الجمعة، 19 مارس 2010

شيوخ الأزهر والسياسة.. حلفاء وضحايا

كتبت: ناهد نصر
لأسباب تتعلق بالخيط الرفيع بين السياسة والدين فى الدولة المصرية، مرت مؤسسة الأزهر بالكثير من المنعطفات التى كانت تبدأ دينية، ثم تنقلب تدريجياً إلى ما هو غير ذلك، وبعض شيوخ الأزهر تمكنوا من إدارة الدفة لصالح ما يرونه هم، وبعضهم الآخر فضل أن ينأى بنفسه عن معترك التدخل السياسى فترك الجمل بما حمل، لكن من بين مشايخ الأزهر أيضاً من حاولوا جاهدين التوصل إلى مواءمات تعفيهم من غضب الحاكم من جهة، ونقمة المحكوم من الجهة الأخرى.إلا أن الثابت فى تاريخ مؤسسة الأزهر أن قدرة شيخه على فرض رؤيته ارتبطت بمساحة الحرية المتاحة للمؤسسة نفسها فى الدولة، وهو ما أدركته الإدارات السياسية المتعاقبة على مصر، فكانت فى كل حين تعمل على تقليص هذه المساحة، لتقترب المسافة بين الاثنين حتى لا تكاد ترى، وفى حين كان جميع من تولوا المنصب بلا استثناء من العلماء الأجلاء الذين كانت لهم إسهامات بارزة فى المجال الدينى، إلا أن مواقفهم السياسية كانت هى العلامات البارزة التى تركت أثراً لا يزول على مسيرتهم.فالشيخ أحمد الدمنهورى -على سبيل المثال- والذى تولى شئون المشيخة فى 1768 كان أول من تمكن من حسم الخلافات المذهبية طويلة الأمد بين أتباع المذاهب السنية الأربعة بتفقهه فيها جميعاً، إلا أن التاريخ يذكر للدمنهورى قوة شخصيته فى علاقته بالسلطة فى عهد المماليك، حيث كان الأمراء يتسابقون لاسترضائه، حتى أنه عندما اشتدت الخلافات بين الأمراء وبعضهم البعض لجأ بعضهم إلى بيته طلباً للحماية.ولم يسلم الشيخ عبدالله الشرقاوى، الذى تولى المشيخة فى عهد محمد على، من الضغوط السياسية التى حاولت أن تفرض عليه المهادنة مع قادة الحملة الفرنسية، فى وقت كان علماء الأزهر يقودون المظاهرات، ويطلقون الفتاوى الجهادية التى تلهب حماسة الشعب المصرى لتحرير أرضهم من الفرنساويين، فلم يجد محمد على باشاً بداً من وضع الشيخ رهن الإقامة الجبرية، فى محاولة منه للسيطرة على نفوذ علماء الأزهر فى المجتمع المصرى.ولم يكن للشيخ حسن العطار، الذى كان ترتيبه السادس عشر بين من تولوا المنصب، ليتمكن من إحداث النهضة العلمية الإصلاحية فى الأزهر إلا باقترابه من الوالى محمد على، ورجال حكمه، فالرجل كان مشهوداً له قبل توليه المنصب انبهاره بعلماء الحملة الفرنسية، حتى أنه فر من البلاد بعد خروج الحملة اتقاء لغضب رجال الدين وعلماء الأزهر عليه، ثم عاد بعد سنوات طوال ليساهم فى حركة النهضة التى بدأها محمد على باشا، فينسب له الفضل فى إرسال البعثات إلى باريس وعلى رأسها أبرز تلاميذه الشيخ رفاعة الطهطاوى، ومكنته علاقته بمحمد على باشا من أن يكون من بين الأصوات الأهم فى الدعوة لإصلاح الأزهر على المستوى العلمى حتى تولى المشيخة عام 1830 وحتى وفاته.ورفض الشيخ حسونة النواوى، الذى تولى المشيخة عام 1850، قرار الخديو السياسى بتعيين قاضيين من محكمة الاستئناف فى المحكمة الشرعية، لأنه رأى أن فى ذلك خروجاً على دور المحكمة المختصة فى إصدار أحكام مبنية على الشريعة الإسلامية، وهو ما كان يراه الخديو احتكاراً غير مرغوب فيه من قبل علماء الأزهر، فأمر بتنحيته عن منصبه، وعندما عاد للمنصب بعد سبع سنوات ورأى أن ما فقده منصب شيخ الأزهر فى غيابه لا يمكن استرداده، آثر الاستقالة من منصبه بحجة أن السلطة تضع العقبات فى سبيل الإصلاح.وواجه الشيخ محمد مصطفى المراغى مصيراً مشابهاً وقد تولى منصبه فى عهد الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث رفض علاقة السلطة المتخاذلة برأيه مع رموز الاحتلال الإنجليزى، فتقدم بقانون يهدف إلى استقلال الأزهر عن القصر، وهو ما رفضته السلطة، فاضطر الشيخ لتقديم استقالته عام 1929، ليتولى محله الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى الذى اضطر هو الآخر لتقديم استقالته، حيث لم تشفع له إنجازاته الضخمة لصالح الأزهر وعلى رأسها إنشاء جامعة الأزهر، وإصدار مجلته، وإرساله البعوث هنا وهناك على سبيل الإصلاح، فى كف يد السلطة عن المؤسسة، فمن ناحية كانت السلطة تسعى جاهدة لضم الأزهر لوزارة المعارف على سبيل التأميم، كما أجبرت الشيخ على فصل 200 من علماء الأزهر المشاغبين، الذين كانوا يقودون المظاهرات الغاضبة لإعادة الشيخ المراغى إلى منصبه، وهو الأمر الذى أكسبه غضب الشارع، والأحزاب السياسية المعادية لسيطرة القصر، فاضطر لتقديم استقالته، ليعود الشيخ المراغى مجدداً إلى منصبه عام 1935 بقوة الضغط الشعبى ويبقى فيه عشر سنوات حتى توفى عام 1945.
