الأربعاء، 17 مارس 2010

مـأساة مصرية

كتبت: ناهد نصر
مأساتنا الحقيقية أن أصحاب العقول عندنا فى راحة، فهم على تعدد المآسى المحيطة بنا من كل جانب لا يدركون سبيلاً للتعاطى معها، سوى بالكلام المنزوع الحيوية، فهم إما يطبلون ويصفقون أو ينتقدون بلا هوادة وهم مطمئنون إلى بروجهم العالية التى يعيشون فيها بعيداً عن المآسى، وأحياناً فى حراسة أمنية مشددة. أحدهم أثار مؤخراً جدلاً واسعاً على صفحات موقع "اليوم السابع" بسبب خبر منشور يحمل آراءه فى بعض القوى السياسية، والقضايا العامة، وهو ما أزعج بعض القراء كثيراً لدرجة أن أحدهم تمنى لو تمكن "من النيل منه وترك علامات على جسده"، وعندما حذف الخبر من الموقع احتراماً لرغبة صاحبنا أثير جدل أكبر بكثير صعد بخبر الحذف إلى قائمة الأكثر تعليقاً.والمشكلة هنا أن أصحاب العقول لدينا لا يعقلون أن واجبهم يتجاوز مجرد الكلام إلى العمل، إذ أن إعمال العقل لا يأتى فقط بنقد النص وانتقاد النقل، وإنما يستلزم الجرأة التى تدفع نحو التحرر مما قد يرونه قيماً بالية، أو مسلمات فارغة دون الاحتماء بحراسة لن تحرسهم، لأن حارسهم الحقيقى ينبغى أن يكون العقل، عقلهم والملايين المستعدين لبذل الغالى والرخيص دفاعاً عما يعتقدون فى أنه الصواب. فمأساتنا المتمثلة فى تغييب العقل أو الخوف من إعماله والتى تكرسها أنظمة التعليم والعمل التى لا تدع مجالاً للإبداع، وتحاصر العقول بالخوف من التجديد، والتهديد بالقتل أحياناً، لن تنتهى باكتفاء العقلاء بالدعوة للتغيير دون أن يكون لديهم الاستعداد للتضحية بما هو أغلى من كل نفيس حتى لو كانت حياتهم، بدلاً من التراجع عما يؤمنون به، ثم الصراخ بأنهم محاصرون. وليس هناك من نصيحة لهذا النوع من "أصحاب العقول" إلا أن يتعلموا فضيلة العمل، أو الاكتفاء بالصمت فهو بحد ذاته فضيلة فى بعض الأحيان إن كانوا حقاً يعقلون، ذلك هو الضمان الوحيد لإعمال العقل بهدف التخلص من المآسى.
منشور على موقع اليوم السابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق