الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

ظهور العذراء والحال الذى "من بعضه"

كتبت: ناهد نصر

الوصف الأدق لما يقوم به البعض من حملات السخرية، والتهكم على اعتقاد قطاع واسع من المصريين فى ظهور العذراء، بحجة أنها درب من الخرافة، هو أنه إنكار متعمد لحرية الأشخاص فى ممارسة عقائدهم. فليس من المطلوب أن يصدق الجميع فيما يعتقده بعضهم البعض من طقوس، لكن الاستهانة بها يعكس شعوراً بالتعالى غير المبرر، خاصة وأن ما يراه بعض المنتمين لعقيدة ما خرافة، هو بالنسبة لغيرهم جزءاً أصيلاً من معتقدهم. فكر مثلاً فيما قد يراه المسيحيون فى صلاة المسلمين وحجهم وحجابهم، أو ما قد يراه السلفيون فى زيارة الشيعة للأضرحة، وتباركهم بصور على ابن أبى طالب، وما قد يراه القرآنيون فى السنة النبوية، وغيرها من الأمثلة الكثيرة مما يصلح للتراشق بالخرافة. وقطاع واسع من المسيحيين يعتقدون فى أن ظهور العذراء حقيقة لا تقبل الشك، صحيح أن هناك ضرورة للتحليل العقلانى لردود أفعال أفراد المجتمع إزاء ظاهرة ما وإرجاعها إلى أصولها، والكشف عن أسبابها، وآثارها لكن هذا التحليل ينبغى أن يتم بناء على دراسة علمية وموضوعية ومحايدة أى لا تهدف إلى التحقير من معتقدات أى جماعة من الجماعات، وإنما تقيس ميول وتوجهات المجتمع، وهذا النوع من الدراسات يصلح بالتأكيد للمجتمعات التى تفهم أهميتها، وتستعين بها فى بناء مستقبلها. أما وأن الوضع لدينا ليس كذلك، فإن كثيرا من الانتقادات الموجهة إلى جمهور السيدة العذراء ليست فى محلها، لأن بعضها نابع من أطراف لا تتصف بالحياد، ولا تتسم أحكامها بالموضوعية بل ولهم مصلحة مباشرة فى إثبات صحة معتقداتهم مقارنة بغيرها، وهو ما يحول واحد من المشاهد الاجتماعية التى باتت نادرة يتوحد فيها الكثير من المسلمين والمسيحيين دون أن تفرق بينهم سموم الفتنة، إلى مناسبات لإثارة هذه الفتنة بالذات، والبعض يمتلك قدرة الفائقة على صناعة الفتنة، فبعض المسلمين يحمدون الله على نعمة الإسلام التى أنقذتهم من براثن خرافة العذراء، وبعض المسيحيين يجدون فى فكرة ظهورها تأكيداً على صحة معتقدهم وخطأ معتقدات الآخرين بالضرورة. وهناك فارق بين الاختلاف، والنقاش حول هذا الاختلاف وبين التنابذ بالمعتقدات. وقد يرى المحللون أن هذا التجمهر اليومى والكثيف حول الكنيسة انتظاراً لمعجزة تأتى من السماء، هو نتيجة مباشرة ليأس المصريين، وعجزهم عن إيجاد شفاء لهمومهم اليومية، وهى مسئولية النظام السياسى الذى يكتفى فى مثل هذه الأحداث بالدفع بقوات الأمن لتأمينها خوفاً من تحولها عن مسارها إلى ما لا تحمد عقباه، فمن المؤكد أن هناك سبلا أخرى لعلاج هذا اليأس غير التعرض لمعتقد الآخر بسوء، خاصة أن حال المصريين جميعاً "من بعضه".

الأربعاء، 4 نوفمبر 2009

نوال السعداوى: حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القانون نسبوا الفضل لزوجة الرئيس

«نوال السعداوى» الطبيبة، والأديبة، والناشطة، عادت إلى مصر بعد ثلاث سنوات من الغربة فى الولايات المتحدة، لتواصل إثارة الجدل الذى ارتبط باسمها فى وسائل الإعلام، ورغم اعترافها بأنه لا شىء تغير فى مصر، وأن الأمور تعود للوراء، يبدو أنها تعبت من وضعها فى خانة المشاغبة، ذات الأفكار الصادمة، خاصة بعد أن انعكست هذه الصورة على مشروعها الوليد «تضامن مصرى من أجل مجتمع مدنى» وترى أن الناس فهمت الحرية التى تدعو إليها بشكل خاطئ، وتقول: أنا أستاذة جامعية، فافهمونى ولا تكتفوا بمانشيتات الصحف.
حوار: ناهد نصر
قلت قبل ثلاث سنوات أنك «قرفانة» من الحياة فى مصر، وتقولين فى مقالاتك حالياً إن لديك أملا.. ما الذى تغير؟
لا شىء يتغير فى مصر، أنا غبت ثلاث سنوات، وعدت لأكتشف أن مستوى الحوار كما هو، بل عاد إلى الوراء أكثر. «أنا لسه قرفانة من هنا، وعلشان كده لازم أرجع علشان أغير. ثم أننى قرفانة أيضاً من المجتمع الأوروبى والأمريكى» العالم كله يحكمه نظام أبوى رأسمالى ذكورى عنصرى قائم على الطبقات. لهذا أسست حركة «تضامن عالمى من أجل مجتمع مدنى»، وجئت إلى مصر لأكون المجموعة المصرية، وفوجئت بالهجوم عليها رغم أنها فى بداية الطريق.
أليس من الغريب أن يعلن البعض انسحابهم منها رغم ذلك؟
أنا ضد وجود أسماء لامعة فى المجموعة، أنا أبحث عن الشباب، ولست مسئولة عمن أعلنوا انسحابهم، أو نفوا وجودهم بالمجموعة، لأن هؤلاء تكلموا مع سحر عبدالرحمن، وليس معى. أنا مؤسسة الحركة العالمية، والمجموعة فى مصر، وسحر عبدالرحمن هى الرئيس التنفيذى، نحن مجموعة ديمقراطية تؤمن بالحوار، وضد حكم الفرد، وندير المجموعة، وأنتم لا تفهمون ذلك لأنكم اعتدتم على الحكم الديكتاتورى، ولا تستوعبون لغة الحوار. بماذا تفسرين أن أغلب من أعلنوا أنهم ليسوا أعضاء هم من المثقفين، مثل الدكتور محمد النشائى، ونبيل عبدالفتاح، وأسامة أنور عكاشة؟ النخبة المصرية، وأغلب كتاب الأهرام والصحفيين يعشقون اللعب على كل الحبال، ومواقفهم متذبذة بين الحكومة والمعارضة، ويغيرون مواقفهم باستمرار، والنخبة المعارضة، وغير المعارضة تحكمهم المصالح. وأنا لا أدعى أنه ليست لدى مصالح، لكنها لم تكن أبداً ضد مصالح البلد، لأننى صاحبة قضية.
ما قضية نوال السعداوى؟
قضية حياتى أن أعيش فى بلدى وأنا فخورة بالناس، والحضارة، وعندما أسافر أشعر بالفخر لأننى أنتمى إلى هؤلاء الناس، وهذا البلد. قضية عمرى هى أن أكتب بحرية، وأفكر بحرية، وأعيش فى عدل.
هل تشعرين بالخجل أم الغضب من الأوضاع الحالية فى مصر؟
هذا سؤال فيه محاولة للتصيد، وأنا «اتلدعت» من الصحافة كثيراً لأنها قائمة على الإثارة، والصحفيون يؤولون كلامى كما يشاءون. أنا «زهقت» من الصحافة والإعلام. «مافيش واحد عمل معايا حوار ونشر ما أقوله بصدق» وأغلب الجيل الجديد تعلم الصحافة غلط، فليس عندهم مبادئ، ولا ضمير.
قلقك الشديد مما ينشر فى الصحافة، هل سببه أنك أصبحت أكثر تحفظاً مما مضى؟
هذا تشخيص خاطئ، وكل ما كتب عن نوال السعداوى فى الصحافة «خطأ»، وأنتم تحكمون على تاريخى فى دقيقة. لا يوجد صحفى مصرى يقرأ أعمالى قبل أن يتحاور معى. أنا لدى 13 كتابا ماذا قرأتم منها. تعبرين عن آرائك التى تكون صادمة فى بعض الأحيان، ثم تصفين نشرها بأنه تصيد؟ تصريحاتى صادمة لأن المجتمع كاذب، والصدق يكون صادما. وعندما أقول إن هناك تجارة بالدين، الصحافة «بتولع النار على الكلام» لكن أنا أستاذة جامعية، هدفى تفهيم الناس، أنا أقدم معرفة وعلما وإبداعا، لكنهم يتغاضون عن كل ذلك من أجل الربح، لأن هذا هو ما يهم رجال الأعمال الذين يمولون الصحف، وأنا ضد خصخصة الصحافة.
أنت مع ملكية الدولة لوسائل الإعلام؟
بالتأكيد. لكن هناك فارقا بين الدولة، وبين الحكومة. أنا مع أن تكون هناك رقابة شعبية على الإعلام، لا أن تكون تابعة للحكومة أو لرجال الأعمال. أنا ضد القطاع الخاص فى جميع المجالات. ألست متحاملة على الصحافة الخاصة؟ الصحافة الخاصة أساءت لمشروعى الجديد عندما كتبوا أننى أقيم دولة مدنية، كيف لشخص عاقل أن يصدق هذا الكلام. إنهم يحرضون المتاجرين بالدين للاصطياد فى الماء العكر. الصحافة المصرية -فيما عدا قلة أمينة- تلعب لعبة غير نظيفة باستخدام نوال السعداوى. أين كنتم عندما تعرضت للسجن والنفى، لكن عندما أعود لمصر بمشروع تتكالب علىّ وسائل الإعلام لتحرض ضدى المتاجرين بالدين.
الصحافة هى التى كانت وراء شهرة نوال السعداوى؟
الصحافة فى مصر هى صحافة إثارة. وأغلبها بلا قضية، وأغلب الصحفيين بلا قضية. أنا أعيش فى شبرا رغم أنه كان بإمكانى أن أعيش فى قصر، أنا طبيبة متفوقة، وأديبة متفوقة، لكن أنتم بلا قضية. أنتم تضربون تعظيم سلام لرجال الأعمال وللسلطة، «وتتشطروا على نوال السعداوى»، والصحف تربح على حساب نوال السعداوى. لا أحد يريد التضحية بوظيفته، ومصلحته من أجل الأمانة والصدق، من أجل قضية. ونحن فى مصر عبيد السلطة، ومازلنا نعيش فى مجتمع عبودى انتهى من العالم. أنا أشعر بالألم عندما لا يحترم رجل الشرطة المواطن المصرى، وعندما يكون لدينا 2 مليون طفل مجهولو النسب لأن نسب الطفل إلى أمه عار.
لكن هذا الأمر موجود فى كل بلاد العالم، وليس فى مصر وحدها؟
ثلاثة أرباع بلدان العالم تضع أسماء الأب والأم معاً، وفى إندونيسيا من حق الطفل اختيار اسمه، رغم أنه بلد إسلامى. والعالم لم يعد به أطفال غير شرعيين، ومن حق أى طفل أن يحمل لقب أمه، لكن عندنا يفرض اسم الأب الحقيقى أو الوهمى، ويعاقب الأطفال بسبب جريمة ارتكبها آباؤهم. أنا ضد تجريم الأطفال، وضد العمليات المتعمدة لتغييب العقل.. وأتساءل: كيف سيحكمون 80 مليون فقير بدون تغييب عقولهم؟ المجتمع يحكم بالسلاح، والإعلام، والدين هنا وفى أمريكا. والكلام عن الحرية الأوروبية والأمريكية مجرد وهم.
لكن الجامعات الأمريكية والأوروبية فتحت ذراعها لك؟
أنا شاركت فى مظاهرات ضد بوش، وضد أوباما. و«السى إن إن» و«النيويورك تايمز» تقف ضدى، وتفرض رقابة على ما أقول، ويقصون من كلامى، مثلما يحدث فى مصر بالضبط. أمريكا لا يوجد بها حرية إعلام، والإعلام المصرى يقلدها.
هل تعتبرين نفسك مفكرة ليبرالية؟
أنا ضد التصنيف، وليس لأننى تكلمت فى الفقر، أصبح شيوعية ماركسية. أنا لا أنتمى لأى تيار، ولا أريد. ولم أنتم لأحزاب لأنها لعبة سياسية غير نظيفة. وأنا روائية كاتبة أنتمى إلى الإبداع والأدب والفن.
ما رأيك فى الأحزاب الليبرالية الجديدة مثل حزب الغد؟
«إيه حزب الغد ده؟» وما هو تاريخ أيمن نور، هل درستوا تاريخه، أين كتبه، وأفكاره، ما هى أعماله، أيمن نور الذى تعتبرونه بطلاً، هو مجرد رجل أعمال.
حاربت طويلاً ضد ختان الإناث، ألا تعتبرين أن صدور قانون بتجريمه تقدم؟
قانون ختان الإناث جاء نتيجة نضال الشعب المصرى، وأنا واحدة منه. لقد حاربت ضد ختان الذكور والإناث منذ ستين عاماً، وفقدت وظيفتى، وسمعتى وحاربنى رجال الدين ونقابة الأطباء من أجل هذه القضية، «ولما عملوا قانون ماحدش جاب سيرتى» ونسب الفضل لسوزان مبارك لأنها زوجة الرئيس.
الدعوة للتحرر والانحلال الأخلاقى تهمة تلاحقك؟
كثيرات قرأن كتبى، لكن فهمن الحرية غلط. الحرية مسئولية وأخلاق وليست متاجرة بالجنس والأنوثة. كثيرات تقلن لى «احنا اتربينا على كتبك» لكنهن يستخدمن الجنس من أجل الطموح الأدبى، والاقتصادى، ثم يقلن لى «ألست من دعاة التحرر يا دكتورة» الانحدار الأخلاقى الرهيب الحادث فى مصر سببه الفقر، والجهل والتسيب. الحرية معناها المسئولية، أنا زوجة إذن أنا مسئولة عن زوج وأطفال، «مش أخون جوزى وأقول دى حرية الحب» وهناك فارق بين الحرية والفساد الأخلاقى.
إيناس الدغيدى تقول إنها تدافع عن حرية الإبداع فى أعمالها السينمائية، ويرى الكثيرون أن أفلامها تعتمد على الإثارة؟
أنا لم أشاهد أعمال إيناس الدغيدى، والسينما أصبحت رخيصة مثل الإعلام والصحافة تتاجر بالدين والجنس بهدف الإثارة، رغم أنه يجب أن تكون لها رسالة إنسانية فى المجتمع. لكننى أيضاً ضد الرقابة، والسجن، والمنع، ومع أن تكون المواجهة بالرد، وأن تكون هناك سينما جميلة ترد على الرخيصة، وكتاب جميل، ورأى جميل، وصحافة جميلة، بعيداً عن الرقابة والعقاب والثواب.
تدعين إلى الحرية الدينية، فما رأيك فى الضجة التى يثيرها المتحولون دينياً؟
كثير من المتحولين دينياً يتاجرون بالدين من أجل الشهرة، فلا أحد منا اختار دينه، وهناك كثيرون غيروا دينهم لأنهم أحبوا أشخاصا من دين آخر، فالحب يساوى بين الناس. لكننى ضد أن ينشروا ذلك فى الصحف «ما اللى عاوز يتحول يتحول». فنحن فى مناخ يقود فيه المتاجرون بالدين الناس إلى المحاكم، ويفضحونهم، والعلانية تعنى إعطاءهم فرصة لإثارة الفتنة فى البلد لتقسيمه بين الأقباط والمسلمين والبهائيين. ولا يوجد وساطة بين الانسان وربه فى الإسلام، لأنه ضد الكهنوت، ولا يعترف برجال الدين، وهم دخلاء على الإسلام.
تتحدثين عن مؤامرة لتقسيم مصر بين المسيحيين والمسلمين والبهائيين؟
بالتأكيد، فمصر فيها يهود وهندوكيون، وبوذيون ويهود، «اشمعنى البهائيين صوتهم ارتفع الآن» علينا أن نسير وراء الأحداث لنفهم طبيعتها.
من وراء المؤامرة التى تشيرين إليها؟
إسرائيل دولة دينية، ولا يمكن لها أن تعيش وسط دول مدنية، وهى تقود الفتن الطائفية فى لادنا تحت اسم حرية الأديان «ده كلام جميل، لكنه حق يراد به باطل» والهدف من ورائه تفتييت المجتمع المصرى، وتمزيق الدول العربية حتى تحكمنا إسرائيل. والحكم فى مصر والعالم العربى جزء من الحكم الأمريكى الإسرائيلى.
كيف؟
مصر يحكمها الاستعمار الأوروبى الأمريكى الإسرائيلى بالتعاون مع الحكومة المصرية. وأنتم تضعون على لسانى ما لا تستطيعون قوله، وأنا من يدفع الثمن. وعندما تسجن نوال السعداوى أو تنفى، وتهدد بسحب الجنسية منها لا ينطق منكم أحد.
نوال السعداوى هل أخذت حقها؟
أنصاف المثقفين والمتاجرين بالثقافة فى مصر «هم اللى واخدين الشو» لكن نوال السعداوى غائبة عن الساحة الثقافية والأدبية فى مصر، لأنهم يتاجرون باسمى فى الشائعات فقط. الصحافة تأتى إلى حتى ترفع نسبة التوزيع فقط. وأنا ضد فلسفة العقاب، وضد الجوائز، لأنها ضد الأخلاق. المفروض أن أحكم بالعدل حباً فى العدل وليس خوفاً من النار، وطمعاً فى الجنة أو الجائزة.
هل كان ينبغى على سيد القمنى ألا يقبل جائزة الدولة؟
«أنا ماجبتش سيرة سيد القمنى» لكن الأخلاق ضد الطمع فى الجوائز، أنا أكتب كلمتى وأقول رأيى وأدفع ثمن ذلك من حياتى وصحتى، «مش باخد جائزة» هى دى فلسفة الأخلاق الصحيحة. المهم لماذا نفعل ما نفعل. والأمر يتوقف على من يمنحك الجائزة، ولو جاءتنى جائزة من إسرائيل سأرفضها.
وماذا لو رشحت لجائزة الدولة التقديرية؟
هذه الجائزة ستكون من الحكومة مش من الدولة، وأنا لا آخذ جوائز من الحكومة المصرية.

الأحد، 25 أكتوبر 2009

صخرة الإخوان المسلمين

كتبت: ناهد نصر

لا لوم على صبرى خلف الله نائب الكتلة، على اعترافه بأن الدولة المدنية بالنسبة للإخوان مجرد سلمة للوصول إلى الدولة الإسلامية، عملاً بفقه الأولويات حسب تعبيره، وإنما كل اللوم على الذين ينتظرون من الجماعة دولة بمعاييرهم هم، وعلى مقاسهم. وما يديره الليبراليون والنشطاء المدنيون مع الجماعة، ليس حواراً، وإنما نوع من الرضا بالبلاء قبل وقوعه. ومن المؤسف أن تتقلص طموحات الليبراليين المصريين إلى الحلم بتطبيق النموذج التركى النصف إسلامى نصف علمانى فى مصر، رغم أنه لا ينطبق علينا بأى حال، فلا علمانيونا يمتلكون قوة وتأثير نظرائهم الأتراك، ولا مسلمونا يمتلكون تقدمية ولا تفتح أقرانهم هناك، وليس هنا مجال الإفاضة فى نقد التجربة التركية نفسها. ويكذب الإخوان حين يدعون أن غالبية المصريين فى صفهم، ويتعمدون تجاهل التيارات الأكثر مغالاة وتشدداً منهم والتى باتت تنافس الإخوان على قواعدهم بوتيرة متسارعة، فضلاً عن القطاع الواسع غير المعنىّ لا بالإخوان ولا بغيرهم، والذين لا يعرفون طريقاً لصناديق الانتخاب. لكن من حق الإخوان أن يروجوا لذلك، طالما فى الجهة المقابلة على سلم ما، أو فى قاعة مغلقة ما، جماعات قضت وتقضى عقوداً فى الكلام عن حلقة الوصل الغائبة بينها وبين الشارع. ومن المثير للدهشة أن تدفع النخبة بنا إلى طريق مسدود، يقف الإخوان على أحد جوانبه، بحيث يبدو الوضع وكأنه لا خيارات فى آخر النفق سوى القبول بالوضع الحالى أو الارتماء فى أحضان الإخوان، ثم بذل جهود لا طائل من ورائها فى إقناعهم بضرورة العدول عن موقفهم من ولاية النساء وغير المسلمين، ومن الحكم بمرجعية السماء لا بشرائع البشر، ومن بناء دولة إسلامية على أنقاض دولة مدنية بمفهومهم. فتلك الجهود أشبه بصخرة سيزيف فى الأسطورة الإغريقية، الذى كُتب عليه أن يحملها من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل إلى القمة تدحرجت إلى الوادى ليعود إلى رفعها مرة أخرى، وثانية، وثالثة إلى الأبد.

