر من أجل تحريك الوعد الرئاسى بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين، وإتاحة حرية التعبير والنشر وتداول المعلومات بلا قيود.

الجمعة، 12 سبتمبر 2008

مصر بلا قلب

كتبت: ناهد نصر
واحدة من سمات العهد الذى نحظى بالعيش فى ظله أنه مع تكرار الكوارث يفقد الناس القدرة تدريجياً على الاندهاش، ثم التعاطف حتى يتحول الإحساس إلى نوع من الترف. لقد حولنا النظام إلى شعب بلا إحساس من أعلى إلى أسفل والعكس صحيح. وهو أمر من فرط قسوته يبعث على الضحك. انظر مثلاً إلى أعلى حيث رئيس الوزراء فى تصريح له تناقلته وكالات الأنباء العالمية بعد كارثة الدويقة، حين قال إن ضحايا الصخرة العملاقة "لم يواتهم القدر حتى يتسلموا الشقق الجديدة" وهو اتهام ضمنى للقدر بأنه سبب الكارثة. ثم وجه نظرك إلى أسفل، وبالتحديد أسفل هضبة المقطم حيث مخيمات الإيواء المخصصة لضحايا الكارثة والتى هرع إليها وبشهادة الضحايا سكان المناطق المجاورة الذين لم توافهم الصخور بعد، أملاً فى الحصول على شقة جديدة، وخشية أن ينالهم ما نال جيرانهم، بينما الضحايا مشغولون بنبش التراب بحثاً عن أشلاء ذويهم. وفى المنتصف أى فى المسافة ما بين الأعلى والأسفل توقف عند جنود الأمن المركزى حول المنطقة المنكوبة، بينما يضربون الآباء والأمهات والإخوة والأخوات بالعصى حتى لا يقتربوا من أنقاض منازلهم، ثم لا تشغل رأسك كثيراً بالبحث عن السبب. ولا تسأل أسئلة ساذجة من نوع، أى تبرير سخيف هذا الذى يصدر عن مسئول بحجم رئيس وزراء؟ أو أى قسوة تلك التى تجعل الفقراء يتجاهلون مصيبة إخوانهم الفقراء أيضاً فيسطون على حقهم فى خيمة إيواء بدلاً من التفكير فى تقديم الدعم لهم؟ فإذا كان المسئول الكبير يبرر جريمة صنعتها حكومته وحكومات كثيرة سبقته فى حق المواطنين، فكيف تتوقع أن يكون سلوك المواطنين تجاه بعضهم البعض. وإذا كانت الدولة غير قادرة وغير مهتمة بدعم مواطنيها على العيش بأمان وكرامة فماذا تنتظر من المحرومين تجاه غيرهم. والسؤال الأهم هو إلى أين تأخذنا تلك التحولات التى طرأت على نفسية المصريين، وعلى سلوكهم وعلى إحساسهم بأنفسهم وبالآخرين، وما السبيل نحو اختراق طبقات فوق طبقات من الجدران العازلة التى تحاصرنا منذ الخمسينات. أزعم أن مصر بحاجة إلى نظام يتمتع بالإحساس حتى يعيد لها القلب.