عبدالحليم محمود
لكن تأثير الشيخ المراغى على السلطة، والذى كان بالغاً، دفع الملك فاروق بمجرد وفاته إلى تعيين الشيخ مصطفى عبدالرازق الحاصل على الدكتوراه من السوربون شيخاً للأزهر، بالمخالفة لقانون الأزهر، الذى كان يعطى الحق لثلاثة من العلماء هم مأمون الشناوى، وإبراهيم حمروش، والشيخ عبدالمجيد سليم، فى تولى المنصب، ما دفعهم للاستقالة من مناصبهم كأعضاء فى هيئة كبار العلماء، وفيما كان للشيخ عبدالرازق جهود لا يمكن إغفالها فى إحياء علوم الدين، وتجديدها من خلال دعوته لدراسة الفلسفة الإسلامية والتى كان لها تأثير بالغ على المؤسسة، فإن ارتباطه بالقصر والطريقة التى تولى بها منصبه ظلت تلاحق سيرته.ولعب الشيخ محمد مأمون الشناوى الذى خلف الشيخ عبدالرازق فى تولى المشيخة دوراً بارزاً فى نشر المعاهد الأزهرية، والقضاء على تدخل الأحزاب السياسية فى تدخل الأزهر، إلا أن فتواه الحاسمة فى ضرورة الجهاد ضد احتلال فلسطين ظلت هى الذكرى الأبرز التى ارتبطت باسم الشيخ حتى وقتنا هذا.أما الشيخ محمود شلتوت فمثلت فترة توليه مشيخة الأزهر علامة فارقة فى تاريخ المؤسسة، صحيح أن الرجل تلميذ مدرسة الإحياء والتجديد التى قادها الإمام محمد عبده، يرجع له الفضل فى تغيير معالم التعليم الأزهرى وإنشاء العديد من المؤسسات والهيئات التى مازالت تمثل جزءاً مهماً من مؤسسة الأزهر حالياً، كما يرجع له الفضل فى تأسيس دار التقريب بين المذاهب، وتدريس الفقه الشيعى على طلاب الأزهر، فإن تقديم الرجل لاستقالته عام 1963 من منصبه معترضاً بذلك على تدخل نظام عبدالناصر فى سير المؤسسة، ومحاولات الرئيس تقليص سلطات شيخ الأزهر عام 1961 بعد أن أصدر قراره بإلغاء هيئة كبار العلماء، وإطلاق صفة الإمام الأكبر على شيخ الأزهر الذى يعين بقرار جمهورى ظلت إحدى العلامات الأشهر فى تاريخ شلتوت.ومن أهم ما يذكر للشيخ محمد الفحام، شيخ الأزهر فى أوائل عهد الرئيس السادات، معاونته للرئيس فى التصدى لأحداث الخانكة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، والتى كادت تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه، حيث شارك الشيخ فى اللجنة التى شكلها الرئيس برئاسة وكيل مجلس الشعب لتقصى الحقائق، والتى أصدرت توصياتها المشهود لها حتى الآن بالموضوعية.وميزت الفتاوى والاجتهادات السياسية الفترة التى تولى فيها الشيخ عبدالحليم محمود لمنصبه «1973 - 1978» والتى اختتمها بتقديم استقالته بسبب قرار الرئيس السادات تقليص منصب شيخ الأزهر من أى قوة، ومنحها لوزير الأوقاف، إلا أن الضغوط الكبيرة التى مورست على الرئيس السادات فى الداخل والخارج أجبرته على التراجع عن قراره ببيان أعاد فيه لمنصب شيخ الأزهر اعتباره، بل ساوى بينه وبين منصب الوزير. وكان للشيخ عبدالحليم محمود مواقف مشهودة خالف فيها توجه النظام السياسى، حيث عارض تعديل قانون الأحوال الشخصية، كما عارض تدريس الدين المسيحى والإسلامى فى مناهج مشتركة بناء على رغبة البابا شنودة، برغم ضغوط رئيس الوزاء آنذاك مصطفى خليل. وتدخل الشيخ عبدالحليم محمود فى العديد من القضايا السياسية الخارجية، ومنها الحرب الأهلية فى لبنان، والأزمة الجزائرية المغربية على الصحراء، حيث أرسل برقيات للعديد من القيادات السياسية من بينهم الرئيس السادات نفسه يطالبه فيها بحقن دماء المسلمين وإصلاح ذات البين فيما بينهم، وهى البرقية التى أجبرت السادات على الرد عليها مطمئناً الشيخ أنه يجتهد فى القيام بدوره وما تمليه عليه مسئوليته كرئيس لمصر.إلا أن ولاية الشيخ جاد الحق على جاد الحق «1982-1996» الذى جاء خلفاً لعبدالحليم محمود مرت هادئة على الجانب السياسى، فالرجل صب اهتمامه على الأمور الفقهية والشرعية نائياً بنفسه عن خوض غمار السياسة، ليخلفه الشيخ سيد طنطاوى 1996 ومؤسسة الأزهر كما هى الحال عليه بعد سنوات طوال من المد والجزر بينها وبين السلطة السياسية، والتيارات المتشددة تكتسب أراضى جديدة ومساحات أوسع من المجال الدينى فى الشارع المصرى، لتشهد فترة ولايته جدلاً لم ينقطع واتهامات من جهات متعددة تربط بينه وبين السلطة، وتقارن بين ما كان عليه قبل توليه المنصب وما جاء به بعد ذلك.