السبت، 26 سبتمبر 2009

أرجوك "ارمى وراء ظهرك" يا وزير الثقافة

كتبت: ناهد نصر

خطأ فادح يرتكبه وزير الثقافة فاروق حسنى بتجاهله نصيحة الرئيس مبارك أن يرمى ما حدث فى اليونسكو "وراء ظهره" ويتوقف عن التصريحات التى ستجرنا خطوات إلى الوراء.فاروق حسنى يقول إن تجربة اليونسكو أثبتت له أن "الحوار مجرد وهم"، إذاً هى الحرب يا وزير الثقافة، وكأن الدعوة للحوار، والتسامح، وقبول الآخر هى مجرد دعاية انتخابية نستخدمها عند الحاجة، ثم نرميها وراء ظهورنا بعد ذلك، وكأن "حوارك" مع ممثلى الغرب ودبلوماسييهم فى إطار الإعداد لنيل مقعد اليونسكو هو غاية المراد، وليس ذلك الحوار الذى يهدف إلى تعميق التفاهم بين الشعوب، ومواجهة الأفكار والمفاهيم الخاطئة، القنابل الموقوتة التى تنفجر فى وجوهنا ووجوهم، وتهدد وجودنا ووجودهم. فقبل أن تجزم سيادتك بأن "الغرب لا يزال على أفكاره البالية، بأن الجنوب يجب أن يكون خاضعاً للشمال" أجبنا عما فعلته وزارتك حتى يغير الغرب أفكاره الباليه عن "الجنوب". والوزير يقول عن الغرب إجمالاً إنهم "نسوا أننا الذين رسخنا قيم السلام والتسامح والحضارة" لكنه ينسى أن يضيف "ثم نسيناها"، لأن هذا هو حالنا بالفعل، ولك يا سيادة الوزير وأنت تلتقط أنفاسك استعداداً "لاستكمال مشروعاتك الكبرى فى وزارة الثقافة" أن تراجع بنفسك المستوى الذى وصلت إليه قيم السلام والتسامح والحضارة فى المجتمع المصرى، والدور الذى تلعبه وزارتك فى ترسيخ هذه القيم، فلعلك يا سيدى تضيف إلى مشاريعك الكبرى واحداً لدراسة ما وصل إليه حالنا وحال شبابنا وأطفالنا، وربما تبدأ سيادتك من تسامح الشباب المصرى مع الفتيات والنساء فى العيد، أو التسامح بين المسلمين والمسيحيين، والبهائيين، والشيعة، فى قرى ومراكز الوجه البحرى والقبلى، أو قيم السلام التى تدفع الآباء لقتل أطفالهم وزوجاتهم، أو أسس الحضارة التى نستند إليها حين نصادر الكتب، وحين نقاضى المبدعين، وحين نطارد أى متلبس بالتفكير مع سبق الإصرار والترصد.صحيح يا سيادة الوزير أننا طمحنا بإخلاص فى أن تنال منصب اليونسكو ممثلاً لمصر، لكن تأكد أن "سعادة الشعب المصرى" لا تتوقف على منصب اليونسكو، ويمكنك فعل الكثير لتحقق لنا السعادة التى قلت إنك لم تقبل بالترشح لليونسكو إلا بهدف تحقيقها. سيسعدنا يا سيادة الوزير أن تفرغ بعضاً من وقتك لمراجعة أوضاع الثقافة الجماهيرية، ودور النشر، ومسارح الدولة، وقصور الثقافة، والمكتبات العامة، والمدرسية، وقوانين الرقابة على المصنفات. سيسعدنا لو تفرغ جزءاً من وقتك لدراسة أسباب تراجع كل المهرجانات السينمائية، والمسرحية التى نصفها بالدولية رغم أنها لم تعد تحظى باهتمام الجمهور المصرى، ولا باحترام العالم. سيسعدنا أن تدعو وزارتك قولاً وعملاً لمبادئ التسامح بأن تمد يدها لكل من يتعرضون للاضطهاد والمصادرة بسبب أفكارهم، وآرائهم، وأن تفتح أبواب منشآتها المترامية الأطراف لنشر الثقافة بين شباب وبنات مصر. سيسعدنا يا وزير الثقافة أن تهتم بالثقافة ليس فقط بوصفك وزيرها، وإنما أيضاً لأنك واحد ممن طالتهم شظايا غياب الثقافة، وانعدام التسامح فى مجتمعنا، وأن ترمى كل ما عدا ذلك وراء ظهرك.

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

ولكم فى تفجيرات بيشاور عبرة يا أولى الألباب

كتبت: ناهد نصر

تفجير مدرسة ابتدائية للبنات فى بيشاور بباكستان جرس إنذار شديد اللهجة لا ينبغى أن يمر علينا هنا فى القاهرة مرور الكرام؛ إذ من هول الجريمة يصعب تصور ما الذى كان يدور فى ذهن مدبريها حين قرروا تنفيذها خصوصاً وأنها ارتكبت فى واحد من أهم الأعياد الإسلامية، والذى يعقب مباشرة شهر رمضان الذى يقضيه المسلمون فى الصوم والعبادة والتقرب إلى الله. والجريمة ارتكبت فى يوم عطلة، فلم ينتج عنها أى خسائر فى الأرواح، إلا أن ما نتج عنها من خسائر لا يقل فداحة، فالمدرسة التى دمرت تماماً بفعل الانفجار هى الملجأ الوحيد لـ400 فتاة لتلقى الدراسة فى الريف. وتلك هى الرسالة التى أراد منفذو الجريمة توصيلها ليس فقط إلى الفتيات الأبرياء وذويهم فى ضاحية "تراج بايا" وإنما إلى العالم كله، إنها الحرب ضد العقل، والتفكير، والمعرفة. حرب واضحة لا تقبل الشك، ولا التبرير، لكنها النتيجة الطبيعية لثقافة الجهل والكبت الفكرى والظلام التى يروج لها المتشددون تحت ستار الدين. جريمة بيشاور لخصت رؤية المتشددين للعالم، إذ ليس من قبيل الصدفة أن يستهدف هؤلاء مدرسة، لأن إعمال العقل ظل وسيبقى الهدف الأول الذى يسعى هؤلاء للخلاص منه، ومحاربته بكل ما أوتوا من قدرة على الكراهية، وبكل ما تنطوى عليه عقولهم من جهل. وليس بالعبوات الناسفة وحدها يحيا المتشددون، فالسواد الذى يسعون لنشره فى البلاد، ويلاحقون به العباد يتشكل حسب الظروف، فهو فى حين يتحول إلى إسدال يحول النساء إلى ما يشبه الخيام المتحركة إمعاناً فى امتهان أجسادهن، ووجودهن الإنسانى كله. ويصبح ملاحقة قضائية لمبدع أو فنان تنطوى على أسوأ أشكال الازدراء والقمع الفكرى، ويتحول أحياناً إلى طلقة مسدس يوجهونها لعقل ارتكب جريمة التفكير، وإلى قنبلة رديئة الصنع تأتى على حياة شخص تورط فى حب الحياة.لكن واحدة من الحقائق التى لا ينبغى إنكارها أيضاً أن مرتكبى جريمة بيشاور ليسوا نباتات شيطانية نبتت مع حالها، وإنما هم وأمثالهم من المتشددين فى كل مكان لا يظهرون إلا حين يتوافر لهم المناخ المناسب من الجهل، والتغييب والكبت الفكرى، والشعور باليأس، وغياب سلطة القانون، والعدالة الاجتماعية، وهى البيئة الخصبة لنمو التطرف، والانغلاق، ووصوله إلى مرحلة لا تجدى معها قضبان السجون، ولا عصا الجلاد، ولكم فيما حدث فى بيشاور عبرة يا أولى الألباب.

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

هالة مصطفى والسفارة فى العمارة

كتبت: ناهد نصر
موقف النخبة الصحفية والمثقفين من الدكتورة هالة مصطفى يشبه مشهد عيد الميلاد فى فيلم "السفارة فى العمارة"، ففى اللحظة التى اكتشف فيها ضيوف الحفل أن بينهم السفير الإسرائيلى، تحول مضيفهم من بطل قومى إلى خائن وعميل.ولم يفاجئنى ما قالته الدكتورة هالة حول أن مثيرى حملة الكراهية ضدها مصابون بمرض الازدواجية، لأن بعضهم مارس فعل "التطبيع" أو على الأقل لا يرفضه. كما لم تفاجئنى تصريحات عدد من القانونيين والحقوقيين الذين أكدوا أن الهجوم على "المطبعين" انتهاك لحريتهم فى التعبير، لكنهم فى الوقت نفسه يتمنون ألا يضطرون للدفاع عن أحدهم لأنها "مخاطرة غير محسوبة".وليس المهم أن تكون رافضاً لإقامة علاقات سوية مع إسرائيل أم لا، لكن المهم أن تعرف "لماذا؟". وسواء كنت تطبيعياً أو غير ذلك لا تندفع فى الإجابة على السؤال. أى لا تقل مثلاً إن رفض كل العلاقات مع إسرائيل حكومة وشعباً هو الوسيلة المثلى للضغط على هذه الدولة العسكرية التى لا تحترم الشرعية وحقوق الإنسان. كما لا تحاول إقناعى بأن إقامة علاقات سوية شاملة كاملة مع إسرائيل هو الذى سيضغط عليها ويجبرها على التخلى عن مشروعها الصهيونى. فإجابتك فى الحالتين ناقصة، وقائمة على افتراض لن يمكنك تقديم دليل واحد على صحته، إذ لا التطبيعيين، ولا المقاطعين تمكنوا من التوصل لنتيجة يمكننا من خلالها الحكم على صحة موقفهم من عدمه.وطالما كلا الفريقين يتخذ موقف "على العميانى" أى دون اختبار حقيقى للنتائج من التطبيع مع إسرائيل، فلا أفهم لماذا يعلق أحد الفريقين المشانق للآخر، إلا إذا كان يستمد من ذلك شعوراً وهمياً بالانتصار، وإراحة الضمير والبطولة الزائفة على حساب شقيقه فى الوطن، وليس على حساب إسرائيل، إذ إن الصراخ فى وجه الآخرين دون تمييز يبقى الحل الأسهل، إذا كان البديل إعمال العقل، والتفكير بهدوء فى جدوى ما نفعله.

الخميس، 20 أغسطس 2009

عبد الحليم قنديل: النظام لن يعيش إلا إذا تعاون مع الإخوان.. والإخوان مستعدون لهذه الصفقة

