الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

ظهور العذراء والحال الذى "من بعضه"

كتبت: ناهد نصر

الوصف الأدق لما يقوم به البعض من حملات السخرية، والتهكم على اعتقاد قطاع واسع من المصريين فى ظهور العذراء، بحجة أنها درب من الخرافة، هو أنه إنكار متعمد لحرية الأشخاص فى ممارسة عقائدهم. فليس من المطلوب أن يصدق الجميع فيما يعتقده بعضهم البعض من طقوس، لكن الاستهانة بها يعكس شعوراً بالتعالى غير المبرر، خاصة وأن ما يراه بعض المنتمين لعقيدة ما خرافة، هو بالنسبة لغيرهم جزءاً أصيلاً من معتقدهم. فكر مثلاً فيما قد يراه المسيحيون فى صلاة المسلمين وحجهم وحجابهم، أو ما قد يراه السلفيون فى زيارة الشيعة للأضرحة، وتباركهم بصور على ابن أبى طالب، وما قد يراه القرآنيون فى السنة النبوية، وغيرها من الأمثلة الكثيرة مما يصلح للتراشق بالخرافة. وقطاع واسع من المسيحيين يعتقدون فى أن ظهور العذراء حقيقة لا تقبل الشك، صحيح أن هناك ضرورة للتحليل العقلانى لردود أفعال أفراد المجتمع إزاء ظاهرة ما وإرجاعها إلى أصولها، والكشف عن أسبابها، وآثارها لكن هذا التحليل ينبغى أن يتم بناء على دراسة علمية وموضوعية ومحايدة أى لا تهدف إلى التحقير من معتقدات أى جماعة من الجماعات، وإنما تقيس ميول وتوجهات المجتمع، وهذا النوع من الدراسات يصلح بالتأكيد للمجتمعات التى تفهم أهميتها، وتستعين بها فى بناء مستقبلها. أما وأن الوضع لدينا ليس كذلك، فإن كثيرا من الانتقادات الموجهة إلى جمهور السيدة العذراء ليست فى محلها، لأن بعضها نابع من أطراف لا تتصف بالحياد، ولا تتسم أحكامها بالموضوعية بل ولهم مصلحة مباشرة فى إثبات صحة معتقداتهم مقارنة بغيرها، وهو ما يحول واحد من المشاهد الاجتماعية التى باتت نادرة يتوحد فيها الكثير من المسلمين والمسيحيين دون أن تفرق بينهم سموم الفتنة، إلى مناسبات لإثارة هذه الفتنة بالذات، والبعض يمتلك قدرة الفائقة على صناعة الفتنة، فبعض المسلمين يحمدون الله على نعمة الإسلام التى أنقذتهم من براثن خرافة العذراء، وبعض المسيحيين يجدون فى فكرة ظهورها تأكيداً على صحة معتقدهم وخطأ معتقدات الآخرين بالضرورة. وهناك فارق بين الاختلاف، والنقاش حول هذا الاختلاف وبين التنابذ بالمعتقدات. وقد يرى المحللون أن هذا التجمهر اليومى والكثيف حول الكنيسة انتظاراً لمعجزة تأتى من السماء، هو نتيجة مباشرة ليأس المصريين، وعجزهم عن إيجاد شفاء لهمومهم اليومية، وهى مسئولية النظام السياسى الذى يكتفى فى مثل هذه الأحداث بالدفع بقوات الأمن لتأمينها خوفاً من تحولها عن مسارها إلى ما لا تحمد عقباه، فمن المؤكد أن هناك سبلا أخرى لعلاج هذا اليأس غير التعرض لمعتقد الآخر بسوء، خاصة أن حال المصريين جميعاً "من بعضه".