الأربعاء، 17 مارس 2010

مـأساة مصرية

كتبت: ناهد نصر
مأساتنا الحقيقية أن أصحاب العقول عندنا فى راحة، فهم على تعدد المآسى المحيطة بنا من كل جانب لا يدركون سبيلاً للتعاطى معها، سوى بالكلام المنزوع الحيوية، فهم إما يطبلون ويصفقون أو ينتقدون بلا هوادة وهم مطمئنون إلى بروجهم العالية التى يعيشون فيها بعيداً عن المآسى، وأحياناً فى حراسة أمنية مشددة. أحدهم أثار مؤخراً جدلاً واسعاً على صفحات موقع "اليوم السابع" بسبب خبر منشور يحمل آراءه فى بعض القوى السياسية، والقضايا العامة، وهو ما أزعج بعض القراء كثيراً لدرجة أن أحدهم تمنى لو تمكن "من النيل منه وترك علامات على جسده"، وعندما حذف الخبر من الموقع احتراماً لرغبة صاحبنا أثير جدل أكبر بكثير صعد بخبر الحذف إلى قائمة الأكثر تعليقاً.والمشكلة هنا أن أصحاب العقول لدينا لا يعقلون أن واجبهم يتجاوز مجرد الكلام إلى العمل، إذ أن إعمال العقل لا يأتى فقط بنقد النص وانتقاد النقل، وإنما يستلزم الجرأة التى تدفع نحو التحرر مما قد يرونه قيماً بالية، أو مسلمات فارغة دون الاحتماء بحراسة لن تحرسهم، لأن حارسهم الحقيقى ينبغى أن يكون العقل، عقلهم والملايين المستعدين لبذل الغالى والرخيص دفاعاً عما يعتقدون فى أنه الصواب. فمأساتنا المتمثلة فى تغييب العقل أو الخوف من إعماله والتى تكرسها أنظمة التعليم والعمل التى لا تدع مجالاً للإبداع، وتحاصر العقول بالخوف من التجديد، والتهديد بالقتل أحياناً، لن تنتهى باكتفاء العقلاء بالدعوة للتغيير دون أن يكون لديهم الاستعداد للتضحية بما هو أغلى من كل نفيس حتى لو كانت حياتهم، بدلاً من التراجع عما يؤمنون به، ثم الصراخ بأنهم محاصرون. وليس هناك من نصيحة لهذا النوع من "أصحاب العقول" إلا أن يتعلموا فضيلة العمل، أو الاكتفاء بالصمت فهو بحد ذاته فضيلة فى بعض الأحيان إن كانوا حقاً يعقلون، ذلك هو الضمان الوحيد لإعمال العقل بهدف التخلص من المآسى.
منشور على موقع اليوم السابع