«كارت أحمر للرئيس» كتابه الأخير ضمن سلسلة من الكتب التى تغازل اسم الرئيس بشكل مباشر أو غير مباشر، فى إطار ما يراه عبدالحليم قنديل ثأرًا عائليًا فرضه عليه النظام، هو يفضل أن يصف نفسه بالكاتب الصحفى، وداعية التغيير، وهو يقارع النظام والمعارضة والقاصى والدانى بما يحب أن يصفه بالمعارضة الجديدة، ويتحدى الجميع بمحاولة وضع «برنامج للقلق المصرى» هو بيان تأسيس الائتلاف المصرى من أجل التغيير... الذى يرى قنديل أنه «الكارت الأحمر» أمام النظام بأدوات حكمه وانتخاباته، وأمام كل سيناريوهات الإصلاح، أو العسكرة، أو التوريث السلمى.
حوار: ناهد نصر
«الأيام الأخيرة» ثم «كارت أحمر للرئيس» لماذا يستهدف عبدالحليم قنديل الرئيس فى أغلب مقالاته، وكتبه؟
الكتاب يضم 51 مقالاً أغلبها ممنوع من النشر فى مصر، وهى نوع من وصف مصر فى لحظة حرجة من تاريخها، والخيط الرابط بينها هو ائتلاف المصريين من أجل التغيير، وهى الفكرة التى تمت بلورتها فى أبريل 2009، ويعتبر الكتاب هو الجزء الثانى من «الأيام الأخيرة»
والنقطة الجوهرية بالكتاب هى أنه لم تعد هناك إمكانية للإصلاح، وأن التغيير هو السبيل الوحيد.
ماذا تعنى بـ «ممنوعة من النشر» فى مصر؟
وقت أن خرجت من جريدة الكرامة كان أمامى فسحة من ورق، لكتابة منتظمة فى الدستور ثم ترأست تحرير صوت الأمة، وبعد صوت الأمة أظن أن التالتة تابتة، والأمر أظلم تماما ولا يوجد أى إمكانية لأن أنشر حرفا فى مصر، يكفى أن مدير التحرير فى جريدة ما تبنى نشر خبر عن الكتاب بعنوان «كارت أحمر» فقط من دون الرئيس، وعلى عمود 5 سنتيمترات، وفى النهاية منع من النشر، فهناك رعب حقيقى من عنوان الكتاب.
لكن الكتاب نفسه لم يتعرض للمصادرة؟
هذا يرجع إلى أن هناك ظنا بأن الكتب مهما بلغت كثافة توزيعها فهى أقل توزيعا من الصحف، وبالتالى أضرارها أقل، لكن العام الماضى شهد حفل توقيع كتاب الأيام الأخيرة هنا فى النقابة استفزازا كبيرا جدا من مكرم محمد أحمد وغيره، لدرجة أنهم عطلوا التكييف والأسانسير، ومنعوا فتح القاعة، وهناك مؤشرات على أن حفلات توقيع «كارت أحمر للرئيس» ستشهد خشونة أكبر من الكتاب السابق.
لكن كتاب الأيام الأخيرة موجود لدى باعة الصحف وفى المكتبات؟
دار النشر التى أصدرت الأيام الأخيرة تلقت خطابا من جهة سيادية لوقفه، لكنها لم تتحرك لتنفيذه، كما استدعتنى جهة سيادية أخرى بسبب إحدى مقالات «الأيام الأخيرة» وأشعر دائما أن هناك حالة من الاستفزاز المبطن تحت الجلد يظهر فجأة ويتوارى أحيانا، و«الأيام الأخيرة» جرى طبعه عشر طبعات سرية، وعموما تضييق السلطات على أى كتاب يكون فى مصلحته.
كيف تصف علاقة عبدالحليم قنديل بالنظام؟
أنا ليس لدى أى ملفات يمكن لأجهزة الأمن فى دولة أمنية أن تستخدمها فى الضغط علىّ، لأننى دربت نفسى منذ بدأت عملى الصحفى ألا أتعامل مع الأغنياء والسفراء والوزراء سواء كانوا صالحين أو طالحين، وهذه مشكلة كثير من الصحفيين والكتاب المصريين الآن لأن كثيرا منهم لديهم مناطق معينة تمارس الضغوط عليهم من خلالها، كما لا تؤثر فى تقلبات الرزق كثيرا، وهذا الوضع ليس مريحا لأسرتى وغير مريح لأعدائى أيضا فلم يستفيدوا من ضغوط مارسوها علىّ بالفعل، وهذا مصدر قوتى.
تعنى أنك أصبحت خارج السيطرة؟
أنا أول صحفى مصرى يضع الرئيس ومؤسسة الرئاسة فى عين العاصفة بإخضاع الرئيس للنقد، وهى تجربة غير مسبوقة فى التاريخ المصرى، وما يشعرنى بالامتنان أن هذا الهدف تحقق، بصرف النظر عن موقعى الحالى «فى الشارع» فأنا صنعت إنجازًا ودفعت ثمنه.
ما الثمن الذى ترى أنك دفعته؟
آخر شىء ما حدث لى فى صوت الأمة، فقد خرجت منها بضغوط من الأمن والرئاسة، هذا غير ما حدث لى منذ 2004 بمنع مقالى فى الراية القطرية، ثم حادث الضرب فى 2004، وإسقاط ضياء الدين داوود فى الانتخابات 2005، وتقرير المجلس الأعلى للصحافة فى 2006، عموما أنا مدرك لحقيقة أنه لا يمكننى العمل بطريقة مريحة.أنت غير مريح بالنسبة للنظام؟نعم، ومارسوا كل أنواع الضغوط المباشرة وغير المباشرة، ضغطوا على ضياء الدين داوود لمنعى من الكتابة، وعندما لم ينجح الضغط حاولوا تجويعى من خلال منع مقالى، ثم حاولوا إذلالى نفسيا بحادث الضرب، وهكذا، هذا غير رسائلهم المباشرة التى كانت تصل لى عبر وسطاء، ومنهم مصطفى كمال حلمى، وزكريا عزمى، وكمال الشاذلى، وصفوت الشريف عندما كنت رئيس التحرير التنفيذى لجريدة العربى.
هل فشل النظام فى إسكاتك أم أنه لا يرغب فى ذلك؟
السلطة تندم على أنها لم تتخلص منى بالقتل فى 2004، لكن صعوبات التخلص منى الآن أكبر بكثير، قارنى مثلاً بين رد فعل الجماعة الصحفية على اختفاء رضا هلال، وعلى حادث الضرب الذى تعرضت له بعدها بفترة قصيرة، رضا هلال أذيب فى حمض كبريتيك.. التجاهل بسرعة، رغم أن ما حدث له شىء مفزع وتطور غير مسبوق، لتتأكدى من أننى فى حماية رأى عام قد لا يكون له ثقل حاسم فى المجتمع لكنه مؤثر، والدليل أن بيان الائتلاف تضمن عبارات من نوع «الإنهاء السلمى لحكم مبارك» ووقع عليه شخصيات عامة لها احترامها وثقلها، إذن هناك قدر من الحماية المعنوية، والناس عارفة إنى تعرضت لهذا الأمر بسبب نقد السلطة، وهذا سبب استفزاز الجماعة الصحفية وتضامنها معى من جهة، وسبب ندمها على عدم التخلص منى.
لكن هناك من يرى أنك لعبت دورا غير مباشر فى الترويج لفكرة التوريث؟
«الكلام ده أنا بسمعه وبضحك لأنه معناه لوم الضحية» هل يظن أحد أننى ابتدعت فكرة التوريث، فراقت فى عين جمال مبارك «وقال دى فكرة حلوة» جمال مبارك فرض على المصريين فرضا، والحملة هى التى فضحته، مخطط التوريث عكس نفسه فى الصحف القومية منذ عام 2000، وبالتالى عكس نفسه فى النقد أيضا، دور المعارضة إنها ارتفعت بسقف النقد، وتحدينا دور الأمن فى الصحافة المصرية.
ماذا تعنى تحديدا بدور الأمن فى الصحافة؟
كل التشكيلات الصحفية فى الصحف القومية تشكيلات أمنية، وقطاع الصحف الحزبية تم تدجينه من خلال التحكم فى رخص الأحزاب، والعبرة فيما حدث لجريدة الشعب، ولأيمن نور. أما القطاع الثالث وهو الصحف المستقلة فروضوه بشكل أيسر لأن طبيعة طبقة رجال الأعمال فى مصر هى «رأسمالية المحاسيب» الذين صنعوا ثرواتهم بقربهم من دوائر الحكم، ويسهل الضغط عليهم، وهذا ما أعنيه بدور الأمن فى الصحافة.
ذكرت رضا هلال، لماذا برأيك نفضت الجماعة الصحفية يدها من هذه القضية؟
هذا شىء يثير استيائى، لكن رضا هلال ضحية أمرين، فهو ماركسى وشبه معارض جرى تكييفه على طريقة للخلف در التى حدثت لكثير من الصحفيين، وبالتالى كانت توجهاته وآراؤه بلا شعبية فى أوساط الجماعة الصحفية، الأمر الآخر هو تواطؤ جريدته الأهرام مع اختفائه فقد أغلقت الموضوع ولو كانت تبنته لكان الوضع اختلف، وعموما الجماعة الصحفية فى مصر تعانى من انعدام حالة التضامن بشكل عام
تقول إن بينك وبين النظام «ثأر عائلى»، وهذا واضح من خلال اختيارك لعناوين كتبك؟
«أنا أصبحت موضوعا على طاولة الغذاء لرؤوس الحكم» وأنا أعتبر نفسى صحفيا وكاتبا، وقد أقول أيضا داعية للتغيير، وليس لى أى طموحات سوى الكتابة، إنما كل ما جرى لى من مطاردة محمومة من قبلهم جعلنى أتأكد من وجود هذا الثأر، فمثلاً كل نظام سياسى يميل عادة إلى احتواء معارضيه، إنما النظام لدينا ليس له أساس اجتماعى ويتكئ على عصا سليمان وهى العصا الأمنية، والعائلة تحس أننى انتهكت قداستها، هذا ما خلق الثأر من جانبهم، أما من جانبى أنا فلا يمكننى نقد النظام السياسى دون نقد العائلة، فالعائلة والنظام «حاجة واحدة».
وما علاقتك بالمعارضة؟
علاقة مضطربة، فأنا جزء من تيار المعارضة الجديدة، كفاية وأخواتها و6 أبريل، وهو تيار يعبر عن حالة القلق المصرى وهو قلق واقعى لكنه غير مبصر، ولا يعرف بالضرورة المكان الذى يريد الذهاب إليه، وهناك فارق بيننا وبين المعارضة التقليدية سواء الملاكى فى الأحزاب، أو معارضة الإخوان التى تشترك مع النظام الحالى فى نفس الجوهر الاقتصادى والاجتماعى، والمعارضة تكرهنى علنا أو هى مضطرة لادعاء أنها تكرهنى لصالح العائلة، إنما يكنون لى كل تقدير واحترام فى الخفاء.
لكن ما تسميه بالمعارضة الجديدة ليس خاليا من أمراض المعارضة التقليدية؟
المعارضة الجديدة ليست حركة اجتماعية واضحة المعالم بها يمين ويسار ووسط، وإنما هى مجرد تعبير عن القلق كما ذكرت، ومجهودنا فى كفاية هو أننا نحاول وضع برنامج للقلق المصرى، نحن نرد الاعتبار للسياسة، ووارد أن يكون هناك تأثير للأحزاب، لكن يكفى أن أشير إلى أن أربعة من مؤسسى كفاية كانوا أعضاء فى التيار الناصرى، ونجاح حركة القلق فى تحديد طريقها يحتاج إلى مدى زمنى طويل.
كم سنة؟
إنهاء النظام القائم لن يكون ثورة مكتملة، إنما مجرد «فك عقدة». فالأحزاب سيرتها انتهت لجنازة، والنقابات المهنية جرى كبتها منذ التسعينيات، وقبلها النقابات العمالية فأنت إزاء وضع مجحف، ولا إمكانية لإصلاحه فى ظل الوضع العائلى القائم، نحن فى محنة وأكذب على الناس لو قلت إن أمامنا طريقا واضحا، تفكيرى أن فك اللعنة بإنهاء النظام الحالى سيحدث سيحدث، وما نقدمه فى الائتلاف هو السيناريو الأكثر أمانا لكن ليس الأكثر توقعا، لكن كل ثورة ناجحة قبلها عشرات الثورات المجهضة، وهذا لا يعنى أن الثورات المجهضة بلا قيمة، هذا فهم خرافى للتاريخ، فشرط الضمير فوق توقع التغيير، وأنا لا أحجز ضميرى رهينة للجدوى.
يعنى أنت تقر بأن حركة المعارضة الجديدة ليس لها أهداف واضحة؟
أنا أتكلم عن تيار بدأ تعبيرا عن القلق وليس تعبيرا عن فئات مبلورة، وتناقضات اجتماعية ولهذا السبب هى ضعيفة التكوين بدأت من قلق سياسى، ثم ضعفت وتيرته وبدأ القلق الاجتماعى. فرضيتى الأساسية فى الائتلاف هل يمكن مزج الغضب السياسى، مع الغضب الاجتماعى فى مستوى ثالث من الغضب. والدور الجديد لكفاية هو أن تكون عنصرا مساعد فى بناء حركة التغيير. ولذلك على سبيل المثال ضممنا للائتلاف قادة الإضرابات والحركات الأكثر وعياً. ونتوقع أن نلعب دوراً ما فى اللحظة الحاسمة التى بالتأكيد ستباغتنا.
بمعنى؟
لو تغير الوضع الحالى فجأة لا يمكن للنظام أن يواصل الحكم بالطريقة الحالية، سينفجر الشارع المصرى، لأن المصريين سيشعرون أخيراً أن غطاء الكبت انفجر، ووجودنا فى هذه اللحظة ضرورى.
هل تتوقع حكماعسكريا؟
الجيش لا يمكنه حكم مصر بسبب استنفاد صيغة الجيش وسيضطر لوضع صيغة تركية، مزيج حريات ديمقراطية وتحكم مركزى. لكن لن تتكرر صيغة الحزب الإدارى، لأنه لا توجد موارد لعمل رشاوى اجتماعية وسيضطر لعمل محاكمات عامة لمن سرقوا البلد. وساعتها قيمة الائتلاف ستكون فى أنه قطب مدنى اجتماعى معاه برنامج، يمكنه أن يقول للجيش لن نحكم بهذه الطريقة.
لكنك قلت إن الحركة مازالت فى طور وضع البرنامج
؟نحاول حالياً زيادة حجم الحركة عن طريق تكتيكات للربط مثلاً باختيار بديل رئاسى لأن الناس تفهم هذه الصيغة أكثر مما تفهم البرامج والأيديولوجيات، فنحن فى بيئة سياسية متدنية.هل رشحتم أسماء بالفعل؟القضية ليست فى أشخاص، وإنما فى من يقبل المخاطرة. وهناك توقيت معين للإعلان، «ماينفعش قبل الزفة نعمل الكوشة»، نحن نراقب تصرفات الطرف الآخر.
هل تستبعد سيناريو جمال مبارك فى السلطة؟
جمال مبارك لن يحكم مصر رسمياً فى أى وقت، وهناك فرق بين أن تبحث عن عريس وعن رئيس، تعلم اللغات مش مؤهلات رئيس جمهورية.ولكنك تقول إن هناك مخططا لفرضه؟ممكن فرضه على نحو ما يفرض أى شىء، ممكن فرضه بالقوة القاهرة وهى الأمن لكن المشكلة أن الأجهزة الأمنية تنصح ببقاء الوضع الحالى كما هو، لأن أى خلخلة فى الصيغة الحالية غير مضمونة النتائج.
تعنى أن النظام ليس لديه تصور لما بعد مبارك؟
تصورهم الأقرب لظنهم أن يكون الأمر سجالاً على التوريث بالمؤسسة الحاصل منذ 52.هذا الطرح يلغى سيناريو الانفجار الاجتماعى؟لاشك عندى فى أن الانفجار الاجتماعى سيحدث حتى لو تغير النظام، لأن الجزء المهم الذى فعلته حركة القلق الاجتماعى أنها أعادت للمصريين الشعور بالألم، ومزيد من الحريات التى ينطوى عليها مجرد الزوال النفسى للنظام سيشعر الناس أكثر بالألم وبالتالى سيخرجون إلى الشارع. كل الأمور متجهة إلى ذلك. لأن الإذعان يكون مقابل إشباع، لكن إذعان كده لله فى لله، لا حريات سياسية ولا اقتصاد نمور ولا جيوش تسد عين الشمس، لا يمكن احتماله فنحن لسنا الصين مثلاً، والنظام فاشل فى أن يمد فى عمره.
كيف يمكنه ذلك؟
النظام ممكن يمد فى عمره لو تحالف مع الإخوان. لأن جوهرهم الاقتصادى والاجتماعى واحد. فالإخوان هم حزب اليمين الأساسى فى البلاد، أما الجبهة والغد والوفد فهى مجرد عناصر تلقيح وإثارة «شو». الإخوان هم القوة الضاربة فى جذور اليمين المصرى القابلة للتحول الليبرالى حزب عدالة وتنمية. التناقض الوحيد بين النظام والإخوان فيزيائى. هناك احتكاك بين شعب الأمن وشعب الإخوان كأنهم بيتزاحموا فى أتوبيس.
لكن الإخوان ينكرون هذا الطرح؟
جزء كبير من قيادة الإخوان مستعد فى أى وقت لعمل صفقة مع النظام، لكن النظام غير مستعد لعمل صفقة معهم. لأنه نظام احتكارى عائلى لا يقبل شريكاً. ولو فعلها النظام لتمكن من حكمنا 20 سنة قادمة، وتتحقق المصيبة لأننا سنكون تحت نفس النظام بقاعدة شعبية تكونت عبر ثلاثة عقود مما يعطى إيحاء بالتجديد.
إلى أى مدى يمكن أن يتحقق هذا السيناريو؟
أنا لا أتوقعه وده من حسن حظ البلد، فالنظام ليس بوسعه التحالف مع أحد وتوسيع قاعدته، وجزء كبير من قيادة الإخوان لديها هذه الرغبة وده سبب تردد الإخوان. لأنهم مش فاهمين لماذا يحدث لهم ما يحدث رغم فهم النظام تركيبتهم.
لماذا لا تضع سيناريو الإصلاح عن طريق الانتخابات ضمن حساباتك؟
الإصلاح غير ممكن، لأنه لا وجود للانتخابات أصلاً. التجربة الحزبية فى مصر عمرها 33 وسنة ولسه بيقولوا عليها ناشئة وهاتنضج حتى الآن. والناس كانت متمسكة بقشة اسمها الإشراف القضائى لكن التعديلات الدستورية الأخيرة قضت عليها. وبالتالى لم تعد هناك انتخابات. فضلاً عن التزوير، والأساليب الملتوية للمنع. والدليل أمامنا فى انتخابات القناطر وهى الأحدث.
لو مددنا سيناريو الانتخابات على استقامته، ما الذى سيكون الوضع عليه؟
أولاً لن يكون هناك إخوانى واحد فى أى مقعد، وستحدث مذبحة للإخوان والمعارضة الراديكالية رأينا بروفاتها فى المحليات، والتجديد النصفى، والقناطر. وستفرغ اماكنهم لصالح الكومبارسات.
من المرشح للعب دور الكومبارس فى انتخابات الرئاسة القادمة برأيك؟
لا أحد يريد لعب هذا الدور حتى اللحظة. لأنهم رأوا ما حدث لمن اندمج فى الدور فى الانتخابات السابقة أيمن نور فى السجن، ونعمان جمعة فى الشارع. وسيتحدد الكومبارس حسب توزيع الكوتة الأمنية فى الانتخابات البرلمانية. ولا يمكن القياس على الوضع الحالى، لكن لو أردنا ذلك فليس هناك حسب الدستور سوى التجمع والوفد لأن لهما عضوا واحدا فى البرلمان، لكن يمكن البناء عليه فى حالة واحدة وهى حدوث تغير مفاجئ فى الأوضاع.
كيف تقرأ تحركات أيمن نور بعد خروجه من السجن؟
أيمن نور كان شابا نشيطا جدا ودماغه فى الموضوع. انتخابياً لن يتاح له ترشيح نفسه لكنه يفكر بطريقة إن ماحدش يضمن أن النظام يفضل موجود، فهو يبنى لنفسه قاعدة شعبية تحسباً لهذه اللحظة.
إلى أى مدى هو قادر على بناء هذه القاعدة الشعبية؟
نور استفاد من تجربته فى 2005، ولا أحد يقلل من حوافزه الذاتية. لكن أخشى أن شعبيته تتأثر منذ خروجه من السجن لأنه يدلى بتصريحات متضاربة. ولو ظن نور أن الناس أيدته لأنه أيمن نور فهو مخطئ لأنهم أيدوه كصوت احتجاجى، فتردده وتذبذبه يبدد هذه الصورة. وأيمن نور يساعد الدعاية المضادة له بسبب التردد.
حزب الجبهة يطرح أيضاً تصورات معينة حول التغيير، ما رأيك فى أدائه كحزب جديد؟
الدكتور أسامة الغزالى مش طارح نفسه فى قاعدة جماهيرية. بعكس أيمن الذى يعتبر نفسه «كفائى» ويتمتع بنزعة المخاطرة. ولأن الناس فى يأس فهو يتعامل بمنطق اتحرك وبعدين فكر مش العكس.
تعنى أن أسامة الغزالى حرب والجبهة تردد شعارات فقط، بلا تأثير؟
الأحزاب الجديدة فى أزمة بسبب ارتباطها بالرخصة، وبالتالى هى لا تختلف عن الأحزاب التقليدية، ومصيرها واحد. وبالنسبة للجبهة هو حزب غير موجود ولا يحس به أحد فى الشارع السياسى، وكل ما قاله قبل الرخصة من إنشاء تيار ثالث والأغلبية الصامتة وغيره لا أثر له على أرض الواقع. وهو نفس الكلام الذى يردده عصمت السادات، لأنه من نفس الأرضية، وهو أحد مؤسسى الجبهة أيضاً.
تحمّل التمويل الأجنبى مسئولية فشل الحركات السياسية؟
التمويل الأجنبى أفسد الهامش السياسى المصرى، وأورثه الغربة عن الشعور فأصبح غير قادر على تحديد موقف من أمريكا وإسرائيل. فليست هناك فى مصر منظمات حقوق إنسان، كلها شركات، وهذه مسخرة حقيقية. لأنها تنمو كالفطريات، وتدمر المهمات العامة للنشطاء.
لكن هذا الاتجاه اخترق المعارضة الجديدة أيضاً، بدليل ما حدث فى 6 أبريل؟
التمويل الأجنبى ظاهرة مرعبة واجهناها فى كفاية مبكراً عن طريق فرز الأشخاص، ورفضنا على سبيل المثال إدخال أى أشخاص ممولين إلى اللجنة التنسيقية لكفاية رغم محاولات عادل المشد. حدث خلاف فى 6 أبريل ووصلوا إلى نقطة اللاعودة، وانقسمت إلى جبهتين واحدة ليبرالية وواحدة كفائية. ورفعت على قضايا بسبب نقدى للتمويل الأجنبى أكبر من كل ما رفع على بسبب نقدى للعائلة.
من رفع عليك هذه القضايا؟
فريدة النقاش طالبت بتعويض 5 ملايين جنيه بسبب موضوع كتبته دون ذكر اسمها. فهى فى يناير 1996 كتبت فى اليسار مقالا انتقدت فيه التمويل الأجنبى ووصفت الممولين «بمناضلين آخر زمن فى العوامات» وفى يونيو من نفس العام أنشأت فريدة عوامة تخصها اسمها ملتقى الهيئات لتنمية المرأة وحصلت على تمويل قدره 153 ألف دولار من السفارة الكندية، وعندما انتقدت هذا الأمر قالت: إن الاستعمار أخذ حقنا والآن نحن نأخذ حقنا من الاستعمار. وكأنها حصلت على توكيل لتخليص حقنا منه.

الخميس، 13 أغسطس 2009

نشطاء النوبة فى المسافة بين حق العودة.. وحق رغيف العيش

كتبت: ناهد نصر

«معملوش ولا حاجة، وهذا ما أغضبنى لأننى طرحت على الهيئات المدنية هناك أن تقف مع الحضارة النوبية التى قدمت للحضارة العالمية الكثير، وعندما نكون فى أزمة فالمفترض أن الشعوب والهيئات المدنية تقف معنا» ذلك كان تعليق الأديب والناشط النوبى حجاج أدول على سؤال وجه له حول رد فعل «الأمريكان» على ما طرحه خلال مشاركته فى مؤتمر نظمه أقباط المهجر فى نوفمبر 2005.فقد قال أدول فى مؤتمر واشنطن كلاماً من نوع أن النوبيين يعانون اضطهاداً فى مصر، وأن إزاحتهم إلى قرى التهجير من أجل بناء السد العالى هو نوع من التطهير العرقى. ووصل دوى القنابل التى ألقى بها أدول هناك إلى القاهرة وبسرعة البرق، وفيما أكد الأديب النوبى أن كلماته لم تجد صدى لدى الأمريكان، وجد هو نفسه محاصراً هنا بهجوم غير مسبوق، بعضه كان موجهاً من أبناء جلدته، النوبيين أنفسهم.إلا أن الزيارة بكل ما لها وما عليها فتحت الباب على مصراعيه لسؤال كبير: هل النوبيون بحاجة لتدويل قضيتهم؟ أدول يجيب عن السؤال بطريقته «لست أنا من دوّل القضية النوبية، بل عبد الناصر، وثروت عكاشة» مشيراً إلى أن الأمر حين يتعلق بالآثار، والتراث، والمشاريع الكبرى يصبح التدويل حلالاً، أما إذا تعلق بالبشر فلهم فى هذا حسابات أخرى. ويؤكد أدول أن ما يقصده بتدويل القضية النوبية معناه اللجوء إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التى وقعتها مصر، والتى تنص على حقوق النوبيين، وإذا كانت الحكومة المصرية لا تعترف بهذه المواثيق، أو بالجهات التى تنتمى إليها، فعليها أن تعلن انسحابها منها فوراً. ويضيف أن الصحوة النوبية ما كان لها أن تتحقق لولا زيارة واشنطن». الصحوة النوبية التى يعنيها أدول يترجمها المهندس طارق أغا، الناشط النوبى، بأنها تعنى الدعوة للحق النوبى بين أوساط المثقفين المصريين فى الداخل، وهو يرى أن الطريق الأسلم يكمن فى أن تعى الحكومة المصرية أن مطالبنا نابعة من كوننا مواطنين مصريين، ولسنا جماعة خارجية ترمى لهم الدولة بيوتاً فى أرض مقفرة، ثم تدير لهم ظهرها معتقدة أنها «عملت اللى عليها» وهو يقول إن النوبيين يريدون العودة، لكن هذه العودة ليست مجرد انتقال جغرافى من مكان لآخر، وليست ديناً فى رقبة الدولة ترده لنا فتنتهى العلاقة بيننا وبينها «نريد العودة إلى ضفاف البحيرة، نعم، وليس من منطلق الحق التاريخى، وإنما لأن قرى التهجير مقفرة، وخالية من عناصر التنمية، وبالتالى فإن مطالبنا تنموية بالأساس» وهو يرى أن الدولة إذا لم تفهم مطالب النوبيين فى هذا الإطار، فإنها تفتح الباب مجدداً لحلول قد لا ترضيها، لكنها ستقتصر على التعاون مع المنظمات غير الحكومية التى تدافع عن حقوق الإنسان. الكرة إذن فى ملعب الدولة، والدولة لا تألو على نفسها جهداً، هكذا يراها مسعد هركى الناشط النوبى، ورئيس النادى النوبى العام، فهو يرى أن مجرد التفكير فى طرح القضية خارجياً حتى لو بمنطق حقوق الإنسان أمر لا مبرر له، بل يعكس رغبة فى «الكلام الكثير بلا فعل» لأن كل نوبى فى رأيه يجب أن يعرف أنه يستطيع الحصول على حقوقه من الدولة بالحوار مع الدولة، وليس مع أى أحد آخر.لكن ما يراه مسعد هركى «جعجعة بلا طحن» من قبل بعض النشطاء يراه غيره ضرورة لا غنى عنها، ومن بينهم حمدى سليمان، رئيس النادى النوبى فى فيينا بالنمسا، الذى يقولها هكذا صراحة وفى أكثر من مناسبة «على القيادات النوبية بالداخل الكف عن طرح مطالبهم على الدولة بعد مرور أكثر من أربعة عقود من المطالبات بلا جدوى» فالتوجه للمنظمات الدولية هو الحل الذى يراه سليمان، وعلى كل النوبيين فى المهجر أن يعوا هذه الحقيقة دفاعاً عن حقوق إخوانهم فى مصر. وما يطرحه نشطاء النوبة فى المهجر، وفى القاهرة والإسكندرية، وحتى أسوان يقدم صورة غير مكتملة لكيفية رؤية النوبيين مستقبلهم، فبعضهم، خاصة هؤلاء الذين يعيشون فى قرى ومدن نصر النوبة هناك فى الجنوب، يفكرون فى القضية بطريقة مختلفة، إذ يرون أن النوبيين يشغلهم ما يشغل غيرهم من المواطنين المصريين فى كل مكان، مشاكل مياه الشرب، والصرف الصحى، والتصويت فى الانتخابات، وتوفير فرصة عمل، ورغيف خبز خال من الرصاص، وبالتأكيد دون أن يتجاهلوا تاريخ انتقالهم من هناك عند ضفاف البحيرة، إلى هنا عند ضفاف الجفاف، وهم يرون أن المطالب النوبية بالنسبة لهم جزء من مطالب جميع المصريين، أما ما زاد عنها فمن حق المصريين جميعاً أن يعرفوه، فيشعروا به، ليتحول إلى جزء من مطالبهم هم أيضاً، هكذا يراها مصطفى رمضان، شاب نوبى يعيش فى قرية البلانة، مركز نصر النوبة، محافظة أسوان، ويلخص رمضان نتائج الخطوة التى قام بها حجاج أدول فى مؤتمر أقباط المهجر منذ خمس سنوات بأنها كسرت حاجز الصمت الطويل الذى آثر النوبيون أن يلوذوا به لسنوات، ليس فقط للمطالبة بحقوقهم التاريخية فى العودة، وإنما «وهو الأهم» فى المطالبة بحقوقهم كمواطنين مصريين. ويقول مصطفى رمضان إن المؤتمرات كلها التى عقدت داخل مصر لمناقشة القضية النوبية هى التى جعلت لهذه القضية ذلك التواجد الإعلامى الذى يتزايد تأثيره يوماً بعد يوم. ويضيف رمضان: النوبيون عليهم أن يكونوا أكثر انخراطاً فى الحياة العامة، لأن ذلك هو مفتاحهم الحقيقى نحو الحصول على مطالبهم، ويتساءل رمضان: «نحن نهتم فقط بما هى الأحزاب التى تضع القضية النوبية على أجندتها، لكننا لا نهتم بالقدر نفسه بكم نوبى فى هذه الأحزاب»، وسؤال مصطفى وراءه فكرة، والفكرة هى أن السياسة لعبة مصالح، قبل أن تكون لعبة حقوق، وأن المصالح يصنعها أصحابها، وأن وجود هؤلاء فى جميع الأشكال المدنية ومن بينها الأحزاب السياسية كأعضاء نشطين ومؤثرين هو السبيل نحو تحقيق مطالبهم. ويقول إنه انطلاقاً من هذا السبب بالذات قرر الانضمام وبنشاط لحزب الغد فى أسوان. وجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ، لكنها تمثل جزءاً من المشهد النوبى، الذى لا يتفق نشطاؤه على رؤية واحدة للحل، لكنهم يتفقون على أن كل الاختيارات مفتوحة، أمامهم دون تفريط.