السبت، 9 أغسطس 2008

برنامج أمريكانى

كتبت: ناهد نصر

برنامج مسابقات أمريكى يذاع على إحدى الفضائيات، تعتمد فكرته الأساسية على قول الصراحة، فالضيف المشارك مضطر للإجابة على مجموعة من الأسئلة الشخصية، بينما جهاز لكشف الكذب يرصد أداءه، وكلما علق الجهاز بأن "الإجابة صحيحة" كسب المتسابق مزيداً من الأموال يخسرها كلها مع أول "كذبة"، وفى الخلفية يحضر بعض أفراد عائلته وأصدقائه ليستمعوا إلى إجاباته الصريحة جداً ربما للمرة الأولى فى حياتهم. فكرة البرنامج تنتمى لتليفزيون الواقع الذى يحظى بجدل واسع، فالبعض يعترضون أخلاقياً على أن الناس من أجل كسب المال يكشفون أنفسهم على الملأ، وأن المشاهدين يتسلون بذلك. وإذا كان ثمة ميزة فهى أن بعض هذه البرامج يعكس بالفعل واقع المجتمع، خصوصاً إذا كان منفتحاً وصادقاً مع نفسه وقليل الادعاء، وأعنى المجتمع. البرنامج اسمه "the moment of truth" أو لحظة الحقيقة، فى إحدى حلقاته جلس على "كرسى الاعتراف" شاب يعمل فى الإسعاف، وقد اصطحب معه صديقته يهودية الديانة، ووالديه وهما من أتباع الطائفة المرمونية، وهى من الأقليات الدينية التى لا يتجاوز عدد أتباعها 12 مليون شخص فى العالم، ويعتبرون أنفسهم جزءا من الديانة المسيحية، لكن الكنائس المسيحية الثلاث لا تعتبرهم كذلك. سئل الشاب "هل تشعر بالعار كونك تنتمى للطائفة المرمونية؟" فأجاب بنعم وفوجئ الأهل والجمهور ليس لشعوره بالعار، ولكن لأنه اعترف بهذا الشعور الذى يعكس وضع الأقليات الدينية فى مجتمع منفتح ومتنوع كالولايات المتحدة، وسئل "هل يكره والداك صديقتك لأنها يهودية؟" فأجاب بنعم ثانية، ولم تفلح تبريراته بأن الأسرة ترغب فى امتداد مرمونى للعائلة فى التخفيف من صدمة الصديقة والوالدين والجمهور. ثم "هل أنت مقتنع بأن الشخص البدين ضعيف" فأجاب بنعم ومضى يشرح بلهجة متعاطفة، كيف أنه يضطر يومياً لحمل أشخاص ثقيلى الوزن ويتساءل لماذا يفعلون ذلك بأنفسهم. غير أن كل تبريراته المتعاطفة ذابت تماماً حين خرجت من خلف الكواليس فتاة شديدة البدانة لتسأله "هل تشعر بالقرف من البدناء" ولم يكن هناك مفر من الإجابة بنعم حتى لا يخسر السباق، وليكتشف الجمهور أنه يكن مشاعر عنصرية تجاه البدناء. ثم "هل حدث فى أى مرة أن امتدت يدك إلى ما هو أبعد من المفروض فى جسد امرأة تسعفها" قال لا بينما احتد تصفيق الجمهور. "بوصفك مسعف، لو كانت حياة أسامة بن لادن تتوقف على مساعدتك، هل تنقذ حياته" أجاب بالنفى "أتركه يموت"، فأخلاقيات المهنة لم تشفع لبن لادن لدى المسعف الشاب. توالت الأسئلة فى الحلقة وفى رأسى أيضاً وتوالت الإجابات الصادمة، وتخيلت النسخة العربية من البرنامج، إذ ما حدود ما يمكن أن يعترف به شاب عربى على هذا الكرسى نفسه، بل ما حدود ما يمكن أن يطرحه مذيع عربى، وما يمكن أن يتقبله جمهور عربى فى تليفزيون عربى؟ قد يتلذذ البعض منا من متابعة "فضائح المجتمع الأمريكى" على الشاشة ولسان حاله يتشفى فيما آل إليه الغرب الذى يدعى الليبرالية والتقدمية واحترام حقوق الإنسان، بينما هو غارق فى العنصرية من رأسه إلى أخمص قدميه. البعض أيضاً قد يصاب بالصدمة من اكتشاف أن "النموذج الغربى" ليس مثالياً كما ينبغى أو على الأقل كما يتمنى. لكن كلا الطرفان يتجاهلان النظر إلى زاوية هامة، وهى قدرة هؤلاء على الاعتراف الذى لا نستطيع إليه سبيلا، وقدرة هؤلاء على التمييز بينما نحن لا نزال نعيش دوامة من خلط المفاهيم واختلاط المرجعيات. إذ ليس الهدف أن يتحول أفراد المجتمع إلى مجموعة من الملائكة، بل إن تتحول القيم الإنسانية إلى ثوابت راسخة فى الوجدان والإدراك، ثم نقترب منها أو نبتعد، لكننا نحتكم إليها فى آخر المطاف ونقيم على أساسها أنفسنا. فوحدها القيم الإنسانية هى المرجعية التى ينبغى أن يقاس على أساسها مدى انفتاح وتقدمية والأهم "إنسانية" المجتمعات.