الجمعة، 12 مارس 2010

انقلاب أزهرى ضد الشيعة

كتبت: ناهد نصر
أقل ما توصف به فعاليات المؤتمر الأخير لمجمع البحوث الإسلامية أنه أعاد جهود التقريب بين المذاهب والتى تمتد إلى القرن التاسع عشر إلى نقطة الصفر مجدداً. وذلك ابتداء من عنوانه الذى تغير فى اللحظات الأخيرة من «التقريب بين المذاهب» إلى مناقشة الموقف من الصحابة، وهو ما فسره أتباع المذهب الشيعى، بأنه محاولة لتعميق الخلاف بينهم وبين السنة، خاصة مع إعلان الدكتور سيد طنطاوى شيخ الازهر أن «من يسب الصحابة خارج عن الإسلام».وبعيداً عن الموقف الفقهى من التعرض للصحابة، فإن التركيز على هذا الجانب الخلافى، يعتبر انقلاباً على ما توصل إليه علماء الأزهر بالتعاون مع علماء شيعة حتى عام 2007 من أن الخلاف المذهبى بين السنة والشيعة لا يتجاوز اختلافاً هو خلاف على أمور فرعية، يمكن التغاضى عنها أو إرجاء مناقشتها لصالح الأمور المشتركة بين الطرفين.عودة النقاش مجدداً الى نقطة الصفر، رفعت التكهنات بأن أموراً أخرى بعيدة عن جوهر القضية تقف فى سبيل التقريب المذهبى و تدفع علماء الدين إلى تغيير مواقفهم تبعاً للظروف.وليس أدل على ذلك من موقف مؤسسة الأزهر تاريخياً من مسألة التقريب، والتى كانت دائماً مرتبطة بالموقف السياسى للدولة المصرية مع إيران، إذ شهد العام 1979 الإجهاز على دار التقريب بين المذاهب الإسلامية إحدى المؤسسات التى لعبت دوراً محورياً فى التقريب المذهبى منذ الأربعينيات، وشارك فى تأسيسها الدكتور محمود شلتوت شيخ الأزهر عام 1947، وتزامن تجميد عمل دار التقريب مع اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل على الجانب الآخر.وفيما وافق الأزهر فى العام 2002 على إيفاد خمسة عشر عالم دين مصريا لإيران بقيادة الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر- لإحياء ذكرى اثنين من أئمة التقريب المذهبى، هما الشيخ محمود شلتوت وآية الله البروجردى- لم ينس الدكتور محمود عاشور أن يشير إلى أن التقارب المصرى الإيرانى ساعد على إعادة الحوار المذهبى «بشكل أكثر إلحاحًا». أما الدكتور محمد عمارة الذى شارك أيضاً فى المؤتمر الأخير لمجمع البحث الإسلامية، فبدا آنذاك واثقاً من أن «التقريب المذهبى خير علاج لمواجهة التحديات الإقليمية التى تواجه الأمة الإسلامية».بل لقد حدث فى عام واحد، هو العام 2003، أن تراجع الأزهر فى اللحظات الأخيرة عن موافقته على دعوى إيرانية للمشاركة فى مؤتمر التقريب بين المذاهب، ليشارك بدلاً من ذلك فى مؤتمر المنامة بالبحرين.وما كادت ثمار استعادة جهود التقريب تبلغ ذروتها فى العام 2006 عندما أعلن عاشور عن الإعداد لإنشاء لجنة عليا للتقريب بين المذاهب بالتعاون مع علماء شيعة، تمهيدً لإنشاء مجمع للتقريب يحيى جهود دار التقريب المجمدة منذ أربعين عاماً، بحجة أن الخلافات بين الطرفين «فرعية ومن السهل تجاوزها»، حتى تراجع عاشور عن تصريحاته بعدها بعامين فقط، وبالتحديد فى العام 2009 تزامناً مع القبض على خلية حزب الله، ليعلن رئيس مجمع التقريب الذى لم يقدر له أن يرى النور أن «من يتعرض لمصر هو عدو لنا، ولا حياة للشيعة بيننا، ولن نسمح بالدعوة للمذهب الشيعى فى مصر»، هذا على الرغم من أن الأزهر الشريف كان سباقاً على جميع دول العالم الإسلامى بالاعتراف بأربعة مذاهب شيعية هى الجعفرية والزيدية، والأباضية، والظاهرية، بل تدريسها فى مناهج الأزهر.فلماذا غيّر الدكتور عاشور رأيه من عام لآخر، ولماذا تتخذ مؤسسة الأزهر قرارات يتفق عليها علماؤه استناداً إلى أدلة فقهية، ثم يتراجع عنها دون إبداء أسباب، ولماذا تتصدر مسألة الموقف من الصحابة المشهد، رغم أنها لم تكن أبداً سبباً فى إفشال الحوار المذهبى طوال السنوات الماضية. الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، وممثل الأزهر فى أغلب مؤتمرات التقريب خلال العقد الأخير يرفض التعليق، بحجة أنه مشغول.فيما يعاود الشيخ فوزى الزفزاف، عضو مجمع البحوث الذى لم يحضر مؤتمر المجمع الأخير، تأكيده بأن الحوار المذهبى كشف عن أن الخلافات الفقهية بين السنة والشيعة فرعية، وأن الشيعة مسلمون بلا شك، «ولا نأخذ عليهم سوى سب الصحابة»، لكن لماذا لما يتطرق المؤتمر الأخير على الأقل لأتباع المذاهب الشيعية الأربعة التى يعترف بها الأزهر؟ يقول الزفزاف: «صحيح أن أتباع الجعفرية والاثنى عشرية يؤكدون أنهم أوقفوا سب الصحابة لكن من يدرى لعلهم يتبعون التقية، ويظهرون عكس ما يبطنون، لكن إذ كانوا صادقين فنحن معهم». وينفى الزفزاف قطعياً أن تكون العلاقات السياسية وراء تصدير مسألة سب الصحابة، ويقول: «هناك كتب شيعية فى الأسواق، وخطباء شيعة على المنابر يسبون الصحابة، أما السياسة فلا علاقة لها بنا من قريب أو بعيد».وهى حجة يبدو من الصعب على الدكتور أحمد راسم النفيس ابتلاعها بسهولة، فالرجل يرى أن اتهام الشيعة بسب الصحابة، يشبه اتهام العرب بمعاداة السامية، وهو لا يرى سبباً فى اعتبار بعض الصحابة «أصناماً لا يمكن التعرض لهم بالنقد»، فالسنة برأيه يعتبرون التشكيك فى الناقل تشكيكاً بالضرورة فى المنقول، ويتجاهلون فى ذلك أن علم الحديث الذى يدرسونه فى معاهدهم وجامعاتهم مبنى أساساً على التشكيك. ويضيف «ثوابتى كباحث ومحقق مسلم سنى أو شيعى هى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعندما يحل أحد الصحابة ما حرم الله، أو العكس يجب أن تكون لنا وقفة». وهو يفسر مواقف علماء الأزهر المتراوحة بين السير فى التقريب والامتناع عنه بأنها محاولة لإظهار الولاء للنظام والدليل على ذلك برأيه محاربتهم للدكتور طه حسين الأزهرى لأنه تجرأ علناً على مراجعة التاريخ الإسلامى ويقول: «لو أن المسلمين درسوا تاريخهم لعلموا سبب ما نحن فيه من بلاء، أما علماؤنا الأفاضل فلا هم لهم سوى الحفاظ على مواقعهم التى يصدر بها قرار جمهورى».لكن ما الحد الفاصل بين سب الصحابة، والتعرض لهم بالنقد ولأحكامهم وأفعالهم بالتفنيد، يجيب الشيخ فرحات المنجى بأنه لا يجوز بأى حال التعرض بالسب لصحابة رسول الله الذين قال فيهم «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، ومن يقل بغير ذلك فدليله باطل وزعمه مضل. وهو يرى أن الأزهر لا يفرق بين السنة والشيعة، وإنما الشيعة هم دعاة التفريق بتكفيرهم لبعض الصحابة، والفرقة برأيه مصدرها أن «نسلط الضوء على بقعة صغيرة فى الثوب الأبيض» فالصحابة اجتهدوا فأصابوا وأخطأوا.