الأحد، 26 يوليو 2009

حقوق الأقباط "غير المستعملة"

كتبت: ناهد نصر

تأكيدات الدكتور فتحى سرور بأن الأقباط من حقهم الترشح لمنصب الرئيس جاءت فى وقتها تماماً، فجزء من مشكلة الأقباط فى مصر هى أن بعض حقوقهم الدستورية والقانونية "غير مستعملة"، صحيح أن ذلك يرجع إلى عدم ثقتهم فى النتائج، لكن المثل يقول "من لا يخطئ أبداً، لا يعمل أبداً"، لأنه لا يجرب أن يضع نفسه على المحك. تخيل مثلاً أن قبطياً واحداً على الأقل رشح نفسه مستقلاً فى كل دائرة من الدوائر الانتخابية، بدلاً من أن يلعن الأحزاب التى لا ترشح أقباطاً للبرلمان، وعلى رأسها الحزب الوطنى، وبدلاً من انتظار تغيير النظام الانتخابى إلى القوائم. وتخيل أن قبطياً رشح نفسه لانتخابات الرئاسة، بدلاً من التسليم بأن المناخ العام لا يقبل ولاية غير المسلمين. بالتأكيد ليس النجاح أو الخسارة هو المقياس، لأن الجميع إلى حين يأتى لنا الإصلاح السياسى بانتخابات نزيهة متساوون فى الهم ذاته، وإضافة هم آخر طائفى لا يعنى فقط ضغوطاً إضافية، بل وتصريحاً بالشعور بالرضا عن السلبية، فمن أين سيأتى الإصلاح السياسى إذا سلمنا جدلاً أنه لن يأتى أبداً.وجزء من الطائفية فى مصر مسئول عنها من يشتكون من وجودها، تأمل مثلاً هذا السؤال: لماذا لم يتوجه أهالى قرية الحواصلية بالمنيا بطلب للمحافظ لبناء كنيسة استناداً إلى القرار الجمهورى الذى يمنحه هذه الصلاحية، ثم إذا رفض المحافظ، فبيننا وبينه القضاء. صحيح أن وعى البشر لا تصنعه القوانين ولا القرارات، وما أكثر الأحكام القضائية التى لا تنفذ، لكن بالتأكيد التفريط فى ممارسة الحقوق تقصير. فلن يتغير الوضع القائم بالشكوى الدائمة، ولا بعرائض المطالب، بل بالتجربة والخطأ، لأن تلك هى الطريقة الوحيدة لفرض واقع مختلف. والأقباط فى مصر مطالبون بطرح أنفسهم بقوة على الساحة فى كل المجالات الممكنة، ولا يعنى ذلك الانتقاص من المشكلات التى يعانون منها، ولا التنازل عن المطالب التى تمثل حقوقهم فى المواطنة الكاملة التى هى ليست منحاً أو عطايا، ولكن من قال إنها لا تحتاج إلى عناء. الأقباط فى مصر مدعوون لممارسة المواطنة فى المساحات المتاحة، لأن ذلك هو الأسلوب الوحيد لتوسيع تلك المساحات، وجزء أصيل من المواطنة هو استخدام حقوقهم فى المشاركة السياسية مثلهم مثل غيرهم. وأمام كل عائق قد يهدد التجربة بالتعثر، سنكتشف أدوات جديدة لمواصلة الطريق، وأنصاراً جدداً ومتضامين جدداً، وعثرات جديدة أيضاً، لكننا سنكسب أراضٍ جديدة بالقانون والدستور. أما أن نحكم على التجربة بالفشل قبل أن تبدأ، وعلى أنفسنا بالعزلة، وعلى مصر بالطائفية، ونواصل لعن الظلام، فى ركن قصى، فلن نتحرك خطوة واحدة للأمام.

الجمعة، 24 يوليو 2009

أولاد الذوات غارقون فى الـ"صلصا".. والشعبيون يمتنعون

كتبت: ناهد نصر

الرقصة اللاتينية الشهيرة التى اكتسبت مذاقها الحار فى كوبا وجاذبيتها وسحرها فى شوارع نيويورك فى الستينيات، تتحول فى مصر الآن إلى "موضة" جمهورها يبدأ من الخامسة عشرة حتى الخمسين. فمن فرع وحيد لمدرسة رقص دولية فى المعادى تنتشر "الصلصا" بسرعة، لتتحول إلى برنامج دائم فى صالات الجيم والفنادق الكبرى، وفقرة فى حفلات الزواج ومراكز تدريب وليالى أسبوعية يرتادها عشاق الرقصة من الجنسين.
مايا سعيد، واحدة من المدربين المعروفين فى مجتمع الرقص اللاتينى فى مصر، بدأت حياتها مدرسة باليه، ثم لم تستطع مقاومة سحر الصلصا، تقول: "تعلمت الصلصا على يد واحد من طلابى، فى البداية بدأ الأمر كفضول نحو تعلم رقصات جديدة، لكننى بعد فترة قصيرة وجدت نفسى منجذبة تماماً نحوها لدرجة أننى سافرت للخارج خصيصاً من أجل تعلم فن الصلصا على أصوله". وتعمل مايا مدربة صلصا منذ ثمانى سنوات فى اثنين من أشهر مراكز التدريب على الرقصة، وهى لا تخفى سعادتها بالانتشار المتنامى للصلصا "الأفلام والكليبات والإنترنت ساعدت على انتشار الرقص اللاتينى عموماً، لكن الصلصا أسهلهم".
وتتركز أماكن التدريب على الصلصا فى الأحياء الراقية كالمعادى ومصر الجديدة، والمهندسين، بالإضافة إلى الفنادق الكبرى، ويتجاوز الأمر مراكز التدريب إلى صالات الجيم، حيث صارت الصلصا أحد برامج اللياقة البدنية وإنقاص الوزن فى العديد منها، وهى بالنسبة للبعض الآخر علاج للاكتئاب.
شيرين قطرى صاحبة صالة جيم تحول مؤخراً إلى أحد مراكز التدريب، تقول إنها ثبتت برنامجا خاصا للتدريب على الصلصا بناء على طلب الزبائن، "بعد أن تعلمتها عرفت سبب إقبال الناس عليها، فهى أفضل وسيلة للقضاء على الاكتئاب، أنا عن نفسى كلما شعرت بالضيق أتوجه فوراً إلى صالة الرقص.. وأديها صلصا".
لكن هذا الانتشار يزعج البعض من عشاق الرقصة. واحد من أشهر مدربين الصلصا وصاحب مركز تدريب، رفض نشر اسمه، يرى أن انتشار أماكن التدريب لا يعنى أن الجميع يرقصون الصلصا فعلاً، لأن الرقصة تحولت إلى موضة تغرى الكثيرين لدخول المجال كمدربين بصرف النظر عن خبرتهم الحقيقية، "لا يوجد فى مصر سوى أربعة مدربين محترفين فقط، والباقون يتراوح مستواهم بين الجيد والمعقول ومن لا يصلح .. ولا يوجد فى مصر مدرب واحد حاصل على شهادة فى الرقص اللاتينى فالكل هواة بما فى ذلك العروض المضحكة التى تقدم فى الأفلام والكليبات على أنها صلصا".
وبرامج التدريب التى تقدمها هذه المراكز تنقسم إلى مستويات تدريجية من المبتدئين وحتى المتخصصين. وهذه البرامج على حد قول هشام نجيب، وهو متدرب سابق يبدأ طريقه نحو عالم التدريب، تناسب الجميع، "للوهلة الأولى تبدو الرقصة صعبة، لكن الحقيقة هو أنه يمكن لأى شخص ليست لديه خلفية عن الرقص أن يتحول إلى محترف صلصا من خلال التدريب، وبمجرد اجتياز المستوى الأول تشعر أنك ترغب فى المواصلة لإتقان الرقصة حتى تتمكن من الأداء بشكل جيد فى النايتس".
والصلصا نايتس هى ليالى مخصصة لراقصى الصلصا، حيث يمكن للجميع بصرف النظر عن مدى احترافهم المشاركة فيها، والشرط الوحيد ألا تكون وحيداً حيث لا يمكنك أداء الصلصا من دون وجود شريك من الجنس الآخر. محمد سعيد مدير ليالى الصلصا فى واحد من أماكن الرقص اللاتينى الشهيرة فى المهندسين، يقول "ليالى الصلصا تكون المحك الذى يلتقى فيه محبو الرقصة ويقضون أوقات ممتعة على أنغام الموسيقى اللاتينية، وهى أيضاً فرصة عظيمة لمقارنة أدائك بأداء الآخرين ما يدفعك لمواصلة التدريب للوصول إلى الاحتراف"، وإذا كنت من محبى الصلصا فيمكنك قضاء الأسبوع متنقلاً بين ليالى الصلصا التى تقام على مدار الأسبوع فى أماكن مختلفة أغلبها تابع لمراكز التدريب.
وبعيداً عن مراكز التدريب وليالى الصلصا، تتحول الرقصة أيضاً إلى واحدة من الفقرات المحببة فى حفلات الزواج يؤديها العريس بصحبة عروسه فى ليلة الفرح، وتقول ميادة محمود، مدربة صلصا أن العرسان أصبحوا يتجهون للصلصا بديلاً عن الرقصة السلو التى كان يؤديها أغلب العرسان وذلك كنوع من التجديد، لكن رقصة العرسان التى لا تستغرق أكثر من 15 دقيقة تتطلب منهم جهداً قد يصل إلى الثلاثة أشهر "العرسان يأتون إلينا قبل الفرح بثلاثة أشهر للتدريب على الرقصة ليظهروا بشكل جميل أمام الجمهور"، وتضيف ميادة أنه بالإضافة للصلصا بعض العرسان يختارون رقصات لاتينية أخرى كالمارينجى أوالتشاتشا.
وعلى الرغم من انتشار الصلصا إلا أن جمهورها لا يزال مقصوراً على سكان الأحياء الراقية، ويقلل عشاق الصلصا من العامل الاقتصادى كسبب فى عزوف أبناء المناطق الشعبية عنها، فى رأى مايا سعيد دروس الصلصا ليست مرتفعة الثمن فهى تتراوح بين 30 إلى 50 جنيها فى الساعة وسعر المستوى الواحد يتراوح بين 280 إلى 300 جنيه، وهى لا تزيد عن ذلك إلا فى مدرسة واحدة أغلب روادها من الأجانب، وهى ترى أن عدم انتشارها فى المناطق الشعبية يرجع إلى أسباب ثقافية "الرقص اللاتينى عموماً هو رقص صالونات وهو يرتبط بثقافة مختلفة عن الثقافة الشعبية السائدة، حيث يعتمد على وجود رجل وامرأة فى حلبة الرقص معاً"، وتعترض مايا على المفاهيم الخاطئة التى قد تكون السبب فى اقتصار الرقص اللاتينى على فئات معينة "الرقص هو وسيلة للتعبير عن الذات ومن الغريب تصور أن هناك أى دوافع أخرى من وراء ذلك. مجتمعنا عدو ما يجهل، والأمر نفسه يحدث مع الباليه وفن الأوبرا".
وتتصور مايا أن الإنترنت سيكون وسيلة فعالة فى انتشار الرقص اللاتينى على نطاق أوسع فى مصر، ويتفق معها أحمد صبرى طالب الهندسة الذى وقع فى غرام الصلصا من أول حصة، فقام بإنشاء أول جروب الكترونى على الفيس بوك لراقصى الصلصا المصريين، فى محاولة على حد قوله للتواصل بين أعضاء مجتمع الصلصا "بالإضافة إلى تجميع عشاق وراقصى الصلصا فى مكان واحد، وهناك العديد من الناس الذين يعرفون الرقصة ولكنهم لا يعرفون السبيل إلى مراكز التدريب والليالى والحفلات وسوف يجدون كل هذه المعلومات على الجروب بالاضافة الى معلومات عن الرقصة نفسها"، فهل ستنقل تكنولوجيا المعلومات الصلصا إلى رقصة شعبية فى مصر بعد أن صارت موضة أولاد الذوات.

منشور فى موقع اليوم السابع

الخميس، 23 يوليو 2009

"غلاسة" الحكومة

كتبت: ناهد نصر

أنت مواطن تعيش فى حالك، تتجنب ذكر الحكومة فى أى جملة مفيدة، ولا تتكلم فى السياسة. تتجاهل مثلاً متابعة جلسات مجلس الشعب لأنك لا تصدق ما يدور بداخلها، ولأن لديك إيماناً شبه قاطع بأنها مجرد تحصيل حاصل لقرارات وقوانين لم يستشرك فيها أحد، وأنت بالكاد تتذكر شكل النائب الذى يمثل دائرتك منذ أن كانت صورته تملأ الشوارع أثناء الانتخابات، وربما لأن صورة أو اثنين من بقايا الدعاية الانتخابية مازالت ملتصقة بسور مدرسة، أو حائط منزل أو عامود كهرباء فى منطقتك.وأنت تشترى الصحيفة أحياناً، وبالتحديد خلال المباريات المهمة، وقد يخطف نظرك خبر مهم مثل عصابات خطف الأطفال، أو زوجة تقتل زوجها بالتعاون مع عشيقها، وتقول "أعوذ بالله، الدنيا ماعدتش أمان"، وتسرق خاطرك أحياناً فقرة فى أحد البرامج الحوارية على الفضائيات تتحدث عن تلوث المياه فى مركز أو مدينة بالدقهلية، أو تلوث رغيف الخبز فى قرية بالصعيد، أو مقتل فتاة مصرية بسبب الحجاب فى ألمانيا، وأنت تحاول طرد الأفكار السيئة عن رأسك، ومعها القلق والسكر والضغط. باختصار أنت مقتنع أن الطريقة التى اخترتها لحياتك هى غاية المراد من رب العباد، فلا ضرر ولا ضرار، وياحكومة "انت فى حالك وأنا فى حالى". لكنك تكتشف أنك على خطأ، وأن الحكومة لا تحب المواطن الذى فى حاله، وإلا فكيف تمارس هى دورها فى إدارة البلاد. إنها مسئولية إذا كنت لا تعلم، وأعضاء الحكومة من أكبر وزير إلى أصغر موظف فى المجلس المحلى مروراً بالمحافظ، ووكيل الوزارة، ومدير الإدارة، وحتى مأمور القسم... الخ يحبون أن يشعر المواطن بوجودهم، حتى لو كان ذلك على طريقة الصدمة الكهربائية. وهذا ليس والعياذ بالله حباً فى "العكننة" عليك، أومضايقتك، فالحكومة لا تحب "وجع الدماغ" الذى قد يسببه ذلك، لكنها فى الوقت نفسه فى رقبتها مسئوليات يا مواطن، وعليها مخططات، وبرامج، ومشاريع، وهى ليست مسئولة عن أنك لا تعرف كل هذا الكلام، أو لا تفهمه، فهذه غلطتك أنت، وليست غلطة الحكومة، وليست غلطتها أيضاً أنك أحياناً وبالصدفة (يعنى بدون عمد) تقف فى طريق هذه الخطط والمشاريع والمسئوليات، فالحكومة "مش مستقصداك".غاية ما هنالك أنك لا تستطيع وأنت فى موقعك هذا أن ترى الصورة كاملة، صورة مصر، ذات المليون كيلو متر مربع بحدودها الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، فأنت نقطة صغيرة وسط هذه "الهلمة". وهكذا فعندما تقول لك الحكومة أن المواطن على رأس أولوياتها فعليك أن تصدقها، لأن هذا لا يعنى أنك أنت بالذات ضمن هذه الأولويات، وإنما أنت مجرد مواطن واحد ضمن حوالى 80 مليون مواطن، كلهم على رأس أولويات الحكومة.مثلاً عندما تفاجئك الحكومة بأنها قررت نقل حديقة الحيوان إلى آخر الدنيا، فبالتأكيد هى لا تقصد من وراء ذلك حرمان أولادك من مصدر البهجة الوحيد فى المناسبات الرسمية وأيام الإجازات، وعندما تقرر الحكومة إزالة منزلك هكذا فجأة لإنشاء كوبرى أو طريق، أو من دون سبب واضح، فتأكد أن هناك مصلحة ما من وراء القرار، وعندما تسمع أن الحكومة اكتشفت فجأة أن مجمع التحرير لم يعد مناسباً لأن تستخرج أوراقك الرسمية، أو أن الاتجاهات فى شارع رمسيس أو فى كورنيش النيل كانت خطأ من الأساس، أو أن هواء مولد السيدة زينب به سم قاتل، أو أن عطلة السبت فى الجامعات قرار خاطئ، وعطلة السبت فى المدارس شىء "كويس" أو أن تربية الخنازير والدجاج والبط والوز قنبلة موقوتة ستنفجر فى وجه المصريين، أو أن الجنيه الفضة أحسن من الجنيه الورقى، وأن الانتخاب الفردى أحسن من القوائم، وأن الصف السادس أفضل من الخامس، والثانوية فى سنة واحدة أفضل من الثانوية فى ثلاث سنوات، فعليك أن تفهم أن الحكومة بالتأكيد لديها هدف من وراء ذلك، وأن هذا الهدف بالتأكيد فى صالحك. فالحكومة يا مواطن لا تمارس "الغلاسة" عليك، وإنما هى تعمل من أجل الصالح العام، أما إذا كنت لا تفهم ماذا تعنى هذه العبارة، فبالتأكيد العيب فيك أنت وليس فى الحكومة.