السبت، 28 يونيو 2008

"اللاجئون" بين "نا" و"هم"

كتبت: ناهد نصر
عبر مؤخراً "مصدر مسئول" فى إحدى الصحف القومية عن رفضه انتقادات منظمة العفو الدولية لترحيل مصر لطالبى لجوء أرتيريين إلى بلادهم، بعد أن قضوا فترات متفاوتة رهن الاحتجاز بسبب ما وصفه بدخول البلاد بشكل غير قانونى. وعلق على انتقادات المنظمة بأنها تتجاهل الممارسات غير الإنسانية التى تقوم بها الدول الغربية تجاه اللاجئين، بداية من رفضها استقبالهم مروراً بانتهاك حقوقهم الإنسانية بما يخالف اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، مؤكداً على أن مصر "دولة عبور تبذل ما تستطيع من أجل الحفاظ على التوازن الدقيق بين أمنها من جهة واحترام التزاماتها الدولية من جهة أخرى". وتمثل تصريحات المسئول وجهة النظر الرسمية التى تتكرر فى كل مناسبة من قضية اللاجئين، غير أنها للأسف رؤية أحادية، تأخذ أكثر مما تضيف لصورة مصر كدولة لها مكانتها فى المنطقة، كما تتناقض مع مسئولياتها والتزامتها الإنسانية والدولية. ولتقريب الصورة، فهؤلاء المرحلون الذين تركوا بلدهم بسبب الحروب وعدم الاستقرار والفقر لهم صفة فى اتفاقية 1951 التى وقعتها مصر وهى "طالبى اللجوء".وأول الحقوق التى تمنحها لهم هذه الاتفاقية هو "عدم الترحيل" للدول التى أتوا منها إلا لأسباب مذكورة بدقة وتفصيل فى الاتفاقية وليس من بينها "دخول البلاد بشكل غير قانونى" لأنه لا شكل قانونى لدخول البلاد لأشخاص فارين من أوطانهم، وهو أمر مفروغ منه بحكم الاتفاقية الدولية نفسها التى وقعتها مصر ويعلم هذا جيداً "المصدر المسئول". الأمر الثانى هو أنه ليس من حق "المصدر المسئول" أن يصف طالبى اللجوء بعبارة "مجموعات الساعين إلى الهجرة" أولاً لأن هذا المصطلح الغريب لا معنى له، وثانياً لأن استخدام مثل تلك المصطلحات ما هو إلا التفاف وتحايل على القانون الدولى نفسه ومحاولة للتخلص من المسئولية الإنسانية والقانونية عن ترحيل طالبى لجوء. الأمر الثالث هو أن الاحتجاز القسرى لهؤلاء، جريمة ليس فقط لكونهم طالبى لجوء، ولكن لكونهم أيضاً وفى المقام الأول بشر، ولم يرتكبوا ما يستلزم احتجازهم، وهو أمر مخالف للقوانين المحلية والاتفاقات الدولية التى وقعتها مصر فى هذا الشأن. لكن المصدر لم يخطئ حين أشار إلى حساسية الموقف المصرى وصعوبته فى الحفاظ على التوازن الدقيق بين الأمن واحترام الالتزامات الدولية. فمصر تعانى وضعاً اقتصادياً متدهوراً يدفع بأبنائها أنفسهم للغرق فى المتوسط من أجل فرصة عمل، وتعانى وضعاً أمنياً حساساً لأسباب كثيره من بينها موقعها الجغرافى. كما لم يخطئ حين أشار إلى موقف الدول الغربية، التى صارت تتبع سياسة الباب المغلق أمام اللاجئين، وتصدرها كاملة لدول العبور. ولم يخطئ أيضاً فى الإشارة إلى الانتهاكات القانونية والانسانية التى ترتكبها تلك الدول فى حق اللاجئين وطالبى اللجوء والمهاجرين أيضاً. لكن هذه المبررات لا تعفى مصر من مسئولياتها الإنسانية والقانونية تجاه اللاجئين وطالبى اللجوء، كما لا تعفى المجتمع الدولى. وهو الأمر الذى يجعل ملف اللاجئين، ضمن أصعب الملفات الدولية على الإطلاق. فالدافع الرئيس وراء التعديلات على طرأت على تعامل المجتمع الدولى مع ملف اللاجئين منذ عام 1921، وهو تاريخ تأسيس مكتب المفوض السامى لشئون اللاجئين الروس وحتى عام 1967، حين تم إقرار البروتوكول المكمل لاتفاقية 1951 الخاصة بأوضاع اللاجئين كان القناعة الراسخة بضرورة إعادة النظر وإعادة التقييم. وقد باتت الحاجة لهذه الخطوة ملحة فى الوقت الحاضر خصوصاً مع تفاقم أزمة اللاجئين حول العالم بسبب الحروب والنزاعات وقصور التنمية التى يتحمل مسئوليتها الجميع. وينبغى على مصر أن تضع هذا المطلب ضمن أولوياتها وأن تعمل على اتخاذ خطوات عملية على المستوى الرسمى، لدعوة أعضاء المجتمع الدولى إلى وقفه جادة لإعادة النظر فى هذا الملف، حتى نخرج من دائرة تبادل الاتهامات والتنصل من الالتزامات.