الجمعة، 5 مارس 2010

جمعيات سلفية تنشر الفتنة الطائفية بتصريح من وزارة التضامن الاجتماعى

كتبت: ناهد نصر

حالة الاحتقان الطائفى التى يعانى منها المجتمع المصرى، نتيجة سنوات طويلة من شحن الأطفال والشباب بالأفكار التى تميز بين الناس على أساس الدين، وتأتى الجمعيات الدينية ذات التوجه السلفى المنتشرة بجميع المحافظات أحد أهم مصادر هذه الأفكار، حيث تزرع الفتنة بتصريح من وزارة التضامن الاجتماعى، وفى غياب أجهزة الدولة.هذه الجمعيات تعمل بالمخالفة للقوانين المنظمة لعمل الجمعيات الأهلية، فبينما يوجب قانون الجمعيات الأهلية أن يكون «اسم الجمعية مشتقاً من غرضها» تحمل المئات من جمعيات تنمية المجتمع الهادفة إلى ممارسة أنشطة خيرية، أسماء تنطوى على فرز دينى واضح، كأن تذيل اسمها بعبارة «الإسلامية»، أو أن تستقى أسماءها من شخصيات دينية مثل «جمعية ابن أبى قحافه للبر والتقوى»، و«ابن كثير الخيرية لتنمية المجتمع» و«أحباب سيدنا ابن الخضر» و«أحباب المصطفى لتنمية المجتمع».ووفق قانون الجمعيات نفسه فإن أحد الأنشطة المحظورة على الجمعيات الأهلية هى التى تنطوى على «تهديد للوحدة الوطنية، أو الدعوى إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون او اللغة او الدين أو العقيدة» وبالرغم من أن هذه المحاذير تنطبق حرفياً على أنشطة الكثير من الجمعيات الأهلية ذات الطابع الدينى المنتشرة فى أنحاء الجمهورية، وعلى رأسها جمعية أنصار السنة المحمدية، والجمعية الشرعية، فإنها آخذة فى التوسع فى المحافظات وممارسة أنشطة تعليمية، وتثقيفية للأطفال والشباب، بأرقام إشهار من وزارة التضامن الاجتماعى.فالإصدار الدورى لجماعة أنصار السنة على سبيل المثال «مجلة التوحيد» تتضمن العديد من الموضوعات التى تميز بشكل واضح بين المسلمين والمسيحيين، بل وبين أتباع السلفية، وغيرهم من الفرق الاسلامية الأخرى كالشيعة، والمتصوفة، حيث تصدر عناوين من نوع «التآمر الشيعى على الإسلام والمسلمين» و«بدعة الاحتفال بالمولد النبوى»، و«وباء الخنازير والحكمة الإلهية». بل ورد فى إحدى مقالات جمال المراكبى الرئيس العام السابق لجماعة أنصار السنة بعنوان «من يدخل الجنة» «أن اليهود والنصارى كفروا بما أنزل الله، وحرفوا عقيدتهم، وأنه لن يدخل الجنة من آمن بألوهية المسيح، لأن ذلك كفر صريح مآل صاحبه النار» هذا بخلاف عشرات الفتاوى التى يدعو لها أئمة الجماعة بوجوب النقاب، وفرض الختان على الإناث، وتحريم الاحتفال بشم النسيم. والمثير لعلامات الاستفهام أن غالبية علماء جماعة أنصار السنة التى تمتلك نحو 200 فرع، و2000 مسجد فى أنحاء المحافظات، يتحولون إلى أعضاء فى هيئة كبار العلماء بالسعودية، ومن بينهم الشيخ عبدالرزاق عفيفى والشيخ عبدالرازق حمزة، وكان الشيخ عبدالظاهر أبوالسمح أول إمام للحرم المكى. وتخصص بعضهم فى الهجوم على الصوفية ومنهم الشيخ صفوت الشوادفى نائب الرئيس العام للجماعة، ورئيس تحرير مجلة التوحيد سابقاً.ويشير موقع الجمعية إلى أن استهداف الأطفال يمهد إلى خلق جيل من الدعاة يتدرج فى المؤسسات التعليمية للجمعية حتى يتشرب بتعاليمها. أما القائمون على التثقيف الدينى والتعليم فى هذه المؤسسات فهم من خريجى معاهد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية وعددها 46 معهداً فى 13 محافظة، يستقون أفكارهم من مناهج لا علاقة لها بالمناهج التى يتم تدريسها فى المعاهد الأزهرية، إذ تضم كتباً لعلماء سلفيين أبرزهم الشيخ خليل القطان عضو جماعة الإخوان سابقاً، والمدير السابق للمعهد العالى للقضاء فى السعودية، ووضعت الجمعية منهجاً خاصاً بها فى العقيدة، يعتمد على اجتهادات الشيخ محمود محمد خطاب السبكى مؤسس الجماعة والذى يسمونه بـ«إمام أهل السنة».