الجمعة، 17 يوليو 2009

المصريون وأمريكا.. «بحبك بحبك. بكرهك بكرهك»

كتبت: ناهد نصر
«تعرف تقول جود نايت، وتفتح السمسونايت، وتبتسم بالدولار؟» هذه الأسئلة طرحها الأبنودى على المصريين فى قصيدته «سوق العصر» التى كتبها فى السبعينيات تعبيراً عن رعبه من الانفتاح، الذى كان يمثل على الناحية الأخرى «أمريكا».
وبعد حوالى أربعة عقود أصبحت الثقافة الأمريكية فى الشارع المصرى أكبر من السمسونايت والورق الأخضر وسجائر المارلبورو والكوكاكولا، إذ تخللت الثقافة الأمريكية كل صور الحياة تقريباً فهى فى الطعام، والشراب، وديكورات المنازل، وهى فى الموسيقى، والرقص، والسينما وفى سوق الكتب أيضاً. المصريون أثبتوا فى مجالات كثيرة قدرة على هضم هذه الثقافة وتقليدها حرفياً، بحيث تحولت إلى جزء من ثقافتهم اليومية، إلا أن الثقافة الأمريكية مازالت مع ذلك محافظة على موقعها المتناقض فى عقول المصريين، أمريكا التى يكرهونها جداً، ويحبونها جداً فى اللحظة ذاتها، أمريكا التى يقاطعونها ويهتفون ضدها على أنفاس سجائرها ورشفات قهوتها الأمريكانى.
هامبورجر يعنى "لحمة"
فى أحد الشوارع الضيقة بامبابة، مطعم صغير يضع على بوابته من الخارج لافتة حمراء مكتوب عليها «Pizza Hot» ويحمل قبعة حمراء اللون، والمطعم يقدم البيتزا بجميع الأشكال والأنواع. بالتأكيد لا علاقة لهذا المطعم بسلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة «Pizza Hut» فهو ليس إلا واحدا من مظاهر تأثر السوق المصرية بمطاعم الوجبات السريعة الأمريكية التى انتشرت فى كل مكان وبسرعة كبيرة. مثلاً بدأت سلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة، ماكدونالدز بمطعمين صغيرين فى المهندسين ومصر الجديدة عام 2004، وفى أقل من خمس سنوات، تمددت فروع السلسلة فى محافظات القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ لتخدم 40.000 مستهلك. سبقتها سلسلة مطاعم مثل كنتاكى، وبيتزا هت، وبرجر كينج، وصب واى، ودومينوز وغيرها. فى البداية كانت تتفاعل مع ولع فئات بعينها من المصريين بشرائح الهامبورجر، والكاتشب، والبطاطس المقرمشة، تقدم فى أماكن نظيفة بيضاء على أنغام الموسيقى الأمريكية. ومع الوقت اكتشفت إدارات تلك المطاعم أن هذا الولع قد ينقلب إلى نقمة، ارتباطاً بالأحداث السياسية.
فبدأت سياسة جديدة للقفز على دعوات المقاطعة، فقد دفعت الخسائر التى لحقت بسلسلة ماكدونالدز أثناء الانتفاضة إلى ابتكار ساندويتش جديد باسم «ماك أرابيا» فى الخليج ومصر يستخدم الخبز العربى بدلاً من «الكايزر».رافقتها حملات دعاية تليفزيونية تؤكد للجمهور أن إدارة ماكدونالدز مصرية، وأن 80 % من منتجاتها تأتى من موردين مصريين، كما أنها تفتح بيوت 10.000 أسرة مصرية وتوفر فرص عمل لـ3000 عامل. لكن التأثير الأكبر ظهر فى محاولة تقليد الثقافة، وظهرت نسخ مصرية من مطاعم الوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية، أشهرها مؤمن وكوك دور. لكن المظهر الأكثر إثارة للاهتمام هو تلك المطاعم الصغيرة فى المناطق الشعبية، وتحول الهامبورجر والبيتزا إلى أكلات شعبية تنافس الدجاج المشوى على السيخ، والكباب، والكشرى والفول والطعمية.
«كوفى شوب» وليس «قهوة»
لم يستطع مايكل الشاب الأمريكى الذى كان يدرس الموسيقى فى القاهرة فى أوائل التسعينيات، إخفاء دهشته من التغير الذى طرأ على القاهرة خلال عقدين، ويقول أنه عندما كان يسكن فى الزمالك، كان يضطر لشرب القهوة الأمريكية التى يحبها فى فندق قريب، ولم يكن هناك سوى المقاهى الشعبية التى كانت تقتصر على الشاى والقهوة التركى وباقى المشاريب المصرية. ولم تكن ظهرت أسماء مثل «كوفى بينس أند تى ليفس» و«ستاربوكس» الأمريكية فى القاهرة، ولم يعد تكفى عبارة «واحد قهوة» ليأتى لك فنجان القهوة التركى، وأصبح التفسير مطلوبا «كابتشينو، نسكافيه، اكسبرسو، أو تركى». صحيح أن معظم هذه الأسماء مستوردة أساساً من إيطاليا، إلا أنها لم تكن لتدخل إلى قاموس «المشاريب» المصرية لولا سلاسل الكوفى شوب الأمريكيةً. والتقط مستثمرون مصريون طرف الخيط ليؤسسوا سلاسلهم الخاصة على الطريقة الأمريكية.
الجينز:
لا يعرف الكثيرون أن الجينز الشهير الذى يرتدونه ليل نهار، وعلى كل الأشكال والألوان، والذى تحول من مجرد بنطلون وربما جاكت أيضاً، إلى فساتين وجيب، وحقائب، وحافظات نقود، بدأ حياته على أجساد بحارة جنوة فى القرن السادس عشر، وأن اسم الجينز نفسه مشتق من العبارة الفرنسية «blue De Genes»» نسبة إلى القماش الذى كان يصنع منه الجينز. لكنه انتشر عندما ظهر فى أفلام الكاوبوى، والأمريكان هم الذين نشروه فى العالم. وتحول مع الانفتاح إلى موضة الشباب والشابات. وهو أكبر مظاهر العلاقة المتناقضة التى تربط المصريين بأمريكا، فكل المتظاهرين احتجاجا على سياسات أمريكا يرتدون الجينز وهم يحرقون علم أمريكا، ويلعنون أمريكا.
مولود أمريكانى:
شيرين عبدالوهاب المطربة الشهيرة، أثار قرارها بولادة طفلتها فى الولايات المتحدة ضجة كبيرة، ولم تتردد عندما سألها صحفى عن السبب فى اختيار أمريكا لوضع مولودها فى القول بأن «الجنسية الأمريكية ستفتح لابنتى أبوابا كثيرة فى العالم» شيرين ليست الوحيدة التى تفكر كذلك فالفنانة إيمى وضعت مولودها بالولايات المتحدة، وكذلك الإعلامية دينا رامز وغيرهن الكثير من المشاهير.
جرين كارت الحلم:
لو خطفت رجلك إلى جاردن سيتى حيث مبنى السفارة الأمريكية سترى طوابير الواقفين خلف باب أمريكا فى انتظار الهجرة، والحصول على الجرين كارد. مجدى وليم أحد هؤلاء يقول إنه وقف فى هذا الطابور مرات دون أن يتمكن من تحقيق حلم الهجرة. وليم يحمل شهادة بكالوريوس تجارة، ولديه محل صغير للملابس فى إحدى ضواحى ميت غمر، ولا يمتلك خبرات خاصة تؤهله للمنافسة هناك، لكن العشرات ممن يقفون فى طابور السفارة لديهم جميعاً ثقة فى أن فى أمريكا متسع للجميع. وليم مثل زملائه فى الطابور، يعترض على السياسات الأمريكية، لكنه يرى أن هذه نقرة وتلك نقرة أخرى.
علاقات أمريكانى:
«عندك بوى فرند؟» هذا هو السؤال الذى يسأله البنات والأولاد لبعضهم البعض على صفحات الفيس بوك، فالبوى فرند أو الجيرل فريند أصبحا لدى الكثيرين مرحلة أساسية للتجريب، عماد طالب بالمرحلة الأولى بكلية الآداب جامعة عين شمس، يقول إن لديه «جيرل فريند» يقولها هكذا حرفياً، لماذا لا تقول حبيبة أو صديقة، يقول لأن «الجيرل فريند» مستوى مختلف فهى أكثر قليلاً من صديقة، وأقل من حبيبة «يعنى مش معنى إننا «كابل» إن إحنا هانكمل مع بعض على طول، عماد يؤكد أن صديقته تفهم ذلك، وتفكر بنفس الطريقة.
شقة أمريكان ستايل: لم يكن فريد الطبيب الشاب يضع ضمن حساباته أنه سيضطر إلى إجراء تعديلات جوهرية فى شقته لترضى زوق عروسه سحر، حيث اضطر عريسها إلى هدم الحائط الذى يفصل بين الصالة، والمطبخ، ويستبدلها بـ"بار" قصير يمكن زوجة المستقبل من تبادل الأحاديث مع ضيوفها بينما تعد لهم الشاى، أو وجبة الغذاء، فسحر كانت تحلم بشقة "امريكان ستايل". بالتأكيد ليس هذا هو المعنى الوحيد لنموذج الشقق الأمريكانى، إذ انتشرت فى أسواق الآثاث الوان مختلفة من المطابخ امريكانى، والأنتريهات الأمريكانى، إلا أن طريقة سحر فى "أمركة" شقتها هى الأرخص، والأكثر عملية بالذات فى الشقق الضيقة.
كتب أمريكانى: صحيح أن سلسلة "هارى بوتر" انجليزية الأصل، كتبتها المؤلفة البريطانية ج. ك. رولنج؛ إلا أنها لم تلق هذا الإنتشار المرعب فى السوق العالمى، والمصرى خصوصاً إلا على يد الأمريكان، حين حولتها هوليود إلى سلسلة أفلام اجتاحت دور السينما فى مصر. وفيما يشتكى الناشرون والكتاب لدينا من أن الناس لا تقرأ، تربعت سلسلة هارى بوتر على رأس الأعلى مبيعاً فى السوق المصرى فى نسختها الإنجليزية والعربية، ليتحول الزبون المصرى إلى واحد من ضمن ملايين حول العالم صعدوا بمؤلفة السلسلة إلى مصاف أغنى أغنياء الكتاب فى العالم، وكذا دار نشرها، ومنتجين افلامها
مزيكا أمريكانى:
المصريون يحبون الأغانى الأمريكية، لكن التأثر بالموسيقى الأمريكية خرج من النطاق الرسمى إلى فرق الشباب التى تجول المراكز الثقافية فى وسط البلد، حيث انتشرت فى الفترة الأخيرة بين هؤلاء ثقافة «الهيب هوب» أو «الراب» وهى نوع من الموسيقى الذى اخترعه وطوره الأفروأمريكان فى السبعينيات فى الشوارع الخلفية لنيويورك ليعبروا عن ثقافتهم الخاصة، بحيث تحول من مجرد موسيقى إلى ثقافة ترتبط بأزياء وإشارات وأداء حركى معين.
أفلام أمريكانى: كلنا تربينا على السينما الأمريكانى، وأفلام الكاوبى والأكشن، والمصارعة الحرة، وكلنا نحفظ أسماء للمثلين أوممثلات امريكان كبار نراهم منذ طفولتنا على الشاشة، ومع انتشار الفضائيات صارت هناك قنوان فضائية متخصصة ليس فقط فى عرض الأفلام الأمريكية، وانما فى عرض نسخ مترجمة من البرامج الأمريكية التى لا علاقة لها بالضرورة بأى شئ نعيشه أو نعرفه، مثلاً "أوبرا وينفرى" تماثل فى شهرتها فى مصر أشهر الاعلاميين رغم أنها لا تخاطب سوى الشعب الأمريكى، أما برامج الواقع الأمريكية فقد تحولت إلى مصدر للإثارة المتواصلة رغم أن أبطالها امريكان 100% لا يعيشون بيننا. وعلى طريقة سلاسل التيك اوى، وتوكيلات السيارات، تحولت العديد من البرامج الامريكية الى نسخ بالعربية موجهه للعرب والمصريين اشهرها من سيربح المليون، وحالياً برنامج ارض الخوف الذى يذاع على قناة الحياة وهو نسخة عن برنامج امريكى لكن ابطاله كلهم مصريين. أما فى مجال السينما فقد اتجه المخرجون وصناع الافلام من مجرد اقتباس قصص الأفلام الأمريكية إلا تقليد "الأكشن" الأمريكى بصرف النظر عن ارتباطه بالواقع المصرى، وهى الموجة التى بدأتها حالياً المخرجة ساندرا نشأت، وتلقفها عنها آخرون، وفيما تتراجع الأفلام الأمريكية من دون العرض المصرية تحل محلها أفلام مصرية لكن على الطريقة الأمريكية
وهكذا فمن الجائز أن يحكم أمريكا جورج بوش الابن أو أوباما، ومن الجائز أن تتبنى الإدارة الأمريكية العنف أو الدبلوماسية، ومن الجائز أن تحب أنت أمريكا أو تكرهها، لكن الأكيد أنك مضطر للتعامل مع أمريكا يومياً وفى كل الأوقات ودون أن تشعر أحياناً.
منشور فى جريدة اليوم السابع

الثلاثاء، 14 يوليو 2009

بأى ذنب قتلت؟

كتبت: ناهد نصر

أكثر ما أدهشنى فى حادث مقتل مروة الشربينى، هو دهشتنا من وقوعه. وذلك لا ينفى أن مقتل إنسان بلا ذنب يدفع على الشعور بالغضب والحزن، خاصة أن الجريمة تمت بدوافع عنصرية كريهة، وفى بلاد لا تتوقف عن نعتنا نحن كعرب بالانغلاق والتطرف والإرهاب. إلا أن الضجة التى أثيرت حول مقتلها شابها الكثير من الصخب والمبالغة، أحالتنى مباشرة لما تفعله التجمعات اليهودية المتطرفة حين تضخم كل ما من شأنه فى رأيهم أن يمثل "معاداة للسامية".ومقتل مروة الشربينى مناسبة جيدة، لإثارة قضية آلة العنصرية فى العالم والتى تنتج ضحايا بشكل يومى هنا وهناك، على أن مواجهة العنصرية بشكل عنصرى هو الطريقة الأسوأ فى التناول.مثلاً مشهد أحد الأشخاص وهو يزعق من فوق كتف أخيه بعبارة "القصاص القصاص" خلال جنازة مروة، تصيب بالفزع، فما طبيعة القصاص المقصود، خاصة وأنه تم إلقاء القبض على القاتل، ثم إن الحادث نفسه ارتكب خلال جلسة لمحاكمة المتهم بسبب موقفه العنصرى من الضحية، وهى القضية التى رفعتها الشرطة الألمانية أصلاً وليس مروة الشربينى أو زوجها. أما مطالبات البعض بمحاكمة دولية للقاتل بحجة عدم ثقتهم فى القضاء الألمانى، فلا يمكن التعليق عليها سوى "بلا تعليق".يصح أن نقول أن البعض يستهدف المسلمين فى الغرب، لكن أن نقول أن الغرب يستهدف المسلمين يعنى أننا لا نرى سوى ما نريد. يصح أن نقول أن هناك عنصريين فى الغرب لكن أن نتغاضى عن الكثير من العنصرية والتمييز فى مجتمعنا، يعنى أننا منافقون ونرمى بيوت الآخرين بالحصى إلى آخر المثل. يصح أن نقول أن البعض يتطرف فى مواقفه من حرية النساء فى ارتداء الحجاب، بينما ينادى بحرية الرأى والتعبير، لكن أن نتجاهل ما يمارس فى مجتمعاتنا من قمع فكرى وحصار على حرية الاعتقاد وحرية الاختيار يعنى أننا مصابون بالعمى ومرضى بالادعاء. ما الذى كان يضيرنا لو نحن استبدلنا العويل بمسيرات صامتة بالزهور والشموع على روح ضحايا العنصرية هنا وهناك، ولو استبدلنا الطنطنة والكذب على الذات بمد الأيادى البيضاء إلى الآخر فى الغرب الذى يعانى أيضاً من مساوئ العنصرية الكريهة لإثبات أننا جميعاً فى ذات الخندق المرعب الذى من شأنه أن يبتلع كل ما عاداه فى دوامة الكراهية والخراب الروحى. ما الذى يضير لو حولنا مقتل مروة إلى فرصة إيجابية لمراجعة الذات بدلاً من مواصلة الصراخ فى وجه الآخر وإدانته لتبرئة أنفسنا.لقد فشلنا بامتياز فى إجابة سؤال "بأى ذنب قتلت مروة الشربينى"، وعزاؤنا الوحيد أننا قد نتعلم فى فرصة أخرى قادمة.

الجمعة، 3 يوليو 2009

أنس الفقى وزير قوى.. فهل تقدم مصر إعلاما قويا؟!

يعرف مهارات صناعة «الميديا».. والمعرفة وحدها لا تكفى
يحاول القيادة وسط 40 ألف موظف.. و4 مليارات جنيه ديون.. وجهاز بيروقراطى.. ومنافسة لا ترحم