الخميس، 26 يونيو 2008

سمير رضوان: التعليم الردىء سبب كل مشاكلنا

الدكتور سمير رضوان مفكر اقتصادى، يشغل مناصب متعددة منها: المدير التنفيذى بمنتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية وإيران وتركيا، وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة ومستشار رئيسها، عمل مستشاراً فى العديد من المؤسسات المصرية والمنظمات الدولية، منها المركز القومى للتخطيط وبرنامج التشغيل العالمى بلندن ومنظمة العمل الدولية، كما قام بالتدريس فى مؤسسة الإحصائيات الاقتصادية بجامعة أكسفورد بانجلترا، كما أنه عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى، ويشرف على تقرير التنافسية المصرى السنوى، ويرى أن تولى الدكتور أحمد نظيف رئاسة الوزراء هو بداية الإصلاح الاقتصادى المصرى.
حوار: ناهد نصر
لماذا تدافع دائماً عن الأداء الاقتصادى للدولة، على الرغم مما يعانيه المواطنون من فقر وغلاء؟
لأن مصر شهدت فعلاً فى السنوات الأربع الأخيرة، طفرة كبيرة فى السياسات المتعلقة بالاقتصاد الكلى، وفى المالية وصياغة واستخدام الموازنة وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وفى الصناعة والتجارة.
هل أرقام تقرير التنافسية الذى تشرف عليه تكذب أم أنك تجمل وجه الحكومة؟
الأرقام لا تكذب، ومشكلتنا أننا ممتازون فى صياغة السياسات، ولكننا أقل كفاءة فى التنفيذ، وهذا مرتبط بطريقتنا كمصريين فى إدارة أنفسنا"there is an Egyptian way to do things."طبقاً لتقرير التنافسية، التراجع فى جودة التعليم، هو السبب فى تدهور كفاءة العامل وسوق العمل،
هل الموازنة وراء ذلك؟
الميزانيات جزء مهم جداً ولكنها ليست كل شىء. فالطالب المصرى يتكلف 32 جنيهاً فى اليوم الواحد من التعليم الحكومى، بالمقارنة بالطالب فى دولة مجاورة تنفق عليه 500 دولار فى اليوم. لكن هناك أيضاً نوعية التعليم، وللأسف نحن نحافظ على نظام تعليمى نعلم أنه "مش مفيد ومابيعلمش" من أول أولياء الأمور وحتى صناع القرار.
ولكن الخلل لا يقتصر على التعليم فقط، فأغلب القطاعات الخدمية تعانى من مشكلة الميزانيات المحدودة؟
جزء كبير من أموال الدولة يهدر على البيروقراطية، والغريب أن الخدمات التى تدر أموالاً للدولة مثل المطار تعانى نقصاً فى الموظفين، فهناك إهدار وسوء توزيع للموظفين.
وماذا عن إهدار وسوء توزيع الموازنة؟
هناك ميزانيات لا نراها أصلاً مثل ميزانيات الداخلية وبعض الجهات السيادية الأخرى، فهى تظل مجرد أرقام، والضمان الوحيد لعدم الإهدار والعدالة فى التوزيع هو الشفافية والإفصاح، فواحد من إنجازات الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية هو تبويب الميزانية وتحويلها إلى وثيقة مقروءة، وهناك قدر من السرية لابد أن يكون موجوداً لدواع أمنية، وهذا مطبق فى كل دول العالم، لكن هناك حد أدنى من الإفصاح "بيريح الناس" وهو مطلوب.