ولا تختلف مجلة الجمعية الشرعية «التبيان» فى توجهها ضد أصحاب الأديان، والمذاهب الأخرى عن مجلة أنصار السنة، فعلى سبيل المثال تصدر أربعة من أعدادها مقالاً مسلسلاً يتحدث عن العلاقة بين «المسلمين والنصارى فى مصر» يدعو صاحبه «النصارى الذين خلطوا عقيدتهم بطقوس وثنية لا محدودة» أن «يعلنوا موقفهم من دين الاسلام،وعقيدة المسلمين وحق المسلمين فى حكم مصر» وفى محاولة منه لإسقاط صفة «الأقباط» عن المسيحيين المصريين.يقول الكاتب إن «الأقباط هم من ارتفعت عقولهم بالوحدانية واعتنقوا الدين الذى جاء به البدو الرحل من شبه الجزيرة العربية ليحررهم من الشرك وعبادة الحجر، والبشر» ولا تعترف الجمعية الشرعية ضمنياً بفتاوى مجمع البحوث الإسلامية، ولا دار الافتاء المصرية، إذ تعتمد على علمائها السلفيين بشكل أساسى، والذين يلجأون إلى فتاواهم للإجابة عن تساؤلات من يستهدفونهم.الغريب أن كل ما تقدم لم يؤثر فى أى وقت فى علاقة هذه الجمعيات بمؤسسة الأزهر الشريف، ولا وزارة الأوقاف رغم أنها تدعو لمنهج مخالف.الدكتور أحمد السايح، الأستاذ بجامعة الأزهر، وصف هذه الجمعيات بأنها تعمل لصالح منظمات خارجية غير شرعية، تتلقى منها أموالاً ضخمة لزعزعة الاستقرار فى المجتمع المصرى، والسيطرة عليه ثقافياً بواجهة دينية، مشيراً إلى أن القائمين عليها يحاربون الأزهر وعلماءه ويستخدمون فى الوقت نفسه أسماء لعلماء الأزهر لاكتساب شرعية فى المجتمع.ويجزم الدكتور عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والعميد السابق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، بمخالفة أغلب الجمعيات الدينية فى مصر لمنهج الأزهر الوسطى الذى يعمل العقل، ما يمثل خطراً كبيراً على عقول المصريين، معترفا بنجاح هذه الجمعيات فى استقطاب عدد كبير من علماء الأزهر الذين قد يكون لبعضهم أهداف غير معلنة من وراء انتمائهم لها.وفجر بيومى مفاجأة بقوله: إن مؤسسة الأزهر «لا إشراف، ولا ولاية لها على المؤسسات التعليمية التابعة لتلك الجمعيات، ولا على أنشطتها» موجها اللوم لوزارة التضامن التى تسمح بتوسع تلك الجمعيات دون ضابط.من جانبها نفت عزيزة يوسف رئيس إدارة الجمعيات الأهلية بوزارة التضامن اتهامات بيومى للوزارة بالتقصير، ملقية المسئولية على الأزهر ووزارة التربية والتعليم، والمجلس الأعلى للصحافة، وهى الجهات المسئولة عن الجمعيات الأهلية التعليمية، والثقافية وما تصدره من مطبوعات - على حد قولها.وأضافت: «وزارة التضامن لا علم لديها بما يدرس داخل هذه الجمعيات، كما لا تعرف ماذا ينشرون فى مطبوعاتهم لو ثبت للوزارة ممارسة هذه الجمعيات أى أنشطة تنافى المادة 11 التى تحظر أى نشاط يضرب الوحدة الوطنية، أو يميز بين الناس على أساس دينى أو عقائدى «فسوف نتحرك فوراً».تبادل إلقاء المسئولية بين الأزهر و«التضامن» وصفه حافظ أبوسعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بالتواطؤ من قبل أجهزة الدولة مع انتشار الفكر السلفى فى الشارع، مادام الدعاة له لا يهاجمون سياسة الدولة، بعكس ما يحدث مع جمعيات حقوق الإنسان.