كتبت: ناهد نصر
المتابع لأداء وزير الإعلام المصرى منذ توليه منصبه يمكنه أن يدرك أن الرجل يعرف تمامًا سر «الطبخة الإعلامية».. الاقتراب من اهتمامات الشارع، وتشويق لا تنقصه المرونة، والقليل من الخطوط الحمراء، هذه الخلطة تحتاج إلى المال، والاستقلال، والحرية، لكن إلى أى مدى يتمتع وزير الإعلام أنس الفقى بالقوة التى تمكنه من تحقيق ذلك، وهل رجل الإعلام «القوى» هو القادر على صناعة «إعلام قوى» أم أن عوامل أخرى تحكم المشهد، خاصة إذا كان وزير الإعلام يقف على رأس أقدم جهاز إعلامى فى مصر والمنطقة العربية؟.
رجال الإعلام والخبراء يدركون أيضًا مأزق الفقى ويتعاطفون معه. فأسامة الشيخ رئيس قطاع القنوات المتخصصة، والذى أتى به الفقى من عقر دار القطاع الخاص حيث كان رئيسا لقناة دريم يعترف أن البيروقراطية وضعف الإمكانات تعوقان أى تطوير وتجعلانه بطيئا، ويشكو الشيخ من أنه كرئيس قطاع لا يستطيع اتخاذ قرار بشراء عمل جديد لأن ذلك يحتاج دورة كاملة من اللجان التى تنبثق عنها لجان، ترفعها لأخرى والمحصلة تقرير عديم الفائدة، وقواعد السوق والمنافسة لا تنتظر، ويقول الشيخ إن البيروقراطية تتجاوز سلطات الوزير نفسه، والنظام الذى يحكم التليفزيون لا يرتبط بوزير، وإطلاق العنان للتطوير قد يصبح فجأة مخالفة إدارية.
الفقى نفسه يدرك جيدا صعوبة العمل فى ظل نظام إدارى موروث منذ إنشاء جهاز التليفزيون نفسه، لكن أقصى ما يستطيع عمله هو إجراء «تباديل وتوافيق» لبعض العناصر القيادية، وخلال أقل من 6 أشهر من بداية العام أحدث الفقى انقلابا فى قيادات الإذاعة والتليفزيون بدأه فى أبريل الماضى وأجرى أكبر حركة تغييرات شهدها ماسبيرو، شملت 77 قيادة، بعضهم كان يتولى مناصب قيادية داخل أروقة ماسبيرو منذ سنوات طوال مثل سوزان حسن، ونادية حليم، وميرفت سلامة، ونهال كمال، وهالة حشيش، وعزة مصطفى، وهو أقصى ما تمكن الوزير من فعله لـ«ضخ دماء جديدة»، كما أجرى حركة تغييرات أخرى فى قطاع الإذاعة شملت 34 قيادة وبنفس الطريقة.
الوزير محكوم بجهاز إدارى لا يمكنه تجاهله، وأفراده يتمتعون بخبرات طويلة ليست خالية من الأمراض، وهى المعضلة التى يعتقد أسامة الشيخ أن حلها يكمن فى نموذج متحرر من القوانين «وهذه مسئولية الدولة» لكنه على الجانب الآخر لا يرى أن المشهد فى صالح القنوات الخاصة ويحكى أن خبرته فى دريم شابها تدخل مالك القناة لأنه ينفق، وهو تدخل تحكمه دائما اعتبارات شخصية ومزاجية فى أغلب الأحيان.
جمال الشاعر رئيس قناة النيل الثقافية يرى أن قوة الإعلام تبنى على أساس الحرية والتمويل، ويرى أن أى وزير إعلام فى مصر تواجهه مشكلتان فادحتان فضلا عن كونه جزءا من الحكومة، الأولى وجود أكثر من 40 ألف موظف يمثلون نصف تعداد دولة مثل قطر، والثانية ديون قدرت بـ4 مليارات جنيه ووصلت حاليا إلى 2 مليار جنيه.
الوزير -وبنفس طريقة التباديل والتوافيق- حاول الاقتراب من هذه المشاكل لكنه اكتشف أنها تشبه القنبلة الموقوتة، ومع أول بادرة للاستعانة بكفاءات من خارج جهاز التليفزيون وجد ثورة غير مسبوقة لعشرات العاملين بماسبيرو بين مذيعين ومخرجين وفنيين دامت عدة أيام أمام المبنى، اضطر الوزير أمامها للتبرؤ من قيادات ماسبيرو مشيرا إلى أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عما يحدث، وأنه سيبدأ عهدا جديدا من العلاقة معهم دون وساطة، وأنه «لن يتم الاستغناء عن أى موظف بالتليفزيون».
40 ألف موظف على قوة الجهاز العظيم جعلت الوزير يتجاهل حلم التطوير ويلعب دور وزير التضامن الاجتماعى، أو وزير القوى العاملة. وأطلق الفقى سلسلة من الإجراءات لامتصاص غضب الموظفين أبرزها استبعاد سوزان حسن من ملف التطوير، وقدم وعودا منها الإعلان عن تشكيل لجنة لتأسيس نقابة للإعلاميين، ولائحة لتحسين الأجور، وصرف 2 مليون جنيه من المستحقات المتأخرة للعاملين بالقناة الرابعة، وأخيرا صندوق لتلقى الشكاوى مباشرة.
حلم الوزير فى التطوير يصطدم أيضا بأكثر من ثلاثين قناة محلية ومتخصصة، على حد قول طارق الشامى مدير مكتب قناة الحرة بالقاهرة، والذى يرى أن الفقى يحمل إرثا ثقيلاً من القنوات التى تحولت إلى مرفأ للعمالة الزائدة يلتهم الميزانية المحدودة أصلاً، ويشير إلى أن ميزانية شبكة قنوات الجزيرة سنويا تتجاوز 1.7 مليار دولار، أى 5 أضعاف ميزانية وزارة الإعلام المصرية، فى حين أن ميزانية قناة النيل للأخبار أقل من 5 ملايين دولار، والميزانية المخصصة لتطوير قطاع الإذاعة بالكامل لا تتجاوز 130 مليون جنيه، وعندما حاول الفقى الاقتراب من ملف التطوير ثار العاملون بالقنوات الإقليمية الذين اعتبروا تأخر رواتبهم مقدمة للتخلص منهم، واضطر الفقى لاتباع سياسة «إعادة الإطلاق» و«إعادة تقسيم القطاعات» فقرر إعادة إطلاق عدد من القنوات منها الأولى والثانية والفضائية المصرية والأسرة والطفل والثقافية، وضخ برامج جديدة يحظى بعضها برعاية القطاع الخاص، أما القنوات الإقليمية فلم يكن متاحا أمامه سوى دراسة تحويلها إلى قطاع منفصل استمرارا لسياسة «التباديل والتوافيق» التى اتخذها الفقى كطريق أمثل للتطوير.
طارق الشامى يرى أن طريقة الفقى لن تدفع به كثيرا للأمام، لأن الحل الحقيقى للخروج من عثرة التليفزيون المصرى برأيه لن يتم عن طريق قنوات تخرج من رحم المؤسسة الحالية، وإنما من خلال ما أسماه بمجلس إعلام تشارك به جميع الجهات السيادية، وأن تتفق على إنشاء محطة إخبارية خاصة تمول عن طريق شركة مساهمة وتخضع لإشراف التليفزيون، وهو أمر يحتاج إلى «قرار سيادى»، ومثل هذه القناة يمكن أن ترفع سقف الحرية بشكل يتجاوز نظيراتها الخاصة بما فيها العربية والجزيرة، وذلك لأن سقف الحرية فى مصر أعلى منه فى السعودية وقطر.
تدعم هذا الرأى خبرات سابقة مر بها التليفزيون المصرى، ونجح فى الاختبار، وهو ما أكده الدكتور عبد الله شيليفر أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية، والمدير السابق لمكتب «إن. بى. سى» بالقاهرة، ومستشار قناة العربية، حيث يرى أن التليفزيون المصرى بدأ يتطور كثيرا فى السنوات العشر الأخيرة بفعل المنافسة مع القنوات الخاصة، خاصة فى مجال البرامج الإخبارية، والحوارية، وأصبح هناك غرفة أخبار، وطواقم محترفة ومراسلون فى الخارج، ويرى شيليفر أن قيادات التليفزيون المصرى لا تنقصها الكفاءة لكن تنقصها الجرأة، وعندما تجد أن هناك نموذجا تم تطبيقه بالفعل، ولا يحتوى على أى قدر من المخاطرة فإنهم ينفذونه باحترافية، ويتذكر شليفر أن صفوت الشريف حين كان وزيرا للإعلام وقبل أن تنتشر الأطباق الفضائية تعامل بقدر كبير من المرونة مع إنشاء شبكة الفضائيات المصرية كأول نموذج من نوعه فى العالم العربى، ويرى أن التليفزيون المصرى لو تخلص من العوائق البيروقراطية، وتحول إلى جهاز مستقل إداريا عن سلطة الدولة مثل نموذج الـ«بى. بى. سى» والجزيرة سيعود مرة أخرى إلى موقعه فى مقدمة الصف الإعلامى فى المنطقة.
الريادة التى أصبحت عبارة مثيرة للتهكم لدى وسائل الإعلام من كثرة ترديدها، واستبدلها الفقى بشعار «تطوير جودة المنتج النهائى» يراها أمين بسيونى رئيس شركة النايل سات مازالت صالحة للاستخدام، فالشركة تضم حوالى 450 قناة فضائية تغذى المنطقة كلها، فضلاً عن مدينة الإنتاج الإعلامى، يمكن للوزير الحديث عن التطوير والجودة دون أن يتعارض ذلك مع إنجازات السابقين عليه.
أنس الفقى يدرك أيضا أهمية إنجاز بحجم النايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامى، بل ينظر نظرة لا تخلو من الغيرة للقنوات الخاصة لأنها تحقق جزءا من المعادلة التى يحاول تطبيقها فى التليفزيون المصرى، فهى تخلصت من البيروقراطية، وتحظى بتمويل كبير، وجرأة نسبية، وقدرة على الإبهار، إلا أن ما ينقص هذه الخلطة التى أثبتت نجاحا حتى الآن فى جذب الجمهور هو وجود سلطة الضبط والربط، ويحلو للفقى أن يطلق عليه «التنظيم»، وهو ما دعاه لعقد اجتماع استثنائى العام الماضى لوزراء الإعلام العرب لوضع وثيقة تنظيم الفضائيات، وخلال الضجة التى أثارتها الوثيقة فضل الفقى اللعب على وتر الفضيلة وأخلاق المجتمع، وانتقد الفضائيات التى تخدش الحياء، وتفتح مجال الفتوى لمن لا علم لهم، إلا أن الهدف الحقيقى للوزير والذى عبر عنه فى أكثر من موضع كان محاولة تطبيق نموذج إعلام اقتصادى له جماهيرية تدر أرباحا وإعلانات، دون أن تفقد الدولة المصرية امتيازاتها المالية كونها صاحبة القمر الصناعى، وفى ظل منافسة شديدة وغير محسوب حسابها، فهو يعترف بأن «حجم صناعة الإعلام فى مصر أقل من مليار جنيه، فيما نستطيع أن نصل إلى خمسة أضعاف هذا فى غضون سنوات قليلة، ولكن بناء على ضوابط، وأسس، تنظم هذا القطاع».

موقف الوزير فى معركة تنظيم الفضائيات كشف عن الرؤية الحقيقية لوزير الإعلام الذى يرى أن الوضع بالنسبة للفضائيات وصل إلى حد الفوضى، حيث «أقمار مش عارفين اسمها بتطلع من أماكن غريبة جدا، غير ناس بتروح تؤجر حيزا فى أوروبا وتأخذ قنوات وتنزلها، غير ظواهر زمان ماكنش فيه مناطق حرة، ماكنش فيه عملية بث وإعادة استقبال وإعادة بث، ماكنش فيه فك شفرة، صناعة الإعلام تطورت جدا وتحتاج إلى تنظيم» ويبرر الوزير اهتمامه بهذا الجانب بأنه مسئول عن إنجاح القنوات الفضائية أيضا لأنها تجذب المزيد منها ولا يوجد صراع بين الاثنين، وهذا هو الملعب الذى يجد الفقى نفسه فيه أكثر قدرة على الفعل. والعبارة الأخيرة تلخص كيف يرى وزير الإعلام المصرى صناعة الإعلام القوى، فهى لا تحتاج فقط إلى شخص يمتلك الرؤية الصحيحة، وإنما إلى ظروف تدعم هذه الرؤية، تعتمد على الاستقلال النسبى، وحرية الحركة، والدعم المادى فى إطار من التنظيم الذى يضع الأمور فى نصابها، دون أن يجنح إلى التقييد.
منشورة فى جريدة اليوم السابع

الثلاثاء، 30 يونيو 2009

افلام ممنوعة فى السينما المصرية

الخارجية الفرنسية منعت «أولاد الذوات» والداخلية رفعت «زائر الفجر» من دور العرض والكنيسة حاربت «بحب السيما» والرقابة حذفت نصف مشاهد الأفلام!
كتبت: ناهد نصر
«الجنس، والدين، والسياسة» محرمات السينما المصرية الثلاثة منذ ميلادها فى القرن الماضى، وقد تندهش حين تعلم أن أفلام «ميرامار»، و«شىء من الخوف» و«العاطفة والجسد» و«لى لى» كانت ممنوعة فى وقت من الأوقات، كما قد لا تشغل رأسك كثيراً بينما تشاهد «بحب السيما»، و«جنة الشياطين» و«عمارة يعقوبيان» بالمعارك القريبة التى أثيرت حولها وقت ظهورها، لكن الأكيد أن كل فترة تاريخية مرت بها السينما المصرية كان لها أوصياؤها، ومعاركهم، وأدواتهم، ومناطق نفوذهم، وحتى المحرمات الثلاثة لم تكن تمثل الهاجس نفسه بالتساوى فى كل مرحلة، صناع السينما أيضاً كانوا يفهمون مفاتيح كل مرحلة، ويساهمون فى تشكيل حدود تلك الصراعات، وعلى مدى يزيد قليلاً على المائة عام، هى عمر السينما المصرية، يمكنك بمشاهدة ما أنتجته من أفلام أن تدرس أوجه تطورها، وتراجعها فنياً وفكرياً، لكن متابعة المعارك التى خاضها الإنتاج السينمائى المصرى ليست أقل إثارة للاهتمام.
تاريخ التضييق على الإنتاج السينمائى فى مصر بدأ مع ولادة السينما المصرية نفسها، فى عهد الملكية، وفى حين ظلت السياسة هى السبب الأشهر للمعارك السينمائية مع الرقابة، إلا أن الدين والجنس كانا موجودين على قائمة المحاذير أيضاً ولكن بنسب متفاوتة، وقد تطول قائمة الأفلام التى تعرضت لمشكلات مع الرقابة، بسبب مشاهد «إباحية»، أو لأنها تنتقد النظام السياسى، إلا أن تاريخ الوصاية الدينية على السينما كان موجوداً أيضاً منذ عشرينيات القرن الماضى، فهاجمت مشيخة الأزهر عام 1926 يوسف وهبى لأنه وافق على المشاركة فى فيلم ألمانى - تركى عن حياة النبى محمد، وهدده الملك بالنفى وسحب الجنسية إرضاء لمشيخة الأزهر.
كما لم تكن المحاذير السياسية تعنى دائماً انتقاد رموز السلطة، إذ رفع فيلم «ليلى بنت الصحراء» فى 1937 من دور العرض حتى لا ينغص على شقيقة الملك فاروق زواجها من «رضا بهلوى» ولى العهد الإيرانى، كما رفع بعد يوم واحد من عرضه فيلم «أولاد الذوات» بسبب احتجاج الخارجية الفرنسية على مشاهد بالفيلم، وفى الستينيات منع الفيلم البريطانى «دكتور زيفاجو» الذى قام ببطولته عمر الشريف من دور العرض المصرية بأوامر مباشرة من حكومة الاتحاد السوفيتى، أما فيلم «من فات قديمه» 1942 فقد تعرض للحذف ثم المنع، بسبب غضب الوفديين فى الأربعينيات من القرن الماضى، لأنه هاجم النحاس وزوجته.
وإن كانت بعض أفلام السبعينيات والثمانينيات، على سبيل المثال، قد تعرضت للتضييق بسبب تعرضها بشكل مباشر للعهد الناصرى أو لرجال الداخلية مثل أفلام: وزائر الفجر، ووراء الشمس، والكرنك إلا أن أفلام أخرى كانت تعانى مع الرقابة بسبب افتراض الإسقاط على النظام السياسى القائم، مثل فيلم «لاشين» فى الثلاثينيات، و«مسمار جحا» فى الخمسينيات و«شىء من الخوف»، و«المتمردون» فى الستينيات، وفيلم «العصفور» فى السبعينيات، والذى وصلت حدة الهجوم عليه بسبب رمزيته، إلى مطالبة البعض بسحب جنسية يوسف شاهين مخرج الفيلم، وفيلم «الغول» فى الثمانينيات لعادل إمام، الذى لم تجزه الرقابة إلا- بعد تغيير مشهده الأخير بدعوى أن به إسقاطا على اغتيال الرئيس السادات.
وشهدت السينما المصرية فى بعض الفترات موجة من الأفلام ذات المشاهد الأباحية، خاصة فى أعقاب النكسة، وقبل حرب أكتوبر، وفى مرحلة الانفتاح، وفى التسعينيات فيما كان يطلق عليه أفلام المقاولات، ومنها أفلام «أبى فوق الشجرة» فى 69 و«حمام الملاطيلى» فى السبعينيات، و«خمسة باب» و«درب الهوا» فى الثمانينيات، و«المزاج» و«جنون الحياة» فى التسعينيات، و«دنيا» و«الباحثات عن الحرية» فى الألفينيات، وهى نماذج لأفلام أثيرت حولها معارك كبرى وصل بعضها إلى ساحات القضاء، ومنع بعضها وعرض البعض الآخر بعد حذف مشاهد كبيرة منها، ولم يكن العرى وحده هو محل الانتقاد فى هذه الأفلام وإنما جرأة التعرض لبعض المواضيع الحساسة كالختان، والمثلية.
فيما تظل عبارة «مقص الرقيب» هى الشماعة التى يلقى عليها صناع السينما غيظهم من العقبات التى تعترض أعمالهم الفنية، إلا أن هذا المقص لم يكن أبداً فى يد الرقيب، أى ذلك الموظف الجالس خلف مكتبه فى هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، لأن «ريموت كنترول» الرقيب ومقصه كانا فعلياً فى يد آخرين، القصر الملكى والجمهورى، ووزارة الداخلية والخارجية والمخابرات، والأزهر والكنيسة، ومجلس الشعب، والصحافة، والقضاة، كل هؤلاء لعبوا دور الرقيب بالتساوى، أو على التوالى أو حصرياً.
فالملك فاروق كان يرى الأفلام التى يتنامى إلى علمه أن بها ما يثير المنع، وقد فرض على ستوديو مصر تغيير نهاية فيلم »لاشين«. إلا أن التدخل المباشر لعبد الناصر فى الأعمال السينمائية كان الأكثر وضوحاً، ولم يكن الرئيس يرفض الأفلام بل كان يتدخل فى اللحظة الأخيرة ليجيز الأفلام الممنوعة، مختتماً شهوراً طويلة من المرارة والمعاناة لصناع الفيلم بقفشة طريفة من قفشات الرئيس. وكان ناصر وراء منع فيلم «الله معنا» إنتاج 52 لأنه يظهر شخصية الملك فاروق على نحو يثير التعاطف، إلا أنه أبدى علناً اندهاشه من قرار المنع فى 1955، وحضر عرضه الأول فى السينما، واضطر الرئيس لمشاهدة «شىء من الخوف» مرتين إحداهما مع نائبه أنور السادات قبل أن يسمح بعرضه قائلاً: «لو كنت أنا عتريس فأستحق ما جرى له» لأنه سمع أن شخصية «عتريس» ترمز له شخصياً، وشاهد عبد الناصر فيلمى توفيق صالح «المتمردون» و «يوميات نائب فى الأرياف» ومنح مخرجه نيشاناً عن الأول، وقال عن الثانى: «لو أنتجت المؤسسة أربعة أفلام على هذا المستوى كل عام فسوف أزيد ميزانيتها» ولم تكن هذه العبارات الأثيرة تترجم حرفياً على أرض الواقع رغم عرض الأفلام بالفعل لأن هدفها كان دعائياً فى أغلب الوقت، وكان لحرس الثورة نصيب أيضا من مقص الرقابة، وعلى رأسهم شعراوى جمعة، وزير الداخلية آنذاك، الذى مارس أنواعاً متعددة من الضغوط على المخرج توفيق صالح بسبب «يوميات نائب فى الأرياف» لأنه رأى أن الفيلم يمسه شخصياً ويمس رجال الداخلية، فكوّن أكثر من عشر لجان لرؤية الفيلم، من بينها الاتحاد الاشتراكى، وطلب من مخرجه عمل فيلم قصير عن إنجازات الداخلية يعرض مع الفيلم، حتى تدخل الرئيس فى اللحظة الأخيرة لإجازته.
وفشلت الفنانة ماجدة الخطيب فى مقابلة الرئيس السادات رغم محاولاتها المتكررة على مدى سبع سنوات لتطلب منه إجازة فيلم «زائر الفجر» إنتاج 1972، الذى رفع من دور السينما بعد أسبوع واحد بأوامر من الداخلية، وقد كانت بطلة الفيلم تعلم أن المسئول الأول والأخير عن منع أو إجازة الفيلم هو الرئيس شخصياً، إلا أن الرئيس السادات تدخل فى اللحظات الأخيرة أيضاً لإجازة فيلم «الكرنك» بعد أن حذفت منه الرقابة بعض المشاهد.
الصحافة كانت وثيقة الصلة أيضاً بـ«مقص الرقابة» على مدى تاريخ السينما المصرية، وفى بعض الأحيان كانت الصحافة تفجر الشرارة الأولى للهجوم على العمل الفنى، فصحيفتا «المقطم» و«لابورص» فى ثلاثينيات القرن الماضى كانت وراء منع «أولاد الذوات» ليوسف وهبى، بسبب تحريضهما الخارجية الفرنسية عليه، وفى أحيان أخرى كانت الصحافة تكتفى بلعب دور جوقة النظام التى تروج لموقفه من عمل فنى مغضوب عليه، فطالب صحفيون وكتاب بإسقاط جنسية يوسف شاهين بسبب «العصفور»، وقادت الصحف معارك طاحنة ضد الأفلام التى تناولت مواضيع جريئة مثل المثلية فى «حمام الملاطيلى» و«المزاج» و«عمارة يعقوبيان»، والختان فى «دنيا»، والدعارة فى «درب الهوى» وغيرها.
وعلى الرغم من أن المؤسسة الدينية كانت تتدخل فى حرية الإبداع السينمائى منذ ميلاد السينما، فإن فترة التسعينيات والألفينيات شهدت ذروة تدخل الكنيسة والأزهر والجماعات الدينية فى الهجوم على الأفلام التى تتعرض لقضايا اجتماعية أخلاقية أو دينية. وبرز دور الرقابة الدينية بقوة فى الآونة الأخيرة أيضاً من خلال نواب البرلمان ذوى الانتماءات الدينية حيث منع «شفرة دافنشى» من العرض فى مصر بسبب طلب إحاطة فى مجلس الشعب، والحال نفسه بالنسبة لـ «عمارة يعقوبيان»، و«بحب السيما»، ومؤخراً «واحد صفر» وغيرها حيث ظهر الدور الرقابى للمجلس.
لتبقى المساحة الفعلية للموظف المسمى بـ «رئيس الهيئة العامة للرقابة على المصنفات الفنية» ضيقة إلى أبعد الحدود، وأبرز مثال على ذلك ما تعرض له 15 موظفاً فى الرقابة عام 1979 حين أحالتهم وزارة الثقافة للمحكمة التأديبية بسبب إجازتهم فيلم «المذنبون» إخراج سعيد مرزوق، بعدها حصل الفيلم على جائزة الوزارة نفسها كأحسن فيلم مصرى، فى تلك الفترة.
زمان كانت الأفلام الممنوعة توزع سراً فى نوادى الفيديو، وسينمات لبنان، أما الآن فلا ممنوع على الإنترنت والفضائيات، فعلى الرغم من أن الصراع بين صناع السينما والرقابة كان يدور على السماح بعرض الفيلم فى دور السينما، إلا أن المعارك لم تكن تنتهى بالحصول على هذا الحق، حتى لو بشكل منقوص، أى بعد حذف مشاهد من هذه الأفلام وإجراء تعديلات بها. إذ كانت هناك أسلحة أخرى للرقابة تمكنها من حصر مشاهدة الأعمال الفنية فى أضيق الحدود. بعض الأفلام كان يتم رفعها من دور العرض بعد فترة قصيرة، أو يفرض عرضها فى عدد محدود من السينمات، وبعضها الآخر كان يمنع من البيع أو التوزيع وهو ما حدث مع بعض أفلام توفيق صالح فى الستينيات.
شاشة التليفزيون التى تمثل القناة الأهم فى منح الخلود لأفلام السينما، كانت لها أيضا رقابتها الخاصة والتى لم تقتصر على الحذف، وإنما استخدمت سلاح المنع أيضا، ففيلم «زائر الفجر» 1972 منعته الرقابة على المصنفات الفنية فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بدعوى أنه «يصيب المشاهدين بالملل والاكتئاب» ويتعرض الفيلم لوزارة الداخلية وكيف تتعامل مع المتهمين، وكذلك فيلم «الكرنك» 1975، الذى يتناول الاستبداد السياسى والمعتقلات فى عهد عبد الناصر، ممنوع من العرض تليفزيونياً بحجة أنه يتضمن «مشاهد اغتصاب مستفزة، وتعرض المشاهدين للاكتئاب»، وأغلب الأفلام التى تعرضت لمعارك رقابية فى فترة السبعينيات والثمانينيات وخاصة لأسباب سياسية، قلما تعرض على شاشة التليفزيون.
لكن جهود الرقابة بأشكالها المختلفة لم تكن فى أى وقت من الأوقات ناجحة تماماً فى منع الجمهور من متابعة الأفلام «المغضوب عليها»، وحتى أوائل التسعينيات كان الجمهور يعتمد على أشرطة الفيديو التى توزع سراً وتعرض فى المقاهى ونوادى الفيديو وفى المنازل أيضاً، لكن مع ظهور شبكة الإنترنت انتشرت الأفلام الممنوعة من كل شكل ولون بما فيها الأفلام الأجنبية التى منعت من العرض فى مصر.
قائمة بأبرز الأفلام الممنوعة
أولاد الذوات 1932:إخراج وسيناريو محمد كريم، بطولة يوسف وهبى
منع بسبب احتجاج الخارجية الفرنسية على صورة المرأة فى الفيلم.
لاشين 1938: عن قصة الكاتب الألمانى فون ماين، إخراج الألمانى فريتز كرامب سيناريو أحمد بدرخان، بطولة حسن عزت، أحمد بيه، وحسين رياض
صدر قرار ملكى بمنع عرضه لانتقادة الحكم الظالم
ليلى بنت الصحراء1937 :
قصة: عادل الغضبان سيناريو وإخراج: بهيجة حافظ بطولة: راقية إبراهيم، عباس فارس، حسين رياض، زكى رستم
منع لأنه يهاجم كسرى ملك الفرس، بسبب زواج شاه إيران «رضا بهلوى» من شقيقة الملك الأميرة فوزية
مسمار جحا1952:
إخراج: إبراهيم عمارة قصة: على أحمد باكثير سيناريو: أنور وجدىحوار: أبوالسعود الإبيارى بطولة: إسماعيل يس، كمال الشناوى، ومارى منيب
منع بسبب تعرضه للسلطة الحاكمة
من فات قديمه1942
إخراج: فريد الجندى إنتاج: يحيى السيد بطولة: ميمى شكيب
منعته حكومة الوفد لأنه يهاجم النحاس باشا وزوجته
الله معنا1952
إخراج: أحمد بدرخان بطولة: فاتن حمامة
يدور حول الأسلحة الفاسدة، ومنع خشية من تعاطف الجمهور مع الملك فاروق، وأجازه عبد الناصر فى 1955
مصطفى كامل1951
إخراج: أحمد بدرخان فكرة: فتحى رضوان سيناريو: يوسف جوهر بطولة: أمينة رزق، محمود المليجى، وماجدة.
منع بأوامر من الملك فاروق وأجازته حكومة الثورة
المتمردون1966
إخراج: توفيق صالح قصة: صلاح حافظ بطولة: ميمى شكيب وشكرى سرحان
منع بسبب الإسقاط على الطبقية فى عهد عبدالناصر، وأجازه الرئيس، لكن الشركة المنتجة رفضت توزيعه بحجة أنه يسىء لسمعة مصر.
شىء من الخوف1969
إخراج: حسين كمال قصة: ثروت أباظة موسيقى: بليغ حمدى
منع ظناً من الرقابة أن شخصية «عتريس» ترمز لعبد الناصر، وأجازه الرئيس بعد أن شاهده مرتين.
ميرامار1969
إخراج: كمال الشيخ عن قصة بنفس العنوان لنجيب محفوظ بطولة: شادية، أبو بكر عزت، يوسف وهبى، ويوسف شعبان.
اعترضت عليه الرقابة بسبب تعرضه للفساد وشاهده عبد الناصر وأجازه بنفسه
يوميات نائب فى الأرياف1968
إخراج: توفيق صالح عن قصة توفيق الحكيم بطولة: عايدة عبد العزيز وتوفيق الدقن،
أجازت الرقابة الفيلم، لكن وزير الداخلية رفض عرضه بحجة أنه يسىء للداخلية، وأجازه الرئيس.
العصفور1972
قصة: لطفى الخولى إخراج: يوسف شاهين بطولة: على الشريف، مريم فخر الدين، محمود المليجى، محسنة توفيق
منع بحجة أنه يرمز لشخصيات فى السلطة وسمح بعرضه بعد حرب 73 بعد حذف بعض المشاهد
درب الهوى1983
إخراج: حسام الدين مصطفى قصة: إسماعيل ولى الدين بطولة: فاروق الفيشاوى، مديحة كامل، محمود عبد العزيز، يسرا، أحمد زكى، صادرته الرقابة بعد أن عرض «للكبار فقط» بحجة أنه يسىء لسمعة مصر
زائر الفجر1972
قصة: رفيق الصبان إخراج: ممدوح شكرى بطولة: عزت العلايلى، يوسف شعبان،
رفع من دور السينما لإنتقادة الداخلية
جنون الحياة1999
إخراج: سعيد مرزوق بطولة: إلهام شاهين، محمود قابيل، ياسمين عبد العزيز، وكريم عبد العزيز
، واجه اعتراضات رقابية وحذفت منه مشاهد عديدة بحجة أنه يسىء للآداب العامة، وهو ممنوع تليفزيونياً
.الكرنك1976
قصة لنجيب محفوظ إخراج: على بدرخان بطولة: سعاد حسنى،
أجيز بعد أن شاهده السادات، لكنه ظل ممنوعاً فى التليفزيون.
حمام الملاطيلى1973
إخراج: صلاح أبو سيف تأليف: إسماعيل ولى الدين بطولة: شمس البارودى، محمد العربى،
يتناول علاقات مثلية، تم عرض الفيلم فى السينما بعد أن حذفت منه الرقابة مشاهد كثيرة، إلا أنه ممنوع تلفزيونياً.
المذنبون1976
إخراج: سعيد مرزوق عن قصة لنجيب محفوظ بطولة: سهير رمزى، حسين فهمى، صلاح ذو الفقار، وعادل أدهم
التلاقى1977
إخراج: صبحى شفيق بطولة: محمود مرسى، حبيبة، ومديحة كامل، وعمر خورشيد،
منع الفيلم من العرض لسنوات ثم عرض وقد حذفت منه مشاهد كثيرة.
الغول1983
إخراج: سمير سيف تأليف: وحيد حامد، بطولة: فريد شوقى، صلاح السعدنى،
منعته الرقابة بدعوى تشابه قصته مع اغتيال السادات
للحب قصة أخيرة1986
إخراج وتأليف: رأفت الميهى بطولة: أحمد راتب، تحية كاريوكا، معالى زايد، عبدالعزيز مخيون
منعت الرقابة الفيلم بحجة أنه يسىء للآداب العامة واعتصم فريق عمل الفيلم حتى تم عرضة وممنوع تليفزيونياً.
البرىء1986
إخراج: عاطف الطيب سيناريو وحوار: وحيد حامد بطولة: أحمد زكى
حذفت عدة مشاهد وتغيرت نهايتة
أبناء للبيع
إخراج: نيازى مصطفى تأليف: سعد شنب بطولة: يوسف فخر الدين، محمود المليجى، ناهد يسرى، رشدى أباظة، توفيق الدقن، وعماد حمدى.
واجه اعتراضات رقابية وحذفت منه مشاهد وهو ممنوع تليفزيونياً.
إحنا بتوع الأتوبيس1979
إخراج: حسين كمالسيناريو فاروق صبرى بطولة: عادل إمام، عبدالمنعم مدبولى،
عرض سينمائياً ولم يعرض تيفزيونياً
منشور فى جريدة اليوم السابع