لماذا يقتصر دور القطاع الخاص فى مصر على جنى الأرباح؟
القطاع الخاص فى السنوات الأخيرة، خطا خطوات مهمة جداً بدون شك، فمساهمته فى الناتج القومى وصلت إلى 70% بما فيها الزراعة، ومساهمته فى الاستثمارات السنوية تزيد بنسبة 40% فى السنة. أين يكمن الخلل إذاً؟ الخلل أن انطلاقة القطاع الخاص فى مصر، كانت موجهة نحو قطاعات سريعة الربحية، ولم تتجه نحو تعميق قوى الاقتصاد فى إطار خطة قومية، تحكم العلاقة بينه وبين الدولة.
علاقة لا تحكمها خطة قومية هل يمكنها تحقيق تنمية؟
الدولة ظنت أنها طالما ستتجه إلى القطاع الخاص "يبقى خلاص تريح" وهذا أدى إلى نتائج عكسية، فدور الدولة فى فترة النمو الرأسمالى مهم جداً، ويتمثل فى وضع الضوابط وتوفير البيئة الملائمة وتوفير الأمان وإنفاذ القوانين. ونحن متأخرون جداً فى هذا، نتيجة البطء فى إنفاذ القوانين.
هل مواجهة الاحتكار فى مصر يندرج تحت البطء فى إنفاذ القوانين؟
الاحتكار موجود فى كل دول العالم، وكل دولة تقريباً فيها مجالس مشابهة للمجلس الذى أنشأناه لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، ولكن لابد من تفعيل هذا المجلس، والمشكلة أن كل القوانين لدينا بها عبارة "وذلك مع عدم الإضرار بكذا" ودائماً ما تستخدم هذه "الكذا" كثغرات للتعطيل، فنحن محترفون فى التحايل على القوانين.
حضرت منتدى دافوس الأخير، كيف يتم تقيم الأداء الاقتصادى المصرى فى المنتديات الدولية؟
"موقف مصر مش بطال أبدا"ً وفى تقرير القيام بالأعمال العام الماضى حصلت مصر على المرتبة الأولى فى الدول القائمة على الاستثمار. ولماذا لا ينعكس هذا التقدم فى الاستثمار على مستوى المعيشة؟ لأن المواطنين يعتمدون على دعم الدولة الذى زاد من 15 مليار جنيه إلى 128 مليار جنيه هذا العام، وأنا أرفض سياسة الدعم وأفضل اعتماد نظام لإصلاح الأجور والرواتب من ناحية، ورفع الكفاءة الإنتاجية من ناحية أخرى، لأن إصلاح نظام الأجور وحده دون إصلاح الإنتاجية سيأكل الأجور والرواتب ويؤدى إلى التضخم.
وكيف يمكن تحقيق هذا التوازن؟
تحقيق التوازن بألا نعتمد على نوع واحد من الإنتاج، فهناك منتجات يجب أن تلتزم بالتكنولوجيا الحديثة قليلة العمالة للمنافسة فى السوق العالمية، وهناك منتجات أخرى جميلة ويمكن تصديرها تستخدم تكنولوجيا أقل وعمالة أكثر. وخلطة الأنشطة الاقتصادية هذه يمكنها استيعاب قوة العمل، وهذه هى المعجزة الاقتصادية.
إلى أى مدى نحن قريبون من تنفيذ هذه الرؤية؟