5 أسباب وراء انهيار صناعة النسيج

كتبت: ناهد نصر

مسلسل انهيار صناعة الغزل والنسيج ربما يشهد فصوله الأخيرة خلال أيام بإغلاق المئات من مصانع الغزل والنسيج، كانت هذه تصريحات سعيد الجوهرى، رئيس اتحاد النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج، والتى بدت بالنسبة للكثيرين نتيجة طبيعية لسلسة من السياسات الاقتصادية الموجهة لهذه الصناعة منذ أواخر الثمانينيات، وبدء برنامج التكيف الهيكلى وخصخصة القطاع العام، فى حين اختلفت طبيعة الانتقادات التى وجهت لهذه السياسات منذ بداية تطبيقها حتى الآن، ما بين رافضين للخصخصة بشكل مطلق، وآخرين معترضين على الطريقة التى تمت بها فى مصر، مع التركيز بشكل كامل على الآثار السلبية التى حلت بالعاملين فى هذا القطاع، وبين الاهتمام بالصناعة نفسها فى موقعها من الدخل القومى المصرى بشكل عام.واصل المسئولون عملهم دون التفات إلى أوجه الانتقادات المختلفة، غير أن اتساع مساحة الأزمة لتشمل العمال من جهة، والقائمين على الصناعة فى القطاع الخاص وقطاع الأعمال وكذلك فى قطاع التصدير من جهة أخرى، فى ظل مشكلات اقتصادية تتعلق بالدخل القومى وتضاؤل الموارد من جهة ثالثة حول مسألة انهيار القطاع إلى ما يشبه المفاجأة القاسية التى يحاول المسئولون التعامل معها على وجه السرعة وبأسلوب لا يخلو من تسرع، ولا يقوى على علاج الأزمة.الحلول التى قدمتها الدولة تمثلت فى صندوق إعانة الطوارئ بوزارة القوى العاملة والهجرة، والدعم الذى طرحته وزارة المالية، ووزارة التجارة والصناعة لقطاع الغزل والنسيج. غير أن الصندوق الذى لجأت له الوزارة للتخفيف من حدة الاحتجاجات العمالية بدا أقل بكثير من أن يتمكن من احتواء الأزمة التى تسببت فيها بالأساس عقود بيع متساهلة مع مستثمرين عرب وأجانب هرب بعضهم بعد أن أغرق الشركات فى الديون التى حصل عليها أساساً من البنوك المصرية. أما الدعم الحكومى الذى وعدت به وزارة المالية والتجارة والصناعة، فلم يقو على الاستمرار سوى شهرين فقط، تعثر بعدها دون إبداء أسباب، مثيراً الكثير من الغضب لدى القائمين على الصناعة، هذا فى حين واصلت مافيا التهريب عملها بجد تلاعباً بالقوانين أحياناً، وباستغلال ثغرات القانون فى أحيان أخرى، وهو ما يبدو قطاع الغزل والنسيج كمأزق عميق، يثير الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة المسئولين على الخروج منه.وهو سؤال يبدو معه اعتراف أحمد العماوى وكيل مجلس الشورى، ووزير القوى العاملة السابق بفشل الحكومة فى إدارة الأزمة تحصيل حاصل، فالرجل يرى أنها أوسع بكثير من أن يحلها دعم حكومى موجه أساساً للمنتج النهائى، بينما يترك محصول القطن الذى تعتمد عليه الصناعة فريسة لأسعار السوق تصيبه الخامات المستوردة فى مقتل، وهو يرسم أطراف الأزمة فى فلاح بلا دعم يصارع طوفان الأسعار العالمية، وبالتالى مواد خام مرتفعة السعر، مقابل غزو خارجى لمواد خام مهربة تغرق السوق المحلية، ففشل كامل فى المنافسة فى السوق الداخلية أو الخارجية، والنتيجة انهيار الصناعة بأكملها، كل ذلك يتم فى رأيه بلا سياسة واضحة للتطوير أو الإصلاح، رغم أن روشتة الإنقاذ بسيطة وتتطلب تنفيذ شروط بسيطة وعادية لمنع التهريب، وحماية المنتج المصرى. ومن هذه الناحية فالوزير السابق يؤكد أنه «لا يثق فى تصريحات المسئولين الذين يكررون الكلام نفسه منذ التسعينيات بلا جدوى» وهو يوجه اتهاماً مباشراً للحكومة بأنها تحمى جماعات المصالح المستفيدة من التهريب بدلاً من حماية الصناعة، وبالتالى فقد حددت الدولة اختياراتها.ويضيف: «أشعر بالندم على المشاركة فى مذبحة القطاع العام فما كان يحتاجه هذا القطاع بالأمس واليوم وفى المستقبل هو إصلاح حقيقى لم يتم» فالخطورة برأيه لا تقتصر على تهديد أحد أهم مصادر الدخل القومى المصرى، وإنما خسارة الملاvيين من فرص العمل التى يستوعبها قطاع الغزل والنسيج.وهو كلام تؤكده الخبرة الطويلة لمحمد إمام، رئيس نقابة عمال مصنع الشوربجى للملابس الجاهزة، الذى يتذكر بكثير من المرارة أيام كانت عنابر مصنعه تعج بنحو 7 آلاف عامل وعاملة يمدون السوق المصرية بماركة مسجلة اسمها «الشوربجى» لم يتبق منها حالياً سوى القليل من المنتجات التى طغى عليها المستورد، وهى نتاج عمل أقل من 700 عامل يعملون حتى تنتهى الوردية، فينطلق كل إلى عمله الثانى حتى يتمكن من سد رمق أسرته. ويحكى إمام بكثير من الفخر ذكرياته خلال حرب 73 عندما تبرع عمال مصنعه بأجورهم للمجهود الحربى لأنهم كانوا يشعرون بأنهم جزء من مشروع وطنى كبير اسمه «فخر الصناعة المصرية» تحول إلى مسرح لقرارات فردية ومفاجئة وعبثية.والخسائر برأيه لا تقتصر على العمالة، وإنما طالت الماكينات التى لم تحدث منذ 25 عاماً بسبب غياب التطوير، والاستثمارات الموجهة للقطاع ويقول: «العمل يجرى فى المصنع بقدرة ربنا، وليس بتخطيط من الحكومة» ويعبر إمام عن دهشته من تجاهل الحكومة إغراق المنسوجات السورية للسوق، وتجاهل جميع المطالب للتصدى له بحجة أن تلك مسألة سياسية حساسة.