الجمعة، 26 يونيو 2009

"زهرة" الحرية من خلف الشادور

كتبت: ناهد نصر

سواء اختلفت او اتفقت مع موسوى المرشح الرئاسى الخاسر فى ايران، فإنه من الصعب ألا تتوقف عندها.. "الأيقونة الإيرانية"، "ميشيل أوباما إيران"، "ذراع موسوى الأيمن" .. إنها الرسامة والنحاتة والصحفية والكاتبة،وأستاذة العلوم السياسية، وأول عميدة بجامعة إيرانية، ومستشارة الرئيس الإيرانى السابق محمد خاتمى، وأخيراً زعيمة حملة الانتخابات الرئاسية لمير موسوى، زوجها وأبو بناتها الثلاثة "زهرة رهنورد" عندما كانت تخطب زهرة رهنورد، فإنها تصنع ثورة فى نفوس 12.000 رجل وامرأة يلتفون حولها باستاد الحرية الرياضى بطهران، واضعافهم خارجه. بحماس، وغضب تعلن زهرة للجماهير "ادافع عن الحرية.. حرية القلم، حرية الفكر، حرية التعبير"، وتجاهد زهرة فى قطع هتافات الجماهير لتواصل "لن نسمح لهم مجدداً باستغلالنا" فزهرة المرأة، والأم قبل السياسية، ترى أن النساء تكن نصف المجتمع فقط حين تستعر حمى المنافسات الانتخابية، وبعدها يتم الدفع بهن مجدداً الى المؤخرة والنسيان. فحين تتكلم زهرة، فإنها لا توصل رسائل المرشح الرئاسى للجماهير، بل تصنعها فتخطف قلوب وأنظار أبناء شعبها رجالاً ونساء. ومن يشاهد زهرة فى قمة حماستها وثورتها خلف المنصة، بالكاد سيعرف انها صاحبة تمثال "نرجسة المحبين" فى ميدان الأم بطهران، الذى يكاد ينطق أمومة ودفئاً وأنوثة. فزهرة طهران تقدم نموذجاً لامرأة غير مسبوقة فى الشرق الأوسط، استطاعت أن تنتزع الدهشة والاعجاب من كل وسائل الاعلام الغربية التى ترى للمرة الأولى منذ ثورة الشاة امرأة ايرانية تدافع عن الحرية من خلف الشادور. ربما يعرف الآن مير موسوى أن حفر اسمه فى التاريخ الإيرانى يتكلف الكثير من خطوط الدم على أرصفة طهران، والكثير من الغضب والعنف، وكاميرات التصوير، قد لا تسفر فى آخر الأمر عن تغيير حقيقى. إلا أن سيرة زهرة تصنع تاريخاً مختلفاً، وأكثر بقاء. فهى لم تظهر فجأة كحلية انتخابية نسائية فى حملة زوجها رئيس الوزراء السابق ، وإنما عاشت فى الذاكرة اليومية للإيرانيين وعلى نحو درامى فى بعض الأحيان. فطلابها بقسم العلوم السياسية بجامعة الزهراء بطهران يعرفون هذا الوجه داخل قاعات المحاضرات، وشباب وشابات العاصمة يعرفون زهرة التى كانت تصنع حماستهم خلال الانتخابات التى اتت بخاتمى للسلطة، ويعرفونها حين كافئها الاصلاحيون بمنصب لم تسبقها اليه اى امرأة ايرانية اخرى منذ عام 1979، عميدة بجامعة الزهراء. ويعرفونها حين كانت واحدة من صناع السياسة فى حكومة خاتمى الذى اختارها لتكون مستشارته، وحتى حين أطاحت بها حكومة نجاد من جميع مناصبها الرسمية ظلت زهرة فى صدر المشهد بكتبها، ومقالاتها النارية عن الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. وفى حين قد تساور الشكوك القوى الديموقراطية فى ايران حول مدى إصلاحية الاصلاحيين فى السلطة، وحول مدى مصداقية موسوى نفسه اذا ما تولى منصب الرئيس. إلا أن سيرة زهرة التى تخطت الستين ستبقى بيضاء من غير سوء، فبالرغم من أنها أبقت على الشادور الإيرانى، إلا أنها لم تحبس نفسها أبداً فى خانة المناصب السياسية، بل استخدمت طوال تاريخها كل الأدوات التى تعرفها لتقول ما تريد. وقد يخسر موسوى منصب الرئيس، إلا أن زهرة ستظل تمتلك قلمها، وريشتها، وأزميلها، وحنجرتها، وعقلها المتوقد دائماً لتسطر صفحتها الخاصة فى التاريخ الإيرانى، كنموذج لإمرأة من نوع خاص وملهم

15 عدد الكتب التى الفتها زهرة رهنورد

الأربعاء، 24 يونيو 2009

"Maybach".. لعنة الرفاهية تلاحق أثرياء العالم

كتبت: ناهد نصر

أعلنت شركة مرسيدس عن عزمها إنتاج ثلاثة موديلات جديدة من سيارتها الفارهة "مايباك" خلال فترة قصيرة، من بينها موديل خاص من المايباك (فتحة السقف) تتمتع بالمزج بين التصميم الكلاسيكى وبعض اللمسات العصرية، وسوف تعرض فى دبى للمرة الأولى قريباً. "Maybach" أو المايباك، واحدة من أكثر السيارات رفاهية ومن أغلاها فى العالم، والاختيار الأمثل لأغنى رجال الأعمال من أصحاب الذوق الرفيع. لكنها لا تخلو من لعنة أصابت بعض مقتنيها. فها هو رجل أعمال هندى يضطر لإعادة السيارة للشركة بعد فترة محدودة من شرائها لأسباب غامضة. فى حين اختفت سيارة رجل أعمال روسى بمجرد دخوله مطعماً فى موسكو لتناول العشاء، وكانت الـ"Maybach" وراء الكشف عن واحدة من أكبر عمليات غسيل الأموال فى نيجيريا. القائمة تطول ولا تخلو من رجال أعمال عرب أصابتهم لعنتها. فما هى حكاية السيارة الأشهر والأكثر إثارة فى العالم، ولماذا لا يقبل عليها رجال الأعمال المصريون.
"مايباك" لعنة لها تاريخ:
ظهرت علامة المايباك لأول مرة فى العالم عام 1921 عندما قرر ويلهلم مايباك مصمم السيارات الألمانى والمدير التقنى لشركة Daimler Gasellschaft تحقيق حلمه فى تصميم سيارة تحمل كل سمات الرفاهية. ظل ويلهلم مايباك وابنه كارل يعملان على تصميم السيارة الحلم لسنوات، حتى واتتهم الفرصة فى عام 1921 لعرض الموديل الأول فى معرض برلين للمركبات. ومنذ ذلك الحين وحتى العام 1940 واصل المصمم العبقرى وابنه تصميم وإنتاج عدد متنوع من السيارات الفارهة. لكن ما حدث فى هذا العام كان كفيلاً بتوقف مؤقت لخط السيارات استمر سنوات طويلة، معلناً عن اللعنة الأولى للمايباك. فقد اندلعت الحرب العالمية الثانية ووجد ويلهلم بحسه التجارى أن التوجه نحو الإنتاج الحربى سيحقق له ربحاً أوفر من الاستمرار فى إنتاج السيارات الفارهة. فعملت الشركة بدأب ونشاط على إنتاج موتورات الدبابات والمدفعيات الثقيلة طوال فترة الحرب. وحين وضعت الحرب أوزارها لم تعاود الشركة إنتاج المزيد من السيارات لينتهى بذلك الفصل الأول من حياة السيارة الأكثر رفاهية فى العالم.
عودة مبهرة لاسم قديم:
لكن حلم السيارة الفارهة التى تتمتع بكل ما يحتاجه الراكب وما يفوق خياله، لم يفارق أذهان مصممى السيارات وكبرى الشركات العالمية، ودائماً كانت ذكرى المايباك فى أذهانهم. فى العام 1997 فاجأت شركة مرسيدس جمهورها فى معرض طوكيو للسيارات بتصميم فريد لسيارة بالغة الرفاهية باسم "مرسيدس بنز مايباك". خطف النموذج عقول وقلوب زوار المعرض، وتزايدت الطلبات على السيارة التى لم تكن حتى ذلك الحين سوى نسخة واحدة فى صندوق زجاجى بالمعرض. شجع الإقبال الجماهيرى القائمين على مرسيدس بالسير قدماً نحو إنتاج سيارة حقيقية ولأنهم يعلمون جيداً قيمة العلامة "مايباك" وتأثيرها على عشاق السيارات الذين لم يكن تفارق أذهانهم صور موديلات المايباك الكلاسيكية فى بدايات القرن الماضى، فقررت مرسيدس أن تخصص فرعاً قائماً بذاته لتطوير وإنتاج السيارة، وأن يكون الاسم التجارى للسيارة هو "مايباك" بدون إضافة اسم المرسيدس إليه. وكان ذلك إيذانا بإحياء المايباك مرة أخرى بعد أكثر من نصف قرن من التوقف.
الألفية.. ميلاد جديد:
ومع بدايات الألفية كان قد ظهر فى الأسواق اثنان من أروع موديلات المايباك وهما (Maybach57) و(maybach62). واختيار الأرقام ليس عشوائياً بل يشير إلى طول كل سيارة بالديسيمتر، فالموديل الأول 57 هو الأنسب لمن يفضلون قيادت سياراتهم بأنفسهم، بينما ذات الرقم 62 فهى السيارة النموذجية لمحبى الاسترخاء وترك مهمة القيادة للسائق.
طول المايباك البالغ 62 ديسيمتر يسمح بمؤخرة طويلة تتيح للركاب الاسترخاء التام على مقاعد كاملة الفرد والثنى.والسعر الذى وضعته الشركة للموديلين يتراوح بين 344.000 دولار، و477.000 دولار.
فى العام 2005 أضيف للمجموعة سيارة جديدة هى المايباك (57s) وتميز هذا الموديل بلمسات خاصة وساحرة تضفى عليها طابعاً رياضياً يؤكده موتورها الرياضى السريع والقوى فى آن، وبلغ سعر هذا الموديل 381.250 دولاراً. وتوالت المويدلات بعد ذلك فظهرت المايباك (62s) بسعر 432.250، ثم المايباك (فتحة السقف) وهى الأعلى سعراً إذ تبلغ مليوناً و350.000 دولار.
"المايباك" سيارة عمولة:
المايباك تتمتع بكل مزايا الرفاهية، فهى بالإضافة إلى شكلها الخارجى الجذاب تتضمن نظاماً للتحكم فى الطقس يتضمن أربعة نطاقات مناخية، وجهازاً لكشف سرعة السيارة والوقت ودرجة الحرارة خارج السيارة، فضلاً عن نظام صوت، وثلاجة. المقاعد الخلفية للسيارة كاملة الاتكاء وتحتوى على نظام تبريد وتدفئة، ويمكن للركاب متابعة الطريق من خلال نوافذ زجاجية عاكسة للأشعة تحت الحمراء. السيارة تشتمل أيضاً على قمرة قيادة ونظام ملاحة ومزودة بتلفزيون ومشغل دى فى دى فى المقاعد الخليفية والأمامية، فضلاً عن وجود شاشتين الـ سى دى فى المؤخرة وسماعتين ونظام إغلاق وفتح أتوماتيكى للأبواب. فضلاً عن جهاز للمساج يحقق للركاب أقصى درجات الاسترخاء. وهى المميزات التى لا تتمتع بها سيارة "رولز رويس فانتوم" المنافس اللدود للمايباك.
وليس التصميم الرائع ولا الرفاهية المطلقة ولا حتى الحنين للماضى الجميل هو فقط ما يجذب زبائن المايباك إليها، بل شعورهم بأن السيارة تعبر عن أدق تفاصيل شخصيتهم. فالقائمون على الشركة يؤكدون أنه من المستحيل أن يخرج من بوابة المصنع سياراتان مايباك تشبهان بعضهما، إذ إن العميل يمكنه اختيار كل قطعة من قطع السيارة، ويسهل من ذلك مرونة الاتصال بين العميل وبين المقر الرئيسى للمايباك عن طريق الوسطاء أو بالفيديو كونفرنس لتحديد الشكل النهائى لسيارتهم من بين 2 مليون اختيار.
يسهل من مرونة تشكيل السيارة وفقاً لرغبة العميل أن تشطيبات السيارة تتم بشكل يدوى، فضلاً عن أن عملاء المايباك يمكنهم إضافة الأحرف الأولى من أسمائهم للسيارة أو إضافة الشعار الذى يرغبون فيه.
هؤلاء أصابتهم لعنتها:
كل هذه المزايا جعلت المايباك الاختيار الأمثل لأغنى أغنياء العالم الراغبين فى التمتع بالرفاهية المطلقة للسيارة التى لا تنتج سوى عدد محدود سنوياً وبناء على طلب العميل. لكن على ما يبدو من يذق حلاوة "المايباك" لابد أن يتذوق مرارتها أيضاً.
جيمس أيبورى رجل الأعمال النيجيرى المدير السابق لشركة دلتا للبترول والرئيس السابق لواحدة من أعنى مقاطعات نيجيريا، أوقعته المايباك فى شر أعماله بعد أن تورط لسنوات فى سلسلة من السرقات والفساد استخدم خلالها أشهر بنوك لندن وسويسرا لإخفاء أمواله المسروقة، فضلاً عن استغلاله لأسماء عدد من الشركات الدولية لعمليات غسيل أموال. إيبورى كان قد اشترى المايباك من لندن عام 2005 بمبلغ 406.600 يورو، ونقلت بسفينة خاصة من لندن إلى جنوب أفريقيا ثم إلى نيجيريا، ودفع إيبورى ثمن السيارة من حساب واحدة من شركاته فى إحدى بنوك سويسرا، وبعد عام واحد من صفقة السيارة الفارهة صورت وسائل الإعلام جيمس إيبورى مكبلاً بالأغلال ومتهماً بغسيل الأموال والنصب على البنوك الإنجليزية.
فيكتور ماركوف البليونير الروسى كانت المايباك سبباً فى إصابته بالاكتئاب الشديد، فقد كان من أوائل زبائن المايباك فى روسيا واشتراها عام 2004 بسعر 530.000 يورو. وبعد ثلاث سنوات وبينما كان رجل الأعمال يغادر أحد مطاعم موسكو بعد تناوله العشاء فوجئ باختفاء سيارته فى أول حادث سرقة للمايباك فى روسيا والعالم، ليخسر عاشق المايباك بالإضافة لسيارته 230.000 يورو، لأن شركة التأمين لم ترد له كامل مبلغ التأمين، وليتحول ماركوف إلى أكبر ضحية سرقة سيارات فى العالم.
موكيش أمبانى رجل الأعمال الهندى وخامس أغنى أغنياء العالم الذى تصل ثروته إلى 43 بليون دولار أمريكى، استورد المايباك من ألمانيا عام 2004، وبعد عامين كاملين فاجئ الشركة برغبته فى استرداد أمواله وإرجاع السيارة مبرراً ذلك بالازدحام المرورى وسوء الطرق فى الهند. ولم يكن هناك وسيلة للتأكد من صحة الأسباب التى أوردها أمبانى إلا أن إصراره على موقفه وتحمله الإجراءات المعقدة لإعادة السيارة وإلغاء التسجيل، والتى كانت مثار حديث الصحف العالمية آنذاك، يؤكد أن دوافع المليونير الهندى كانت قوية.
جاسم الخرافى المليونير الكويتى هو الآخر أصيب بلعنة المايباك، وهو رجل أعمال وسياسى بارز يشغل منصب رئيس مجلس الأمة منذ عام 1999 وهو أيضاً عضو مجلس إدارة عدد من الشركات الاستثمارية الكبرى داخل وخارج الكويت، وهو واحد من عشاق المايباك، إلا أنه بعد فترة قليلة من امتلاكه للسيارة فوجئ أثناء توجهه لتسجيل إحدى الحلقات التلفزيونية فى وزارة الإعلام الكويتية بتعرضه لحادث سير، نجا منه الخرافى بينما تأثرت المايباك، لتصبح سيارة رئيس مجلس الأمة مثار حديث الشارع الكويتى لفترة طويلة، حتى إن بعض من شهدوا حادث السيارة سارعوا بتصويرها بكاميرات الموبايل وتوزيعها على منتديات ومواقع الإنترنت.
يذكر أن سيارة المايباك ليست الأكثر شعبية بين رجال الأعمال المصريين، إذ لم يقتنيها سوى عدد محدود من بينهم طبيب شهير وابن عضو مجلس شعب. فهل أثرياء مصر لا يحبون السيارة الألمانية، أم أنهم يخشون أن تصيبهم لعنتها.

لمعلوماتك
من بين الإضافات الاختيارية التى يمكن للعميل طلب إضافتها، سقف زجاجى مانع لأشعة الشمس (11.670 دولار)، ونظام اتصال متكامل مزود بمكبرات صوت ومايكروفون، ويمكن الراكب من مخاطبة الناس خارج السيارة والاستماع إليهم (1.780 دولار) وحقيبة الحماية الفائقة وتتكلف (151.810 دولار)

منشور فى موقع اليوم السابع

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

غادة كرمى: التطبيعيون لا يفهمون ما هى إسرائيل

"غادة كرمى طبيبة وأكاديمية فلسطينية ولدت فى القدس سنة 1939 وهجرت وأسرتها إلى لندن فى 1948 إبان النكبة. حصلت على شهادة الطب من جامعة بريستول عام 1964 وبدأت نشاطها السياسى فى 1972 من أجل القضية الفلسطينية، فأسست عدداً من الجمعيات الخيرية والدعوية لنصرة الحق الفلسطينى ودعم اللاجئين الفلسطينيين فى المخيمات. زارت مسقط رأسها للمرة الأولى بعد التهجير سنة 1991 ثم تكررت زياراتها بحثاً عن منزل أسرتها القديم. سجلت قصة حياتها فى القدس قبل التهجير ورحلة الشتات إبان النكبة فى كتابها "البحث عن فاطمة" صدر عام 2002 باللغة الإنجليزية. تعيش حالياً فى لندن وتعمل محاضرة فى المؤسسة الملكية للعلاقات الدولية بلندن ومدرس زائر فى جامعة لندن متروبوليتان. صدر لها مؤخراً كتاب "متزوجة من رجل آخر" باللغة الإنجليزية وهو كتاب سياسى يناقش خلفيات وتاريخ الوضع فى الفلسطين ويروج لحل الدولة الواحدة الذى تدعو له كرمى. التقيت بها فى القاهرة خلال زيارة قصيرة لها فى مايو 2008، واجريت معها الحوار التالى الذى نشر فى حينه بموقع اليوم السابع، وأرى إعادة نشره على المدونة بمناسبة تجدد الجدل حول"الدولة الفلسطينية"، وترجمة الكتب الاسرائيلية إلى العربية

أجرى الحوار: ناهد نصر
أنت واحدة ضمن قلة من المؤيدين لحل الدولة الواحدة على الرغم من أن الكثيرين يصفونه بالخيالى؟
دولة إسرائيل لم تسبب إلا الدمار والضرر للمنطقة العربية وليس فقط لفلسطين والفلسطينيين. ولا يمكن لمثل هذه الدولة أن تكون مستقرة أبداً. حل الدولة الواحدة هو الوحيد القادر على القضاء على دولة إسرائيل العنصرية لأنه سوف يمنح حق المواطنة للجميع من دون تمييز على أساس الدين أو الأصل العرقى.
وما أهم ملامح هذه الدولة من رأيك؟
كما ذكرت ستكون دولة مبنية على عدم التمييز يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون كمواطنين ولا يلعب الدين أى دور فى الفصل بين مواطنيها. إذا تحقق هذا الحلم سيكون من أول أولوياته عودة اللاجئين الأجداد والأبناء والأحفاد المحرومين من العودة وكأن وضعهم كلاجئين فى الشتات صار مقبولاً للجميع.
وما السبيل لتحقيق مثل هذه الدولة فى رأيك؟
فى البداية ينبغى الاتفاق على أن هذا هو الحل الوحيد وينبغى أن يتم الترويج له على أوسع نطاق ممكن وأن يكون له أنصار فى الداخل والخارج. ثم نأتى بعد هذه المرحلة لوضع تصورات حول كيفية تنفيذه. فى البداية تأتى الفكرة ثم تأتى آليات التنفيذ. دولة إسرائيل لم تكن سوى فكرة فى رؤوس عدة أشخاص لا يتجاوز عددهم اليد الواحدة، لكنها تحققت بالفعل وظلت لأن أصحاب الفكرة تمكنوا من الترويج لها وكسب دول بأكملها على أرضية الفكرة. هل كان هناك من يتصور أن تنتهى دولة جنوب أفريقيا إلى ما انتهت إليه الآن.
وماذا سيكون اسم هذه الدولة برأيك؟
فليكن ما يكون "إنشالله خيارة". جوهر الموضوع هو إلغاء دولة إسرائيل ككيان صهيونى. هذه الفكرة ليست جديدة بل إن بعض الزعماء العرب يتبنونها
كيف يمكن لهذا الحل أن يكون واقعياً، بينما لازلنا متعثرين فى دولة فلسطينية؟
صحيح أن كل استطلاعات الرأى التى تمت على الجانبين سواء فى فلسطين أو إسرائيل أظهرت رفض حل الدولة الواحدة. لكن هذه الاستطلاعات كانت أغلبها كانت منصبة على المفاضلة بينه وبين حل الدولتين وهو فى رأيى ليس حلاً على الإطلاق لأنه يكرس الوضع الراهن. المسألة لا تقاس باستطلاعات الرأى بل بالتوعية، يجب أن يكون هناك دعوة منظمة لهذا الحل لإقناع الناس به أولاً ثم سؤالهم عن رأيهم فيه.
وهل الحكومات العربية من ضمن المستهدفين؟
بالطبع، وأنا أتكلم بالتحديد عن مصر لأن ما تحملته مصر بسبب إسرائيل والمعاناة من وجودها التى مازالت مستمرة حتى الآن تضع مصر من ضمن الدول التى ينبغى أن تكون فى الصف الأول للمطالبة بإزالة دولة إسرائيل.
لكن الموقف الرسمى المصرى كما هو موقف دول عربية أخرى الالتزام بمعاهدات السلام ودعم حل الدولتين؟
كل اتفاقيات السلام التى عملها العرب حتى الآن عمرها ما أثرت على تصرفات إسرائيل. لأن دولة إسرائيل مبنية على فكرة دولة استيطانية استعمارية. إسرائيل مش صديق والرد تجاههم هو عدم التفاهم معهم لأنهم مش أصدقاء.
هناك جماعات تدعو للسلام وللتطبيع مع إسرائيل بعضها إسرائيلية؟
هذا "حكى فاضى"، إذا أقمنا علاقات مع إسرائيليين فسيكنون لطفاء جداً لكن هذا لن يغير شيئاً من الواقع لأن القهر سوف يزداد. والتطبيعيون لا يفهمون ما هى إسرائيل لأن إسرائيل دولة غير طبيعية إنها مبنية على مبدأ نهب واستعمار، وهذا المبدأ ينتج شعب له تفكير معين. فمناهج التعليم الإسرائيلية تعطيهم فكرة مشوهة عن العرب وتعلمهم كراهية واحتقار العربى. الشاب هناك فى إسرائيل يدخل الجيش من سن 18 سنة. هذا شعب معسكر.
وما رأيك فى حل المقاومة المسلحة؟
أنا ضد أن يقتل الشعب ولكننى مع القضاء على السلطة الصهيونية بأى طريقة ممكنة. وأن يحل محلها سلطة ديمقراطية معبرة عن كافة أفراد الشعب دون تمييز تحكم فى ظل دولة واحدة.
لكن عمليات كتلك التى كان ينفذها حزب الله، وفصائل فلسطينية أبرزها حماس كانت تستهدف مدنيين؟
أحزاب مثل حماس وحزب الله فعالان جداً، فحزب الله هو القوة الوحيدة التى أخرجت إسرائيل من لبنان. لأن الثمن الذى دفعته إسرائيل فى لبنان أصبح باهظاً وإسرائيل تحب الاحتلال السهل، فاحتلال الجولان سهل وهو ما لم يحدث فى لبنان. ومن قتل من الإسرائيليين فى لبنان أكبر من المعلن عنه بكثير. هذا غير حركات مناهضة الحرب التى صدعت رأس النظام الإسرائيلى. كل هذا نتيجة الكفاح المسلح. فحزب الله أعطى نموذجاً للعمل يجب أن نتعلم دروساً منه.
تقولين هذا على رغم مآخذ كثيرة على أداء حزب الله بلبنان، وحماس بغزة؟
أنا ضد التعامل مع النتائج وتجاهل الأسباب التى أدت إليها، وهناك علاقات معقدة فى هذا الجانب، لكن لا ينكر أحد أن حماس لها شعبية كبيرة بسبب موقفها العملى من الاحتلال الإسرائيلى، وإصرارها على الحق الفلسطينى ولا ينبغى تجاهل الظروف المحيطة بهذه الجماعات. ولا ينبغى أن ننسى أن الطريقة التى جربتها منظمة التحرير والحكومات العربية لم تنجح فكان الطبيعى أن الناس تعتقد أن هذا النهج غلط. وبشكل عام أنا أؤيد الكفاح من كل أنواعه وهناك أشكال مختلفة من الكفاح.
لكن جماعات المقاومة أغلبها دينى وهم من ناحية من أشد الرافضين لحل الدولة الواحدة، ومن ناحية أخرى يرون أن الصراع دينى بالأساس؟
أنا ضد الحركات الإسلامية وضد الحل الدينى. لأن أى محاولة لتحويل الصراع مع إسرائيل إلى صراع دينى هدفها التغطية على الواقع لأنه صراع أرضى وليس فى السماء.
أنت معروفة بكتاباتك المؤيدة للحق الفلسطينى بوصفك أحد المروجين لحل الدولة الواحدة، فهل هذا هو الطريق الذى اخترته للكفاح؟
"شوفى. الناس اللى تحت الاحتلال لهم دور والناس اللى بيدعموهم لهم دور ثانى". وأنا لم أتوقف لحظة عن دعم القضية الفلسطينية منذ السبعينيات. فأسست منظمة إعلامية للقضية الفلسطينية فى بداية السبعينات اسمها "PL Action" وجمعية أخرى طبية فى الوقت نفسه باسم "P.M. Aid" وعملت نشاطا كبيرا خلال تلك الفترة. وكنا نذهب إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان ونقدم لهم الدعم. كما كنا نشرح للغرب مأساة الشعب الفلسطينى.
أعلم أنك ناشطة فى جمعية للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل فلماذا أنت من أنصار المقاطعة؟
حركة المقاطعة مهمة جداً وأهم شئ أنه عمل سلمى لا عنفى ممكن الناس تقوم به بدون عنف. حركة مجتمع مدنى يعبر عن رفضه للاحتلال. وأنا مع المقاطعة على كل مستوى. مقاطعة كل شئ اسمه إسرائيل.
لكن أليست هناك ضرورة للتواصل مع إسرائيليين لإقناعهم بحل الدولة الواحدة الذى ذكرتى أنه ضرورى قبل التفكير فى آليات تنفيذه؟
"أنا بودى أن نصل بالوضع فى إسرائيل مثلما حدث فى جنوب أفريقيا" نحول إسرائيل إلى دولة معزولة عزلة تامة لأن إسرائيل تتاجر ليس فقط بلاحها وجيشها القوى لكن أيضاً بسمعتها وصيتها فى العالم الغربى. الرأى العام الغربى مؤثر جداً على إسرائيل لو استطعنا أن نظهر أنه لا يمكن التعايش معهم سيتحولون إلى منبوذين، وهذا هو هدفى.
حدثينا عن زيارتك الأولى للقدس بعد سنوات طويلة من التهجير؟
أول زيارة لى للقدس كانت سنة 1991 مضيت هناك أسبوعين تجولت فى البلاد من "فوق لتحت" وكان من بين أهداف الزيارة أن أجد بيتى فى القدس، ولم أنجح فشعرت بتعاسة واكتئاب. فكل شئ فى هذه البلاد شعرت أنه كريه. الناس أغراب ليس لهم مكان هنا، وآلمتنى عبارة "أهلاً بكم فى إسرائيل" على لافتة فى المطار، حتى الأحرف العبرية قبيحة و"مقرفة". فى يافا البيوت القديمة العربية حولوها إلى مجمع فنى للفنانين والرسامين تأثرت كثيراً من هذا المنظر. طبرية بلد فقير وهناك وجدت جامعا مهملا محاطا بسياج ويلقون فيه القمامة. أينما ذهبت أجد شيئاً مؤلماً.
هل كانت هذه هى الزيارة الأولى والأخيرة؟
لا. بعدها ذهبت عدة مرات حتى وجدت بيتنا القديم. أختى وأخى رسما لى الخرائط ووجدته فى عام 1998 تسكن فيه عائلة يهودية متدينة من أصل كندى. عندما دخلت وجدت أن الشرفة الخارجية مازالت كما هى منذ طفولتى لكنهم بنوا طابقا جديدا وغيروا شكل الحديقة. لكن الباب الأصلى للمنزل كان كما هو لم يتغير. والبلاط فى الداخل كان هو هو لم يتغير.
وكيف كان رد فعل سكان المنزل على زيارتك؟
فى البداية أخبرت السيدة بأننى كنت أسكن هنا من زمان وأننى أرغب فى الدخول ورؤية كل قطعة من البيت فسمحت لى بالدخول على مضض ثم تحدثت إلى زوجها فى الهاتف ثم طلبت منى الرحيل وقالت "لا دخل لى بهذه الأمور". كنت أريد أن أتذكر كيف كانت غرفتنا وغرفة أمى وأبى. لكننى لم أستطع فشعرت كم نحن مهزومون وأنه ليس هناك أمل. لكن بعد عودتى إلى الفندق وكان قريبا من المسجد الأقصى تسلل إلى أذنى صوت الآذان، وعلى الرغم من أننى لست متدينة إلا أن هذا الصوت أعطانى شعورا غريبا جداً. أجمل صوت سمعته فى حياتى. وقلت "لسة لنا وجود، ولسة لنا أمل، وعمرى ما أنسى هذا الإحساس".
كتابك الأول "البحث عن فاطمة" كان بمثابة سيرة ذاتية لرحلتك الاضطرارية من القدس إلى لندن إبان النكبة. حدثينا عن هذا الكتاب؟
كتبت هذا الكتاب بهدف واضح، فأنا تربيت فى جو منحاز لإسرائيل. وأتذكر أنه فى فترة حرب 67، كانوا يصورون العرب وجمال عبد الناصر كأنهم شعوب شريرة. وكان الأوربيون يشبهون عبد الناصر بهتلر. وبعد مرور سنوات كثيرة من النشاط السياسى انتبهت إلى ناحية مهمة وهى أن القضية الفلسطينية إما أن يتم تجاهلها أو أن يعامل الشعب الفلسطينى على أنهم إرهابيون وليس شعبا يعيش فى مأساة، وخطر لى أن من أهم أسباب ذلك أننا لم نكتب تاريخنا عن طريق الرواية والمسرحية والأفلام. واقتصرت كتاباتنا على الدراسات السياسية وقرارات هيئة الأمم. فى حين أن المحرقة النازية كسبت متعاطفين وانتشرت فى كل مكان لأنهم صوروها بشكل إنسانى. ففكرت أن أكتب بنفس الطريقة وكتبت مذكراتى بشكل قصصى وجذاب.
وما رد فعل القارئ الغربى على كتابك؟
نجح الكتاب جداً وظهرت عروض لتنفيذه كفيلم أو مسرحية لكن لأسباب مادية ولأن المنتجين أفزعهم كم المأساة ولأن أغلبهم يهود لم ينفذ المشروع. لكن استقبال الناس كان جيد جداً وحتى الآن يكتبون لى من كل أنحاء العالم رسائل حول الكتاب.
ولماذا لم يترجم إلى العربية؟
حاول الناشر الإنجليزى إصدار نسخة عربية لكن لم تتقدم أى جهة عربية لترجمة الكتاب، أما الناشرون العرب فكانت حجتهم أن الكتاب كبير والترجمة مكلفة. مع أنهم ترجموا كتاب "التطهير العرقى فى فلسطين" للكاتب اليهودى المحترم "ايلان بابى". وأهمية ترجمة كتابى إلى العربية أننى وجدت أن القارئ العربى لم يكن يعرف الكثير من الأشياء عن الفترة ما قبل 48 ومنهم فلسطينيون.
وهل واجه كتابك "زوجة لرجل آخر" نفس مصير الكتاب الأول؟
من حيث الترجمة إلى العربية نعم. وزيارتى الأخيرة إلى مصر لم تسفر عن شئ فى هذا المجال. لكن هذا الكتاب يناقش القضية بشكل مختلف لأنه كتاب سياسى ويفند حل الدولة الواحدة وهو مختلف عن كتابى الأول تماما.ً وأنا مازلت آمل ترجمة "البحث عن فاطمة للعربية" .
تعيشين فى لندن منذ عام 48 هل تشعرين بتغير فى علاقة الأوروبيين بالعرب بعد 11 سبتمبر؟
بعد 11 سبتمبر العداوة فى الغرب أصبحت ضد المسلمين وليس العرب فإذا كنت محجبة ينظر لك بشكل مختلف، لكن أنا ومعظم زملائى لم يحدث لنا شئ. الغرب لا يشعر بالعداوة ضد العرب لكن ضد اللحية والحجاب، والدليل أن هناك عددا كبيرا من العرب فى لندن لا يفكرون فى العودة. الباكستانيون والبنغاليون هم الأكثر معاناة خصوصاً فى أوروبا، أما فى الولايات المتحدة فالوضع أكثر تعقيداً.
منشور على موقع اليوم السابع