الأحد، 29 مارس 2009

السمكة لا تفسد من ذيلها

كتبت: ناهد نصر

النظام السياسى يكذب حين يرفض إنشاء أحزاب على أساس دينى، ثم تتورط مؤسساته فى صراعات مع مواطنين على أساس الدين، فما مصلحة وزارة الداخلية فى أن تطعن على حكم المحكمة السابق بوضع "شرطة" فى بطاقة البهائيين، وما مصلحة وزارة التربية والتعليم فى إجبار تلميذين على الامتحان فى مادة التربية الإسلامية رغماً عنهما، أو وزارة الثقافة فى الصمت المطبق والتدخل السلبى أحياناً فى المذابح التى تتعرض لها أعمال وأشخاص، بحجة أنهم أساءوا للدين. مؤسسات الدولة لا تلعب دوراً محايداً حين يفترض بها ذلك، فبدلاً من أن تكون هى الطرف الذى يجمع الكل على أساس المواطنة، أى المساواة فى الحقوق والواجبات، لا تربأ تلك المؤسسات عن الدخول فى معارك جانبية، وخصومات مع مواطنين من المفترض أنها قائمة على خدمتهم ورعاية مصالحهم العليا.إن اختيار العقيدة وإعلانها والاعتراف بها واحترامها أحد الحقوق الأساسية للمواطن، والدولة مطالبة بأن تزيل كل شكل من أشكال التمييز على أساس الدين من كل ما هو رسمى، وأن تعترف قلباً وقالباً بأن جميع المصريين متساوون أمامها دون عائق، أما الاختلاف فى أمور العقيدة فهو أمر طبيعى تماماً، كما الاختلاف فى الرأى. لكن من غير الطبيعى أن يترتب على هذا الاختلاف انتقاصاً فى الحقوق، أو أن تجور جماعة على أخرى، أو تتوجه لها بالإساءة والإهانة والتجريم، وما هو أكثر.والدولة عليها أن تضع قواعد واضحة لإدارة الاختلاف، وأن تضرب مثلاً على ذلك من خلال مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، فلا تنحاز لمعتقد على آخر، ولا تميل لأصحاب ديانة بعينها، وأن تفعل القوانين التى تجرم التمييز على أساس الدين بكل أشكاله، بما فى ذلك ما ينطق به اللسان من صفات وألفاظ تقلل من شأن الآخر وتهينه، فيشعر المواطن أنه قادر على اللجوء لدولته لتحميه وتدافع عنه، لا أن يجد نفسه بين عدة خيارات أحلاها مر. ولسبب غير معلوم، رأت الدولة ألا تأخذ باقتراح توافق عليه الكثيرون، وعلى رأسهم المجلس القومى لحقوق الإنسان بإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية. وفضلت على ذلك أن يكون لدينا مواطن "مسلم" ومواطن "مسيحى" ومواطن "مسلم سابق"، وأخيراً مواطن "بشرطة". و"الشرطة" ترمز حتى هذه اللحظة للبهائيين، ولا ندرى إن كانت ستتسع مستقبلاً لتضم آخرين من غير الديانات المعتمدة رسمياً، أم سيكون هناك مواطن بشرطتين وثلاث شرطات، وهكذا، حتى تصبح البطاقة الشخصية خير معبر عن التنوع الدينى على الطريقة المصرية. فالمسألة ليست فى حكم المحكمة، كما أنها ليست فى عبارة تكتب على البطاقة الشخصية، وإنما فى اعتراف المجتمع والدولة، بحرية العقيدة كمكون أصيل ضمن مكونات "المواطنة"، وهو أمر غير متحقق لأننا نعانى من غياب ثقافة الاعتراف بالآخر، وسوء إدارة الاختلاف، لكن السمكة لا تفسد من ذيلها.

الخميس، 26 مارس 2009

هل يكفى قرار عاكف"لتبييض" وجه الجماعة ؟

كتبت: ناهد نصر
قرار مهدى عاكف بأن يكتسب لقب "مرشد سابق" يتسم بالحكمة والشجاعة فى آن. إذ إنه يواجه وعلى نحو مفاجئ واحدة من أهم الانتقادات التى توجه للجماعة، بعدم تداول السلطة، كون منصب المرشد العام ظل منذ إنشائها من المحاذير التى لا يتم تخطيها إلا بوفاة المرشد. عاكف، الذى تجاوز الثمانين من عمره، بقراره الأهم، ليس فقط يحرج الكثيرين من قيادات الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم، وإنما يقدم أيضاً وجهاً جديداً للجماعة يتوج محاولات بذلتها فى السنوات الأخيرة، كان أبرزها ترشيح نساء فى الانتخابات البرلمانية، وخوض غمار مؤسسات المجتمع المدنى، فضلاً عن رفع شعارات لم تكن مطروحة على أجندتها من قبل كالديمقراطية وحقوق الإنسان. والتعاطى مع بعض القضايا التى كانت تتجنب خوضها كالأقليات الدينية، والمشاركة السياسية، وحقوق المرأة (دع جانباً طبيعة هذا التعاطى).والقرار بالتأكيد سيكون له تأثير إعلامى قد يمتد طويلاً، ولا شك فى أن الجماعة تستهدفه، خاصة فى ظل التشكيك فى ديمقراطيتها الداخلية إثر انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة، والتى آلت كل مناصبها لأهل الثقة من الحرس القديم، وإثر ضيق بعض شباب الجماعة من مبدأ السمع والطاعة الذى تدار به داخلياً من أعلى، واعتراضات بعض الأخوات من انحسار دورهن فى مجالات بعينها داخل الجماعة. إلا أن التأثير الإعلامى لقرار المرشد لن يكون ذا معنى إذ لم يكن توطئة للتعامل المخلص مع كافة الملفات، التى تقف حائلاً أمام الثقة فى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها ولاية المرأة والأقليات الدينية، والفصل بين الدعوة وبين الدور السياسى الذى تطرحه الجماعة على نفسها، وتوضيح الهدف السياسى لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر وولاءاتها الفعلية فى الداخل والخارج، والكشف عن طبيعة علاقاتها بالقوى السياسية الأخرى كما تراها الجماعة فعلياً وليس كما تروج لها، وهل تنطلق من إيمان حقيقى بأن الجماعة جزء لا يتجزأ من القوى السياسية الهادفة للإصلاح، أم أنها تشارك فى التحالفات والجبهات السياسية على سبيل تسجيل التواجد. قرار المرشد أيضاً يتطلب أن يصاحبه برنامج سياسى جديد يتسم بالوضوح فى كافة القضايا المطروحة على الساحة المصرية، ويبتعد عن الصياغات المفتوحة والمعلقة التى تعكس تناقضاً فى مواقفها وضبابية، وتخفى من الأهداف والتوجهات أكثر مما تكشف، تاركة الفرصة لكافة أنواع التفسيرات التى لا تكون كلها فى صالح الجماعة. إذن فالقرار حكيم ويحسب لصاحبه، ولا بد أن يلقى كل التقدير من كافة القوى السياسية والمدنية. على أنه لا ينبغى أن يكون نهاية المطاف "لتبييض" وجه الجماعة، وكسر حالة عدم الثقة التى تعانيها فى علاقتها بالقوى الأخرى، خاصة وأن انتخابات المرشد الجديد ستدور فى فلك مجلس شورى الجماعة، ومكتب الإرشاد الحالى والسابق، والذى يضم القيادات نفسها المسئولة عن الوضع الحالى لجماعة الإخوان المسلمين، بكل ما له وما عليه. وطرح منصب المرشد العام للتداول ينبغى أن ينطلق من فكر جديد لجماعة الإخوان المسلمين يبدأ من داخلها ويتجه نحو الخارج.

السبت، 21 مارس 2009

خدعة "عيد الأم"

كتبت: ناهد نصر

عيد الأم هو كذبة كبيرة، محلية الصنع للضحك على الأمهات. وليس من الغريب أن يخترعها رجل، وأن تصمد الكذبة أمام كل الدعاوى التى تنادى بجعله عيداً للأسرة، أو على الأقل عيداً للأب والأم معاً. لأن توسيع دائرة الاحتفال يعنى توريط الأب ثم الأسرة فى المسئولية التى يراد لها أن تنزل كاملة حتى ولو معنوياً على عاتق المرأة التى أنجبت طفلاً. وهى عقدة تخلصت منها العديد من دول العالم، والأهم أنها اعترفت بذلك، بينما نحن لا. فالأم لدينا "مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق".مثلاً فى الكثير من دول أوروبا يمنح الآباء إجازات رعاية طفل مثلهم مثل الأمهات تماماً بحكم أنها مسئولية مشتركة باعتراف الدولة. بينما تقلص القوانين لدينا تدريجياً من إجازات الوضع، وإجازات رعاية الطفل. وفى دول العالم المتقدم ينشئون دور لرعاية الأطفال فى مواقع العمل، وفى الأحياء تخفيفاً على الأسرة من مشقة الانشطار بين الأطفال والعمل بحكم أن رعاية الطفل مسئولية مشتركة بين الأسرة والدولة، بينما تتحايل المؤسسات لدينا على القوانين التى تقر مثل هذه البنود، كما لا تتوافر فى دور الرعاية ما يجعل الأسرة مستريحة البال قريرة العين على أطفالها. وفى دول العالم المتقدم أيضاً يعرفون أن الطبيعى للمرأة الأم أن يكون لها عمل دون أن تحتاج لتبرير سبب ذلك، هل لإرضاء طموحها الشخصى، أم لتحقيق ذاتها، أم لمساعدة زوجها، أم ببساطة ليكون لديها مورد مالى مستقل، بحكم أن المرأة كائن حى له حقوق سواء كانت بطفل أو بدون، لكن لدينا لا يزال البعض يفتى بأن عمل المرأة حلال للضرورة القصوى، وبشروط لأن موقعها الطبيعى هو البيت ورعاية الطفل. الإلقاء بمسئولية الأطفال على الأم فى ثقافتنا يريح الجميع من أعبائهم، وبالتالى فلا أقل من أن تحاط هذه الخدعة بالكثير من الكلام المعسول المذاب فى كؤوس من النكد الخالص، حتى يتسرب إلى روح المسكينة شعوراً دائماً بتأنيب الضمير لذنب ارتكبته أم لم ترتكبه، فقط لأنها أم. راجع مثلاً سيمفونية النكد التى تعزف خلف فايزة أحمد فى "ست الحبايب يا حبيبة"، وهى نفسها التى انبثقت منها شقيقتها "سيد الحبايب يا ضنايا إنت" لشادية. ثم كورسات النكد المصفى التى أدتها أمينة رزق على الشاشة لما يقرب من نصف قرن، والتى لا توازيها سوى ملامح السذاجة فى أدوار كريمة مختار. أضف إلى كل ذلك المطولات التى تكتب عن تفانى وتضحيات الأم فى كل وسائل الإعلام، والتى خاض لواءها لسنوات الراحل عبد الوهاب مطاوع بعباراته الروحانية عن الأم. جيش كامل مهمته التاريخية هو "الزن" على آذان الأم، فيما إذا تفانى رجل فى رعاية أبنائه على طريقة الأمهات، يضرب به المثل كونه أدى بعضا من دور الأم والذى ليس من صميم اختصاصه. والكثير من الأمهات فى زمننا هذا تعشن بذنب هذه الصورة الذهنية المتعسفة، لأن الحياة تغيرت والظروف تبدلت ولم تعد الأمهات مثل أيام أمينة رزق، وكريمة مختار. وبدلاً من الاعتراف بأن المسئولية التى يصرون على نسبها للأم هى مسئولية مشتركة بين الأسرة "الأم والأب" والدولة يفضل الجميع مواصلة عزف اللحن ذاته، لأن إشعار الأمهات بالذنب أسهل من التقدم خطوة للأمام من أجل أفراد أسوياء ومسئولين على قدم المساواة.