الخميس، 13 أغسطس 2009

نشطاء النوبة فى المسافة بين حق العودة.. وحق رغيف العيش

كتبت: ناهد نصر

«معملوش ولا حاجة، وهذا ما أغضبنى لأننى طرحت على الهيئات المدنية هناك أن تقف مع الحضارة النوبية التى قدمت للحضارة العالمية الكثير، وعندما نكون فى أزمة فالمفترض أن الشعوب والهيئات المدنية تقف معنا» ذلك كان تعليق الأديب والناشط النوبى حجاج أدول على سؤال وجه له حول رد فعل «الأمريكان» على ما طرحه خلال مشاركته فى مؤتمر نظمه أقباط المهجر فى نوفمبر 2005.فقد قال أدول فى مؤتمر واشنطن كلاماً من نوع أن النوبيين يعانون اضطهاداً فى مصر، وأن إزاحتهم إلى قرى التهجير من أجل بناء السد العالى هو نوع من التطهير العرقى. ووصل دوى القنابل التى ألقى بها أدول هناك إلى القاهرة وبسرعة البرق، وفيما أكد الأديب النوبى أن كلماته لم تجد صدى لدى الأمريكان، وجد هو نفسه محاصراً هنا بهجوم غير مسبوق، بعضه كان موجهاً من أبناء جلدته، النوبيين أنفسهم.إلا أن الزيارة بكل ما لها وما عليها فتحت الباب على مصراعيه لسؤال كبير: هل النوبيون بحاجة لتدويل قضيتهم؟ أدول يجيب عن السؤال بطريقته «لست أنا من دوّل القضية النوبية، بل عبد الناصر، وثروت عكاشة» مشيراً إلى أن الأمر حين يتعلق بالآثار، والتراث، والمشاريع الكبرى يصبح التدويل حلالاً، أما إذا تعلق بالبشر فلهم فى هذا حسابات أخرى. ويؤكد أدول أن ما يقصده بتدويل القضية النوبية معناه اللجوء إلى المواثيق والمعاهدات الدولية التى وقعتها مصر، والتى تنص على حقوق النوبيين، وإذا كانت الحكومة المصرية لا تعترف بهذه المواثيق، أو بالجهات التى تنتمى إليها، فعليها أن تعلن انسحابها منها فوراً. ويضيف أن الصحوة النوبية ما كان لها أن تتحقق لولا زيارة واشنطن». الصحوة النوبية التى يعنيها أدول يترجمها المهندس طارق أغا، الناشط النوبى، بأنها تعنى الدعوة للحق النوبى بين أوساط المثقفين المصريين فى الداخل، وهو يرى أن الطريق الأسلم يكمن فى أن تعى الحكومة المصرية أن مطالبنا نابعة من كوننا مواطنين مصريين، ولسنا جماعة خارجية ترمى لهم الدولة بيوتاً فى أرض مقفرة، ثم تدير لهم ظهرها معتقدة أنها «عملت اللى عليها» وهو يقول إن النوبيين يريدون العودة، لكن هذه العودة ليست مجرد انتقال جغرافى من مكان لآخر، وليست ديناً فى رقبة الدولة ترده لنا فتنتهى العلاقة بيننا وبينها «نريد العودة إلى ضفاف البحيرة، نعم، وليس من منطلق الحق التاريخى، وإنما لأن قرى التهجير مقفرة، وخالية من عناصر التنمية، وبالتالى فإن مطالبنا تنموية بالأساس» وهو يرى أن الدولة إذا لم تفهم مطالب النوبيين فى هذا الإطار، فإنها تفتح الباب مجدداً لحلول قد لا ترضيها، لكنها ستقتصر على التعاون مع المنظمات غير الحكومية التى تدافع عن حقوق الإنسان. الكرة إذن فى ملعب الدولة، والدولة لا تألو على نفسها جهداً، هكذا يراها مسعد هركى الناشط النوبى، ورئيس النادى النوبى العام، فهو يرى أن مجرد التفكير فى طرح القضية خارجياً حتى لو بمنطق حقوق الإنسان أمر لا مبرر له، بل يعكس رغبة فى «الكلام الكثير بلا فعل» لأن كل نوبى فى رأيه يجب أن يعرف أنه يستطيع الحصول على حقوقه من الدولة بالحوار مع الدولة، وليس مع أى أحد آخر.