يوسف بطرس غالى
وهذا الغزو لا يقتصر بالتأكيد على الإنتاج السورى إذ تحولت السوق المصرية إلى مطمع لجميع الدولة المنتجة للغزل والنسيج والملابس الجاهزة وعلى رأسها الصين، وتركيا والهند والتى يدخل بعضها عن طريق التهريب، بينما يدخل البعض الآخر بالتلاعب فى الفواتير والتزوير واستغلال الثغرات التشريعية.وهو ما يؤكده محسن الجيلانى، رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، صحيح أنه مؤمن بأن تنفيذ الدولة وعودها فى صرف الدعم سيخرج قطاع الغزل والنسيج من عثرته، إلا أنه يعتقد فى أن التهريب هو أساس الفساد، ويقول إن الغزول، والملابس الجاهزة، والأقمشة، وحتى البذور يتم تهريبها وتباع فى الأسواق بأبخس الأسعار مهددة الإنتاج المحلى، والمفاجأة التى يفجرها الجيلانى هى أن جرائم التهريب التى تحدث يومياً تتم بشكل رسمى من خلال استغلال ثغرات إجراءات السماح المؤقت، وتجارة الترانزيت والمناطق الحرة، ويقول: «كلها إجراءات هلل لها المسئولون فى حينها، معتبرين أنها تسهيلات للتطوير، بينما هى فى الواقع تدق المسمار تلو الآخر وبشكل مستمر فى نعش صناعة الغزل والنسيج المصرية».لكن منصب الجيلانى كرئيس للشركة القابضة للغزل والنسيج لا يعفيه بشكل كامل من المسئولية عن بعض أزمات الصناعة خاصة فى ظل اتهامات كثيرة تطال مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال العام بالتقصير، وهى اتهامات يعتبرها الجيلانى محض افتراء، فهو يعترف بأن القطاع يعانى من نقص الكفاءات التى تحول أغلبها للقطاع الخاص، لكنه فى الوقت نفسه يؤكد أن تقييم الإدارات الموجودة بالفعل مسألة نسبية، إذ لا يمكن برأيه تحميل الإدارة وحدها مسئولية الفشل لأنها تتحمل أعباء هى ليست مسئولة عن تحملها وحدها. وعلى رأس تلك الأعباء برأيه العمالة الزائدة التى تملأ منشآت قطاع الأعمال العام.والتخلص من العمالة هو أحد أسباب أزمة القطاع برأى نبيل عبدالغنى، الرئيس السابق للجنة النقابية بشركة الغزل والنسيج، والقيادى بحزب التجمع، الذى يرى أن قطاع الغزل والنسيج يعتمد أساساً على العمالة الكثيفة، وهو أقدر القطاعات الصناعية على الإطلاق على استيعاب البطالة، لكن تحوله إلى قطاع يضع ضمن أولوياته التضحية بالعمال يعكس الاختيارات الحقيقية للدولة التى قتلت مشروع الإنتاج لصالح مشروع الاستيراد، وبالتالى فإن جميع الحلول التى تطرحها الحكومة حاليا شكلية، وغير مؤثرة، سواء للقطاع العام أو الخاص، وكلاهما يعانى من سوء الإدارة، فجوهر الإصلاح برأيه يتمثل فى تنقية إدارة قطاع الأعمال من الفساد والمفسدين، والاعتماد على الإدارة العلمية للمشروعات الاقتصادية فى القطاع العام والخاص، ووضع ضوابط صارمة ومفعلة على استيراد النسيج من الخارج، والتزام الحكومة بفترات السماح التى تتيحها لها الاتفاقات الدولية. ويتساءل عبدالغنى عن السبب فى إهمال الحكومة لفترة السماح التى أتاحتها لها اتفاقية الجات فى حماية منتجاتها من الغزل والنسيج، ليظهر الأمر بعد انتهاء فترة السماح على أنه مفاجأة مؤسفة للمسئولين.
لمعلوماتك...◄1927 أنشأ بنك مصر شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى.◄1945 بلغ عدد عمال الغزل والنسيج 117272 عاملاً وبلغت المنشآت العاملة فى مجال الغزل والنسيج 9425.◄1960 تأميم غالبية شركات ومصانع الغزل والنسيج وعلى رأسها شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة.◄1974 فتح باب الاستيراد للملابس الجاهزة ضمن سياسة الانفتاح الاقتصادى.◄1986 إضراب عمال غزل المحلة احتجاجاً على التأخر فى الإحلال والتجديد.◄1991 بدء إعادة هيكلة قطاع الغزل والنسيج الحكومى، والتوقف عن الاستثمار فى تحديث الميكنة وأساليب الإنتاج.◄1993 بدأ تنفيذ برنامج خصخصة الشركات الحكومية.◄1995 توقيع اتفاقية الجات، وإعلان الحكومة تحرير أسعار تسليم القطن وزيادة تكلفة إنتاج الغزل والنسيج.◄2004 توقيع اتفاقية الكويز بين مصر وأمريكا وإسرائيل◄2005 بدأ تنفيذ اتفاقية الجات فى مصر.◄2009 تزايد عدد الإضرابات العمالية بمصانع الغزل والنسيج، وإعلان وزارة المالية دعم صناعة الغزل والنسيج.◄2010 تفاقم أزمة صناعة الغزل والنسيج وإعلان رئيس نقابة الغزل والنسيج أن الصناعة على حافة الانهيار.