نحن نقترب منها، فمنذ عشر سنوات أو عشرين سنة، كان الاقتصاد المصرى يولد 383 ألف فرصة عمل، أما الآن فيولد 575 ألف فرصة عمل، لكن المشكلة أن معظم فرص العمل المتاحة لازالت "bad jobs" أى أعمال منخفضة الإنتاجية والأجر والكفاءة و"محدش بيحس بيها".
وما هو موقف مصر التصديرى؟
وفق أحدث الأرقام فإن صادرات الغزل والنسيج المصرية "مش بطالة أبداً" بالنسبة للصين خصوصاً بعد التضخم هناك. لكن مصر كانت فى الماضى دولة رائدة فى صناعة الغزل والنسيج؟ يضحك قائلاً: (أيوه وإحنا اللى بنينا الهرم) أحد سمات التاريخ الاقتصادى المصرى أنه لا تكتمل به تجربة أبداً، بداية من محمد على بانى الدولة الحديثة وحتى تجربة الانفتاح، فتاريخ الاقتصاد المصرى غريب جداً.
وقعنا اتفاقية الجات بدعوى أنها ستفتح الأبواب أمام الصادرات المصرية، فلماذا لم يتحول الغزل المصرى إلى سلعة تنافسية فى السوق العالمية، كما كان متوقعاً؟
مشكلتنا مع هذه الاتفاقية أننا وقعنا عليها سنة95 ، وكنا نعلم أنه يجب علينا أن نقوم بإجراءات معينة حتى لا يصبح موقفنا سيئاً بعد انتهاء السنوات العشر، التى تم الاتفاق عليها كفترة سماح، لكننا لم نفعل شيئاً، وصناعة الغزل والنسيج التى كانت أكبر صناعة فى مصر انهارت، وعندما انتهت فترة السماح فى 2005 قالوا الله؟ نعمل إيه؟ "نجرى على بابا"، وذهبوا إلى الرئيس وقالوا له: "يا ريس الصناعة انهارت، وبيوتنا هتتخرب" فقال: "خلاص، هاقبل الكويز"، ووقع على اتفاقية الكويز لانتشال صناعة النسيج من أزمتها. إ
ذن كان توقيع الكويز للخروج من أزمة الفشل فى تدارك آثار الجات؟
مؤكداً "مافيش كلام".
هل معنى هذا أن الأمر لو كان اختيارياً كنا سنرفضها؟
كنا سنقبلها، ولكن بشروط معينة وبعوائد معينة وموضوع أن 11.7% مكون إسرائيلى لا يمثل مشكلة اقتصادية، فالأردن مثلاً لم تعد تلتزم بهذه النسبة. واكتشفنا فى العام الماضى، أن إسرائيل تستورد سلعاً من الخارج وتبيعها لنا على أنها مصنوعة فى إسرائيل، لهذا أصبحنا نصر على وجود شهادة المنشأ. والمسألة تحتاج منا إلى "صحصحة" لأن العولمة لعبة كبيرة جداً.
ذكرت أن التجارب المصرية الاقتصادية لا تكتمل، فهل اكتملت تجربة الخصخصة؟
لا، لم تكتمل وهذا من الأخطاء لأن برنامج الخصخصة يجب أن ينفذ بين يوم وليلة، مع وجود مشروع يستوعب النتائج السلبية للخصخصة "لكن هاتسيبها تمط دا أكبر خطأ"، وهذا للأسف ما حدث عندنا.
وهل كان هناك مشروع مصرى لاستيعاب سلبيات الخصخصة؟
فى رأيى، كان من المفروض أن يعرض البرنامج على الشعب، لأخذ رأيه فيه، فالقطاع العام "دخل حارة سد" والمحلة أكبر دليل، وكان ينبغى بيعه كأسهم وسندات للشعب، ليكون "كل واحد مشاركاً فيه"، لا أن يتوقف المشروع تماماً. "فالاقتصاد المصرى دايماً بيرقص على السلم" ولم يكن هناك برنامج واقعى لحل آثار الخصخصة السلبية سوى الصندوق الاجتماعى.