لكن ما يراه مسعد هركى «جعجعة بلا طحن» من قبل بعض النشطاء يراه غيره ضرورة لا غنى عنها، ومن بينهم حمدى سليمان، رئيس النادى النوبى فى فيينا بالنمسا، الذى يقولها هكذا صراحة وفى أكثر من مناسبة «على القيادات النوبية بالداخل الكف عن طرح مطالبهم على الدولة بعد مرور أكثر من أربعة عقود من المطالبات بلا جدوى» فالتوجه للمنظمات الدولية هو الحل الذى يراه سليمان، وعلى كل النوبيين فى المهجر أن يعوا هذه الحقيقة دفاعاً عن حقوق إخوانهم فى مصر. وما يطرحه نشطاء النوبة فى المهجر، وفى القاهرة والإسكندرية، وحتى أسوان يقدم صورة غير مكتملة لكيفية رؤية النوبيين مستقبلهم، فبعضهم، خاصة هؤلاء الذين يعيشون فى قرى ومدن نصر النوبة هناك فى الجنوب، يفكرون فى القضية بطريقة مختلفة، إذ يرون أن النوبيين يشغلهم ما يشغل غيرهم من المواطنين المصريين فى كل مكان، مشاكل مياه الشرب، والصرف الصحى، والتصويت فى الانتخابات، وتوفير فرصة عمل، ورغيف خبز خال من الرصاص، وبالتأكيد دون أن يتجاهلوا تاريخ انتقالهم من هناك عند ضفاف البحيرة، إلى هنا عند ضفاف الجفاف، وهم يرون أن المطالب النوبية بالنسبة لهم جزء من مطالب جميع المصريين، أما ما زاد عنها فمن حق المصريين جميعاً أن يعرفوه، فيشعروا به، ليتحول إلى جزء من مطالبهم هم أيضاً، هكذا يراها مصطفى رمضان، شاب نوبى يعيش فى قرية البلانة، مركز نصر النوبة، محافظة أسوان، ويلخص رمضان نتائج الخطوة التى قام بها حجاج أدول فى مؤتمر أقباط المهجر منذ خمس سنوات بأنها كسرت حاجز الصمت الطويل الذى آثر النوبيون أن يلوذوا به لسنوات، ليس فقط للمطالبة بحقوقهم التاريخية فى العودة، وإنما «وهو الأهم» فى المطالبة بحقوقهم كمواطنين مصريين. ويقول مصطفى رمضان إن المؤتمرات كلها التى عقدت داخل مصر لمناقشة القضية النوبية هى التى جعلت لهذه القضية ذلك التواجد الإعلامى الذى يتزايد تأثيره يوماً بعد يوم. ويضيف رمضان: النوبيون عليهم أن يكونوا أكثر انخراطاً فى الحياة العامة، لأن ذلك هو مفتاحهم الحقيقى نحو الحصول على مطالبهم، ويتساءل رمضان: «نحن نهتم فقط بما هى الأحزاب التى تضع القضية النوبية على أجندتها، لكننا لا نهتم بالقدر نفسه بكم نوبى فى هذه الأحزاب»، وسؤال مصطفى وراءه فكرة، والفكرة هى أن السياسة لعبة مصالح، قبل أن تكون لعبة حقوق، وأن المصالح يصنعها أصحابها، وأن وجود هؤلاء فى جميع الأشكال المدنية ومن بينها الأحزاب السياسية كأعضاء نشطين ومؤثرين هو السبيل نحو تحقيق مطالبهم. ويقول إنه انطلاقاً من هذا السبب بالذات قرر الانضمام وبنشاط لحزب الغد فى أسوان. وجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ، لكنها تمثل جزءاً من المشهد النوبى، الذى لا يتفق نشطاؤه على رؤية واحدة للحل، لكنهم يتفقون على أن كل الاختيارات مفتوحة، أمامهم دون تفريط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق