الاثنين، 31 مارس 2008

بحب عمرو موسى

كتبت: ناهد نصر

أعجبنى موقف عمرو موسى من مراسلة المنار التى رفضت أن تصافحه فرفض هو الكلام معها، قائلاً "لا سلام.. ولا كلام"، فإذا كانت حرة فى أن ترفض مد يدها بالمصافحة، فالآخرون أحرار أيضاً فى أن يرفضوا الحوار. ربما أخذ السيد موسى الأمر على محمل الإهانة كونه مد ذراعه، ثم إنها بقيت معلقة، لكن المغزى فى هذا الموقف أكبر بكثير، وهو يشير إلى مفهوم للحرية ليس السائد فى بلادنا العربية التى توصف عادة بالإسلامية. وعادة أيضاً ما تستخدم هذه الصفة، ليس للتعبير عن التوزيع الطائفى فى المنطقة، وإنما المعنى المباشر لها هو أن على الجميع مهما كانت معتقداتهم أو أراؤهم أن تخضع تصرفاتهم لرؤية الأغلبية ونسقها القيمى، وأن يتقبلوها بصدر رحب متنازلين عن حقهم فى التعبير بطريقتهم الخاصة، وهناك استثنائات بلا شك، غير أنه لايمكن وصفها بالرأى العام.الغريب فى الأمر أن أنصار الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية والأخلاق الإسلامية أصبحوا يلجأون وفى أكثر من مناسبة وعلى طريقة "انقلب السحر على الساحر" إلى تسويق موقف أعرج من الحرية، حرية الرأى والتعبير والاعتقاد. فتجدهم يقولون "إن الإيمان بالحرية.. لايعنى الإساءة إلى الأديان" وفى هذا تعبير ضمنى بأنهم مؤمنون أصلاً بالحرية وهو أمر مخالف للواقع، بينما فى الخلفية سيموفونيات مؤثرة حول الاضطهاد الدينى الذى يواجهه المسلمون فى الغرب، واتهامه بعدم قبول الآخر وعدم احترام حريات الآخرين الدينية. والقضية ليست فى مستوى تفتح الغرب فى هذا المجال من عدمه، وإنما فى مدى اتساق هؤلاء مع ذواتهم حين يعزفون على وتر قبول الآخر، بينما يمارسون هم أسوأ أنواع القمع الفكرى والاضطهاد على هذا الآخر أياً كان نوعه. والواقع يزخر بأمثلة لا حصر لها. فالبهائيون مثلاً تعرضوا بسبب معتقدهم إلى قدر لا بأس به من الإهانة والتحقير إلى الحد الذى صرح معه أحد رموز المؤسسة الدينية بأن ما ينقصنا هو عبادة الكلاب والبقر "والعياذ بالله" وأننا دولة إسلامية لا يصح أن يحدث فيها مثل هذا الكلام. وبالمثل أيضاً نجد أن تغيير الفرد لدينه، أى اختياره ممارسة حريته فى تغيير عقيدته، بات فى بلادنا شأناً قومياً سياسياً أمنياً يخص الجميع إلا صاحب الحق الوحيد، الفرد نفسه. فالكائن البشرى على أرض النفاق العربى الإسلامى لا يحق له إعمال عقله سوى فى اتجاه واحد للتأكيد على ما تراه "الأغلبية" الحق، والصحيح، بينما لا مجال للشك أو الرفض أو حرية الاختيار. حتى فكرة الإجتهاد التى تتضمن الشك واليقين يبقى قبولها محصوراً فى دائرة الدين السائد أو الرؤية السائدة للدين، والطريف أن من يخالف هذا السائد يتهم على الفور بالزندقة والكفر حتى لو لم يكن هكذا فعلاً، ونصر حامد أبو زيد ليس المثل الوحيد على ذلك. وتلك نماذج لقضايا حظيت بتسويق إعلامى، والمأساة الكبرى فى المعاملات اليومية التى قد تواجهك فى الصباح والمساء، فى العمل وفى المنزل، فى الشارع وفى المكان العام.. أبسطها أن يتعرض لك أحدهم بالسؤال لسبب لا يعلمه إلا الله عن "إنت مسلم؟" وناهيك عن أنه سؤال لا محل له من المشاع إذ هو شأن شخصى بحت، فإنه يشعرك مباشرة أنك بشكل ما قد خالفت التصور السائد لمستحقى العيش بين دفتى الأمة الإسلامية، وليس أقل أيضاً من أن تمد يدك بالسلام لأحدهم فيرفضها بينما أبسط ما يتوقعه منك هو الاعتذار عن تجرؤك بمد يدك، وإلا فأنت مدان، ومهان، وغافل. أحد المتحمسين رأى فى موقف عمرو موسى أمراً يستحق عليه "الخزى والعار" وآخر يقول له "كان ينبغى ألا تمد يدك أولاً. لا أدرى إن كنت مسلماً أم لا، وإن كنت كذلك فتلك مصيبة وإن لم تكن فتلك مصيبة أعظم" إن المصيبة الحقيقية هى فى عدم الاعتراف بأن مجتمعنا مجتمع أحادى النظرة ومؤمن حتى النخاح بحرية القوالب، والمصيبة الأعظم هى أن يرضخ الجميع لهذا النسق بينما يقنعون أنفسهم بأنهم فى ذلك يحترمون حرية الآخرين فى قمعهم والسيطرة على مجالات حركتهم عملاً بمبدأ "إن جاتلك الغصبة خدها بجميلة" .. فتحية لعمرو موسى لأنه لم يأخذها بجميلة هذه المرة.