وما تقييمك للطريقة التى بيع بها عمر أفندى مثلاً؟
بزيارة واحدة لعمر أفندى قبل البيع وبعده، يمكن بسهولة إدراك الفارق ولا سبيل للمقارنة، هناك أخطاء فى تطبيق برنامج الخصخصة، نعم، لكن هل التحول إلى القطاع الخاص كان ضرورة؟ الإجابة: نعم قطعاً، لكن ما هى الشروط وبأى حسابات؟ هذا هو السؤال.
نوعياً ما أهم الاستثمارات التى تنجذب إلى مصر؟
هذه واحدة من قصص النجاح. ففى البداية كانت أغلب الاستثمارات استحواذية، أما العام الماضى فنصف الـ11.1 مليار جنيه كانت استثمارات خضراء أى مشروعات جديدة، بينما كان نصيب الاستثمارات الاستحواذية 15% والبترول والغاز 25% فقط.
ولماذا لا يظهر تأثير الاستثمارات على التنمية؟
يجب ألا ننسى أن قصة النجاح هذه عمرها أربع سنوات فقط وهى كل عمر مشروع الإصلاح المصرى. فقد مررنا بفترة كساد عالمى ثم كساد فى مصر بسبب حكومة عاطف عبيد، لدرجة أن مدحت حسن وهو واحد من أفضل الخبراء فشل فى إدارة المالية. لكننا خرجنا من هذا بإنجازات ممتازة بكل المقاييس.
لماذا أظهرت صفقة الغاز مع إسرائيل أن الحكومة غير قادرة على عقد اتفاق سليم وفق قانون العرض والطلب؟
أولاً صفقة الغاز هى جزء من بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل "واللى مش عاجبه يروح يحارب عشان ما نمضيش". وعندما تمت الصفقة كان السعر المطروح مناسباً جداً، لكن المشكلة ظهرت بسبب أن العقد طويل الأجل. وهو ما التفتنا له حالياً فلن تكون هناك أى عقود بأكثر من عام واحد أو عامين.
ما سبب ارتفاع أسعار الغذاء فى مصر من رأيك؟
أسعار الغذاء فى العالم كله ارتفعت بنسبة 40% فى المتوسط، بسبب دخول المواد الغذائية حلبة المضاربة فى البورصات العالمية، وهناك ست شركات فى العالم تسيطر على سوق الغذاء، وأتوقع زيادات أكثر فى الأسعار فى الفترة المقبلة.
هل نحن مستعدون لهذه الارتفاعات المقبلة؟
بدأنا بالفعل عقد اتفاقات مستقبلية ونتعاقد على أسعار لسنوات مقبلة حتى لا يكون ارتفاع الأسعار صادماً، كما أننا بصدد إعداد استراتيجية بمساعدة بيت خبرة عالمى على أعلى مستوى، جزء منها يتعلق بالتركيب المحصولى وكذلك المياه والرى، والقطاع الخاص شريك أساسى فيها.
ما تقديرك لاندماج مصر فى الاقتصاد العالمى؟
اندماج كبير جداً، فالتجارة الدولية المصرية تزيد كل سنة بمعدل نمو أكثر من 8%، وتدفقات رأس المال الأجنبى وصلت إلى 9% من الدخل القومى المصرى، ولدينا استقبال سريع جداً للتكنولوجيا، ونحترم كل الاتفاقات الدولية. فنحن "مندمجون على قدم وساق".